الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة الديمقراطية ... هل هي حقا حكم الشعب .. ؟

آدم الحسن

2021 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية كلمة مركبة من كلمتين مشتقتين من اللغة الإغريقية و معناها ( حكم الشعب ) , لم ترتبط هذه الكلمة بأسلوب محدد للوصول الى الكيفية التي يحكم بها الشعب نفسه .
عبر التاريخ الإنساني , في المجتمعات التي كان فيها تمايز و استغلال طبقي كبير : اسياد و عبيد , إقطاع و فلاحين .... في مثل هذه الأنظمة , كان الاختيار يقتصر على الطبقة الحاكمة لانتخاب افضل حاكم يعبر عن مصالحها , و كان القائد المستبد فيها هو الذي يفرض سلطته المستبدة حتى على الطبقة التي هو منها .
لا يمكن إطلاقا أن يكون هنالك نظام حُكمْ يمثل حكم الشعب لنفسه حين يكون التناقض و الصراع الطبقي حاد بين مكونات أو طبقات الشعب ,
أما في العصر الحديث فقد ظهر الكثير من أنماط التطبيق للنظام الديمقراطي الذي يفترض أنه نظام يتمكن من خلاله الشعب من حكم نفسه بنفسه , بعض تجارب الأنظمة الديمقراطية فشلت فشلا ذريعا و بعضها نجح نجاحا نسبيا .
كانت كومونة باريس سنة 1871 واحدة من أوائل التجارب في العصر الحديث لتحقيق حكم الشعب بطريقة ثورية حيث تم سحقها بنفس القسوة التي مارستها الكومونة بحق من اعتبرتهم أعداء الشعب .
و تواصلت تجارب الشعوب في طرح نماذجها المختلفة للديمقراطية , بعض هذه الأنظمة تم تسميتها بالديمقراطية الثورية , و الأخرى بالديمقراطية الاشتراكية التي وِلِدَتْ في روسيا نقيضا للاشتراكية الديمقراطية حيث كتب مؤسسها عنها , ديمقراطية اشتراكية لا اشتراكية ديمقراطية .
في الجانب الآخر تواصلت تجارب الشعوب في البحث عن أنماط أخرى من الديمقراطيات , ففي البلدان التي اعتمدت اقتصاد السوق الحر ارتبط نمط الديمقراطية التي لديهم باقتصاد السوق الحر , ديمقراطية فيها مقدسات جديدة هي الملكية الفردية و التنافس الحر في السوق تحت ظل قانون العرض و الطلب .
و استمرت الشعوب في وضع تصاميم لنماذج جديدة و مختلفة لانتخابات تحدد من خلالها مَنْ هو الأصلح لحكم الشعب باسم الشعب , بعض هذه التجارب مرت بمراحل مختلفة لكن مسارها كان تصاعديا الى الأمام فمثلا في أمريكا , في فترة زمنية مضت , حُرِمَ المواطنون من اصول أفريقية من التصويت و بعد نضال مرير خاضته هذه الشريحة من الشعب الأمريكي حصلوا على حق التصويت و الترشح في الانتخابات , و في مرحلة مضت في أمريكا ايضا وجد الرجال أن رأي المرأة غير ضروري في مسائل تخص المجتمع و الحكم , فالرجال كانوا قادة المجتمع لذلك أقتصر التصويت و الترشح في الانتخابات في تلك المرحلة على الرجال فقط و ظلت النساء في أمريكا محرومات من حق التصويت و الترشح في الانتخابات الأمريكية و بعد فترة استجاب المجتمع الذكوري في أمريكا لحق النساء المسلوب .
و كان هنالك شكل أخر من الديمقراطية في بعض الأنظمة التي تمارس الفصل العنصري , كجنوب أفريقيا , ديمقراطية للمستوطنين البيض و الانتخابات فيها لاختيار احد المستوطنين البيض لكي يحكم بلد أصبحت بلدهم وفق قانون القوة حيث حولوا السكان الأصليين الى عبيد أو خدم و في أحسن الحالات الى مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة .
ما جرى في جنوب أفريقيا كان قد جرى في أمريكا ليس بشكل مشابه له بل بأبشع منه بكثير , في أمريكا الدولة التي ابتدأ تاريخيها قبل بضعة مئات قليلة من السنين حين أتى مهاجرون بحثا عن الذهب و عن ثروات هي ليست ملكهم و معهم البنادق المتطورة مقارنة بالأسلحة البدائية التي كانت لدى السكان الأصلين و خاضوا معارك غير متكافئة انتصرت فيها البندقية على شجاعة و بسالة سكان أمريكا الأصليين و كانت النتيجة عبارة عن أبشع أبادة جماعية للبشر حصلت عبر التاريخ الإنساني و على أنقاض تلك الإبادة الجماعية تم الشروع ببناء نظام ديمقراطي يمثل حكم الشعب الأمريكي , ليس الشعب الذي تم ابادته بل الشعب الجديد الذي حل محله , و اليوم يتحدث البعض مِنْ إن امريكا اصبحت اكبر راعية لحرية الشعوب و المسؤولة عن حقوق الأنسان من اقصى العالم الى اقصاه ...!
النظام الديمقراطي في أمريكا , من الناحية الفعلية , لا يستند على التعددية الحزبية و انما هي ديمقراطية الثنائية الحزبية , حزبان هما الديمقراطي و الجمهوري يتنافسان للفوز بمقعد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتماد على المال السياسي و لوبيات الضغط .
نسبة المشاركة في الانتخابات الأمريكية قد تقل أحيانا عن 50% من الذين يحق لهم الاشتراك في التصويت و عادة يتقاسم الحزبان الديمقراطي و الجمهوري الأصوات بمقدار متقارب , فمن خلال الانتخابات الأمريكية أصبح ممكن حكم الشعب ربما بأقل من ربع أصوات الشعب , هذا شكل من أشكال الديمقراطية الشائعة في عصرنا هذا .
في الصين الأمر مختلف تماما , لديهم تجربتهم الديمقراطية ذات الخصائص الصينية , هذه التجربة ليست فقط لا تعجب الديمقراطيات الغربية و إنما صارت تزعجهم و تخيفهم لأن نجاحها قد يبعثر عَولمتَهم و ديمقراطيتهم التي يفتخرون بها و يريدون تصديرها الى شعوب العالم الأخرى .
فحكم الشعب لنفسه في الصين لا تتم من خلال انتخابات تستند على التنافس بين حزبين كما في أمريكا أو التنافس بين عدة أحزاب كما في الكثير من الديمقراطيات الأخرى بل تعتمد على نظام المجالس الشعبية أبتدأ من أصغر وحدة إدارية و هي القرية صعودا الى أكبر وحدة إدارية , يشترك معظم السكان في اختيار ممثليهم في هذه المجالس , و هذه المجالس هي التي تعطي التزكية لأعضاء النخبة القيادية التي اسمها الحزب الحاكم و الذي يحكم الشعب باسم الشعب , اسم حزب النخبة الحاكمة في الصين هو الحزب الشيوعي الصيني و الذي اقتصر عدد أعضائه على مئة مليون صيني فقط لأنهم النخبة , هؤلاء النخبة الذين يخضعون لانتخابات دورية و رقابة شعبية مستمرة من قبل مجالس الشعب تصبح لديهم السلطة التي من خلالها يحكمون بها الشعب الصيني , صحيح أن نظام حكم الشعب لنفسه في الصين ليس حالة مثالية لكنه الأسلوب الأفضل بالنسبة الى الظروف الخاصة بتجربة بناء الصين الجديدة .
ربما ليس هنالك طريقة أخرى من خلالها تشترك نسبة اكبر من الشعب و بأكثر فاعلية كي يحكم الشعب نفسه بنفسه من النسبة و الفاعلية التي تحققها الديمقراطية ( حكم الشعب ) ذات الخصائص الصينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست