الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة ادلب والرهانات الروسية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2021 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
15-07-2021
نشرت لي "المدى" قبل فترة وجيزة مقال استقرائي للأحداث، تابعت فيه تحركات سياسية ودبلوماسية وإعلامية باتجاه تحسين علاقات تركيا بدول الإقليم، الا أن تلك التحركات لم تحقق نتائج ملموسة كانت تعول عليها تركيا. والتعثر الحاصل في تطوير تلك التحركات الى سياسة خارجية جديدة يتعلق، بالتأكيد، بالمشاكل التي بقيت عالقة بين دول الإقليم وتركيا، ومن تلك المشاكل، مشكلة ادلب.
بعد عشر سنوات من الصراع الدموي في سوريا، ما زال أمام النظام السوري والدولة السورية عموما الكثير من العقبات التي يصعب دون تجاوزها الفوز بالاستقرار. وأهم هذه العقبات هي الوضع في ادلب. التي يقبع فيها ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري تحت حكم هيئة تحرير الشام التي تحظى برعاية خارجية، خاصة من تركيا، مع اهتمام ودعم دولي عبر منظمات الأمم المتحدة. قد يكون مصير هذه المحافظة الصغيرة عاملاً رئيسياً، له أن يلعب دورا محوريا في صياغة مستقبل سوريا.
تركيا منخرطة في عملية الضم الممنهج لإدلب. هذا هو بالضبط الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من تحليل تصرفات أنقرة في المحافظة السورية التي تحتلها قواتها. وينشئ الأتراك مؤسسات للإدارة العامة هناك، ويعيدون طباعة الكتب المدرسية بسياق يتناسب مع المعايير والمعاني والمثل التركية. إضافة الى ذلك، يجري ربط ادلب بتركيا من حيث البنية التحتية (على وجه الخصوص، ربط ادلب بشبكات الكهرباء التركية) وقد وصلوا اخيرا إلى التجنيس. تصدر تركيا لسكان إدلب وثائق تركية بصورة شبه جماعية، مما يجعلهم مواطنين أتراك، بكل ما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات. والاهم، أصبح باستطاعة هؤلاء "المواطنين" طلب المساعدة من أردوغان في حالة هجوم "قوات النظام".
قبل عام من الان، جرى التخلي عن تداول العملة السورية في مناطق سيطرة المعارضة وأصبحت الليرة التركية بديلا عنها في العمليات التجارية، بحجة تراجع سعر صرف العملة السورية. وفي الوقت الذي تفسر فيه السلطات التركية هذه الظاهرة على أنها خيار حر للسكان باعتباره أكثر ملائمة لهم، الا أن الوقائع تشير الى توجيه تركي في هذا الاتجاه. كان هناك أيضًا اتجاه لإعادة تسمية بعض المناطق في شمال سوريا من العربية إلى التركية.
في الوقت نفسه، يتم ترميم المستشفيات في شمال سوريا بأموال من تركيا ويتم فتح فروع للجامعات التركية. امتدت هذه العملية إلى إدلب أيضًا. في شهر فبراير من هذا العام، ظهرت هناك كلية طبية تركية ومعهد تابع لها. ومؤخراً، لم تسمح السلطات في إدلب لأطفال المدارس المحلية بإجراء الاختبارات النهائية في مناطق سيطرة دمشق.
يبدو أن سوريا لا تفقد ادلب وحدها، بل ومعها مناطق أخرى في شمال سوريا، أصبحت مع ادلب تشكل "منطقة رمادية" في الجغرافية السورية. يقول كيريل سيميونوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، في تصريح نقلته صحيفة كوميرسانت الروسية، إنه طالما لا يوجد إجماع حول المستقبل السياسي لسوريا، فلن يعيد أحد هذه المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا الى سوريا.
لابد من التوقف عند الموقف الروسي من سياسة القضم التركية للأراضي السورية. بدايةً، روسيا ممتعضة من تصرفات الأتراك، الشركاء الذين خسروا الحرب الدموية السورية وتمكنوا من الالتفاف على مخرجات الواقع الجديد ودخول معسكر المنتصرين لتحديد مستقبل سوريا مع روسيا وإيران، فقط بفضل التسامح الروسي، الذي كانت نتيجته تعقيد خطير لعملية استعادة السيادة الوطنية للدولة السورية على أراضيها.
التفسير المنطقي للموقف الروسي "المتفرج" على عملية الاستيلاء الممنهجة على الأراضي السورية من قبل تركيا، هو في أنه يعتمد على رؤيا استراتيجية، ترى أن التصرفات التركية لابد وأن تضعف تأثير تركيا في الإقليم وتضعها في موقف عدائي مع العالم العربي رغم مكاسبها وحساباتها التكتيكية، وهو ما سيوفر لروسيا فرص إقليمية ومحلية أكبر في مواجهة المنافسة التركية.
أولاً، الضم الممنهج لإدلب يجعل تركيا أكثر عرضة للخطر. فمع أن تركيا لم تواجه صعوبات كبيرة واعتراضات جادة بعد ضمها لشمال قبرص، عدا عن تصريحات وتنديدات من شمال قبرص والاتحاد الأوربي لم ترقى الى خطوات عملية، الا أن الأمر يختلف تماما بالنسبة لإدلب، فسوريا لن تتخلى عنها وهي شبه واثقة من أن إيران ودول عربية مهمة ستدعم مسعاها لاستكمال تحرير أراضيها من الهيمنة التركية. وستكون تركيا، في هذه الحالة، دائمًا تحت تهديد حرب لا تبدأ ولا تنتهي بناءً على رغبات أردوغان. الجميع يفهم أن الرئيس التركي لن يكون قادرًا على الوقوف جانباً دون أن يرد إذا كانت أرواح المواطنين الأتراك في إدلب مهددة، وهو بذلك سيفقد على الفور دعم ناخبيه ويحرم تركيا من مكانتها القيادية في العالم العربي والاسلامي.
سيضطر أردوغان لخوض حرب لن يساعده فيها أي من حلفائه في الناتو، رغم كراهيتهم للأسد. فبعض حلفاء تركيا في الناتو يكرهون أردوغان أكثر من الأسد. والبعض الآخر، يرغب بزعزعة صورة "الرجل القوي" التي يختفي ورائها أردوغان لترسيخ شعبيته. والبعض الثالث يتعذر بحقيقة أن إدلب ليست أراضٍ تركية، مما يعني أن الهجوم عليها لا يندرج تحت المادة الخامسة من ميثاق الناتو.
ثانيًا، سوف يجعل إضفاء الطابع التركي على إدلب، خصوم أردوغان الحاليين في الشرق الأوسط أكثر نشاطًا. بادئ ذي بدء، نحن نتحدث عن إيران. الحقيقة هي أن الشركاء الإيرانيين في العلاقات مع روسيا وتركيا تبنوا، في البداية، التكتيكات الصينية لتحويل كل صعوبات حل المشاكل المشتركة إلى موسكو. على سبيل المثال، فإن تصرفات تركيا في القوقاز خلال حرب كارا باخ الثانية (نقل الإرهابيين من إدلب إلى الحدود الإيرانية وتحفيز القومية الأذربيجانية، التي امتدت إلى أراضي أذربيجان الإيرانية) هددت مصالح طهران أكثر بكثير من مصالح موسكو. ومع ذلك، اتخذت السلطات الإيرانية موقفًا شديد الحذر، على ما يبدو، على أمل أن يحل الكرملين جميع المشاكل، وقد حلها فعلا بتقزيم دور تركيا في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان.
أما بالنسبة لسوريا، فإن الإيرانيين يعتبرون هذه المنطقة منطقة نفوذهم الحصرية. وهم ليسوا بعيدين عن الحقيقة، لا يمكن إنكار مستوى نفوذ طهران في أروقة السلطة في دمشق. وهذا يعني أن شرعنة الاحتلال التركي لإدلب مشكلة إيرانية. تفرض على إيران حلها بنفسها، وعدم محاولة تحويل روسيا إلى رأس حربة. وإذا بدأت إيران في حلها، فربما تشارك بنشاط أكبر في عملية احتواء الدور التركي، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في جنوب القوقاز، وهو بالطبع مفيد للغاية لموسكو.
ثالثًا، يوجه الضم الممنهج للأراضي السورية ضربة خطيرة للعلاقات بين تركيا والدول العربية. يمكن لأنقرة أن تقنع شباب إدلب بقدر ما تريد عن مدى روعة الحياة للعرب في ظلال الدولة التركية، ولكن هذا الامر لن يمر على الدول العربية، التي مهما كان خلافها مع النظام السوري، ستبقى متمسكة بوجهة نظر أخرى. وسيتطور موقفها من فوبيا إلى واقع في السياسة الخارجية، يوحد الدول العربية لمواجهة واحتواء تركيا (التي، كما هو معروف، اخترقت بالفعل أراضي ليبيا والعراق وعززت تأثيرها على قطر). هذا يعني أن أنقرة ستواجه كومة جديدة من المشاكل الخارجية.
بالطبع، كل شخص في تركيا يفهم هذا ويدرك تماما أن الخيار البراغماتي التركي الأفضل لن يكون بضم إدلب، بل باستبدال هذه الأرض بتنازلات سياسية واقتصادية من دمشق وطهران، مما يضمن حماية المصالح التركية في سوريا ما بعد الحرب. الا أن أردوغان، كما هو معروف، يختلف تماما عن بسمارك. فإذا كان المستشار الحديدي يعرف دائمًا كيف يتوقف في اللحظة المناسبة ولا يندفع وراء عواطفه، فإن أردوغان شخص مغامر للغاية، لا يرى في الواقع سوى أحلامه وأكاليل انتصارات آنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي