الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح التجاري، من افرازات الحرب

فاضل خليل

2021 / 7 / 27
الادب والفن


أن خطاب الحداثة في المنطقة العربية – كما يذهب البعض – كان قد بدأ غداة الحمله النابليونيه على مصر عام 1798م. هذه الحمله التي يعتقد البعض أنها كانت سببا في تعطيل نوع من الحداثة الجنينيه كانت من الممكن أن تظهر للنور لولا هذا الغزو الذي أجهضها." ومنها المسرح. هذه الحداثة المفترضة لا يمكن تخيلها على النمط الغربي، إذ أنها شكل من أشكال التطور الداخلي لمجمل المؤسسات والتنظيمات والعادات الموجودة آنذاك "(1). في حين يرى آخرون أنها بدأت من ابن خلدون بالذات، لا مع حملة نابليون التي أيقظت مصر والعالم العربي من الركود الذي يسودهما. هذه الاسباب مضاف اليها النظرة الدينية التي حرمت ممارسته في البلدان العربية ومنها العراق، باعتبارها وسطاً يساعد على اختلاط المرأة بالرجل الأمر الذي قد يؤدي إلى مساواتهما في مجتمع تطغى فيه سُلطة الرجل وسطوتهِ الاجتماعية، مضافا إليها رباعية الأسباب المانعة لتطوره والمتمثلة بالممنوعات الاربعة حرمته على العرب وهي:
1/أنها ضرب من ضروب الغيبة.
2/أن التمثيل كذب وتدليس.
3/التمثيل,بدعة مضلله.
4/التمثيل منكر فظيع (2).
ومنطلق المنع في رابعا انما هو منع لاسباب تنكر الرجال بزي النساء. فليس من مكارم الأخلاق ( التخنث) أو التشبه بالمخنثين ذلك عندما لعب الرجال أدوار النساء حين امتنعت المرأة أو منعت من العمل بالمسرح. ففي فلسطين مثلا وبعدما تأسيس ( النادي السالسي ) عام 1925 م- وهو نادي اجتماعي كانت تقدم على مسرحه، روايات مترجمه عن الفرنسية والايطاليه. ولأنه ناد كان يتبع إلى مؤسسة دينيه، حرم على الفتاة الظهور في فعالياته التربوية والثقافية. كما اعتبر البعض ( فن التمثيل ) من البدع المرضية المخالفة للشرع. الأمر الذي استفز الشيخ هادي سعيد الغبرة، وهو رجل ديني سوري معروف آنذاك أن يسافر إلى (الأستانة) ليلتقي بالسلطان عبد الحميد ليستعين به على ما آلت اليها الحال في سوريا بسبب العروض المسرحية التي قادها ابو خليل القباتي قائلا: "أَدركنا يا أمير المؤمنين، فأن الفسق والفجور قد تفشيا في الشام، فتهتكت الأعراض، وماتت الفضيلة، وؤد الشرف، واختلطت النساء بالرجال"(3). وفي ضوء ذلك أصدر السلطان عبد الحميد أمرا يقضي بإغلاق مسرح القباني في دمشق. مما دفع أبي خليل القباني أن يترك العمل في الشام ليذهب إلى مصر. كان ذلك أبان عام 1890م حيث تؤكد الممثلة (مريم سماط), في مذكراتها أنها حين قدمت إلى مصر في نفس العام و كان " في مصر جوقتين (جماعة الأهرام) يديرهُ محمود رفقي ، والثاني (جوق أبو خليل القباني) حيث كان فيهما يقوم شباباً بأدوار النساء لعدم إقبال الفتيات على التمثيل وقلة جرأتهن على الوقوف على المسارح، وكان منهم آنذاك (موسى أبو الهيء) و(توفيق شمس) و(درويش البغجاني ) و(راغب سمسمية) وكلهم من دمشق "(4).) .
هذه الآراء وأخرى غيرها هي التي ساهمت في تأخر التطور في الظاهرة المسرحية العربية، أضافة الى حداثة عهد المسرح عند العرب، باعتبارها فنا وافدا وغريبا عن الحياة والقيم العربية. متناسين أن الفكر العربي والثقافة العربية انما هما جزء من الفكر والثقافة العالمية، بل انهما يتفاعلان معها ووكلاهما بالنتيجة " بحث عن شرعية المستقبل ، بعد أن فقد الماضي شرعيته التاريخية في عالم توحده الرأسمالية الغربية بالقوة، ويهيمن عليه الغرب "(5),غير أن إصرار الجيل الرائد من المسرحين ومحاولاتهم التي استمرت لسنوات طويلة لكن سرعان ما كشفت عن شخصيتها ووضوحها الفكري. والخصوصية التي ميزتها. لكن استمرار الهيمنة ألأجنبية، والسعي خلف مظاهر الحداثة استطاعت أن تبقى شيئا في الريادة الخاصة، رغم الهيمنة والتقليد للمسرح المنقول عن الغرب اللذان ظلا عائقا في طريق تطور الظاهرة المسرحية, لذلك ظلت لفترات طويلة تقدم الموضوعات الاجنبية حتى في لغة حوارها وشكلها على التفكير العربي. لكن إصرار بعض العرب ومنهم سعد زغلول، وزير المعارف بعد انتفاضة 1919م في مصر، الذي طلب من جورج ابيض تقديم مسرحياتهِ باللغة العربية بدلاً من اللغة الفرنسية ومحاولة ايجاد موضوعات محلية بديلة عن الموضوعات المنقولة عن الغرب. و أستمرت المحاولات الى ما بعد الحرب العالمية الأولى والتي هي نهاية السيطرة العثمانية. وظل المسرح قريبا من السياسة لذلك كان خطابه مباشرا في الفن قليل التأثير في التغير والتحريض. ولم يكن المستعمر واحدا في كل البلدان العربية، بل كان لكل بلد عربي استعماره الخاص، المتنوع في اهتمامه بالثقافة والفنون، فكان نصيب العراق الاستعمار الإنكليزي، أما في مصر والمغرب العربي فكان الاستعمار الفرنسي … وهكذا. فالمسرح الذي نشأ قريبا من السياسة كان خطابه مباشرا في مناهضة المستعمر، والفن الذي انتعش في ظل اهتمام المستعمر كان خطابه مختلفا قريب من الفنة الذي يشوبه الترف والبطر البرجوازي. ففي مصر مثلا " كان جواً من السلبية الإجتماعيه يسود المسرح، منذ انتهاء مرحلة سيد درويش حتى قيام ثورة عام1952م، الأمر الذي عزله عزلاً تاماً عن قضايا الجماهير، الربح المادي وحدهُ هو السياسة والهدف الذان خططا للمسرح مشاريعهُ الفنية والإنتاجيهُ "(6). مع بقاء التأثيرات ألأجنبيه والنزعة البرجوازية الواضحة على العروض المسرحية التي ساهمت في عزوف الناس عن ارتياده لغرابة مواضوعاته وارتفاع أسعار تذاكره. فحين ازدهر الريحاني وانتعش انتعاشا مادياً ألغى من حسابهِ جمهور الطبقة الدنيا، تحضر أولا تحضر، فليس في صالة مسرحه غير مواقع الدرجه الأولى والثانيه فقط، بدعوى أن جمهوره من نوع (خاص) هو نوع العائلات. ولم يكن يوسف وهبي بأحسن حال من توجهات مسرح الريحاني إلا بحالة واحده، هي أنه استطاع اجتذاب الجماهير بصورة مدهشة والسر يكمن في التكوين النفسي للجماهير آنذاك، واختياراته لمواضيع عروضهِ التي كان يغلب عليها طابع الحزن المستمد من حياة الفقراء، كإحدى الوسائل إلى رفع الكلفة بينهم وبين الأغنياء طبقيا. أما الريحاني وجمهوره الأرستقراطي فلم تكن تهمهُم الموضوعات بقدر اهتمامهم بالضحك والضحك فقط. هذا النوع من المسرح اصبحنا نطلق عليه اليوم ( المسرح التجاري )، وهو افراز آخر من اسباب الاضطرابات ومنها الحروب وعدم الاستقرار. وعندما ساد العراق في الثمانينات من القرن الماضي وما تلاها من الحروب المتتابعة والتي استمرت حتى الدخول إلى الألفية الثالثة، حين ساد الاعتقاد بأن المسرحيات السهلة يحتاجها الناس لنسيان همومهم، ويحتاجها الفنان لإنعاش وضعه المادي الذي ساء بسبب اللا استقرار. أثرا بشكل سلبي على حركة الفن عموما والمسرح على وجه الخصوص هي السبب في تردي الظاهرة المسرحية ايام تأسيسها، ومنها تفشي ظاهرة (المسرح التجاري).

الهوامش :
1. مجدي عبد الحافظ (ملاحظات تمهيدية من أجل فكر حداثي عربي) ، من كتاب (قضايا فكريه) , الكتاب الخامس والسادس عشر يونيو- يوليو1995 , ص191
2. عواد علي , (التمثيل في مواجهة التكفير) جريدة الزمان العدد, 1892 و1898 ص ,11، {ألف ياء} في 19/8/2004 و 26/8/2004
3. د.اسكندر لوقا: { الحركة ألا دبيه في دمشق , 1800 –1918}مطبعة ألف باء ، الأديب – دمشق ، 1977 ص:177 وما بعدها
4. فهمي جدعان : ( أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث ) المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1979 ، ص 9
5. د.عبد العزيز حموده (المرايا المحدبة – من البنيوية إلى التفكيك) ، منشورات دار المعرفة ، العدد: 232 ، الكويت1998 ، ص27
6. خيري شلبي : ( دراسات في المسرح المصري المعاصر - مجلة ( المسرح ) - العدد: 29 ، أيار – 1966 ، ص 66.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا