الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السوري وتشظّي الوحدة العربية

ازهر عبدالله طوالبه

2021 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مَن غضِب مِن سياسيةِ نظامٍ ما في دولةٍ عربيّةٍ ما، سارَع ليتأبَّط النظام السّوري، ليسَ حُبًّا بالنظامِ السّوري، وإنّما لإرسالِ رسالةٍ مفادها ؛ أنّني ما زلتُ قادرًا على أن أعزفَ على وترِ التفرِقة العربيّة، بما أراهُ مُناسبًا لشخصي، وليس بما أراهُ مُناسبًا لوطني، ولا لمُواطني وطني، وأنّني لستُ عاجزًا على أن أُطبّق ما يُطلَب منّي مِن بلادِ العم سام .

فلكَم هو مؤلِم ومُحزِن أن تكونَ عودَة علاقة بعض الأنظمة العربيّة مع سوريا، أو بعبارةٍ أدَق، مع النّظامِ السوريّ ؛ عبارَة عن نتائج لمُناكفَات هزيلة بين الأنظمَة السياسيّة العربيّة، بعدَ أن أصبحَت هذه الأنظمة مطيّة للجميع . فتارةً يمتَطيها الغرب، وتارةً يمتَطيها الأميركان، وتارةً تمتطيها إيران، وأُخرى يمتَطيها مَن لا لونَ ولا جنسَ لهُ.

هذه العودَة، سواء اختلفتَ أو اتّفقتَ معها، تبقى عودة مُحاطة بسلبيّات كثيرة، قد تفوق حجمَ الإيجابيّات التي ستتأتّى منها أو عنها . إذ أنّها عودَة لم يكُ المُراد منها، إلّا تثبيت دعائمَ الحُكم الفرديّ، وجعلِ المنطقة العربيّة، برُمّتها، ترزَح تحتَ وطأة "الحُكم المُطلَق للفردِ الواحد" وجعلِ السُلطات كُلّها بيدِ الزّعيم الأوحَد، والقضاء على أيّ شكلٍ مِن أشكالِ دولَة المؤسسات المعروفة، والتي لا يُعترَف بالدّولة، أي دولة، إلّا إذا كانت هذه المؤسسات صاحبة السُلطة الوحيدة، وسيرها على الأُطُر والمضامين الدستوريّة.

فبعدَ أن كانَت تُرسَل النصائح، ومِن ثمّ تتّبعها الرسائل المُبطّنة بلُغة التهديدِ والوعيد -مُباشِرة وغير مُباشِرة- للنظامِ السّوريّ المُتجبِّر، والمُتعطِّل في أنظمةِ حُكمه، ها نحنُ نرى، اليوم، بأنّ مَن كانوا يرسلونَ تلكَ الرسائل للنظامِ الأسديّ مِن الأنظمة العربيّة، مُترقبينَ نهايته، يعودونَ إلى خطّه، ويسعونَ لإبرامِ اتفاقيّاتِ كبيرة معه، وكأنّه اعترافٌ شبه رسميّ بشرعيّتهِ مِن جديد، بعد أن كانَت وظيفتهم الوحيدة، أن يقذفوا بكُراتِ النّار إلى داخلِ سوريا، قاصدينَ بها، حرقَ سوريا لا النّظام، والعمل على تجزأتها كما هو واضح اليوم، وهذا ما بدا حقيقةً بعد مرور عقدٍ من الزّمن على الثورة/ الحرب الأهلية السوريّة.

لقَد باتَ واضحًا بأنّ الصّراعات العالميّة المُشتَعلة بين الجهات التي تسّعى لفرضِ سيطرتها على العالَم، هي الرّحم الذي يولَد منهُ قرارات وسياسات الأنظمة العربيّة، بل هي السياق الوحيد الذي يفرِض على الأنظمة أن يتحرّكوا من خلاله، كما أنّه باتَ واضحًا، بأنّ تلكَ الجهات تحصُل على زادها مِن خلال المائدة العربيّة الشهيّة . حيث أنّ هذه المائدة العربيّة، تشتَهِر بتواجُد كافة الأطباق الدّسِمة، التي ومِن أجلِ أن تحصُل عليها، لا بدّ مِن أن تُجيدَ، بل تُتقِن في أحاينٍ كثيرة، استخدامَ طريقة الأكل ب "بالسكين والملعقة والشّوكة" . إذ يمكّنُكَ السكّين من تحديد ما في الإطباق كي تُقطِّعهُ بالشوكة، ومن ثمّ تغرفَ ما تيسرَ لكَ منهُ بالملعَقة .

وبناءً على ما ذُكر، فإنّني أقول: واهمٌ ذلك العربيّ الذي لا يرى بلاده على هذه الحال، ويرفُض بأن يعتَرف بضُعفها، وأن يُقرَّ بهشاشة وهزليّة السّاسة فيها، الذين لا تعنيهم ؛ سوى منافعهم الشخصيّة، والبحث عن رغدِ الحياة، الذي لم ولن يجدوه، ما داموا يتجاهلون أحقيّة بلادهم عليهم، ويرفضونَ أن يقفوا مُتراصّينَ بصفّ بلادهم.


لَن تكونَ فكرَة العودَة هذه، هي مُحاولة جديدة، تهدف لإحياءِ الوحدة العربيّة مِن جديد -كما يزعُم البعض - ؛ لأنَّهُ لا مجالَ للإنكار، بأنَّ فكرَت الوحدة العربيّة تشظّت مُنذ سبعينيّات القرن الماضي . لكن، الآن، جُهِزت كي تُذبَح على أراضي ملحمة "فرِّق تسُد" . إذ ما عادَ هُناك مَن يملِك الجُرأة الكافية، من الأنظمة العربيّة، على أن يقِف بوجهِ اللحام/الجزّار في هذه الملحمة، ويعمَل على تشميعِ ملحمَته بالشّمعِ الأحمَر، بل على العكس مِن ذلك، فهُم لا يتوقفونَ عن تقديمِ كُلّ ما بسوعهم للجزّار ؛ كي لا يتوقّف عن نحر بلادهم على مذبَح العُروبة.


وليسَ هُناكَ ما هو أفضَل مِن أن أختِم مقاليَ هذا، بذكرِ حقيقةٍ سياسيّة، لا أعتَقد وجود هُناك مَن يشكِّك بها ..حيث تقول الحقيقة : المنطقة الشّرق أوسطيّة، لن تشكَّل، ولن يتِم إعادة رسمها، إلّا إنطلاقًا مِن أهميّة الأردن وسوريا وفلسطين في المنطقة . فمَن يبتَعد بقلمهُ السياسي بعيدًا عن هذا المُثلَّث، فقد ارتكبَ ذنبًا سياسيًا لا يُغتَفر .

دعوا هذا الخراب يمضي حتى النهاية، هو انفجارٌ حدثَ، وما يزال يتفاعل، ومن وسط هذه التوتُّرات والحِطام، ستولَد دورة تأريخية جديدة . فأيّ مُحاولةٍ لتغيرِ وضع سيء، لا تُعيق المُستقبَل ولو فشلت، هي دومًا حركة دافعة نحو الغد.*


* الفقرَة الأخيرة، لأحدِ الأصدقاء، وهي نقلًا عن صديقٍ لهُ، قالها لي بعدَ أن تحدّثنا بمُجرياتِ الحالة السياسيّة الصّعبة، والتي ستضَع البلاد العربيّة على مُفترَق طُرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال