الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النضال الثوري – دروس من الثورة الفلسطينية

آن أليكساندر

2021 / 7 / 28
القضية الفلسطينية


بقلم آن أليكساندر ترجمة تيار اليسار الثوري – سوريا

في هذه المقالة، تبحث الرفيقة آن أليكساندر ما يعنيه الحراك الثوري الأخير في فلسطين التاريخية بالنسبة للإمبريالية والمقاومة في فلسطين والشرق الأوسط.

لقد أظهرت الأشهر القليلة الماضية وحشية وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. لكنها شهدت أيضًا تصاعدًا دراماتيكيًا للنضال الشعبي عبر فلسطين التاريخية، مما رفع الآمال في إعادة تشكيل الوحدة من أسفل. في 18 مايو، انضمت غزة والضفة الغربية إلى حيفا ويافا واللد في إضراب عام على نطاق لم يشهد مثله منذ عقود. هذا التطور المرحب به في تكتيكات المقاومة الفلسطينية يثير تساؤلات وآمالًا. ما هي احتمالات إحياء هذه الحركة الشعبية لتحقيق مكاسب ضد نظام الفصل العنصري الذي يضطهد الفلسطينيين ويفتت نضالاتهم؟ وما العلاقة بين المقاومة في فلسطين وآفاق الانتفاضات الشعبية في أماكن أخرى؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الطبقة العاملة في فلسطين وفي المنطقة الأوسع في هذه العملية؟

الصهيونية والإمبريالية
من الأمور الحاسمة للإجابة على هذه الأسئلة هو فهم أشكال التنمية غير المتكافئة والمشتركة التي تدعم النظام السياسي والاجتماعي في جميع أنحاء فلسطين التاريخية. هذا النظام العنصري والعسكري تستخدمه الطبقة السائدة في إسرائيل للحفاظ على نفسها في السلطة، على الرغم من المقاومة الفلسطينية الشجاعة، وربط الطبقات الأخرى في المجتمع الإسرائيلي بأهدافها.

لا يمكن فصل النجاح النسبي لهذا المشروع خلال القرن الماضي عن الدور الذي لعبه قادة الدولة الصهيونية لأنفسهم. لقد جعلوا إسرائيل بؤرة أمامية للإمبريالية الأمريكية في المنطقة. أهم دوافع التجريد المستمر لحقوق الفلسطينيين موجودة في واشنطن وليس في تل أبيب.

العنصر الأول في التركيبة المحددة للأشكال الاجتماعية والسياسية التي يقوم عليها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي اليوم هو استمرار الاستعمار الاستيطاني. تاريخيًا واليوم هو العنصر الأساسي في أيديولوجية وممارسات الدولة. وكما يطرح روب فيرغسون في مقاله المطوَّل الأخير، فقد تم تشكيل المجتمع اليهودي الإسرائيلي من خلال موجات من المستوطنين الجدد الذين وصلوا إلى فلسطين. هؤلاء المستوطنون مرتبطون بالمشروع الصهيوني لطرد الفلسطينيين من خلال الروابط الأيديولوجية والمادية. إن المعاملة غير المتكافئة للمهاجرين اليهود الجدد إلى إسرائيل من قبل النخبة الصهيونية المؤسسة لم تخفف من تأثير العنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين. بل رأينا اشتداد العنصرية والقومية بين اليهود الإسرائيليين. وفي كثير من الحالات، قاد هذا الأمر أطرافًا تمثل الموجات الجديدة من المستوطنين لإظهار التزامهم بمواصلة التطهير العرقي للفلسطينيين من وطنهم.

اقتصاديات الاستعمار الاستيطاني
من الأمور المركزية لهذا الشكل من الاستعمار الاستيطاني الرغبة في استبعاد الفلسطينيين بدلًا من استغلالهم. لا يزال لمفهوم “العمل العبري” كمبدأ أساسي للإستراتيجية الاقتصادية الصهيونية صدى أيديولوجي قوي، ولا يزال إرثه مهمًا اليوم. ومع ذلك، فهو موجود في تركيبة متناقضة أحيانًا مع عنصر ثانٍ في الاقتصاد السياسي للاحتلال الإسرائيلي. وهذا اعتماد على نظام قمعي وعنصري بشكل خاص لضبط العمالة “المهاجرة”. بحيث لا يمتد نظام مراقبة العمل هذا إلى المهاجرين اليهود الذين، على الرغم من تعرضهم أحيانًا للتهميش والقمع، يتمتعون بامتيازات المواطنة.

يعتمد ذلك على استغلال غير المواطنين الذين يُحرمون بشكل منهجي من الحقوق الاجتماعية والسياسية. وهذا له الكثير من القواسم المشتركة مع نظام العمالة المهاجرة في دول الخليج، حتى وصولًا إلى تفاصيل النظام “الملزم” الذي يشبه نظام “الكفالة” في الخليج. في هذا النظام، يتم تخصيص تصاريح العمل للأجانب لأصحاب العمل وليس للعمال الأفراد. “المهاجرون” الذين تعرضوا لهذا النظام ليسوا فلسطينيين فقط، بل هم فقط “مهاجرون” لأنهم أو عائلاتهم أجبروا على مغادرة منازلهم من خلال التطهير العرقي. كما يشمل العمال غير الفلسطينيين من دول مثل تايلاند وبنغلادش الذين كانت هجرتهم للعمل في إسرائيل مدفوعة بالتغيرات السياسية والاقتصادية في التسعينيات.

هناك بعض المجتمعات الاستعمارية الاستيطانية التي طورت أنظمة عمل “داخلية” مماثلة. كانت “قوانين المرور” في جنوب إفريقيا قابلة للمقارنة إلى حد ما، على الرغم من أن كعب أخيل للطبقة الحاكمة في جنوب إفريقيا كان يتمثل في أن استغلال العمال السود كان مركزًا لاقتصاد جنوب إفريقيا. على النقيض من ذلك، تمكنت الطبقة السائدة في إسرائيل من تقييد العمالة الفلسطينية في قطاعات مهمة، ولكنها ليست مركزية، للاقتصاد من حيث تراكم رأس المال.

علاوة على ذلك، تم إعطاء الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى لنشر مجموعة كاملة من أساليب القمع ضد التمردات التي لعبت فيها الطبقة العاملة الفلسطينية دورًا رئيسيًا. تعتبر الانتفاضة الأولى بعد عام 1987 مثالًا هامًا على ذلك. تبع هذا القمع انكماش هائل في استقدام العمال الفلسطينيين من الأراضي المحتلة، واستبدالهم الجزئي بعمال غير يهود من أماكن أخرى خلال التسعينيات.

ولكن بشكل ملحوظ، لا تزال هناك ضغوط طويلة الأمد على بعض أرباب العمل الإسرائيليين لتوظيف الفلسطينيين، مما يقطع الطريق أمام سياسة إقصاء العمال الفلسطينيين. وقد تأكد هذا من خلال الضرر الاقتصادي الواضح الذي لحق بشركات البناء الإسرائيلية بسبب الإضراب العام في 18 مايو، الذي أجبرهم على قبول الزيادات الأخيرة في نسبة الفلسطينيين المسموح لهم بالعمل لدى شركات البناء الإسرائيلية.

العديد من الشركات في هذا القطاع تعتمد بشكل كبير على العمالة الفلسطينية. علاوة على ذلك، وجد العمال المهاجرون من دول أخرى أنفسهم أيضًا عرضة لحملات ترحيل مكثفة بشكل متزايد ولعنصرية الدولة على مدى العقد الماضي.

لذلك فإن المشروع الصهيوني يتضمن الحفاظ على دولة استعمارية استيطانية كاملة، بكامل أجهزتها من القوانين والممارسات التي تفرض التسلسل الهرمي العنصري في جميع أنحاء أراضيها. يقترن هذا النوع من العمل بالسخرة وتقييد الحرية الذي يعود إلى الفترة المبكرة من التطور الرأسمالي، ويمكن اعتباره محاولات “لخداع التاريخ”. الهدف هو منع ظهور طبقة عاملة قوية وموحدة بما يكفي لفرض إنشاء جمهورية ديمقراطية تتمتع بحقوق متساوية للجميع.

دولة حراسة
من أجل فهم سبب نجاح ذلك لفترة طويلة، نحتاج إلى فحص العنصر الثالث في التنمية المشتركة لفلسطين. هذا هو الاقتصاد العسكري لإسرائيل والطريقة التي يتم بها دمج هذا في بناء الإمبراطورية للسيطرة الأمريكية على المنطقة بأكملها. كان الانقلاب المذهل الذي أطلقته القيادة الصهيونية هو بناء شراكة مع الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة والتي تمنح القوة العسكرية الإسرائيلية دورًا مركزيًا في النظام الإمبريالي على مستوى المنطقة. أشارت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى الطبيعة المحددة لهذا الدور العسكري منذ عام 1951 عندما كتبت:

“يجب أن تصبح إسرائيل حارسًا. لا خوف من أن تقوم إسرائيل بأي سياسة عدوانية تجاه الدول العربية عندما يتعارض ذلك صراحة مع رغبات الولايات المتحدة وبريطانيا. ولكن إذا كانت القوى الغربية تفضل أحيانًا إغلاق أعينها لأي سبب من الأسباب، فيمكن الاعتماد على إسرائيل لمعاقبة دولة أو عدة دول مجاورة تجاوزت سخطها تجاه الغرب حدود المسموح به”.

بعد خمس سنوات، أُجرِيَ أول اختبار رئيسي لهذا النهج. لعبت إسرائيل دورًا في الهجوم على مصر مع بريطانيا وفرنسا لـ “معاقبة” الزعيم القومي جمال عبد الناصر لتأميمه قناة السويس. ومع ذلك، كان الانتصار على القوات المصرية والسورية عام 1967 هو الذي وضع “دولة الحراسة” بشكل نهائي على مسار أعلى. لقد تحولت من طموح “العضلات المستأجرة” إلى شريك صغير مكتمل للقوة الإمبريالية الغربية الرئيسية.

تعتبر المساعدة العسكرية والاقتصادية الأمريكية لإسرائيل أساسية للاقتصاد السياسي للمشروع الصهيوني. وتسارعت بشكل كبير خلال السبعينيات، وظلت عند مستويات عالية بشكل لا يصدق منذ ذلك الحين. وقد حولت هذه الإعانات الضخمة “عبء” الإنفاق العسكري إلى وسيلة لجذب المزيد من مصادر التمويل الخارجية. كما أنهم لعبوا دورًا حاسمًا في إرساء الأساس للازدهار في التصنيع والخدمات ذات التقنية العالية والبحوث المكثفة. كانت هذه القطاعات محورية لنمو الاقتصاد الإسرائيلي منذ التسعينيات. تم استبعاد الفلسطينيين لأسباب تتعلق بـ”الأمن القومي” مما سيصبح أهم مراكز تراكم رأس المال من الناحية الإستراتيجية.

استغرق نضوج مجمع الخدمات الصناعية العسكرية في إسرائيل وقتًا. خلال معظم السبعينيات والثمانينيات، كان البلد سينهار لولا التدفقات النقدية الهائلة من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن تطور هذا القطاع من الاقتصاد قدم آلية أساسية في التسعينيات للطبقة الحاكمة الإسرائيلية لتخليص نفسها من الأزمة التي أحدثتها الانتفاضة الأولى في عام 1987.

الاقتصاد العسكري
يعتبر الاقتصاد العسكري الإسرائيلي جزءًا لا يتجزأ من النظام الإمبريالي الأوسع الذي حافظت عليه الطبقة الحاكمة الأمريكية في المنطقة خلال فترة هيمنتها العالمية. إن “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل على القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، متجذر بعمق في هذا الهيكل. تتجلى أهمية دور إسرائيل في عدم رغبة الولايات المتحدة في كبح جماح الطبقة الحاكمة الإسرائيلية، أو إجبارها على السماح حتى بدولة فلسطينية ضعيفة.

وهذا ما يؤكده فشل “عملية السلام” في التسعينيات في تحقيق أي نوع من “عائد السلام” في تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. في الواقع، بحلول نهاية التسعينيات، كانت الولايات المتحدة قد بدأت أول ثلاث مذكرات تفاهم مدتها 10 سنوات. وقد ألزمت هذه الإدارات الأمريكية المتعاقبة –سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية– بمواصلة نقل كميات هائلة من التمويل والأسلحة والتكنولوجيا إلى إسرائيل. كان البند الرئيسي في مذكرات التفاهم هو السماح لإسرائيل، بشكل فريد بين متلقي المساعدة العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، بالقدرة على إنفاق هذه المساعدة بعملتها الخاصة. وهذا يضمن بشكل فعال للصناعات العسكرية الإسرائيلية أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

هناك بالطبع صور معكوسة للاقتصاد الإسرائيلي العسكري تنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط في الدول الأخرى. هذا صحيح ليس فقط في المناطق ذات الأغلبية العربية، ولكن أيضًا في تركيا وإيران. وسواء كانوا يعارضون الولايات المتحدة أو يتحالفون معها، فإنهم جميعًا تقريبًا قد تعرضوا لندوب عميقة بسبب الظلال الطويلة التي ألقاها الدور الطاغي للقوات المسلحة في مؤسسات الدولة. في كثير من الحالات، نرى شبكة من الضباط العسكريين يخترقون قطاعي الصناعة والخدمات “المدني” و”العسكري”.

إنها ليست نسخًا طبق الأصل من النموذج الإسرائيلي. فلم تسع الولايات المتحدة إلى خلق مجال متكافئ بين سلطات الرتبتين الثانية والثالثة، بل إنها توفر أدوارًا كشركاء صغار في هذا النظام. خذ المقارنة بين القوات المسلحة الإسرائيلية والمصرية على سبيل المثال. سمحت الإعانات العسكرية الأمريكية للجنرالات الإسرائيليين بالإشراف على إنتاج الطائرات المقاتلة F-35 ومنتجات الحرب الإلكترونية المتقدمة. وعلى النقيض من ذلك، فإن نظرائهم المصريين يديرون مصانع لإنتاج الدجاج، ويديرون محطات البنزين، وينخرطون في المضاربات العقارية. من المؤكد أن الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي لديه ادعاءات تجاه دور إقليمي للجيش المصري. لكن تظل الحقيقة أن المليارات من التمويل الأمريكي الذي تلقاه الجيش المصري قد أكد إلى حد كبير دور الجيش كسلطة قمعية داخلية تبقي الشعب المصري في مكانه.

النضال الثوري
إذًا ما هو البديل؟ أين القوى ذات الثقل الاجتماعي التي يمكن أن تبدأ في تقويض أسس كل من حامية المستوطنين الإسرائيليين والنظام الإمبريالي الإقليمي الذي يمكّنها؟ يتضمن الجزء الأول من الإجابة استكشاف دور الطبقة العاملة الفلسطينية. كما هو موضح أعلاه، فإن الجهود المبذولة “لخداع التاريخ” ومنع الفلسطينيين من قلب الطاولة على مضطهديهم من خلال العمل الجماعي كعمال لم تنجح إلا جزئيًا. وقد أوضح هذا الإضراب العام في 18 مايو من هذا العام. إن دور المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وكذلك العمال الفلسطينيين “المهاجرين” من الأراضي المحتلة، يزيد من أهمية الإضراب. لقد أظهر الإمكانات القوية للعمل المشترك بين الفلسطينيين على جانبي جدران الفصل العنصري الإسرائيلية.

علاوة على ذلك، فإن الطبقة العاملة الفلسطينية لم تتشكل فقط داخل فلسطين التاريخية. بسبب كارثة النكبة، يتم توزيعها على دول أخرى في المنطقة. إذ يشكل الفلسطينيون غالبية السكان في الأردن، ويعيش ما لا يقل عن 200 ألف في لبنان وحوالي نصف مليون في سوريا. اضطر اللاجئون من التطهير العرقي الإسرائيلي في عام 1948 وأحفادهم في كثير من الحالات للتعامل مع المزيد من الصراعات المدمرة. وتشمل هذه، الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990، والثورة السورية المضادة والحرب الأهلية بعد عام 2011. لعب العمال الفلسطينيون دورًا رئيسيًا في اقتصادات الخليج. حيث أُجبر مئات الآلاف على الفرار في أعقاب الغزو العراقي للكويت، وعملية عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة والتي طردت القوات العراقية في عام 1991.

كانت تجربة التكوين الطبقي في المنفى ذات حدين. من جهة، يبرز حقيقة أن تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم ومقاومتهم قد تم دمجهما بصفتهما سمة من سمات البنية الطبقية في لبنان والأردن وسوريا والعديد من دول الخليج. تمامًا مثل نظرائهم الإسرائيليين، أقامت بعض الطبقات الحاكمة في هذه الدول حواجز بين الفلسطينيين ومواطنيهم “أنفسهم”. لقد حرموا الفلسطينيين من حقوقهم المتساوية في العمل والوصول إلى الخدمات العامة وامتلاك الممتلكات، مما جعلهم في شرك التبعية والفقر. في الوقت نفسه، قاموا باستغلالهم كقوة عاملة يمكن التخلص منها عندما كان ذلك مناسبًا لهم. هذه الشروط ليست موحدة. بحيث يمكن للفلسطينيين أن يصبحوا مواطنين أردنيين على سبيل المثال. وكذلك لم يكن كل الفلسطينيين الذين هاجروا إلى الخليج عمالًا.

ومع ذلك، فإن مسألة التضامن مع النضال الفلسطيني تكتسب بعدًا ثوريًا عندما تندمج مع نضالات الطبقة العاملة والفقراء في هذه المجتمعات. ولإحباط مثل هذا التطور بالتحديد، خاض الملك حسين ملك الأردن حربًا على الحركات الفلسطينية المسلحة في الأردن عام 1970. وتنطبق نفس الأسباب عندما شنت المليشيات المسيحية المارونية في لبنان الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.

لقد عملت النضالات الفلسطينية بالفعل كمصدر إلهام، وفي بعض الحالات تسريعًا مباشرًا، للنضالات الطبقية في أماكن أخرى من المنطقة. كان هذا واضحًا في الجزائر عام 1988. وأدى مثال الانتفاضة الفلسطينية إلى انتفاضة من قبل الجزائريين الفقراء والطبقة العاملة ضد النظام الاستبدادي المتعفن لجبهة التحرير الوطني. كما أن ما قبل تاريخ الثورتين التونسية والمصرية في عام 2011 تم تصويره من خلال التأثير السياسي التحويلي لحركة التضامن مع فلسطين.

صراع خارج فلسطين
ومع ذلك، لا تزال هناك حواجز موضوعية وذاتية رئيسية تعرقل نضالات الطبقة العاملة الفلسطينية لتصبح محرك الثورة الوطنية الفلسطينية ضد إسرائيل. فبالنسبة للعمال الفلسطينيين الخاضعين للحكم الإسرائيلي، سواء داخل الخط الأخضر أو ​​في الأراضي المحتلة، هناك بنية سجن كاملة لدولة المراقبة الإسرائيلية العسكرية التي يجب التغلب عليها. ويشمل ذلك جدرانها ونقاط التفتيش والقتلة بطائرات بدون طيار، ناهيك عن عصابات الأمن المسلحين “المدنيين”. وقد تضافرت ظروف الطائفية والحرب في لبنان وسوريا لإبقاء الفلسطينيين معزولين نسبيًا عن النضالات الشعبية الأوسع، على الرغم من اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 والتحركات الشعبية الضخمة في لبنان منذ عام 2018.

ويرجع جزء من السبب في ذلك إلى القوى –الوطنية والإسلامية على حد سواء– التي تهيمن على الحركة الوطنية الفلسطينية. لقد قامت هذه الأحزاب والتيارات باستمرار بقمع الأبعاد الطبقية للنضال الفلسطيني من أجل العدالة. وبدلًا من ذلك، حاولت هذه القيادة أن تمنح التسلسل الهرمي الإمبريالي للدول في المنطقة بما يكفي لإدخال دولة فلسطينية فيها، بقيادة برجوازية فلسطينية. غالبًا ما تعرضت هذه القيادة في تجسيداتها القومية والستالينية والإسلامية لضغوط من أسفل. لذلك انخرطت في بعض الأحيان في أنماط النضال الشعبية، وتسرعت أحيانًا لقيادة الإضرابات والتعبئة من أجل العصيان المدني. لكن ما يوحد كل التيارات السياسية المختلفة هو أن كل أشكال النضال الشعبي هذه هي في الحقيقة مجرد أوراق مساومة. إنهم يستخدمون هذه التحركات على طاولة المفاوضات مع القوى العظمى، وليس كطريق للتحرر من الأسفل.

الأمر الآخر الذي يوحد كل هذه التيارات السياسية هو احتضانها لمبدأ “عدم التدخل” في الصراع الطبقي في المنطقة الأوسع. تحتاج هذه التيارات إلى رعاية وحماية الدول “الصديقة” التي قد تزودها بالسلاح أو توفر لها قواعد أو توفر لقادتها الملاذ في المنفى أو تمنحهم الدعم الدبلوماسي. في المقابل، يُطلب منهم العمل بنشاط ضد “النمو” من التضامن إلى النضال المشترك بين الفلسطينيين واللبنانيين أو السوريين أو الأردنيين.

إن الطبيعة المجزأة للطبقة العاملة الفلسطينية، على الرغم من تقاليدها النضالية المثيرة للإعجاب، تعني أن معارك العمال في أماكن أخرى من المنطقة تعتبر حاسمة. وتلعب المعارك ضد دولهم “الخاصة” وضد الإمبريالية – بما في ذلك ضد دور إسرائيل في المنطقة وقمعها للفلسطينيين – دورًا محوريًا في عملية تحرير فلسطين. هذا يقودنا إلى سؤال رئيسي. لماذا الثورات والانتفاضات الشعبية التي هزت المنطقة منذ أواخر عام 2010 لم تقوض قدرة إسرائيل على القمع، أو مكّنت الحركة الفلسطينية من تحقيق مكاسب أكبر؟

تؤكد تجربة العديد من هذه الثورات أن قضية فلسطين تستمر في لعب دور رئيسي في تعميق النضالات “الداخلية” من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. في تونس، كانت إحدى نقاط التحول في فترة ما قبل الثورة معارضة دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لحضور قمة مجتمع المعلومات في تونس عام 2005. وقد اشتمل ذلك بشكل كبير على التنسيق بين النشطاء من التيارات المعارضة واليسار في النقابات العمالية. وبالمثل، شهدت مصر موجة من الاحتجاجات تضامنًا مع الانتفاضة الثانية في عام 2000. وقد أدى ذلك إلى بناء الثقة السياسية لجيل جديد من النشطاء الذين سيقودون ثورة بعد عقد من الزمن .

ومع ذلك، هناك أيضًا دروس سلبية يمكن استخلاصها من تجربة هذه الثورات. إنهم يؤكدون التحليل القائل بأن قضية فلسطين مرتبطة بهياكل هذه الدول، ولا سيما بمؤسساتها العسكرية. كانت هناك طريقة كان من الممكن أن تبدأ بها الثورة المصرية في فتح القيود التي تكبل الفلسطينيين وتفتيت حركتهم. إذا كان قد تعمق في قلب الدولة المصرية وحطم تماسك الجيش، لكان من الممكن أن يؤدي إلى اختراق النظام الإمبريالي الإقليمي الذي يدعم الاحتلال. لكن اتضح أن الثورة المصرية اتسعت ولم تكن عميقة. لقد حشدت عشرات الملايين من الناس العاديين، العديد منهم لأول مرة في حياتهم، للبدء في تشكيل مصائرهم السياسية من خلال العمل الجماعي من الأسفل. لكنها لم تكن قادرة على استهداف هياكل القوة القسرية في القلب الحديدي للدولة بطريقة مركزة.

كانت إحدى علامات ذلك كيف بقي التحرير الفلسطيني على سطح النضالات خلال عام 2011، بدلًا من أن يصبح ناقلًا للأزمة الثورية نفسها. بذل النشطاء الثوريون قصارى جهدهم لدفع التضامن مع الفلسطينيين. كانت هناك احتجاجات كبيرة، مثل مظاهرة سبتمبر 2011 التي خرجت من ميدان التحرير لمحاصرة واقتحام السفارة الإسرائيلية في الجيزة. مما أجبر السفير على الانسحاب إلى تل أبيب في حالة ذعر. وفي تشرين الثاني / نوفمبر 2012، عندما قصفت الصواريخ الإسرائيلية غزة، هرعت قوافل التضامن التي نظمها النشطاء عبر سيناء للوقوف إلى جانب الفلسطينيين.

كان رئيس الوزراء في حكومة الإخوان المسلمين أحد أولئك الذين قاموا بالرحلة إلى غزة. وخفف الحزب الإسلامي، الذي فاز أيضًا في الانتخابات الرئاسية في يونيو من ذلك العام، الجانب المصري من الحصار بشكل طفيف. ومع ذلك، فإن ضغط حركة التضامن هذه التي تم إحياؤها لم يكن كافيًا في حد ذاته لإجبار الإسلاميين على مواجهة حقيقية مع الجيش بشأن هذه المسألة. سقطت جميع الأحزاب الإسلامية الرئيسية التي شاركت في الانتخابات البرلمانية في 2011-2 على نفسها لتعلن أنها لن تتحدى معاهدة السلام مع إسرائيل. كما أن مسألة الإعانات الهائلة من الولايات المتحدة، والتي تدفع ثمن دور القوات المسلحة المصرية كحراس سجن غزة، بالكاد دخلت في النقاش العام.

كانت الحلقة المفقودة في الثورة المصرية حزبًا ثوريًا متجذرًا في الطبقة العاملة، قادرًا على تعبئة القوة الاجتماعية المركزة لتلك الطبقة في أماكن العمل، وليس فقط في الشوارع. كان من الممكن أن يكون لمثل هذا التنظيم دور في توجيه هذه القوة نحو كسر النواة القمعية للدولة المصرية. إن بناء مثل هذا الحزب في المستقبل لن يعتمد فقط على ارتفاع مستوى الإضرابات والعمل الجماعي المنظم ذاتيًا من قبل العمال المصريين. كما سيتطلب إنشاء كادر من نشطاء الطبقة العاملة الملتزمين بسياسة التحرر من الاضطهاد بالمعنى الأوسع. هذه إحدى الطرق التي تصبح فيها قضية فلسطين جزءًا لا يتجزأ من عملية بناء الحركات الثورية الشعبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لا ينبغي أن تؤدي هزيمة الموجة الثورية عام 2011 إلى استنتاج مفاده عودة الفلسطينيين إلى المربع الأول. ولا ينبغي لنا أن ننتظر مجرد أحزاب ثورية جماهيرية تتشكل بطريقة ما بشكل عفوي في مصر أو لبنان أو الأردن أو الجزائر من أجل إنقاذ الفلسطينيين من مأزقهم. على العكس من ذلك، يمكن لإيقاظ النضالات الموحدة عبر فلسطين التاريخية أن يلعب دورًا حاسمًا في توفير الإلهام لإعادة بناء الحركات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة بعد كوارث الثورة المضادة والحرب. يوقع النظام الإمبريالي في المنطقة كلًا من الفلسطينيين وجماهير الناس العاديين في المنطقة في كابوس من الفقر والقمع والحرب. ويبقى الحال أن أضعف نقاط هذا النظام لا تكمن في فلسطين نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ