الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب الامبريالي وسياسات -الكيل بمكيالين-: تعاون الصهيونية مع النازية

خليل اندراوس

2021 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية



سياسة المعايير المزدوجة الّتي تتبعها الولايات المتحدة وكلّ الغرب الامبريالي تجاه القضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصّة لا تحتاج إلى براهين جديدة، فهذه السياسات لها تاريخ طويل من المواقف العدوانية والعنصرية والشوفينية وغير الإنسانية على مدى أكثر من قرن.

لا شكّ بأن ازدواجية المعايير أو سياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب الامبريالي خاصّة الولايات المتحدة تجاه سياسات اسرائيل العنصرية العدوانية والاحتلال والاستيطان، تهدف إلى تحقيق مصالح طبقة رأس المال العالمي والصهيوني في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط بل وغرب آسيا.

هناك الكثير من الأحداث التاريخيّة التي قامت بها الحركة الصهيونية في ثلاثينيات القرن الماضي والتي يحاول الغرب الامبريالي والصهيونية التغاضي عنها بل والغاءها وعدم ذكرها ومنها تعاون الحركة الصهيونية مع النازية والفاشية خلال العقد الثالث من القرن الماضي. فالصهيونية تطفّلت على العداء للسامية سابقًا واليوم، خاصة في كثير من بلدان رأس المال بهدف، وحتى أنّهم يضخمونه أحيانًا بصورة اعلامية اصطناعية ولا يندر أن يتعاونوا مع أشدّ أعداء السامية تطرّفًا على أساس مشترك، مرتكز على العداء للأفكار التقدمية العلمانية الثورية الأممية، وعلى العداء ضد مبادئ وأفكار التعايش والسلام بين الشعوب.

ومثال على ذلك عند وصول هتلر إلى الحكم في ألمانيا، إذ اعتبره بن غوريون والأغلبية الساحقة من زعماء الحركة الصهيونية عاملاً ييسّر نزوح اليهود الألمان إلى فلسطين، في ذلك الوقت قيادة "الاشتراكية الصهيونية" لم تربكهم البتة ايديولوجية النازيين وسياستهم العدوانيتان، الكارهتان للبشر وللإنسانية، ولم يقلقهم سوى أمر واحد، هو أنهم لن يتمكنوا من أن يجمعوا في فلسطين جميع اليهود المضطرين إلى الهجرة من ألمانيا وعدد من البلدان الأخرى في أوروبا للخلاص من المضايقات والمآثم والفظائع الفاشية، وفي رسالة إلى اللجنة التنظيمية للمنظمة الصهيونية العالمية بتاريخ 17 كانون الأوّل عام 1938 دق بن غوريون جرس الانذار والقلق لاحتمال توجه سيل المهاجرين لا إلى فلسطين بل إلى بلدان اخرى، فقد كتب: "اذا سلمنا بفصل مسألة اللاجئين عن القضية الفلسطينية، فإننا نعرض وجود الصهيونية ذاته لخطر الزوال"، وهذا يعني بتعبير آخر أن الصهيونية حين تعيّن عليها أن تختار بين الاشتراك في انقاذ ملايين اليهود وبين الاستعداد لإنشاء "دولة اليهود"، اختارت الحل الأخير دون أي تردد، وفي سنة 1933 عقد الزعيم الصهيوني اورلوزرف مع الهتلريين اتفاقية بصدد صفقة تحويل أموال اليهود الألمان النازحين إلى فلسطين من ألمانيا ونقلها إلى فلسطين بشكل بضائع.

وهذه الاتفاقية قوضت المقاطعة الاقتصادية لألمانيا النازية وأمنت لها مبلغًا ضخمًا قدره 5.5 ملايين جنيه استرليني. وبعد استيلاء الهتلريين على مقاليد الحكم، اشرف اشكول (فيما بعد، رئيس وزراء اسرائيل وقائد "ماباي") خلال ثلاث سنوات على قسم النزوح في مكتب فلسطين الذي انشأته الوكالة اليهودية في برلين.

وكان قادة الوكالة اليهودية الصهيونية "الاشتراكيون" الصهاينة بن غوريون وشاريت وكابلان وغيرهم يصادقون على إقامة اتصالات بين رسلهم والنازيين مثل عقد اتفاقية زعيم الصهاينة المجريين كاستنر مع رئيس "القسم اليهودي" في مصلحة الامن "اس اس" ايخمان بصدد السماح لممثلي النخبة الصهيونية بالنزوح من المجر إلى فلسطين مقابل العون في ارسال زهاء 500 ألف يهودي إلى معتقل الموت اوسفنسيم.

أخفى "الاشتراكيون" الصهاينة زمنا طويلا عن الرأي العام اليهودي والعالمي الكثير من وقائع فظائع ومآثم الهتلريين حيال السكان اليهود والشعوب الأخرى، وعرقلوا اشتراك اليهود في مختلف بلدان أوروبا اشتراكًا أوسع في النضال المشترك ضد الفاشية والنازية. وكاستنر، المسؤول المباشر عن هلاك زهاء 500 ألف يهودي في غرف الغاز النازية صار بعد الحرب العالمية الثانية عضوا في "ماباي" في اسرائيل، وقد بذلت حكومة اسرائيل قصارى الجهد أثناء محاكمة المجرم النازي ايخمان في القدس سنة 1961 للحيلولة دون نشر واعلان وقائع التعاون بين هذا الجلاد الدموي ايخمان وغيره من كبار رجال الغستابو و"اس اس" وبين بعض الزعماء الصهاينة بمن فيهم "الاشتراكيون – الصهاينة".

وفي تشرين الأول عام 1937 استقبل قادة "ماباي" ايخمان ورئيسه آنذاك هاغن بوصفهما ضيفيهم في فلسطين ثم في القاهرة، والهاغانا قامت في ذلك الوقت بأعمال التجسس لمصلحة "اس اس"، وفي شباط وآذار عام 1937 اتصل أحد قادة هاغانا، بولكس (وهو الذي تقابل في القاهرة مع قادة "قسم الشؤون اليهودية" في مصلحة الأمن "اس اس") بضباط من الغستابو والمخابرات النازية عندما كان في برلين بناء على دعوتهم. وآنذاك أصبح بولكس بالفعل عميلاً للمخابرات الهتلرية أيضًا رغم أنه كان من قبل يتعاون مع مصلحة التجسس في كل من بريطانيا وفرنسا.

وأثناء اللقاء في القاهرة، أحال بولكس إلى الرسل النازيين جملة من المعلومات المهمة التي تهمهم في مختلف المسائل، بما فيها مسألة نشاط الشيوعيين الألمان ضد الفاشية، وأدلى ببعض البيانات المهمة. فقد أكد أن "الأوساط اليهودية القومية (هكذا سمى بولكس الأوساط العليا الصهيونية باحتراس) قد أعربت عن سرورها الكبير بصدد السياسة الألمانية الراديكالية حيال اليهود، لأن عدد السكان اليهود في فلسطين قد ازداد من جراء هذه السياسة إلى حد أنه سيكون من الممكن في المستقبل المنظور الأمل في أن اليهود، وليس العرب، سيصبحون الأغلبية في فلسطين". وهناك وقائع أخرى معروفة عن تعاون الحركة الصهيونية مع الهتلريين وكذلك مع الفاشيين الايطاليين، وأنصار انطونسكو (رومانيا) وأنصار هورتي (المجر)، والخ.

أما الأبعاد الحقيقية لهذه الاتصالات فلا تزال مخفية عن الرأي العام العالمي لأن الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية وألمانيا الاتحادية تحول دون نشر الوثائق من أرشيفات مصالح التجسس في "الرايخ الثالث" الهتلري وأعوانه.

بعد الحرب العالمية الثانية انتقد بعض قادة الصهاينة "المحرفين" وصحفهم في غمار المناظرة بين الأحزاب الصهيونية موقف الزعماء "الاشتراكيين" – الصهاينة من الفاشية الهتلرية، فإن جريدة "حيروت" (الحرية) الاسرائيلية، مثلاً، لسان حال الحزب اليميني المتطرف بالاسم نفسه قد تناولت مسألة جرائم الهتلريين بالجملة ضد اليهود وكتبت في 25 أيّار عام 1964 متسائلة:

"كيف نفسّر واقع صمت قادة الوكالة اليهودية، زعماء الصهيونية المتواجدين في فلسطين؟ لماذا لم يحتجوا، لماذا لم يثيروا ضجة في العالم أجمع، لماذا لم تدع محطتهم الاذاعية "السرية" هاغانا اليهود من الغيتو والمعتقلات والقرى إلى البحث عن الخلاص في الغابات، إلى الانتفاض والنضال ومحاولة الخلاص؟ بصمتهم تعاونوا مع الأعداء بقدر لا يقل عن قدر تعاون اولئك الأوغاد الذين أحالوا إلى الألمان قوائم المحكوم عليهم بالموت.

ان التاريخ سيقدر ما اذا كان مجرد واقع وجود الوكالة اليهودية الخائنة مساعدة للنازيين... وحين يحكم التاريخ بحقوق القاضي اليودنرانات (المجالس اليهودية والبوليس اليهودي – هيئات معاونة انشأها الهتلريون في الغيتو واشترك فيها اليهود المتعاونون مع الهتلريين – وكانوا بأغلبيتهم من الصهاينة). وبين أعضاء هذه الهيئات كان عدد لا يستهان به من "الاشتراكيين الصهاينة" والبوليس اليهودي، فانه سيحكم كذلك على قادة الوكالة وزعماء الحركة الصهيونية.

ان الصهاينة لا يزالون في أيامنا هذه يقيمون اتصالات مع العديد من الأوساط اليمينية المتطرفة حول العالم، بمن فيهم أشد أعداء السامية اغراقا في الرجعية، فالصهيونية والعداء للسامية وجهان لعملة واحدة.

وعلى موقف الصهاينة من العداء للسامية يدل، مثلاً، بقدر كبير من البلاغة الواقع التالي، في سنة 1952 كتب شارون، المحرر في جريدة "دافار" بكل وقاحة يقول: "لو كانت لي سلطة بقدر ما عندي من الرغبة، لاخترت فريقًا من الشبان الأقوياء – الأذكياء، المتواضعين المخلصين لأفكارنا والمحترقين رغبة في المساعدة على خلاص اليهود ولأرسلتهم إلى البلدان التي انغمس فيها اليهود في الرضا الذاتي الاثيم ولتلخصّت مهمة هؤلاء الشبان في التقنع بقناع غير اليهود وملاحقة اليهود بواسطة الشعارات المعادية للسامية مثل "اليهود القذرين!"، "أيّها اليهود، ارحلوا إلى فلسطين".

وهكذا بالفعل تصرف الصهاينة في بعض البلدان، فهم الذين قاموا مثلاً بتفجيرات في الكنيس وفي بعض المؤسسات والمتاجر التي تخص اليهود في بغداد سنة 1951، وكان الهدف منها حمل اليهود العراقيين على الهجرة إلى فلسطين.

ويحاول الصهاينة في كل شاكلة وطراز أن يطمسوا عنصريتهم وأزمتهم الايديولوجية، بتضخيم الموضوعة الاستفزازية عن "العداء الكلي للسامية" ويزعمون كذبًا وافتراء، بأنّ "العداء للسامية يتفاقم متقنعا بقناع العداء للصهيونية"، وقد لفقوا العداء للسامية لديغول وأنصاره، والعداء للسامية لكرايسكي، والعداء للسامية عند اليساريين، وعند الزنوج في الولايات المتحدة، والعداء للسامية عند الساندينيين في نيكاراغوا وتوجيه تهمة العداء للسامية لكل من يعارض ويناضل ضد الحركة الصهيونية العنصرية الشوفينية.

كل هذا التاريخ الأسود من تعاون الحركة الصهيونية مع النازية، لا يذكره الاعلام الغربي ولا يتطرق له أبدًا، بل يتطرق إلى زيارة المفتي لألمانيا ولقائه مع هتلر ونحن نرفض هذه الزيارة وندينها.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى