الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكراها التاسعة والستون: ما الذي ابقا ثورة 23 يوليو حية إلى هذا اليوم ؟؟

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2021 / 7 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


مرت قبل أيام الذكرى التاسعة والستون لثورة 23 يوليو عام 1952 التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر ، وقد كان لهذه الثورة ولقائدها محبون ومناصرون كثيرون ولها زهاد ومتعبدون في محرابها ، وكذلك لها أعداء ومناوؤن كثيرون يمتلكون جيوشاً لا زالت تحارب تلك الثورة وقائدها ومضامينها وانحيازاتها الاجتماعية بأسلحة متنوعة ، لا يملك انصار تلك الثورة ومحبوها عشر معشار ما يملكه أعداؤها المدججون بالسلاح والإيديولوجيات والاعلام والمصالح المتنوعة ، لكي يدافعوا بها عنها!
فلا زال الجدال حول تلك الثورة وقائدها محتدماً وعلى أشده لمدى يقترب الآن من ثلثي قرن انصرمت ، لكنه لم يهدأ بعد.. فالحرب عليها لا زالت قائمة ولا زالت حية وتتجدد كل يوم بأسلحة جديدة ، وكأن تلك الثورة لا زالت حية وقائمة وتعيش بيننا بكل رؤاها.. فهي ثورة زالت تحارب ولا زالت تؤرق أعداءها الكثيرين قدامى وجدد !

فلقد جاءت بعد ثورة 23 يوليو ثورات كثيرة في وطننا العربي وفي العالم الثالث ، توهج بعضها في حينها لكنها خمدت وانطفئت بعد حين وغابت عن الوجود وحتى عن الذكر والذكرى ، هي وقادتها ورموزها وممثلوها إلى الأبد .. لكن ثورة 23 يوليو لا زالت موجودة وتتجدد وتتوهج كل يوم من جديد ...... فلماذا؟؟
ولماذا تلك الثورة وحدها التي لا زالت صامدة ولا زالت تتوهج ولا زال أعدائها يحاربونها بوحشية ، وكأنها لا زالت حية وموجودة وتهددهم في صميم مصالحهم؟؟
ولماذا ثورة 23 يوليو هي وحدها التي كتب لها الخلود في المنطقة العربية ، وكتب لكل ما سواها الموت والفناْء الأبدي ؟؟.. ألانها وحدها ثورة حقيقية والأخريات مزيفات؟؟..أم أن هنالك سر تعرفه قوانين التاريخ وحدها في خلود أو فناء الثورات والثوار وكل عمل انساني؟؟
الحقيقة أن ثورة 23 يوليو ـ ومعها جميع الثورات الإنسانية العظمى ـ تكاد أن تكون حالات فريدة في التاريخ ، وتستحق الدراسات المعمقة!
*****
الحقيقة الأهم: أن الجميع يتصورون ثورة 23 يوليو قد قتلت وماتت مادياً على يد أعدائها الامبريالييون والصهاينة ورجعيو الداخل والخارج ، وأن الموت اختار جميع قادتها ومفجريها وأولهم قائدها ومهندسها ومفجرها الزعيم جمال عبد الناصر ، الذي رحل وهو يحارب من أجل مبادئ ثورته في وحدة عربية وحياة كريمة لجميع العرب ، ومن أجل فلسطين والثورة الفلسطينية ومن أجل حمايتها واستمراريتها وديمومتها بعد "مذبحة ايلول الأسود/1970 " .. فعبد الناصر في الحقيقة قد خر شهيداً وهو يحارب في ساحة فلسطين ولأجل فلسطين !

لقد تكالبت على ثورة 23 يوليو ـ منذ بزوغ فجرها إلى اليوم ـ قوى كثيرة ومتنوعة الاتجاهات والإيديولوجيات ، وهذه القوى المعادية هي التي اجبرتها على خوض معارك وحروب كثيرة خلال عمرها القصير ، الذي لم يتعدى الثمانية عشر عاماً!
والحرب التي شنت عليها أو لأجلها استمرت بعدها إلى الآن ولأكثر من واحد وخمسين عاما ، وقد تستمر لواحد وخمسين أو مائة أو مائتي عام آخرتين ، لأنها ثورة حقيقية وليست من تلك الثورات الآنية ، التي تحدث في بعض المجتمعات (كفورة آنية) أو (كفقاعة هوائية) يمكن أن تفجرها (شكة دبوس) !
فهي (ثورة حقيقية) ومن نوع الثورات العظمى ، كالثورة الفرنسية والصينية وثورة أكتوبر العظمى ، لأن هذه الثورات ليست ثورة واحدة إنما هي ثورات متعددة متداخلة في بعضها ، فهي ثورات سياسية واجتماعية وصناعية وتحديثية في آن واحد ، كما أنها ثورات للمستقبل وليس للحاضر الآني وحده ، ومثل هذه الثورات لا تنتهي بعد تفجيرها مباشرة أو بعد حين ، إنما تنتهي بتحقيق جميع أهدافها المعلنة والمدغمة في ضميرها وروحها الثورية ، سواء بواسطتها هي أو بواسطة أجيال تأتي من بعدها مستلهمة قيمها ، فهي في حقيقتها ثورات دائمة !

وثورة 23 يوليو هي ثورة من هذا النوع بالنسبة لمصر ولواقع المجتمعات العربية ، كما أنها ثورة سياسية واجتماعية وتحديثية متداخلة في بعضها وتمثل مصالح لفئات اجتماعية كثيرة ، ولن تتوقف تفاعلاتها ولا الحرب عليها أو الدفاع عنها حتى تحقق جميع مضامين اهدافها المعلنة أو تلك المدغمة في ضميرها وروحها الثورية!!
*****
فالذين يحاربون ثورة 23 يوليو وقائدها اليوم ، هم أنفسهم ورثة الذين حاربوها بالأمس من اصحاب المصلح المختلفة ، وهم لا يحاربونها كثورة ونظام وقائد موجودون في الواقع الحي للمجتمع ، إنما يحاربون مضامينها الاجتماعية والسياسية والفكرية التقدمية التي تهدد مصالحهم الرأسمالية ، فهم هنا يحاربون من أجل مصالحهم التي تهددها ثورة 23 يوليو اليوم كما هددتها بالأمس ، بمضامينها الاجتماعية الممثلة لمصالح الغالبية العظمى من فئات الشعب المختلفة!
فأهداف ثورة 23 يوليو العظيمة التي تجهل الاجيال الجديدة الحالية روحها ومضامينها ، هي التي حركت روح الثورة عند الاجيال الكثيرة التي سبقتهم وجعلتهم يفتدونها بأرواحهم ، وقد شوه (الثوار المزيفون) والفاسدون و (قطاع طرق) التقدم على الشعوب أهداف الثورة ، حتى فقدت بريقها ونبلها وطهارتها واصبحت عبارة عن (جمل مبتذلة) عند هذه الأجيال الجديدة من كثرة ترديدها ، ودون تطبيقها على الواقع الحي !

وأهداف الثورات العظمى هي دائماً اهداف بسيطة ويعرفها حتى الانسان البسيط لأنها تمثل مصالحه ، واهداف ثورة يوليو هي أهداف من هذا النوع البسيط وتتمثل .. بـــالآتــــي :
 محاربة الاستعمار والصهيونية العالمية!
 محاربة الرجعيات العربية والأجنبية والملكيات الفاسدة!
 محاربة الطائفية والقبلية والانعزالية والتخلف في الواقع العربي!
 محاربة التخندق داخل الاطر القطرية والمحلية وحدها ، والانفتاح على الفضاءات القارية والأممية والوحدة العربية!
 محاربة النظم الاجتماعية المتهرئة وتصفية الاقطاع والنظم والعلاقات الزراعية القديمة وتمليكها للفلاحين!
 محاربة استغلال الانسان لأخيه الانسان ومحاربة الاستغلال بكل اشكاله وأنواعه واطرافه المتعددة!
 سياسة الانحياز التام إلى الفقراء والارتقاء بمستوياتهم الفكرية والمعنوية والمعيشية وبوعيهم الاجتماعي!
 بث الأفكار التحررية والثقافة القومية بمضامينها التقدمية في المنطقة وعلى مستوى العالم الثالث كله!
 ادراك قوة العالم الثالث العددية وتوحيدها داخل اطار دولي فاعل ، فكانت "حركة عدم الانحياز" التي شكلت في حينها وفي أوج قوتها (معسكراً عالمياً ثالثاً) له سياسته الخاصة ويشكل نداً للمعسكرين الآخرينً!
فمجموع هذه الافكار ـ مع غيرها من افكار وقوى تقدمية ـ شعت في حينها على الكثير من قارات الأرض ، وأوجدت فيها حركة تحررية قوية استطاعت في عشر سنوات من تصفية الاستعمار القديم ـ بعد معركة السويس المجيدة ـ وبنضال مشترك لشعوب "عدم الانحياز" وقادتها التاريخيون: عبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو ونكروما......الخ وقد استطاع هئولاء القادة التاريخيون العظام ـ بمساعدة من المعسكر الاشتراكي ـ من تغير صورة العالم ، وشكل العلاقات التي كانت سائدة فيه!
*****
لكن جميع النماذج الثورية لبناء المجتمعات التي طرحها أولئك القادة التاريخيون لبناء أوطانهم كانت مختلفة نوعياً عن بعضها ، والكثير منها لم يقم على قراءة حقيقية لواقع مجتمعاتهم ، ومعظمها كان متأثراً ـ بدرجات مختلفة ـ بنماذج بعيدة كل البعد عن البيئة المحلية ومتطلبات الواقع الاجتماعي المعاصر لمجتمعاتهم ، إلا الانموذج الذي قدمته ثورة 23 يوليو 1952 ، فقد كان قراءة واقعية للواقع المصري والعربي والأفريقي معاً.. وتمثل بــ:
الحرية : مقابل الاستعمار والاستعباد الداخلي والخارجي ، والذي يعني في جوهره تحرير الارض والانسان!
والاشتراكية: لتغير جميع انماط العلاقات الاجتماعية المتخلفة السائدة في المجتمع ، وبناء مجتمع قائم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وانعدام الاستغلال فيه!
والــوحــدة : لقد قام الاستعمار بتخطيط الكثير من خرائط دول العالم الثالث ـ كخرائط سايكس/بيكو مثلاً ـ خدمة لمصالحه الاستعمارية ، مما أدى إلى تمزيق أمم وشعوب ومجتمعات كثيرة ، ولا حل لهذه الدول المقسمة إلا بإعادة وحدتها القومية وتوحيدها شعباً وأرضاً من جديد ، فكان مبدأ وشعار "الوحدة القومية" الذي تناسب إلى حد التطابق للأمة العربية واغلب الأمم الأفريقية ، والتي خاضت نضالها العنيد وحقق الكثير منها استقلالها الوطني ووحدته القومية بوحي من هذا المبدأ النبيل!
والملاحظ أن اغلب الدول الأفريقية قد حصلت على استقلالها الوطني في خمسينات وستينات القرن العشرين الماضي ، بمساعدة مادية ومعنوية وحتى عسكرية وإيديولوجية من ثورة 23 يوليو 1952 وقائدها ، وهذا ما يعترف به أغلب القادة الأفارقة التاريخيون!
فقد توحد النضال العربي والأفريقي في ظل ذلك الشعار الوحدوي ، وحققوا بواسطته استقلالهم الوطني أنذك!

*****
إذا أردنا أن ندرك قيمة ثورة 23 يوليو 1952 التاريخية وقيمة قائدها ، فلننظر إلى خارطة العالم الثالث قبل قيامها وبعد رحيل قائدها وانتصار الردة الساداتية في مصر عليها!!
فقبل ثورة 23 يوليو 1952 كان الوطن العربي بمجمله خاضعاً خضوعاً مباشراً للاستعمار الغربي ، أما بالاحتلال العسكري المباشر أو بالانتداب أو بالحماية والهيمنة المطلقة على جميع مقدرات الأقطار العربية ، وكذلك كانت القارة الأفريقية بجميع اقطارها والكثير من الاقطار الآسيوية أيضاً ، لكن بعد ثورة 23 يوليو 1952 وبالتعاون والتضامن بين قادة كتلة "عدم الانحياز" تحررت جميع الاقطار العربية والأفريقية والآسيوية من الاستعمار الغربي ، وشهدت جميعها قفزات نوعية في جميع النواحي ، من التحديث الهيكلي وتغير العلاقات العامة للمجتمع ، إلى البدأ ببناء مجتمعات حديثة في الصناعة والزراعة والخدمات ، والحياة العصرية بعمومها!!
لكن كل هذه المنجزات فد دمرت جميعها اليوم ، وعاد العالم القهقري وعادت العلاقات الاستعمارية من جديد لتسود عالم اليوم برمته ، بعد (الردة الساداتية) والحاق مصر بالمعسكر الغربي!
فبعد تلك الردة السوداء أصبحت مصر أداة من أدوات الاستعمار والصهيونية والرجعية في أفريقيا والمنطقة العربية ، وفقدت بهذا دورها التحرري الريادي وتفككت بناء عليه جميع علاقاتها العربية والأفريقية!
لقد أدت جملة تلك التداعيات بمصر والقارة الأفريقية والمنطقة العربية برمتها ، أن تعود جميعها تدريجياً إلى ما كانت عليه قبل ثورة 23 يوليو 1952 ، وأصبحت اليوم في وضع شبيه تماماً لما كانت عليه الوضع قبل تاريخ تلك الثورة ، وأصبح الجميع بحاجة لثورة كبرى جديدة ليحرروا أنفسهم منه ، وليس أمام العرب والافارقة من انموذج مجرب ، إلا انموذج ثورة 23 يوليو 1952!!

فهذا الأنموذج الثوري لثورة 23 يوليو 1952 ، هو الذي يحارب اليوم كما حورب في الماضي و سيبقى يُحاربْ إلى الأبد ، لأنه الأنموذج الوطني العربي الأفريقي الوحيد القادر على تحرير الجميع!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على