الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحداث القٌرُوسطية الدراماتيكية الكبرى وبداية النهاية لعصر الظلمات الاستعماري

جورج حداد

2021 / 7 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



جسدت الحروب الصليبية في حينها "الطفرة الجديدة" الاكبر للغزو الاستعماري للشرق (بمعناه الواسع: العربي ــ الاسلامي، الاسيوي ــ الافريقي، الاغريقي ــ الروسي ــ الاورثوذوكسي). وقد شُنت تلك الحروب بمبادرة من الفاتيكان الكاثوليكي، وبمشاركة ملوك واقطاعيي اوروبا، وتجند فيها الوف النبلاء والفرسان الى جانب مئات الالوف من اللصوص والقتلة وحثالات المدن الاوروبية شبه الجياع الذين توجهوا الى الشرق "الكافر"، ببركة الفاتيكان، لا من اجل العقيدة الدينية التي لا يفهمونها، بل من اجل القتل والسلب والنهب "باسم الرب! والبابا!"؛ واستمرت تلك الحروب من أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر (1096 - 1291).
وقد تشكلت الحروب الصليبية من قسمين:
القسم الاول ــ هو "القسم الشرقي"، الذي توجه من اوروبا الوسطى والغربية باتجاه شرقي اوروبا (مكتسحا بيزنطية واوروبا الشرقية الاوروثوذوكسيتين)، نحو سواحل شرقي المتوسط، وصولا الى فلسطين والقدس؛ كما ومن اوروبا الغربية والوسطى نحو مصر.
وقد نجح الغزاة الصليبيون في اقتحام القدس في حزيران 1099، وارتكبوا على الفور (باسم الرب طبعا، وكالعادة!) احدى ابشع المجازر التاريخية ضد السكان الاصليين، اذ تقول المصادر التاريخية انهم قتلوا اكثر من 100 الف نسمة من العرب، اليهود والمسيحيين الشرقيين وخصوصا من المسلمين، الذين تم تجميع اكثر من 70 الفا منهم وذبحهم في المسجد الاقصى "لتطهيره" بدم "الكفار!"، وأفرغ الغزاة المدينة المقدسة من سكانها الاصليين، كمقدمة لاستيطانها من قبل الاوروبيين.
وفي هذا السياق لا بد من التوقف مليا عند واقعة تاريخية شديدة الاهمية، وهي ان الحملة الصليبية الرابعة في 1204 توجهت ضد بيزنطية (القسطنطينية) الاورثوذوكسية، وتم تخريبها ونهبها والتنكيل بأهاليها، واقامة "مملكة لاتينية كاثوليكية" فيها دامت 60 سنة. وحينها فر البيزنطيون الاورثوذوكس نحو حلب وشمال سوريا، مما ساعدهم على البقاء والعودة لاسترجاع القسطنطينية بعد 60 سنة. وقد ساعد لجوء البيزنطيين الى شمال سوريا في كسر جدار العداء القديم بين البيزنطيين والمسلمين العرب.
وواجه الغزاة الصليبيون في الشرق مقاومة شديدة متواصلة من قبل السكان الاصليين، ومن الامراء المحليين. وفي تموز 1187 حقق صلاح الدين الايوبي الانتصار الكبير على الصليبيين في معركة حطين. وفي تشرين الاول من السنة ذاتها دخلت قواته الى القدس بعد ان استسلمت حاميتها الصليبية الصغيرة. وعلى الضد تماما مما فعله الصليبيون حينما اقتحموا القدس قبل 88 عاما، سمح صلاح الدين للصليبيين بالخروج من المدينة بسلام، مقابل دفع فدية بضعة دنانير عن كل شخص.
وفي رأي الكثير من المؤرخين ان صلاح الدين الايوبي، وقبل وفاته في اذار 1193، ارتكب خطأ كبيرا حينما وقّع في حزيران 1192، مع قائد الحملة الصليبية الثالثة ريتشارد قلب الاسد، ما يسمى "اتفاقية الرملة"، التي بموجبها سمح للصليبيين بالاحتفاظ بالساحل الفلسطيني من صور الى يافا.
وكان صلاح الدين قبل موته قد تنكّر للفاطميين وابادهم في مصر، ودعا للخليفة العباسي، وسيطر على مصر والشام والعراق، ووزع الامارات في ما بين افراد العائلة الايوبية. وقد تنازع الامراء الايوبيون فيما بينهم لاجل السلطة، ولم يتورع بعضهم عن التعاون مع الصليبيين لاجل الاحتفاط بسلطته وتوسيعها. وفي شباط 1229 قام ملك مصر الايوبي المسمى "الكامل بن العادل الايوبي" بتوقيع ما يسمى "اتفاقية يافا"، مع الامبراطور الالماني فريدريك الثاني قائد الحملة الصليبية السادسة، والتي بموجبها اعاد تسليم القدس الى الصليبيين. وظلت في حوزتهم حتى حررها المماليك من جديد في 1240م. ومن ثم حرر المماليك المدن الساحلية المحتلة من قبل الصليبيين، وفي نهاية المطاف تم تحرير عكا في ايار 1291، وبه انتهت الحملات الصليبية الشرقية.
والقسم الثاني ــ وهو ما يمكن تسميته "القسم الشمالي للحروب الصليبية". وقد اتجه هذا القسم من شمال المانيا وليتوانيا والبلطيق، ومن السويد وسكندينافيا، لاكتساح روسيا الاورثوذوكسية، ببركة الفاتيكان، والعبور من خلالها نحو ايران والعراق، للوصول الى الاراضي المقدسة من الشرق.
ولكن الروس الفقراء وشبه الجياع تصدوا ببسالة للجحافل الكاثوليكية الصليبية، كما تصدوا في السابق لجحافل الامبراطورية الرومانية القديمة. وفي تموز 1240 سحق الروس في "معركة نهر نيفا" الجيش السويدي المؤلف من 100 الف فارس مدرع، وفي نيسان 1242 سحقوا جيش الفرسان التيوتونيين الالمان في معركة بحيرة بايبوس المتجمدة، ليس بعيدا عن بتروغراد. وبذلك تحطمت قرون التيوس الصليبيين الشماليين على الصخرة الروسية، ولم يستطع ولا صليبي شمالي واحد ان يعبر الاراضي الروسية ليصل الى الشرق العربي الاسلامي.
وفي المرحلة التاريخية ذاتها استغل الغزاة المغول ــ التتار الظروف الدولية القائمة، وتضعضع الدولة العربية الاسلامية، فبدأت الامبراطورية المغولية، في عام 1205، بغزو الاراضي الصينية، وفي عام 1279 كانت الاراضي الصينية كلها قد وقعت تحت سيطرة المغول.
وفي عام 1237 بدأ الغزو المغولي لروسيا، وخرب المغول معظم المدن الروسية.
وقد اطلقت على هذه الحقبة التاريخية في روسيا تسمية النير المغولي ــ التتاري. وظل النير المغولي في إمارات شمال شرق روسيا حتى عام 1480. ويرى المؤرخون ان مقاومة الشعب الروسي استنزفت قوة الغزاة المغول وحالت دون تقدم جحافلهم إلى عمق أوروبا، و بذلك انقذت روسيا الشعوب الأوروبية من النير المغولي، كما انقذتهم من النير النازي في الحرب العالمية الثانية.
وفي الاعوام 1219-1256 شن المغول ثلاث حملات ضد ايران، واعقبوها بالاستيلاء على العراق. وفي شباط 1258 اقتحم المغول بغداد، بقيادة الجزار هولاكو، وقتلوا آخر خليفة عباسي وهو المستعصم بالله، وأضرموا النار في بيت الحكمة، وهي إحدى أعظم مكتبات العالم القديم آنذاك، وألقوا بالكُتب في نهريّ دجلة والفُرات، كما فتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، واستباحوا المدينة استباحة كاملة، وقتلوا اكثر من مليوني انسان.
وتقول المرويات التاريخية إنّ الصليبيين في الشَّام كانوا على اتصالٍ مع المغول ويُشجعونهم على غزو البلاد العربية الإسلامية، وإنَّ البابا نفسه بعث رُسلًا إلى هُولاكو يحُثّه على ذلك. ويقول احد المؤرخين الاوروبيين ألان ديمورجيه إن هناك قوات من إمارة انطاكيا الصليبية شاركت في اقتحام بغداد. كما يقال ان الصليبيين في طرابلس ايضا ارسلوا قوات شاركت في الاقتحام.
ومن جهة ثانية فإن النَّاصر يُوسُف الايوبي حاكم حلب راسل المغول سرًا، لِيتحالفوا معه ضد المماليك في مصر.
ولكن سلطان مصر المملوكي قطز جهز جيشا بقيادة الظاهر بيبرس الذي انطلق لملاقاة المغول في فلسطين، وانتصر عليهم في معركة عين جالوت، في ايلول 1260، التي تعتبر من ابرز المعارك الفاصلة في تاريخ المنطقة.
ولكن استمرار تفكك العالم العربي الاسلامي شجع السفاح المغولي ــ التركي تيمورلنك على اجتياح سوريا واقتحام دمشق في مطلع 1401، حيث ارتكب فيها ما لا يوصف من الفظائع.
ومع ذلك يعتبر تيمورلنك الى اليوم بطلا قوميا وقائدا اسلاميا عظيما في اوزبكستان. مثلما يعتبر جنكيز خان وهولاكو بطلين في منغوليا.
وفي المحصلة اسفرت تلك المرحلة الدراماتيكية عن رسم اللوحة الجيوسياسية العالمية ذات الخطوط العريضة التالية:
ـ1ـ تفكك الولايات والامارات العربية وتهافت قوتها العسكرية والسياسية، بما في ذلك تفكك الامارات العربية الاندلسية.
ـ2ـ تهافت القوة السياسية والعسكرية لبيزنطية.
ـ3ـ انكسار جدار العداء القديم بين بيزنطية والعرب.
ـ4ـ بروز القسطنطينية الاغريقية ــ الاورثوذوكسية، والاندلس العربية ــ الاسلامية، كمنارتين حضاريتين للعالم اجمع.
ـ5ـ ظهور السلطنة العثمانية كقوة عسكرية ــ سياسية استعمارية صاعدة، على صلة عضوية بالمتمولين اليهود والفاتيكان والصليبية الاوروبية الغربية.
ـ6ـ انهيار قوة الغزاة المغول بسبب مقاومة العرب والروس لهم، والامتناع اللاحق لاوروبا الغربية عن دعمهم.
ـ7ـ ظهور ارهاصات القوة الصاعدة لايران.
ـ8ـ فشل القيادات الاقطاعية ــ العشائرية ــ العسكرية، الكردية، الايوبية وغيرها، في الاحتفاظ بالهيمنة على المناطق العربية، وقد انتهى المطاف بالقيادات الكردية ان تتحول الى اداة بيد السلطنة العثمانية ضد اليونانيين والارمن والاشوريين والسريان وسائر العرب.
ـ9ـ ظهور روسيا والصين والشرق الاقصى وايران والعالم العربي وافريقيا، كمحط اطماع للغزو والاستعمار؛ وبداية الرحلات الاستكشافية حول العالم ذات الاهداف الاستعمارية.
ـ10ـ بالرغم من فشل الحروب الصليببية، ترسخ ظهور اوروبا الغربية كقوة استعمارية عالمية صاعدة، هي وريث تاريخي للامبراطورية الرومانية القديمة.
ـ11ـ بروز الدولة الروسية الموحدة الجديدة كقوة مسيحية شرقية (اورثوذوكسية) صاعدة، وطموحها الى الحلول في القسطنطينية بالتفاهم مع الدولة البيزنطية، وبالتالي الاطلال على حوض البحر الابيض المتوسط، واعادة تعزيز الدور العالمي للشعوب المسيحية الشرقية، واقامة علاقات تعاون وتفاعل حضاري متكامل مع العالم العربي ــ الاسلامي؛ وهذا ما كان يقض مضاجع الدول الاستعمارية الغربية حتى الجنون.
ـ12ـ نشوء حلف شيطاني سري ثلاثي: استعماري صليبي غربي ــ رأسمالي يهودي ــ اسلاموي عثماني، لغزو وقهر واستعباد جميع شعوب العالم.
XXX
وعلى خلفية هذه اللوحة جرت الاحداث التاريخية الكبرى التالية، التي حددت المسار الاستعماري الظالم للتاريخ العالمي حتى اليوم:
ـ1ـ في 1453، وبتحريض وتأييد ودعم، سري وعلني، من قبل الفاتيكان واوروبا الغربية واليهودية العالمية، قام الغازي العثماني السلطان محمد الفاتح، باقتحام القسطنطينية، وارتكاب مجزرة كبرى ضد المسيحيين الشرقيين فيها (اليونانيين والبلغار والارمن وغيرهم)، واعلان ضم المدينة الى "ممتلكات" السلطنة العثمانية، وتحويلها الى عاصمة لها. وبذلك حققت اوروبا الغربية هدفين كبيرين:
الاول ــ منع روسيا من الوصول الى البحر الابيض المتوسط، واقامة "حاجز اسلامي" بين روسيا وبين العالم العربي ــ الاسلامي.
والثاني ــ التمهيد للعودة لاجتياح العالم العربي ــ الاسلامي، تحت رايات "اسلامية حليفة" بشخص السلطنة العثمانية.
ـ2ـ بسقوط المنارة الحضارية الاوروبية ــ المسيحية الشرقية (الاورثوذوكسية) "القسطنطينية"، تحت اقدام الهمجية العثمانية، فُتحت الطريق امام اسقاط "شقيقتها": المنارة الحضارية العربية ــ الاسلامية "الاندلسية". ومع ان اوروبا الغربية ايدت وساهمت في اسقاط القسطنطينية، الا انها في الوقت ذاته استغلت هذا الحدث المروع، كي تشن حملة اعلامية وسياسية صليبية جديدة ضد العرب والمسلمين، وتحمّل "المسلمين العرب" تحديدا المسؤولية عن سقوط القسطنطينية. وبدلا من التوجه لـ"استعادة" القسطنطينية من العثمانيين، فإن الفاتيكان واوروبا الغربية فعّلوا النشاط العسكري، وشرعوا في مهاجمة وقضم الامارات الاندلسية العربية المتفككة، واحدة تلو الاخرى، تحت تسمية (reconquesta) "الاستعادة". وكان سقوط غرناطة، اخر امارة عربية في الاندلس، في 1492.
ـ3ـ وفي هذه السنة الكارثية نفسها، 1492، فإن المستكشف الاستعماري المأجور كريستوف كولومبوس كان يقوم، بمباركة من الفاتيكان، وبتمويل كاثوليكي ــ يهودي، برحلة دوران حول الكرة الارضية لاستكشاف الطريق الى الشرق "من الخلف"، تمهيدا لحملات صليببية جديدة على الاراضي العربية المقدسة، دون المرور باسطنبول والاصطدام بالعثمانيين حلفاء اوروبا الغربية ومدّعي الاسلام.
وفي طريقه الى الشرق "اكتشف" كولومبوس ما سمي لاحقا "اميركا". وبدأت على الفور عملية تنفيذ اكبر جريمة ضد الانسانية في التاريخ البشري، وهي جريمة ابادة 112 مليون "هندي احمر" والاستيلاء على اراضيهم، وزرع كيان استعماري ــ استيطاني مغتصب فوق جماجمهم، وهو ما يسمى الان "الولايات المتحدة الاميركية". ان مؤسسي هذه الدولة، الذين يسمون "الرواد" و"الآباء المؤسسين" لاميركا، ليسوا سوى وحوش بشرية وزومبيات تسيل من اشداقهم دماء الضحايا من سكان الارض الاصليين. وكل تاريخ اميركا ليس سوى تاريخ هذه الحقبة الاستعمارية ولا علاقة له البتة بتاريخ سكان "اميركا" الاصليين. وقد تجمعت في اميركا كل عناصر ومقومات ونزعات التعصب والاجرام والاغتصاب، الاوروبية الغربية، الصليبية والنازية، الرأسمالية واليهودية والامبريالية والاستعمارية. وفي غضون بضع مئات السنين الماضية، تحولت الـUSA الى وحش اسطوري يفتح شدقيه لابتلاع العالم، بما فيه اوروبا الغربية التي أوجدته.
ـ4ـ بعد ان استتب لهم الامر في القسطنطينية وغيرها من الاراضي اليونانية والاوروبية الشرقية المغتصبة، استدار الغزاة العثمانيون الى الوراء ــ وكما خُطط لهم في المطابخ الاوروبية الغربية ــ لاكتساح البلاد العربية ــ الاسلامية.
وفي اب 1514 وقعت معركة جالديران المفصلية بين الجيش العثماني بقيادة المتوحش (قاتل ابيه واخوته) السلطان سليم الاول، وبين الجيش الايراني بقيادة الشاهنشاه الصفوي اسماعيل الاول. وقد انتصر العثمانيون في تلك المعركة الفاصلة. ويقول المؤرخون الاكراد وغيرهم ان الاقطاعيين الاكراد حاربوا الى جانب العثمانيين، تحت تأثير الامير الكردي البارز شرف خان البدليسي، وانه لولا الاكراد لما انتصر العثمانيون. ومنذ تلك المعركة الفاصلة في التاريخ العربي ــ الاسلامي، تحول الاقطاع العشائري ــ العسكري الكردي الى اداة بيد السلطنة العثمانية. وقد اسفرت معركة جالديران عن نتيجتين مهمتين:
الاولى ــ عزل ايران عن المنطقة العربية، وإلقائها في براثن نظام شاهنشاهي منغلق، مستبد ومتخلف، قمع لمئات السنين الشعب الايراني وعطل دوره الحضاري.
والثاني ــ فتح الطريق امام الغزاة العثمانيين لاكتساح البلاد العربية.
ـ5ـ وفي اب 1516 توجه الغزاة العثمانيون باتجاه سوريا، واشتبك الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم، مع جيش المماليك بقيادة السلطان المملوكي قانصوه الغوري، في معركة مرج دابق قرب مدينة حلب. وانتصر العثمانيون بفضل تفوقهم العددي، وامتلاكهم للمدفعية، والخيانات في صفوف المماليك. وبانتصار مرج دابق دخل السلطان سليم كافة المدن السورية ودمشق، ودان له جبل لبنان وفلسطين.
ـ6ـ بعد ذلك توجه السلطان سليم لاحتلال مصر، وفي جيب قفطانه فتوى تقول بجواز "فتح" مصر الاسلامية، لانها بلد نجس بسبب كونها تشرب من مياه النيل، الذي يبول فيه اليهود والنصارى(!!!).
وفي كانون الثاني 1517 تجابه الجيشان العثماني، والمملوكي بقيادة السلطان الجديد طومان باي، في منطقة الريدانية قرب القاهرة. وانتصر العثمانيون بفضل تفوقهم العددي، والخيانات في صفوف المماليك، وتملك الأسلحة الحديثة والمدافع والخطط الحربية المستمدة من الغرب. وبعد هذه الهزيمة نظم طومان باي نوعا من المقاومة الشعبية في القاهرة، مما اربك جدا العثمانيين، فبدأوا بتطبيق ارهاب فظيع ضد المدنيين، مما اجبر طومان باي على تسليم نفسه لوقف الارهاب، فتم شنقه في احدى ساحات القاهرة، وابقوا جثته معلقة عدة ايام.
وعلى الاثر ادعى السلطان سليم انه قرشي تجوز له الخلافة، واعلن نفسه خليفة للمسلمين، وحول الخلافة من العرب الى بني عثمان.
وفرض العثمانيون نيرهم الاسود على البلاد العربية لمئات السنين، واوصلوها الى الدرك الاسفل. وقد حكموا بالسوط والسيف والخازوق. وكان الخازوق اهم "منجز حضاري خاص" قدمته عبقرية الخلافة العثمانية للعالم.
ـ7ـ وفي 1517 ظهرت البروتستانتية. ففي القرن الرابع الميلادي كان النظام الامبراطوري العبودي الروماني قد اضطر للتخلي عن اضطهاد المسيحية، ثم تبناها بصيغتها الكاثوليكية واعتبرها دين الدولة. وبالمقابل منحت المؤسسة الاكليروسية صكوك الغفران لروما، وباركت التحول من النظام الامبراطوري ــ العبودي ــ الرقّي، الى النظام الاقطاعي: الملوكي ــ النبلائي ــ الاقناني.
ولكن في 1517 بدأت بالانبثاق، من داخل الكاثوليكية، الحركة البروتستانتية (الاحتجاجية) التي شجبت استنسابية نظام صكوك الغفران، من جهة، وانتقدت اليهودية كـ"جماعة منغلقة" ذات "وظيفة ربوية خاصة"، من جهة ثانية، وأشرعت الابواب امام الفكر الليبيرالي الدمقراطي البرجوازي، والبراغماتية والنفعانية، وتحويل النشاط الرأسمالي ــ الفوائدي ــ الربوي، بشخص النظام البنكي ــ البورصوي ــ الريعي ــ الاستثماري، الى وظيفة اجتماعية عامة وعالمية، وإن بسيطرة يهودية. وبذلك أسست البروتستانتية لكسر العزلة اليهودية، والانفتاح المتبادل اليهودي ــ البروتستانتي ــ الكاثوليكي، ولايجاد الاساس الايديولوجي الديني (المسيحي ــ اليهودي المختلط) للنظام الرأسمالي ــ الامبريالي العالمي.
والتاريخ العالمي، منذ مطلع القرن الـ16 حتى اليوم، ما هو سوى تاريخ الهيمنة الامبريالية على العالم. وتتأكد يوما بعد يوم مقولة ابي علم الاجتماع كارل ماركس، منذ اكثر من 170 سنة، ان النظام الرأسمالي (= الامبريالي)، في سعيه المجنون الى الربح، يدمر ليس فقط المجتمع الانساني، بل ويدمر ايضا الطبيعة التي يوجد فيها هذا المجتمع. ويبدو ذلك بوضوح تام في الحروب الاستعمارية والمذابح الطائفية والعنصرية والانظمة الدكتاتورية والرجعية والفساد والارهاب والسجون والتعذيب وامتهان الكرامة الانسانية والافقار والتجويع؛ كما ويبدو في تدمير البيئة والاحتباس الحراري والتلوث والتصحّر وتفاقم الحرائق والاعاصير والفيضانات وانتشار الاوبئة.
XXX
ولكن المنطق الجدلي للتاريخ، ومنظومة القيم الاخلاقية الدينية والفلسفية، وغريزة حب البقاء الطبيعية لدى الانسان، كلها مجتمعة، لن تسمح للمجتمع الانساني ان يُفني نفسه، ويدمر الكوكب الارضي الذي وُجد ويعيش به وفيه، لاجل زيادة تكديس الذهب والدولارات لدى زمرة من المليارديرية المعتوهين، من الامبرياليين الاميركيين واليهود واذنابهم في كل مكان.
وليس من الصدفة ابدا ان الشعوب الروسية والصينية والايرانية والعربية، التي كانت تاريخيا اولى ضحايا الغزوات الصليبية والمغولية ــ التتارية والعثمانية، هي التي تشكل الان نواة "المحور الشرقي الجديد"، وهي تمتلك من القدرات، وحكمة الدهور، وقوة الارادة، ما يمكنها من التصدي للامبريالية الاميركية واليهودية العالمية، واعادة وجهة التاريخ الى جادة الصواب، بالقضاء على نظام الهيمنة الامبريالية الاميركية ــ اليهودية على العالم، وبناء نظام عالمي جديد يقوم على تآخي الشعوب والقوميات والاتنيات، وتفاعل الحضارات، انطلاقا من الشعار الذي اطلقه في حينه الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ والقائل: لتتفتح مئة زهرة وزهرة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال