الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل مستقبل غير مؤجل

هشام عقيل
كاتب

(Hisham Aqeel)

2021 / 7 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



تناص غريب: شبّه لينين المناضل الاشتراكي كمن يتسلق جبل شاهق ووعر لا يُمكن الوصول إلى قمته (التي لم يبلغها أحد قبله) بسهولة؛ وحذّر بأن غثيان صعود الأعالي هو العائق الأول للتسلق، إذ سماع أصوات أولئك المساندين لفكرة التسلق، لكنهم معارضون للتسلق في الوقت الراهن، يفقده توازنه. في مثل الوقت، شبه كارل يونغ (يومئذ كان فرويدياً) – عالم النفس – التقهقر الليبيدي كمن حاول تسلق جبل شاهق وعر لكنه لم يتمكن من الوصول إلى هذه القمة التي لم يبلغها أحد قبله؛ فيستسلم ليبرر: ”الجبل هذا يستحيل تسلقه، لا لأنني لا استطيع ذلك بل بحكم الطبيعة الطوبوغرافية والجغرافية التي تجعل هذه الاستحالة ظرفاً موضوعياً بمعزل عن إرادتي وجرأتي الشخصية“.

لن أحاول أن ادخل في أسباب التناص هذا، وسأتركه لخيال القارئ: أهو لأن يونغ مولود في سويسرا ولينين كان مفتوناً، مثل نيتشه (الذي لا تخلو كتاباته من تشبيهات قريبة كهذا)، بالجبال السويسرية؟ أم إلى تشابه العُصاب عند الثلاثي هذا؟ أم محض صدفة لا ينبغي التعمق فيها؟

إنما سبب تذكيري بهذا التناص هو التشخيص نفسه الذي قدمه الاثنان: بين لينين بوضوح بأن مؤجلي التسلق لا يرفضون الفكرة مبدئياً، بل ينتظرون ”الوقت المناسب“ و”الظرف الموضوعي المناسب“، فإنهم يؤجلون الماركسية، ايّ الماركسية المؤجلة حتى إشعار آخر (وأنتم تعلمون بأن ثمّة منا ومن الآخرين أيضاً يتبعون هذا الخط بتمام وعيهم). أما يونغ – تبعاً لفرويد – يُشخص ذلك كتقهقر ليبيدي، والمقصود بذلك هو الحالة التي يشهد فيها الإنسان تقهقراً نفسياً إلى الرغبات الطفولية الأولى كنتيجة لتصادم رغباته بظروف خارجية حالت دون تحققها؛ حالة من أزمة نفسية تأتي كنتيجة لصراع ما بين الرغبة في التسلق وما بين إنكار الخوف الذي لم يمكن المتسلق هذا من الوصول إلى القمة.

ألا يُمكننا القول بإننا ايضاً واجهنا تقهقراً كهذا؟ ألم نعد إلى مراحل الطفولة نحلم بالتوحد بالرحم الحزبي الذي انعكس في انعزالنا عن الجماهير؟ (هنا نستذكر تشخيص لينين للنزعة “الطفولية” في الشيوعية، وتُشكل اليسراوية أحد أوجهها فقط)

ليعلم الجميع، ولنقل للجميع، بأننا فشلنا في الوصول إلى القمة لا لأن ذلك مستحيل (والتبريرات أصبحت مملة ومكررة)، لا لأننا جريئون بينما – كما كتب ماياكوفسكي يوماً -: ”اصطدم قارب الحب بصخرة الحياة اليومية القاسية“، بل لأننا لم نقدر على ذلك ببساطة. إذا أردنا من الجماهير أن تثق بنا، وبجرأة طرحنا، وجسارة مطالبنا سيكون علينا أن نعترف بذلك أمام الجميع، وأن نبدأ، نحن لا غيرنا، ورشة النقد الذاتي. لنأخذ تلك الرماح التي وجهها مختلف الانتهازيون، والصحفيون المرتزقة الصغار، والمنتفعون الجهلة على صدورنا برحابة صدر، إذ إنها ضعيفة ووهنة وليس في مقدورها اختراق الهواء حتى؛ فنشحذها ونجعل منها رماحاً حقيقية. إنهم لا يُشكلون أي نقد جاد لليسار في البحرين، إذ وحدها الماركسية (أيّ علم التاريخ)، بيفاعتها المتجددة، قادرة على النقد – الذاتي البناء. فالماركسية أصبحت، أكثر من آي وقت مضى، ضرورة مطلقة.

أنتم، نحن، أنا أمام هذه المهمة الصعبة.

ليس عيباً أن نكشف تلك الجروح للناس، وليس عيباً أن نقول للجميع بإننا – نحن من تشدقنا بالماركسية – بحاجة إلى تعلّم النظرية الماركسية، وليس عيباً أن نقول بإننا – نحن من كررنا شعارات نضالية في كل مناسبة – نسينا فن السياسة؛ إن لكل ذلك أسباباً موضوعية يُمكن حصرها ونقاشها. إنما الإحراج يكمن في إنكارنا الطفولي لكل هذا فيما نعلم بأن الجميع يدرك ذلك، وبأن الجميع يردد ذلك في جلساته الخاصة حين لا نكون حاضرين. إنها، فعلاً، مهمة صعبة ولكنها لا تتطلب مجهوداً بالغاً، إذ الحقيقة – كما قالت جورج صاند – جد بسيطة. إن الحقيقة، والدفاع عن الحقيقة، هي الفعل الثوري الأسمى.

لنسأل أنفسنا، رغم أن ثمة كبار بيننا يعرفون هذه القصة عن ظهر القلب بينما شاب مثلي لم يعش هذه الظروف القاسية، ما الذي يجعل قصة الاجتماع السري في المنامة، 15 فبراير 1955، لمجموعة بسيطة من الشباب (والمناضل الكبير أحمد الذوادي لم يبلغ العشرين من عمره وقتذاك!) ليؤسسوا جبهة التحرير الوطني البحرانية قصة عظيمة بطبيعتها؟ صحيح، أنها نتاج لظروف موضوعية شتى؛ وصحيح، كان تأسيس الجبهة ضرورة تاريخية في تاريخنا السياسي. ولكن ماذا عن صرامة معتقدهم، رغم كل الظروف المعاكسة، بأنه من الضروري لشيء ما أن يحدث؛ بأنه من الضروري أن تكون لهم كلمة ما مهما كانت غير مسموعة؟

سينبغي علينا أن ننتظر حتى نتعلم درس هذا الحدث التاريخي، وسينبغي علينا – في هذه الأثناء – أن نكف عن الاعتماد على الحظ كفابيوس ماكسيموس (ومن هنا أتت تسمية الفابيين) ونبدأ بالاعتماد على المقدرة كحنبعل الذي كان تفكيره متوحداً، أو لنقل مبنيناً، بالطوبوغرافيا؛ فنكتشف طرقاً لم يكتشفها أحد قبلنا، رغم أنها موجودة أمام الجميع.

أنا أعلم بأن هناك من يتفق مع ذلك كله، مثلما أعلم بأن هناك من سيقف أمامي (أو لعله سيقوم بذلك في خياله) ليكشف لي بفخر عن جروح المعارك الماضية التي خاضها قائلاً: ”هاهي الجروح على وجهي! كيف لك أن تتكلم وليس لك مثل تلك؟“. حينها سنقول له ما قاله قيصر لجندي متبجح مجهول لا يذكره التاريخ:

”جروح؟! حتى أولئك الذين يفرون من المعارك ينظرون خلفهم!“








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي