الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشر سنوات من حكم التنين الإخواني

حاتم بن رجيبة

2021 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


أعلن قيس سعيد يوم 25 جويلية الفارط عن انتهاء حكم فرع الإخوان المسلمين في تونس: حركة النهضة . أجهز بمعوله على جثة تحتضر منذ مدة رحمة لتونس من عويلها وأناتها وبكائها ومنهيا حياة تنين كاد يطمسنا في غياهب القرون الوسطى، غياهب الظلام والتوحش. سأقوم من جهتي كتونسي عايشت فترة حكمهم عن كثب من داخل البلاد ومن خارجها بسرد أهم فترات حياة هذا الوحش الضاري الذي زال و انتهى.

برز الاتجاه الإسلامي منذ سبعينات القرن الماضي، لكن اكتساحه الحياة السياسية التونسية لم يبدأ إلا في الثمانينات. أعانه في الصعود النظام البورقيبي لأن هذا النظام عجز في القفز بتونس إلى بحبوحة العيش لانتشار المحسوبية و الرأي الواحد وغياب الديمقراطية وكل معايير الحوكمة الرشيدة كما ساعد النظام البورقيبي الإتجاه الإسلامي على التوسع والنمو وغض عنه البصر حتى يسحق اليسار الذي كان آنذاك زعيم المعارضة. كانت فترة الحرب الباردة وانحصار الصراع بين الإشتراكية والرأسمالية.

على عكس الحركات اليسارية النخبوية انتشر الإسلاميون بشكل أفقي في المجتمع. فكانت حملاتهم تبشيرية تشبه إلى حد كبير حملات التبشير المسيحية. فاكتسح الدعاة الإخوان البلاد وخاصة المدن تحت أعين بوليس ومخابرات بورقيبة ثم بن علي. تواجد الدعاة في الأحياء الشعبية وفي المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد و مراكز العمل أي في كل مكان تقريبا. فكان انتشارهم نسخة من استراتيجية إخوان مصر: نشاط دعوي ممنهج تدريجي وبنفس طويل واستماتة القديسين والرهبان ثم الجمعيات الخيرية والرياضية والكشافة والمصائف والأعمال الإجتماعية كالعلاج المجاني و إعانة المعوزين لاستمالة القلوب والنفوس.

إظافة إلى ذلك تسربوا إلى كل أجهزة الدولة من تعليم وصحة وأمن وجيش وقضاة...حتى إن بعض الحراس الشخصيين لزين العابدين كانوا من الجماعة.

جاءت اللحظة الحاسمة والمحطة الثانية في حياة الأخطبوط الاخواني سنة 1987 ولولا عامل الصدفة لقاموا بانقلاب عسكري ولربما نجحوا في الاستلاء على الحكم وأخونة المجتمع. سبقهم زين العابدين بن علي فكانت ضربة موجعة للحركة لكنها لم تمت وبفضل عملها المحكم حافظت على قاعدتها الإجتماعية وأتباعها المخلصين وواصلت الإنتشار كما فعلت من قبل وبنفس الأساليب: التبشير والدعوة في الأحياء والمساجد...وواصلت زرع رجالها في أجهزة الدولة. واصل النظام القائم في عماه وسباته وسذاجته ولم يتفطن إلى حجم الخراب إلا بعد أن استفحل السوس ونخر جسم الأمة. فكانت تونس إثر ثورة 20111 وانقلاب الجيش التونسي على الزين في طوع الحركة. كانت مثل الضفدعة التي نفثت فيها الأفعى سمها منذ مدة فشلت وتخدرت واستحالت كل مقاومة ليبتلعها المارد الأصولي ويزدردها بسهولة وبكل أرياحية!!

شاركوا في المجلس التأسيسي وربحوا الإنتخابات التشريعية الأولى بنسبة قرابة ال-40% ليسيطروا على وزارات السيادة وخاصة الداخلية والعدل. فكانت ثلاث سنوات من الرعب والخوف والهلع (من 2011 إلى 2014)كشرت فيها النهضة عن أنيابها و أزالت القناع لتبرز سنحتها الشيطانية المقززة للعيان . نفذ التنين النهضاوي هجوما عنيفا على الدولة بهدف دعششتها ونشر نظام ديني متخلف وقروسطي ومتزمت كما هو منتشر إلى حد اليوم في إيران والسعودية .كانت سنوات النصر للنهضة فكان غزوا ثقافيا وسياسيا وفكريا كاسحا. كان المارد في ذروة النشوة والعنهجية والجنون والعربدة. كان هجوما شرسا وممنهجا وعنيفا لأسلمة المجتمع وتغييره بسرعة ضوئية جذريا نحو التزمت والأصولية والتطرف. وكان المثال الإيراني قدوتهم: انتخابات صورية بين أحزاب لا تختلف إلا في الإسم ، كلها أصولية دينية متطرفة. المرجع ليس العقل والعلم والإنسانية بل الشريعة الإسلامية بكل ما تعج به من خرافات ووحشية وغبار الجزيرة العربية في بداية التاريخ . لقد كانوا في خيلاء وزهو أطار عقولهم وأفقدهم وعيهم ليبدؤوا في اللمسات الأخيرة لطمس كل مخالف ودحر كل مقاومة لتنطلق الإغتيالات السياسية بالسموم وبالسلاح والتحضير للمجازر في الأحياء الشعبية تماما كما صار في الجزائر في العشرية السوداء. في ذلك العهد انطلق الآلاف من التونسيون كالمسعورين في كل صوب كإرهابيين مع كل الجماعات المتطرفة في العراق وسورية وليبيا و أوروبا بمساعدة قطر وتركيا ودول الخليج وأثرياء البترودولار ينشرون الرعب و الهول و الدمار .

لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه. فكما قام الإخوان بعمل قاعدي كان بورقيبة بنفس الحذق فكون جيلا علمانيا غربيا متشبعا بالقيم الغربية من حب الإختلاف وحب الحياة والتحرر والإعتدال ونبذ التحجر والدوغما والتزمت . فكان انقلاب الجيش سنة 2013 اثر اغتيال بلعيد والبراهمي ليجبر النهضة على الإنسحاب من الحكم وتكوين حكومة تكنوقراط برئاسة المهدي جمعة. منذ ذلك اليوم بدأ السقوط للإخوان . سنة 2014 يفوز حزب النداء بقيادة الباجي قائد السبسي بالأغلبية في البرلمان وبكرسي الرئاسة . انتصرت الدولة المدنية و العلمانية، انتصر العقل و الإعتدال و العلم و النور على الجهل و الظلام . ورغم كل المناورات والحيل فقد تواصل السقوط نحو الهاوية . لم يتحصلوا سنة 2018 إلا على 19% من الأصوات في البرلمان، لم يكن لهم أي مرشح جدي في الرئاسة. في خضم الكوارث التي انهالت عليهم: الهزيمة في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية، انقلاب الجيش المصري على الحركة الأم في مصر، انتصار بشار في الشام وهزيمة الدواعش في العراق، تحالف الأخطبوط الذي يدعي النزاهة والتدين والنظافة وقمة التخلق مع رمز الفساد في تونس: نبيل القروي وحزبه قلب تونس ؛ فكانت الضربة القاضية . كان السقوط الأخلاقي المريع لمن أتى ليخلق مجتمعا،، متخلقا،،.من ادعى تجسيم النزاهة والعفة تحالف مع من يجسم الفساد والجشع والرذيلة والمال الوسخ. ولم يكن انقلاب قيس سعيد إلا طلقة الرحمة لجسم نخره الوهن والمرض ونقطة نهاية نص يصف تاريخ حركة منافقة ودموية ومرادفة للموت والتحجر والرعب. فكان حال شيخهم راشد الغنوشي أمام أبواب البرلمان خير معبر عن حال الحركة: كان زعيمهم منهكا هدته جائحة الكوفيد فلم يستطع النبس ببعض الكلمات مستجديا الدخول كأنه متوسل يتضور جوعا على حافة الموت إلا بجهد مضني وبشق الأنفس بصوت خافت متقطع ومهزوم وذليل ليفحمه الجندي الذي مثل تونس العلمانية والمدنية والوطنية أحسن تمثيل بنبرة واثقة شامخة و صادعة تنفجر صحة وعافية وقوة وثبات بقوله أن الولاء ليس إلا للوطن، لتونس، للشعب و للأمة وليس لفكرة قديمة وبالية ومتزمتة ومتحجرة عفا عنها الزمان. الولاء للأمة وليس لإيديولوجيا وفكر. الولاء للحياة والرخاء والفرح والسلام والإزدهار.

مات التنين والأولى مواراته التراب حتى لا تصم رائحة جسمه الضخم العفنة أنوفنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرد الإسرئيلي على إيران .. النووي في دائرة التصعيد |#غرفة_ا


.. المملكة الأردنية تؤكد على عدم السماح بتحويلها إلى ساحة حرب ب




.. استغاثة لعلاج طفلة مهددة بالشلل لإصابتها بشظية برأسها في غزة


.. إحدى المتضررات من تدمير الأجنة بعد قصف مركز للإخصاب: -إسرائي




.. 10 أفراد من عائلة كينيدي يعلنون تأييدهم لبايدن في الانتخابات