الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرّ ، رغم الحصار ومنع السفر

ربحان رمضان

2021 / 7 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1972 خرج الأستاذ جلال طالباني من العراق الى بيروت ووصل إلى دمشق بسيارة تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " جورج حبش" وأرسله الرفيق الأمين العام صلاح بدر الدين الى الرفيق " جمو" الذي كان يشغل حينها عضوية اللجنة المنطقية لمنظمة الحزب في مدينة دمشق ليوصله الى المرحوم ابراهيم بكري ، كنت يومها قريبا منه حيث توقفت سيرته السوداء بالقرب من بيت رفيقنا جمو وطرق الباب ففتح والد جمو الباب ، استغرب يومها من هذا الشخص الآتي بسيارة رسمية ونادى على جمو ليرى من في الباب فأدخله جمو الى البيت ووافق على ان نوصله لبيت ابراهيم بكري معا .
بعد انتهاء المؤتمر الثالث عاد الأستاذ صلاح بدر الدين الى بيروت وأثناء عودته مكث في حي الأكراد لفترة قصيرة قضاها بين ثلاثة بيوت هي بيت المرحوم موسى ميقري " أبو مزكين" وبيت المرحوم أحمد كيكي " زين خوشكة " واخوته عدنان وهشام ، وبيت الشهيد خضر شانباز ومن هناك بعث رفيقنا مزكين في اللجنة الفرعية ليخبرني بأنه علينا الذهاب معا إلى بيت الأستاذ جريس الهامس ندعوه للقاءه .
فعلا ذهبنا معا الى بيت الأستاذ جريس " أبو حنين " وطلبنا منه الحضور ، ومن وقتها استمرت علاقة تنظيمنا في دمشق عن طريقي بين الحزبين ، حزبنا " البارتي الديمقرطي الكردي اليساري في سورية " والحزب الشيوعي العربي ( الماركسي – اللينيني ) خاصة وأن المرحوم الأستاذ محمد نيو أوكل إلي بهذه المهمة رغم حداثة سني حيث كنت لا أزال طالبا في الثانوية العامة ، وقد كنت أعرف لديهم باسم غسان شيخاني .
ذات مرة قال لي الرفيق ابو حنين : رفاقكم كشفوا بعض الأسماء أثناء التحقيق وأعطاني قائمة بتلك الأسماء ، اسرعت لأرى إن كان اسمي بينهم ، لم اجده ، قرأت فقط اسم رفيق واحد مالبث أن ترك الحزب فيما بعد ..... ، فلم أبدو مهتما بالقائمة اعتقادا مني اني أبرأ الرفيقين للإدلاء بأسماء الرفاق وقلت له : هذه الأسماء وهمية رفيق أبو حنين رفاقنا لن يتنازلوا أمام الجلاد .
فيما بعد حوكم الرفيقان يوسف وعادل خضر اليزيدي في محكمة أمن الدولة بدمشق ، وحضرت محاكمتهما مع الأستاذ جريس الهامس ، ل أتذكر تفاصيل الحكم لكن عرفت أنه حكم عليهم بستة أشهر أمضوها في السجن ، وبعد ايام خرجا ، وحال اطلاق سراحهما أعد ّ المرحوم عادل خضر اليزيدي العدة وهرب إلى السعودية بينما بقي الرفيق يوسف ديبو في القامشلي ، وأصبح يأتي إلى دمشق مع المسؤول التنظيمي عن منطقتي الجزيرة ودمشق المرحوم عصمت فتح الله للقاءات السياسية التي كنت أعد لهم مواعيدها مع الأحزاب الوطنية السورية والعربية والعالمية والأحزاب الوطنية السورية سواء داخل جبهة النظام " ماعدا البعث" أو خارجها في تلك الفترة ..
كانت لي تجربة في اجتياز الحدود منذ أواسط عام 1972 حيث عبرت الحدود السورية - اللبنانية بواسطة بطاقة مقاتل لمنظمة الجبهة الشعبية " الثورية " لتحرير فلسطين التي كان يقودها أحمد الفرحان "أبو شهاب" وأمين عامها المساعد محمد فارس " أبو عيسى" الذي كان يقيم يومها في حي جوبر بدمشق ، الحي الذي حوله نظام بشار الأسد فيما بعد إلى ركام .
حيث قمت بنقل بريد للحزب من بيروت إلى دمشق ، وكانت هذه المنظمة تساعد رفاق الحزب الديمقراطي الكردستاني في تركيا ، يمثلها بدمشق الرفيق المهندس " سورو" وهو مهندس من مدينة "لجة " الكردستانية ، كان يطلب مساعدتي له في الترجمة من الكردية إلى العربية ، وبسبب ضعفي بالتحدث باللغة الكردية كنت أقع بأخطاء في الترجمة .
ربما يتسائل البعض منكم اخوتي القراء كيف اني ناضلت فترة أربعة عقود ونيف في الحركة الوطنية الكردية وانا لا اعرف اللغة الكردية !!
أقول لكم : أن والدي كان متحدثا بها ، غير ان والدتي رحمها الله لم تكن تعرف منها إلا كلمتان هما : " برنج" و " نان" أي : "رز " ، و" خبز " لأنها من عائلة البرازي بحماه ، والتي لا يعرف أبناءها التكلم باللغة الكردية بسبب قدم تاريخ وجود العائلة في مدينة أبو الفداء .
كان "ســــورو" رحمه الله يعتمد علي ايضا في الترجمة بينه وبين بعض القوى الوطــــنية السورية الثورية كحزب العمل الاشتراكي العربي * ، والحزب الشيوعي العربي " الماركسي - اللينيني " الذي كان يقوده الأستاذ المحامي جريس الهامس " أبو حنين" .
ذات مرة وكنت عائدا من بيروت مررت على قاعدة من قواعد الجبهة ، تركت البريد وهو في حقيبة سفر ، في اسفل التلة ، وصعدت أشرب الشاي مع المقاتلين في إحدى الخيم ، وإذ أرى أن الرفاق استنفروا على الحقيبة موجهين أسلحته عليها ، صحت مباشرة ، اتركوها إنها حقيبتي ، وعرفت فيما بعد انهم اعتقدو بأنها ملغومة وان عدوا ما وضعها لنسف المعسكر .
في عام 1973 أجرى حزبنا مؤتمره الثالث وفيه التزم بالماركسية - اللينينية منهجا له في نضاله القومي والوطني والأممي ، فتوطدت العلاقة مع القوى الثورية المعارضة لنظام حافظ أسد اكثر ، وأصبح العمل اليومي الدؤوب صفة ملازمة للمناضلين في صفوف الحزب ، أصبحت المغامرة جزء من حياتنا ، حتى أني كنت مقتنع تماما بأن السفر عبر الجبال للقاء الرفاق في بيروت عمل نضالي ثوري ، وأنه لو صدف واعتقلت سيكون الاعتقال مشرف لأنه في سبيل الشعب والوطن ، والحزب .
لذلك كنت أجنح إلى الطريق الأكثر مغامرة في تحركاتي الحزبية خاصة حين تكون مهمتي نقل بريد ، أو كتب تدور مضامينها حول الكرد وكردستان كنا نطبعها لدى دار الكاتب في بيروت لصاحبها الأستاذ جورج حداد الذي كان له ( في ذلك الوقت ) موقف متضامن مع حق الشعب الكردي في تقرير المصير .
توالى مسؤولية قيادة تنظيم دمشق بعد مؤتمر الوحدة المنعقد في ناوبردان عام 1970 عدة أعضاء من اللجنة المركزية سيما بعد خروج رفعت عثمان (من جبل الكرد في عفرين والذي كان يعرف باسم رفعت كراغي ) والذي قاد المنظمة لفترة قصيرة جدا و تكتل مع مجموعة من الرفاق ، فأعلنوا عن نفسهم تنظيما بديلا للبارتي اليساري في فترة تقارب السنة ، وفشلوا ، ثم التحق فيما بعد بحزب " الاشتراكي الكردي السوري " واستشهد في كردستان العراق .
وكانت لي اتصالات في دمشق مع رفاق من القامشلي اصبحوا فيما بعد قياديين مثل الأستاذ فؤاد عليكو . الذي أقام في حي الأكراد ببيت ابن خالة والدي الأستاذ عادل عبدلكا أثناء فترة الاحتياط بالجيش ، والرفيق اسماعيل عمر الذي كان في تلك الفترة رفيقا لحزبنا البارتي اليساري وكان وجوده في دمشق لأنه دعي للخدمة الاحتياطية في الجيش كضابط احتياط .
لقد سبق المؤتمر الرابع للحزب أحداث مهمة لابد من ذكرها وهي أنه أضيف اسم اليساري على اسم الحزب في الكونفرانس العاشر الذي انعقد بعد عودة الرفاق من مؤتمر ناوبردان في ايلول عام 1970 ، وفي عام 72 تكتلت في منظمة دمشق مجموعة حزبية تزعمها المرحوم رفعت عثمان ومعه المهندس عبد العزيز من مدينة ديريك بحجة أن البارتي اليساري هو يمين وأن هذه المجموعة يسار الحزب ، لكنها لم تستمر اكثر من عام واحد وانتهت ، وفي عام 1972 أرسل الرفيق صلاح بدر الدين منشورات تستنكر وتدين مشروعي الحزام والاحصاء العنصريين عن طريق الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وقد استلمتهم من مكتبهم في حي المزرعة بدمشق الوقع تحت بيت المرحوم وزير الاعلام في عهد صلاح جديد الدكتور سامي الجندي رحمه الله والذي كان قد أقيل من عمله كرئيس تحرير لجريدة الثورة ، وقد كنت أزوره أحيانا لأسلمه نسخة من جريدتنا المركزية ..
مكتب الجبهة كان يطلق عليه اسمه مكتب الفرعية ، كانت تتواجد فيه قيادة الجبهة في تلك الفترة .
استلمت المنشورات من عضو المكتب السياسي للجبهة أبو غضب رحمه الله ، قسنا النشرا على ثلاثة أسام : قسم يتوزع في القامشلي ، وقسم في جبل الأكراد شمال حلب ، وقسم أبقيناه في دمشق لتقوم اللجنة المنطقية بتوزيعه سرا بين البيوت بدمشق ؟
فعقدنا اجتماعا ً أداره المرحوم محمد نيو عضو المكتب السياسي للحزب وسحبني أن الرفيق خالد ميقري خارج الاجتماع وطلب منا القيام بتوزيع البيان ، وطلب منا أن لا نخبر رفاقنا لأخرين في اللجنة خوفا من تسريب الخبر :
حملنا المناشير في بطوننا تحت البلوفر الصوفي لكل منا اكثر من 500 منشور وخرجنا لنوزعه في احياء دمشق ابتداء من مساكن برزة فحي الكراد وحي الصالحية ثم المهاجرين فالميدان وأخير باب توما وعدنا صباحا الى بيت خالد ميقري ، شربنا شايا ثم تركته وعدت إلى البيت ، في اليوم التالي ضج الخبر .. فاستدعى جهاز المخابرات العامة رفيقنا م . علي دياربكرلي معتقدين انه هو الذي قام بتوزيع البيان ، ولعدة ايام دون أن يصلوا إلى أية نتيجة ايجابية في التحقيق معه ، في حين أنهم اعتقلوا رفيقينا يوسف ديبو وعادل اليزيدي في الجزيرة وحولوهما الى فرع المخابرات العامة بدمشق .
بعد انتهاء المؤتمر الثالث عاد الأستاذ صلاح بدر الدين الى بيروت وفي طريقه مكث في حي الأكراد لفترة قصيرة قضاها بين ثلاثة بيوت هي بيت المرحوم موسى ميقري " أبو مزكين" وبيت المرحوم أحمد كيكي " زين خوشكة " واخوته عدنان وهشام ، وبيت الشهيد خضر شانباز عضو اللجنة الفرعية حينها ، ومن هناك بعث إلي بالمرحوم مزكين ميقري رفيقنا في اللجنة الفرعية لنذهب معا إلى بيت الأستاذ جريس الهامس ندعوه للقاءه .
فعلا ذهبنا معا الى بيت الأستاذ جريس " أبو حنين " وطلبنا منه الحضور ، ومن وقتها استمرت علاقة تنظيمنا في دمشق عن طريقي بين الحزبين ، حزبنا " البارتي الديمقرطي الكردي اليساري في سورية " والحزب الشيوعي العربي ( الماركسي – اللينيني ) خاصة وأن المرحوم الأستاذ محمد نيو أوكل إلي بهذه المهمة رغم حداثة سني حيث كنت لا أزال طالبا في الثانوية العامة ، وقد كنت أعرف لديهم باسم غسان شيخاني .
ذات مرة قال لي الأستاذ جريس " ابو حنين " : رفاقكم كشفوا بعض الأسماء أثناء التحقيق وأعطاني قائمة بتلك الأسماء ، فغلطت غلطة شاب لم تعركه الحياة حيث أني لم أبدو مهتما بالقائمة اعتقادا مني اني أبرأ الرفيقين للإدلاء بأسماء الرفاق وقلت له : هذه الأسماء وهمية رفيق أبو حنين رفاقنا لن يتنازلوا أمام الجلاد .
فيما بعد حوكم الرفيقان يوسف وعادل خضر اليزيدي في محكمة أمن الدولة بدمشق ، وحضرت محاكمتهما مع الأستاذ جريس الهامس ، لا أتذكر تفاصيل الحكم لكن عرفت أنه حكم عليهم بستة أشهر أمضوها في السجن ، وبعد ايام خرجا ، وحال اطلاق سراحهما أعد ّ المرحوم عادل خضر اليزيدي العدة وهرب إلى السعودية بينما بقي الأستاذ يوسف ديبو في القامشلي ، وأصبح يأتي إلى دمشق مع المسؤول التنظيمي عن منطقتي الجزيرة ودمشق المرحوم عصمت فتح الله للقاءات السياسية التي كنت أعد لهم مواعيدها مع الأحزاب الوطنية السورية والعربية والعالمية والأحزاب الوطنية السورية سواء داخل جبهة النظام " ماعدا البعث" أو خارجها .
وكما اسلفت توالى بعده عدة رفاق من اللجنة المركزية كانوا غالبا من منطقة الجزيرة وهم على التوالي عصمت فتح الله ، ثم عزيز أومري ثم محمد نيو ثم عصمت فتح الله مرة أخرى حتى انعقاد المؤتمر الرابع للحزب عام 1974 وتعييني من قبل المكتب السياسي كعضو في اللجنة المركزية ومسؤولا على تنظيم محافظة دمشق .
في تلك المرحلة خططت قيادة الحزب أن تكون قيادة منظمة دمشق من أكراد دمشق نفسها ، لذلك ساعدوا على نجاحي في انتخابات اللجنة المركزية خلال المؤتمر الرابع للحزب المنعقد في يوم الجمعة والواقع في الأول من كانون الثاني لعام 1975، فانتخبت وأصبحت عضوا في اللجنة المركزية .
كما عين المكتب السياسي المنتخب معي كلا من الرفاق سامي ناسو من قرية كوردان بعفرين و نشأت ابراهيم من قرية برمجة والرفيق نيازي خليل ، ومحمد رشيد جامو من جبل الأكراد ايضا في اللجنة المركزية .
وفي اول اجتماع للجنة المركزية التي اصبحت أحد أعضاءها ، عقب المؤتمر أجمع الرفاق علي أن التحق بالخدمة العسكرية الالزامية وانهي حالة التأجيل التي كنت اقوم بها بتشجيع الرفاق وخاصة المرحوم محمد نيو .
فرزت لسلاح المدرعات ، وخلال تلك الفترة تقلص عملي التنظيمي استنادا إلى قرارات الحزب الذي قضى في توقيف العمل التنظيمي للرفاق داخل صفوف الجيش حفاظا ً عليهم من اعتقال ، أو اختفاء قسري.
لم يمضى على عقد المؤتمر الرابع فترة قصيرة حتى دعى عصمت فتح الله ويوسف ديبو إلى مؤتمر عقب المؤتمر الرابع ليس لتصحيح وإنما بغية انشقاق كانت صيغة برنامجه مشابهة لبرنامج رفعت عثمان عندما تكتل محاولا الانشقاق .
عودتي إلى النشاط التنظيمي والسياسي :


حال انتهاء فترة الخدمة العسكرية والتي استمرت ثلاث سنوات اتصلت بالرفاق تنظيميا وتسلمت قيادة منظمة دمشق التي كان يقودها في فترة غيابي عضو المكتب السياسي للحزب المرحوم محمد خليل " من ديريك " .
سارعت إلى بناء التنظيم بشكل جديد حيث شكلت لجنة منطقية وتشرف على الهيئات الدنيا ساعدني في ذلك الرفيق مصطفى جاويش ومعه الرفيق آزاد مامو المقيم حاليا في هولندا ، وأشرفت على هيئة خاصة بالرفاق العسكر دون أن يكون هناك تواصل بينهم وبين رفاق المنظمة بغية الحفاظ عليهم وكان من بينهم الرفيق سعيد التش ، وحسن أدلو بافي ريزان ، والرفيق عصمت من قرية كوردان ايضا والذي اصبح فيما بعد مدرسا في قرية باسوطة بجبل الكرد ، إضافة لهيئات طلابية تنتظر السفر إلى الخارج بمنح دراسية كان يؤمنها لهم الحزب في تلك الفترة كهيئة أطلقنا عليها اسم آرمانج ضمت حينها كلا من الدكتور محمد رشيد ، والدكتور محمد أمين سليمان ، والدكتور ابراهيم محمود والدكتور خوشناف ديبو .
كما ساهمت مع الرفيقين ابراهيم شمس الدين والمهندس زكريا مللي على تأسيس فرقة كاوا الفلكلورية الكردية اللذان أبليا في تأسيسها بلاء حسن ، حيث عملا بدأب ونشاط على جمع الشباب والبنات كأعضاء وتشجيعهم حتى وصل عدد أفراد الفرقة إلى خمسين عضوا نشطا في الدبكة الكردية والغناء ، والتمثيل بالتعاون مع عبد الرحمن صورو من " قامشلو " رحمه الله ، وكان يومها اول مدرب للفرقة هو المرحوم شكري الخياط الذي أعقبه فيما بعد الدكتور محمد عبدي الذي أعطى للفرقة وجها فلكلوريا لا مثيل له من حيث الأداء والتنوع .
كما شارك فيها كل من الشابة ميديا شيخ موس (حفيدة الشاعر جكر خوين) بصوتها وأداءها الرائعين ، الطالب رياض عمر الذي حصل فيما بعد على شهادة (ماجستير اقتصاد) بصوته الثوري – الجهوري ، المهندس زكريا مللي الذي أشرف على تنظيم وعمل الفرقة بالتعاون مع إبراهيم شمس الدين ، الفنان كاني وار بصوته الرائع ، الصيدلانية شيرين بارافي ، المهندس مزكين اوسي ، المهندس محمد مللي ، المرحومة روكن واختها فاطمة فلو ، الشاعرة سعاد عمر ، فريال سكفان ، خالد سكفان ، سعاد حعفر ، (الأختين) مللي ، فرحان سليمان ،المحامي أزاد علي ، أفين مارديني ، نوفين دقوري ، رياض شكري ايزولي الذي ساعد الفرقة بكل الامكانيات ، الأســـتاذ مُدرسة الرياضة في مدارس دمشق هيــفرون أيــزولي ، فيحاء ايزولي ،الفنان التشكيلي محمد عبده ، حسين شيخموس " أبو رامان " ،المرحوم فرهاد شيخموس سربست بارافي ، نور الدين بارافي ،الآنسة لينا ميقري ،الآنسة خاتون ميقري ، الآنسة نوزت أوسي ، الآنسة غادة شمس الدين ، والموسيقار بلند ملا الذي رافق الفرقة منذ بدايتها حتى نهايتها وذلك بعزفه الرائع على الأكورديون ثم الأورغ .
في الحادي عشر من نيسان عام 1979.. صودر جواز سفري ومنعت من السفر .. لم يشرح لي موظف الأمن العام السبب ، لكني فيما بعد عرفت أني مطلوب لصالح فرع الأدلة والتحقيق لكن لم أراجعهم طيلة السبع سنوات التالية حتى اعتقلت إثر مظاهرة نوروز الدمشـــقية عام 1986 .
بعد تأدية الخدمة الالزامية في سلاح المدرعات أردت أن أتنفس الصعداء .. أن أسافر في رحلة سياحية إلى أي مكان في العالم ، فاخترت تركيا ، وكردستان الشمالية بشكل خاص .
حزمت أمتعتي ، واتجهت عبر باب الهوى إلى عينتاب أولا ، زرت قريبا لي يقيم هناك .. ثم اتجهت شرقا إلى مدينة آمد التي أطلق عليها الأتراك اسم ديار بكر وتعني تعني ديار النحاس باللغة التركية ، وهي نسبة إلى قائد الحملة العسكرية عليها في زمن الحروب أو الفتوحات في القرن السابع الميلادي .
كان الأستاذ صلاح بدر الدين * أمين عام حزبنا قد طلب مني أن أزورها لألتقي فيها بالرفيق " مراد " المعروف باسم " سرهاد دجلة " عضو المكتب السياسي لحزب عمال كردستان المعروف ب TDKD والذي كان يقوده المناضل عمر جتين وأحدد معه موعدا للقاء بين قيادتي الحزبين الحليفين .
وفعلا التقيت بالرفيق مراد ، وبالرفاق شيخموس ديب ، وأحمد قايا ، واسماعيل في آمد ثم تابعت زيارتي في تركيا إلى مدينة أنقرة ثم استانبول ، وعدت بعد ذلك إلى دمشق .
ثم وبعد فترة قصيرة أقمنا في منظمة حزبنا بدمشق " الاتحاد الشعبي الكردي " حفلا ً شبه علني في قطعة الأرض التي يملكها والدي في قرية حرستا القنطرة بغوطة دمشق شاركتنا فيها قوى سورية وعربية كان أهمها رابطة العمل الشيوعي ، والحزب الشيوعي السوري "منظمات القاعدة " حيث ألقى المرحوم عبد الوهاب ظاظا كلمة الحزب الشيوعي السوري " منظمات القاعدة " بمناسبة نوروز * كما شاركتنا في الحفل السيدة مريم نجمة ممثلة عن الحزب الشيوعي العربي (الماركسي - اللينيني ) إضافة إلى ضيوف من منظمة التحرير الفلسطينية ، والقوى الوطنية العراقية "كردية وعربية" كان من بينهم الكاتب التقدمي المرحوم الأستاذ سعيد جواد ، أمين عام المنظمة الماركسية - اللينينية العراقية .

في الحادي عشر من نيسان عام 1979.. صودر جواز سفري ومنعت من السفر .. لم يشرح لي موظف الأمن العام السبب ، لكني فيما بعد عرفت أني مطلوب لصالح فرع الأدلة والتحقيق لكن لم أراجعهم طيلة السبع سنوات التالية حتى اعتقلت إثر مظاهرة نوروز الدمشـــقية عام 1986 .

حيث أنه لم تمضي فترة طويلة حتى أرسلت لي أختي التي كانت تقيم مع زوجها وأولادها في السعودية دعوة لزيارتها وسمة دخول ، فذهبت إلى مديرية الأمن العام " إدارة الهجرة والجوازات " للحصول على تأشيرة دخول .
يومها انتظرت في الطابور أن يذاع اسمي لأحصل على التأشيرة .. لم يذاع ، كل الواقفين في الطابور حصلوا على تأشيرة خروجهم إلا أنا .. راح الجميع ، خرجت أبحث عمن يساعدني فصادفت ابراهيم الذي عرفته طالبا ً يقيم مع شباب من آل عباس في بيت من بيوت حي الأكراد يتردد عليه رفاقنا في قيادة الحزب سابقا " عصمت ، يوسف ديبو ، محمد عباس .. " قلت له : ابراهيم ، أرجو أن تساعدني إن كنت تعرف أحدا ً منهم ، قال : لا عليك ، والتفت إلى زميله قائلا أرجوك ساعد لي قريبي ، " شوف قسم المحفوظات ربما متوقف الموضوع عندهم " ؟
اصطحبني زميل " ابراهيم " إلى الطابق الثاني حيث يوجد قسم المحفوظات ، طلب من الموظف البحث عن سبب عدم منحي تأشيرة الخروج ، بحث هو معه ، توقف لبرهة ، التفت إلي وسألني : جوازك معك ؟
قلت ، نعم ، معي .
قال : اعطني اياه من فضلك .
قلت تفضل.
قال : خلص " هاد " مصادر .
اندهشت بادئ الأمر ، حافظت على أعصابي ، سألته عن السبب ، قال أنه لايعرف ، فقط يعرف أني ممنوع من السفر ..
نزلت من الدرج ، متفائل لتركي بدون سين وجيم ، سارعت الخطى إلى رجل كردي كان يعمل في السنترال ، قلت له :
أبو ممدوح ، صادروا جوازي فوق في المحفوظات ، هل من حل ؟
قال : تعال معي ..
مشى وكله ثقة بأنه سيساعدني في استعادة الجواز .. مشيت معه ، التقينا بنفس الضخص الذي صادر جواز سفري ، سلم عليه وتحادثا حديث ليس له علاقة بموضوعي ، قلت له هذا الذي صادر الجواز ، فباشره قائلا : هذا ابن عمي ، كيف تصادر جواز سفره ؟؟؟
زميله اقترب منه وهمس في اذنه عبارة ما ، ثم سأله ، ابن عمك ؟
قال وقد تغيرت ملامح وجهه : " والله بعرفه من بعيد لبعيد .. "
ثم أسر ّ لي أنه لايستطيع فعل شئ .
شكرته ، وقبل خروجي من دائرة الهجرة والجوازات تذكرت رئيس دائرة الهجرة والجوازات ، قلت في نفسي سأدخل عليه حيث أن والدي رحمه الله كان قد أخبرني بأنه يعرفه ، حتى أنه قال : " إذا صعب عليك شئ قل له انك بن ديب رمضان " .
دخلت وسألته ، اتصل بدوره بقسم المحفوظات ، سألهم ، أعاد السماعة إلى مكانها ، قال لي : والله من عنا صعب نرجعو ، الجواز مصادر لصالح فرع الأدلة والتحقيق ، " أعتذر منك القضية مو عنا ".
خرجت ومباشرة اتصلت بشخص آخر أعرف ان له علاقة بالمرحوم جلال قوطرش والذي كان " يفـّت " على كبار موظفي الدولة المبالغ الطائلة لتسيير معاملات الناس ، وعمله كان لله بدون مقابل .
في نفس اليوم مساء رد علي بهاتف قائلا : الرجل اعتذر ، لأنه لم يستطيع خدمتك ، الجواز صار عند المخابرات ، وشرط إعادته هو مراجعتهم .
لم أراجعهم ، تنقلت كثيرا بين دمشق وبيروت خلال نشاطي الحزبي ، كانت منظمة التحرير الفلسطينية ومن خلال علاقة حزبنا بفصائلها عونا لنا في ذلك ، فقد تنقلت بواسطة بطاقات لمنظمات الجبهة الشعبية "جورج حبش" والجبهة الديمقراطية ، وفتح ، والجبهة الثورية المنشقة عن الشعبية ، وجوازات سفر مختلفة في تلك الفترة ، لبنانية واردنية ، ويمنية ..
وبقيت ممنوعا من السفر في سجلات فروع المخابرات وأجهزة القمع حتى الآن ..

بعد فترة قصيرة تحدد وقت مؤتمر حزبنا الخامس في يوم الثلاثاء المصادف للخامس من آب كما تحدد مكانه في بيروت ، ومن أجل الوصول للمؤتمر لابد من اجراء كونفرانسات لمنظمات الحزب لتقديم مقترحات الرفاق للوصول إلى برنامج سياسي مرحلي واستراتيجي ، وبالفعل أجرت منظمات الحزب كونفرانساتها واجتماعاتها ، انتخب الرفاق الذين سيحضروا المؤتمر أذكر منهم الرفيقان الأستاذ المهندس زكريا مللي والعزيز ابراهيم شمس الدين " بروكا " .
قبل يوم من المؤتمر توجهت إلى بيروت وكان الدخول إلى لبنان لايحتاج إلا لبطاقة شخصية ورسم ندفعه قيمته 200 ليرة سورية
وفي مركز المصنع الحدودي توقفنا .. قدمت بطاقتي الشخصية ، أخذها الشرطي وراح يتفحصها خرج من وراء الكوة ، امسك بيدي وقال تفضل معي لعند الضابط .. خرجنا إلى الجهة المقابلة ، توقف ثم التفت الي وقال انتظرني.. اوعى تتحرك .. ودخل لغرفة الضابط ، تأخر حوالي 20 دقيقة ثم خرج ، أعاد لي بطاقتي الشخصية وقال لي يجب عليك مراجعة فرع الأدلة والتحقيق حتى يسمحوا لك بالمغادرة ..
أخذت بطاقتي الشخصية وابتعدت عنه ، وقفت قرب مدخل السيارات الذاهبة إلى دمشق .. انتظرت قليلا وإذ بسيارة خاصة سوداء اللون ، استوقفتها ، كان فيها راكبين إضافة للسائق سألته إذا كان من الممكن حملي معهم إلى دمشق ، سألني : ما الأمر ، قلت له أعادوني وقالوا ممنوع من السفر .
قال لي اطلع ، اهلا بك ، وراح يسب ويشتم الحكومة والبعث وحافظ أسد ..
كانت لهجته ولهجة أصدقاءه حلبية ، فسألته وهل انتم مسافرون إلى حلب ، أجابني بنعم .
ورد في رأسي فكرة السفر معهم إلى حمص لأجرب الدخول إلى لبنان من مركز القاع الحدودي ، سألت السائق ، فقال تكرم عينك وعلى الرحب والسعة .
توقف قليلا في فندق البستان للقاء قريب منه وانطلقنا إلى حمص ..
حاولت أن أدفع ثمن البنزين لم يرضى السائق ، وأصر ّ على أن لا أدفع قرشا ً واحد .
وصلنا حمص مساء الثالث من آب ، بحثت عن فندق لأنام فيه ، وفي الخامسة من صباح اليوم التالي خرجت إلى كراجات لبنان واستقليت أول سيارة متجهة إلى بيروت عبر مركز القاع الحدودي .
لما وصلنا الحدود كان شرطي الحدود خارجا من مكتبه ليغسل وجهه ، فجمعت جوازات الركاب الموجودين في السيارة وذهبت لعنده لختمها ، وفعلا ، وبدون النظر إلأى الأسماء " طج الأختام" وتابع سيره إلى التواليت .
فرحت في سري جدا ، وتابعنا إلى بيروت ، حيث وصلت مكتب منظمة حزبنا فيها حوالي الثانية عشر ظهرا ، وهناك التقيت بالرفاق القادمين لحضور المؤتمر من كل منظمات الحزب داخل وخارج سوريا .
عقدنا المؤتمر بنجاح ، ولما وجد الرفاق أنه من الضروري عمل جواز سفر لي ، أخذ الرفيق ريبر صورتي وبعد نصف ساعة أتى لي بجواز لبناني جديد ولكن باسم أحمد صالح وقال لي بامكانك العودة بواسطته إلى دمشق دون أية مشكلة ، وفعلا عدت إلى سورية وعبر نفس الطريق الذي اتيت منه أي عن طريق القاع إلى حمص . لما وصلنا الحدود التفت السائق الى الجميع وطلب منهم جوازات السفر والبطاقات الشخصية وذهب نحو المركز ، لم تمضي دقائق حتى عاد وقال لي ان الضابط يريدك .
نزلت وانا حذر ، وإذ به نفس الضابط الذي ختم لنا سمات الدخول قبل ايام ،
سألني وكأنه التقى بي قبل ذلك : وين رايح ، قلت له بلكنة لبنانية : زيارة عالست زينب .
قال : أهلا بك ، وطج الختم .
لما وصلت دمشق سارعت لألتقي بوالدي ووالدتي رحمها الله ، فلم أجد والدتي ، قال والدي أنها سافرت إلى العاصمة الأردنية " عمان" إجراء عملية جراحية لعينيها فعقدت العزم على السفر إلى عمان ، ذهبت إلى السفارة الأردنية بدمشق وتقدمت بطلب فيزا إلأى الأردن على جواز السفر اللبناني ، وفعلا حصلت عليها بخمسة دقائق فقط .
لما خرجت من السفارة الأردنية كانت لاتزال البطاقة الشخصية " السورية " في جيبي ، ناقشت فكرة أن أعود إلى البيت لأتركها وأسافر ، أو أسافر وهي بحوزتي ، وبعد جدال بسيط بيني وبين نفسي تابعت طريقي باتجاه كراجات عمان واستقليت سيارة الأجرة العمومي بغية اللحاق بوالدتي والاطمئنان عليها .
مررت بالحدود السورية بسلام ختم الموظف جوازي بشكل عادي لكن لما وصلنا الحدود الأردنية لم يكن الأمر على مايرام ، اقترفت خطأ بسيط بحيث أني تجاوزت الناس المصطـّفين في صف الانتظار ووقفت في المقدمة ، موظف بجانب الصف ناداني ، مدّ يده إلأى جيب " جاكيتي " وأخرج البطاقة الشخصية السورية ، كانت في الجيب الأمامي ، ومن المحتمل أن يكون طرفها ظاهرا للعيان .
طلب جواز السفر ، نظر إلى الوثقتين ونظر إلي وسألني ، من أنت ؟ اي وثيقة تخصك .
قلت له : الاثنتان معا .
نادي لشرطي فادخلني إلى غرفة مجاورة وفتشني ، ثم خرج بي إلى سيارة الاجرة لأتي بحقيبتي التي فتشها تفتيشا دقيقا ، ثم قال انتظر هنا حتى يناديك الضابط .
انتظرت قليلا ، خطرت على بالي فكرة ، طرقت الباب ودخلت وسألته : هل من الممكن الاتصال تليفونيا ؟
طبعا في ذلك الوقت لم تكن هناك جوالات ولا موبايلات .
قال : بمن ؟
قلت : بعامر خماش .
قال: عامر باشا ؟ !!!!!
قلت : نعم بتعمل معروف .
تغيرت لهجته ، ظهرت آثار دهشته على وجهه ، قال انتظرني خمس دقائق من فضلك .
لم تمضي خمس دقائق إلا وخرج ومعه ورقة مكتوب عليها عنوان المخابرات الاردنية بعمان وقال ، يرجى مراجعة المخابرات الاردنية بعمان ، فودعته وخرجت بعيدا باتجاه ممر السيارات الذاهب إلى عمان ..
انتظرت سيارة صاحبها ، أو سائقها رجل يحب الخير .. وإذ بسيارة فيها رجل وامرأة واطفالهما توقفت بجانبي .. فتح الرجل النافذة وسألني : هل تريد مساعدة يا أخي ؟ قلت بالتأكيد ، ارجو ان توصلني بطريقك إلى عمان .
وإذ به يترجل من السيارة ويطلب من زوجته ان تجلس في المقعد الخلفي لأجلس بجانبه .. وسار ..
قبل وصولنا عمان سألني أين تريد ان تصل ؟ قلت له : والله دار أختي في منطقة الشميساني ، فقال سأوصلك الى باب البيت ، حياك الله ، وبالفعل أوصلني الرجل حتى باب البيت ، فشكرته ودعوته للنزول ، شكرني واعتذر .
طرقت الباب ففتح نسيبي الباب بترحاب حار ، واول طلب اطلبته منه هو أن ارى أمي ..
أجابني والله عادت إلى دمشق برفقة اختك أم المأمون ، تابعت قائلا : ارجو منك الاتصال بعامر خماش .
سألني عن السبب ، فأخبرته وأجابني : الأفضل الاتصال بأخيه عدنان فهو عميد في الدفاع المدني وعلاقاته قوية بالحكومة الأردنية .
قلت له : المهم العودة إلى دمشق بسلام .
وفعلا اتصل بالعميد عدنان خماش الذي وصل بعد فترة وجيزة لم تتعدى النصف ساعة ومعه مرافقه ، عرفته بنفسي وذكرته باسم والدتي رحمها الله التي هي ابنة عمة والدته رحمهما الله ، وبعد أن جلس في الصالون لنشرب قهوة سأل ما الأمر ، شو صاير ؟
قصصت عليه ماحدث معي ، وقلت أن ضابط الأمن على الحدود الأردنية صادر جواز السفر الذي أحمله باسم أحمد صالح ، وصادر بطاقتي الشخصية ايضا التي تحمل اسمي الحقيقي وقال انه يتوجب علي مراجعة فرع المخابرات بعمـّان .
سألني العميد عدنان ولماذا تحمل جواز سفر مزوّر؟
أخبرته عن منعي من السفر من قبل أجهزة المخابرات السورية وقصصت عليه ماحدث معي لما حاولت الحصول على فيزا إلى السعودية وكيف صودر جواز سفري في إدارة الهجرة والجوازات لصالح فرع الأدلة والتحقيق ، وكيف أني لم اراجعهم استنادا لموقف حزبنا حول هذا الموضوع حيث اننا كنا مقررين بعدم مراجعة فروع المخابرات حتى لو طلبونا ، وإن اعتقلونا فليعتقلونا من بيوتنا .
قال : ولا يهمك .. " .. تعال روح معي لنحلها " .

ركبنا سيارته وراح السائق يسوق بسرعة غريبة وكما يقول المثل : " يطوي الأرض طيا " ، فسألته عن سبب ذلك التصرف ، قال لي أنه يوعز للسائق دائما بالسرعة هكذا في قيادة السيارة ، وأردف : الآن نحن باتجاه مدير مخابرات عمان سليمان بك .
توقف قرب فيلا كبيرة وجميلة ، ترجلنا من السيارة فبهرني جمال البناء ، والاضاءة المختلفة بألوان مختلفة ..
قرع العميد عدنان الجرس ، ففتح له ، ودخلنا الى حديقة جميلة مليئة بالزهور والورود ، يحيط سور من شجر السرو الجميل ..
كان العقيد سليمان الكردي يجلس في منتصف الحديقة وبالقرب منه شاب كان يقدم له الماء .
سلمنا عليه أولا ، وعلى الشاب وقعدنا معا .. رحب بنا وباشر الكلام مع العميد عدنان خماش يسأله عن حاله وأحواله .. لكن العميد استوقفه وقال " خود ابن عمك شوف شو صاير معو .. "
التفت العقيد الي وسألني خير انشالله ؟
قلت له أن الشرطة على الحدود الأردنية صادروا بطاقتي الشخصية وجواز السفر " المزور " الذي أحمله .
سألني ولماذا مزور ؟
قلت له لأني ممنوع من السفر .
قال ولماذا انت ممنوع ؟
قلت لأني " كردي"
قال بس لأنك كردي ؟
قلت نعم .
التفت العميد عدنان وقال لي قل له الحقيقة مو مشكلة رح يساعدك .
فأخبرته عن السبب وهو لأني من رفاق البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا " مع العلم اني كنت عضوا في اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا " .
والحقيقة أني قلت ذلك لمعرفتي بأن النظام الأردني ضد اليسار عموما من جهة ، ولن يتقبل اعتباري من حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا بسبب علاقات حزبنا بالقوى اليسارية السورية والعربية والعالمية .
سألني وكيف حصلت على الجواز ؟
قلت ان حزبنا يشرف على جمعية كردية في بيروت اسمها الجمعية الثقافية الكردية ، وكنت في احدى الأمسيات الثقافية فتعرفت على شخص هناك دار بيننا حديث حول وضعي كممنوع من السفر فعرض علي ان يساعدني بجواز سفر وباسم آخر وذلك مجانا كي استطيع التنقل به من سوريا الى لبنان وبالعكس فشكرته ، وخاصة بعد ان جهزه لي في اليوم التالي .
قال لي : مو مشكلة ، ابق في البيت لاتروح هلأ على فرع المخابرات العامة ، روح بعد ثلاثة ايام ، وقبل ان تدخل اسأل عن اسمك ، إن كان موجود عند الباب الرئيسي ادخل ، واذا لم يكن موجودا ارجع الى البيت وعد في اليومين التاليين .
شكرته ، شربنا القهوة .. كان هو يدخن " بايب " كوبي .. تحدث مع العميد عدنان احاديث تخصهما ، وفي نهاية السهرة تشكرته وعدنا بسيارة العميد الخماش .
لم أغادر البيت ، بيت اختي ، إلا في زيارة قصيرة لقريب لي كان صاحب متجر في جبل عمان اسمه عبد الله الكردي ، ومتزوج من ابنة عم والدي رحمهم الله جميعا ، فرح جدا لزيارتي وحاول استضافتي في منزله لكني كنت منشغل البال فاعتذرت إضافة إلى أني لا اعرف عمان جيدا لأتجول بها كما يحلو لي .
بعد ثلاثة ايام أوصلني نسيبي إلى القرب من دائرة المخابرات العامة ، ترجلت من السيارة وتوجهت إلى البناء .. على الباب كان هناب موظفا وراءه لوحة اسماء وصور .. يشبه الى حد ما مكاتب حجز الطيران ، سلمت عليه وسألته عن اسمي ، فقال انه موجود .. قلت له اسمح لي بالدخول ، فأدخلني غرفة انتظار فيها مجموعة من الناس تبدو على وجوههم مظاهر التساءل والحيرة ، القيت السلام وجلست على مقعد بمواجه الباب انتظر ان ُأطلب للتحقيق معي .
عشرة دقائق وإذا بأحد عناصرهم يأتي ويطلب مني الذهاب معه ..
مشى أمامي .. مشيت خلفه الى غرفة كبيرة فيها يتصدرها رجلان كأنهما قاضيان ..
سمح احدهما لي بالجلوس ، جلست انتظر السؤال .. حياني وسألني ما اسمك الحقيقي ؟
قلت : ربحان رمضان .
قال : ولماذا دخلت الأردن بجواز مزور .. ؟
قلت : ممنوع من المغادرة في سوريا .
- لماذا ؟
- لأني كردي .
رد عليي بلؤم : كذاب !!
استغربت المعاملة الجديدة ، قبل قليل كان هادئا َ معي ، يكلمني وهو مبتسم ، مالذي حل ّ به !!
قلت له لأني من حزب كردي .
وكما اسلفت فقد كنت قبل يوم أفكر كيف يمكن أن اقدم نفسي ، النظام في الأردن نظام ملكي ، اي ضد الفكر اليساري ، وحزبي " حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سورية " ذو فكر يساري ، بل اننا كنا لانزال ملتزمين التزاما كليا بالنظرية الماركسية – اللينينية ، وعلى ذلك يمكن أن يحجزوني لفترة ما ... لذلك حضرّت أجوبة لأسئلة محتملة ، وأسماء لأشخاص وهميين أو أنهم منفيين خارج البلد أو متوفيين لن يعودا أبدا .
قلت : البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا .
قال : شو ترتيبك التنظيمي ؟
قلت . عضو فرقة " وهي أصغر مرتبة حزبية في احزاب الحركة الكردية " بالرغم اني كنت عضوا في اللجنة المركزية حينها .
قال من هو مسؤولك التنظيمي ؟
بهاء الدين .. " وكان بهاء لاجئا في المانيا ، لن يعود ابدا " .
قال وماهي نسته ؟ بهاء شو ؟
قلت : كلنا لانعرف اسماء بعضنا وأسماءنا الحقيقية يعرفها مسؤولينا فقط
- انت ومين في الفرقة الحزبية ؟
- قلت انا وخضر شانباز واحمد شمدين " أحدهما شهيد بحرب 1973 ، والثاني ليس له وجود في حي الأكراد ، وأنا اعرف عائلة شمدين كلها لا يوجد منهم اسم احمد إلا رجل من مواليد 1905 على ما اعتقد " .
تابع يسألني من تعرف من القيادة ؟
قلت : دهام آغا الميرو ، وكنعان عكيد .. " كان الأول سكرتير حزب البارتي ، والثاني عضوا في اللجنة المركزية للبارتي الديمقراطي الكردي في سوريا وكلاهما كانا في السعينات معتقلان في سورية ، ومعروفين لدى الجميع "
قال : وماسبب وجود حزبكم ؟
قلت : النظام في سوريا لايطمس وجود الشعب الكردي في سوريا فحسب ، وانما يضطهده ، ويصدر المراسيم الجائرة بحقه .
قال مثل ماذا ؟
قلت هناك مشروعان جائران صدرا بحق الشعب الكردي ، أولهما أنه أجرى احصاء استثنائي في منطقة الجزيرة جرد بموجبه وبجرة قلم 120 ألف مواطن سوري من الجنسية السورية وأصبحوا لاجئين لايحق لهم العمل ، وإن درسوا لن تسمح لهم الدولة بالعمل .. هذا العدد يزداد باضطراد ، والمشروع الثاني هو مشروع الحزام العربي الذي يقضي بتهجير الكردمن اراضيهم على الحدود السورية – التركية إلى الداخل واسكان عرب اقحاح بدلا عنهم .
قال وهل انتم مسلحين ؟
قلت : لا ، فنحن حزب نناضل نضالا سلميا من اجل تأمين الحقوق
الثقافية والقومية والاجتماعية للشعب الكردي في سوريا ، وننادي بالتآخي الكردي – العربي ، ومن أجل ذلك اعتقلوا الكثير ولا حقوا الكثير من ابناء الكرد ..
الحقيقة اسهبت في الكلام لسببين ، أولهما أنه كانت العلاقة بين النظامين السوري والأردني سيئة وكل منهما يستقبل لاجئين سياسيين من الدولة الأخرى ، والسبب الثاني هو واسطتي الكبيرة من شخص يقربني هو العميد عدنان خماش ، فامه بنت خال والدتي رحمهما الله .
كلمته عن الاحصاء الاستثنائي لعام 1962 وعن الحزام العربي لعام 1966 ، وكيف أن حافظ الأسد بدأ بنقل عشار عربية من مكان سد الفرات إلى المنطقة الكردية بهدف التغيير الديموغرافي ووضع حاجز بشري بين كرد سوريا وكرد تركيا ، وكيف منع الأسد أي شئ يخص الكرد ، منع التسمية باللغة الكردية بمرسوم جمهوري ، ولا توجد اية جمعية ثقافية كردية ولا أية مدرسة تعلم اللغة الكردية بالرغم من أن الكرد موجودين بسوريا منذ قبل الميلاد ، وكيف غير اسماء القرى والمدن الكردية حتى أنه أطلق على مدينة عفرين عاصمة " كرداغ " اسم عروبة ...
بعد ان انهى التحقيق طلب مني التوقيع على كلامي الذي قلته ، وبعد قليل
دخل الضابط الآخر الذي افتتح التحقيق ، أعاد لي البطاقة الشخصية وجواز السفر وقال :
تفضل ، الأردن بلدك ، أهلا بك متى احببت .. سلم على سليمان بك ، وخرج ..
بدوري ودعته وودعت المحقق الذي كرر كلام الضابط الأكبر منه .. متابعا الأردن بلدك نرحب بك متى اتيت .. قلت له كما قلت للآول :
لأ ، أعوذ بالله ، هذي اول وآخر مرة .. وخرجت مباشرة لأودع بيت اختي وأعود إلى دمشق .
في طريق العودة وعلى الحدود الســـورية ، جمع سائق الحافلة جوازات سفر الركاب وذهب بها للداخل لختمها .. بعد قليل عاد وطلبني لآراجعهم ..
ترجلت من الباص ودخلت عليهم فسألني الموظف وين رايح ؟
أجبته بلهجة لبنانية ولكنـة بيروتيــة : ترينزيت ، علبيت ياخيي " عابيروت ."
أعاد لي جواز السفر وقال اهلا بك وسوريا بلدك ايضا ..
لما وصلت دمشق اتصلت بالرفيقين زكريا وبروكا واستشرتهما ماذا سأفعل حتى يبقى جواز السفر ساري المفعول ، فاقترح " بروكا " أن يسجلني في بيته كمستأجر ، وفعلا ذهب الى المختار وسجل اسم أحمد صالح كمستأجر في بيته ..
لكن بعد مدة التقيت بالرفيق "ريبر" من منظمة حزبنا في لبنان ، حيث كان في زيارة لدمشق بحي الأكراد ، فأعطيته الجواز على ان يحتفظ به ليوم الحاجة .. ثم وبعد فترة لما كنت في بيروت سمعت انه سافر الى السويد وأصبح الجواز في خبر كان .


هوية حسن أدلو .. هوية فاتح جاموس

هوية حسن أدلو .. هوية فاتح جاموس

كوني مسؤول الحزب " حزب الاتحاد الشعبي الكردي" لمنظمة دمشق ، وعضو في لجنة العلاقات السياسية كنت اضطر للسفر إلى بيروت للقاء الرفاق في قيادة الحزب وبشكل أساسي الرفيق الأمين العام صلاح بدر الدين لمناقشة القضايا التنظيمية والسياسية على الساحة السورية وبسبب منعي من السفر كنت اضطر إلى حمل بطاقات شخصية مزورة ، فتنقلت ببطاقة عسكرية للجبهة الثورية لتحرير فلسطين ، وهي مجموعة انشقت عن الجبهة الشعبية الأم عام 1970 بقيادة أبو شهاب والسيد أبو عيسى " محمد عيسى " مسؤول الجبهة على الساحة السورية ، وايضا الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وبطاقة شخصية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والبطاقة الأكثر أمنا التي تعود لحركة "فتح" مكتب صلاح خلف " أبو أياد" المعروف باسم الأمن الموحد .
وكل تلك المنظمات كانت لنا معها علاقات نضالية على أساس الاعتراف المتبادل بقضايانا ، بل كانت جريدتنا المركزية وبيانات حزبنا ومنشوراتنا وكتبنا تطبع في بيروت وتصلنا عن طريق تلك المنظمات .
ليس ذلك فحسب بل كنت أضطر بعض الأحيان للسفر بشكل عادي ، لكن عندما يكون هناك تفتيش على الأسماء الممنوعة من السفر لا يسمحوا لي بالسفر ويعيدوني إلى دمشق على أمل أن أراجع فرع المخابرات العامة ليسمحوا لي بمغادرة سورية ، لكني لم أراجعهم طيلة فترة السبع سنوات أي منذ 11 نيسان 1979 عندما حجزوا جواز سفري ، حتى اعتقالي إثر مظاهرة نوروز الدمشقية التي قامت في يوم السبت المصادف للواحد والعشرين من آذار عام 1986 .
وفي بعض الأحيان يتكاسل الموظف ، لايبحث عن اسمي فأجتاز الحدود وفي الحدود اللبنانية يسمح اللبنانيون للسوريين عادة بالبقاء في لبنان لمدة ثلاثة أشهر.
وفي احيان أخرى قبل تغيير نموذج البطاقة الشخصية السورية كانت هناك امكانية لرفع الصورة وتبديلها ، فآخذ بطاقات الرفاق في قيادة منطقية دمشق للحزب و أسافر بأسماء مستعارة منذ بداية السبعينات كي لاتشعر أجهزة القمع بتحركاتي الكثيرة من وإلى لبنان .
عرضت موضوع تنقلاتي وضرورة إخفاءها عن اعين النظام للأستاذ فاتح جاموس القيادي في حزب العمل الشيوعي المحظور كليا في سوريا ، ذكرت له تلك المغامرة ببطاقة الرفيق حسن فقال لي على الفور : اسرق بطاقة شخصية ، بشرط ان تعرف صاحبها وتعرف انه غير ملاحق بتهمة أخرى ، آتيني بها وانا سأبدل صورته بصورتك ، وفعلا وأثناء حرب 1973 تطوع غالبية الشباب الديمقراطي واليساري في معامل الكونسروة للعمل مجانا لمساعدة الجيش الذي كنا نعتقد بأنه جيش وطني سيحرر الأرض التي احتلتها اسرائيل عام 1967 وكان معي زملاء ذوو أفكار متنوعة ، منهم الشيوعيون ومنهم البعثيون والناصريون وغيرهم ، فأقدمت على سرقة بطاقة شخصية للزميل البعثي لأنه بالتأكيد غير ملاحق ولا توجد أي رقابة عليه من جانب اجهوة القمع وأعطيتها للأخ فاتح فأبدلها لي بصورتي ، وتنقلت بواسطتها إلى بيروت عدة مرات .
، حتى أنه في إحدى المرات أبدلت صورة الرفيق أبو ريزان " حسن أدلو" بصورتي الشخصية لكن لم نكن ناجحين في عملية التزوير ، وكادت أن تسقط الصورة من البطاقة الشخصية بينما كان حاجزا من قوى الدرك اللبناني يفتش على البطاقات الشخصية .

= = = = = = = = = = = = = = =
*عرفت أن قرار منعي من السفر فيما بعد وأن كان بتاريخ الحادي عشر من نيسان 1979 .


في معتقلي ..
الغرفة التي قضيت بها سنتان ونصف مع 180 معتقل آخر كنت كالآخرين اتمنى الحرية واناقش نفسي فيما افعل لو أطلق سراحي ؟؟
بعض المعتقلين كانوا يقولوا سأنام تحت اقدام اطفالي ، وآخرون يقولوا لو خرجنا سنذهب هرولة إلى البيت ، مشيا على الأقدام ، وغيرهم يقول سلآخذ تكسي يوصلني ، وآخرون قالوا قالوا وغيرهم قالوا .. وأنا فكرت عما سأفعله إن أطلق سراحي من المعتقل .. بالتأكيد سنستمر في النضال .
لكن بعد سنتين وأشهر قليلة بدأت افكر وأسأل نفسي : لو أطلق سراحي ماذ سأفعل ، هل ابقى في الوطن ؟ هل ستتركني قوى القمع ولاجرام اعيش بدون مضايقات ، هل يمكنني متابعة النضال في الخارج ، أسئلة كثيرة تواردت وأخيرا ّ قررت قرارا نهائيا على مغادرة الوطن بأي شكل من الأشكال كي لا أسقط في حضن النظام الذي وعدني عبر جلاده أن أكون عضوا في مجلس الزور الذي أطلق عليه اسم " مجلس الشعب " فيما لو سعيت لانشقاق في الحزب مع العلم اني وقد أسلفت في حلقات سابقة من هذه السلسلة بأني ممنوع من السفر منذ الحادي عشر من نيسان عام 1979 ، وعلى هذا الأساس طرحت الموضوع على السيد عرفات دويك مدير مكتب القائد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يشاركني وأحمد الكردي سفرة الأكل في المعتقل وهي قميص تالف نمده على الأرض عندما نأكل كي لاتهر بقايا الطعام على " البطانيات " التي هي مكان جلوسنا ونومنا ... وحديثنا .. ونقاشاتنا بالصوت الخافت الممنوع .
ناقشنا الموضوع كثيرا انا وابو فتحي واحمد .. كان هشام الاختيار يطلب مني ان اعمل لشق صفوف الحزب ، وفي كل مرة يجري معي التحقيق كان المحققون يستغبوني ، يقولوا : " سيادة العميد عرض عليك عرضا مغريا ، لماذا لاتقبل وتخرج .. ؟ " لكن كنت مصرا على الصمود وعدم القبول بالحرية مقابل طعن الحزب من الخلف .
ومع طول المدة في القاووش الذي بقي عدد نزلاءه 180 معتقل كل تلك الفترة ، وانتشار القمل والجرب أصبحت فكر بطريقة مناسبة للخروج والهرب خارج البلد .
خطرت على بالي فكرة الخروج بشرط فتح جمعية ثقافية كردية ، فقبل اعتقالي كنت اشتري كل موسم مجموعة ورود من مشتل بآخر الحي ، من بساتين " الدايرة" التابعة لمنطقة ابو جرش " بيت بطراز بناء عربي أي ثلاثة غرف ومنافعها تتوسطها باحة كبيرة ، اصبحت اخطط أن اقبل بفتح الجمعية فيه على ان تكون الجمعية ثقافية ، فيها قسم لتعليم اللغة الكردية وغرفتان افتحهما على بعض ليصبحا صالونا كبيرا نقيم فيه الندوات الثقافية والتاريخية والأدبية ، ولما كنت اردد على المشتل كثيرا اصبح صاحب المشتل صديق حتى انه عرض علي بيعه للبيت بثمن اربعين الف ليرة قبل اعتقاللي ، لكن لم يكن لي فيه مأرب لذلك لم أحاول شراءه في تلك الفترة .
كنت في تلك الفترة اتردد عليه واشتري الوردو لأضعها في البلكون والتراس في البيت ، كنت اقول لنفسي وسنعلق فيها صورة للمقبور حافظ أسد ، ثم اهرب الى الخارج لكن ستبقى الجمعية قائمة ، وعندما سيحلونها سيطالب ابناء الحي بإاعاد فتحها وسيتجدد نضال مطلبي حول الجمعية وإلاقها والمطالبة بفتحها ، لأن النظام ضد وجود جمعية كردية رغم وجود جمعيات للأقليات القومية في دمشق كالجمعية الأرمنية ، والجمعية السريانية والجمعية الخيرية الشركسية لكن لاتوجد جمعية كردية لا في دمشق ولا في اي مدينة سورية أخرى ..
بقيت أناقش الفكرة بيني وبين نفسي بالبداية ، واحسب كل خطوة قادمة .. أي كيف يمكن فتح الجمعية وأهرب خارج البلد ، كيف يمكن أن نستفيد من هذه الخطوة قوميا ، وكيف ستغلقها السلطات الأمنية وكيف سيطالب الأهالي بإعادة فتحها وهكذا .. إلى أن طرحت الموضوع على زميلي في المعتقل " أبو فتحي" (1) الذي شجعني على الفكرة والهروب الى الخارج ، وأشار لي ان اذهب الى السيد " ابو مجدي " عضو في المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين واطلب منه المساعدة في ايصالي إلى لبنان ، ومن ثم سأجد الطريقة المناسبة لوصولي إلى إحدى الدول الاشتراكية لأتمام دراستي الجامعية بمنحة كالمنح التي كنا نساعد بها رفاقنا وأصدقاء حزبنا في تلك الفترة .
انتظرت الفرصة المناسبة حتى يمكنني طلب لقاء المحقق وكان برتبة مقدم من السجان ، قلت له قل للمقدم أن ربحان يريد مقابلتك ، وفعلا طلبت من سجان لقب نفسه باسم " ابو علي " ولم تمضي خمسة دقائق حتى طلبني المحقق على الفور .
ربط السجّـان يدي ووضع الطماشة على عيني وامسك يدي ليوصلني لعند المحقق الذي امره برفع الطماشة ، وقال لي اجلس ، ماذا تريد أن تقول ؟
قلت له : فكرت مليا َ ووجدت أن افتح جمعية كردية نعلق فيها صورة السيد.
أجابني : لا ، لا
جمعية لانريد ، نريد حزب ونحن سننزل اسمك في قائمة الجبهة الوطنية للمرشحين لمجلس الشعب وسننجحك .
قلت معناها مافي طريقة أخرى لاطلاق سراحي إلا الانشقاق .
مرة أخرى قال : مو بشان اطلاق سراحك ، إذا بدك تعمل هالشي لنطالعك ، مارح نطالعك .
قلت طيب رح نعمل حزب .
قال انت ومن ؟
قلت أنا وحسن صالح (2) .
قال : سأرفع طلبك لسيادة العميد ، نادى السجان وأمره بإعادتي إلى القاووش .
في صباح اليوم التالي وكنا مصفوفبن بالدور للخروج إلى الحمامات " التواليتات " صاح السجان : ربحان رمضان ضب اغراضك .
أصابتني دهشة وخطرت ببالي الكثير من الأسئلة .. هل هو اطلاق سراح ، أم نقل إلى فرع مخابرات آخر ..
أعطاني السجان البسة لشخص آخر ، واضح بأنه معتقل مسن ، لقد اخذوا مني كل حاجياتي ، منها في الأمانات " الساعة ومحفظة النقود وكان فيها لما دخلت المعتقل حوالي الف ليرة سورية وقشاط البنطلون ، اما الألبسة فقد أخذوها بدون وصل امانات ولذلك اعطوني البسة أخرى ، أعتقد تماما بانهم اخذوا البستي لمنازلهم حيث كانت البسة انيقة وخاصة ربطة العنق والحذاء ..
ثم امسكني من يدي ليوصلني الى ضابط التحقيق حيث سمح لي بالجلوس وقال لي سنوصلك بسيارتنا ، فقلت له على الفور اشكرك انا سآخذ تكسي .. لكن ارجو أن تسمح لي بالاتصال بأهلي تليفونيا .
في الحقيقة اني كنت قد خططت بأني سأذهب اولا الى سوق الحميدية لأشتري البسة نظيفة ، واذهب الى حمام السوق لأغتسل من ادران المعتقل سيما وأن رائحة اجسام المعتقلين وانا واحد منهم تفوح منها رائحة العرق والرطوبة .
قلت للمحقق لكن ارجو منك السماح للاتصال باخوتي كي يخبروا أمي بأني سآتي بعد قليل ، قال لي اعطني الرقم وانا اتصل ، فاعطيته رقم بيت اختي ..
امسك التليفون وضرب الرقم فجاوبته ابنة أختي ، قال لها : نحن فرع المخابرات تفضلي احكي مع خالك !
رأيت أن انتفض ، تغير لونه ، سألته ماذا حدث ؟ قال : جاوبتني : " كول خرا ، وأغلقت اليلفون بوجهي " كدت ان اضحك فحبست الضحكة واعتذرت عنها قائلا انها فتاة صغيرة ، لاتؤاخذها ، وطلبت منه ان أكرر الاتصال ، فاعطاني التليفون وكررت الاتصال ، وطبعا الرقم لم يكن يظهر على الشاشة ، لأن هواتف المنازل في تلك الأيام لم تكن فيها شاشة بالاساس .
ردت علي ابنة اختي ، قلت لها : مرحبا خالو ..
لم تصدق ، أعدت الكلام : مرحبا خالو ..
رددت علي : خالو خالو وينك ؟
قلت لها سيفرج عني بعد قليل ، ارجو ان تذهبي لعند تيتة ، قولي لها سيأتي خالو بعد قليل ، وألقت التليفون .
تذكرت اني لا اريد احدا ان يعرف بأني خارج المعتقل حتى ارى أمي واهلي ..
طلبت منه تكرار الاتصال ، قال لماذا قلت لأقول لها ملحوظة هامة ..
اعطاني الهاتف ، اتصلت من جديد .. لم ترد على مكالمتي .. لأنها ذهبت مباشرة لعند جدتها تخبرها باطلاق سراحي ..
أعادوا لي أمانتي وهي محفظتي وفيها 1000 ليرة سورية ، قشاط البنطال ، ساعة اليد وقلم حبر باركر لا يزال معي حتى الآن وأنا في النمسا .
نادا للحاجب يوصلني لخارج المعتقل .. خرجت من الباب الرئيسي كأني غريب في بلدي .. مشيت على رصيف الطريق .. لوحت بيدي لسيارة تكسي فتوقفت سيارة اعتقد انها كانت نيسان .. صفراء ككل السيارات العمومية في سورية .. سألني السائق : وين بدك تروح ؟
قلت سوق الحميدية .
في الطريق سألني وبلهجة ساحلية : خير انشالله ، شو كنت عامل ؟
قلت له : مواطن طلب مطلب شرعي فرُمي بالمعتقل ..

حاول ان يسأل اكثر ، أشحت بوجهي نحو الطريق لأرى الناس يعيشوا ، يتحركوا ، يدبوا على الأرض ، يبحثوا عن فرص أفضل للحياة ..

لما وصلنا قرب تمثال صلاح الدين الأيوبي ، توقف السائق عن الكلام .. أعطيته اجرته ونزلت متجها إلى السوق .
دخلت اول محل للألبسة اخترت قميصا ، وبنطالا .. ثم في طريقي إلى حمام السوق اشتريت ايضا صندل وأسرعت الخطى لأتخلص من أدران المعتقل ورائحة عفونته .
في هذه اللحظات التي اكتب فيها ماحدث معي لم اعد اتذكر اي حمام دخلته !! هل هو حمام منجك بمحلة القباقبية ، أم حمام الملك الظاهر .. أم اني ركبت تكسي مرة أخرى إلى حمام البكري في باب توما كل ما اتذكره اني خلعت البسة المعتقل بالكامل ، وضعتها في كيس نايلون وطلبت من عامل الحمام ان يدلني على المزبلة لارمي الكيس فيها ، وجلست بمواجه الجرن اصب الماء صبا ...
ناديت العامل " المفرك " الذي يرسموه في دعايات الحمامات واعطيته عشرة ليرات وقلت له فرّكني ..
كانت اول مرة في حياتي اغتسل فيها بحمام السوق ، شعرت بنفسي كمن ينظف نفسه من أدران كل القذارات التي تضرب الناس في أقبية القمع ، يعني طلعت " إنسان جديد خلنج 3" .
خرجت ابحث عن تكسي نرة أخرى توصلني لأمي التي تركتها منذ أن اعتقلوني ولم اعرف عنها شيئا .. كانت في الخامسة والسبعين من العمر .. لا اعرف عنها شئ ، إلا أنها أصيبت بشلل نصفي قبيل اعتقالي بفترة سنتين تقريبا ، وعولجت وقد ساعدني في معالجتها طالة الاختصاص من الشباب الكرد أذكر منهم الدكتور عمران حمدي ، الدكتور أحمد ملا ، الدكتور عبد الحكيم بشار والدكتور علي وغيرهم .. حتى شفيت تماما ، لكن بعد اعتقالي ماذا حدث بها لا اعلم ..
سارعت الخطى ، استوقفت تكسي طلبت منه ان يوصلني الى شارع ركن الدين في حي الأكراد حيث تقيم أمي ..
لما وصلت مدخل البناء وجدتها تتوسط اخوتي وابناءهم وجميعهم هجموا علي يحتضنوني وأمي تبعدهم عني كي تستطيع ان تقبلني وتضمني وتبكي .. تبكي بكاء الفرح ..
لم اتصل بأحد من الرفاق لأني اريد أن أشبع من أمي التي حملتها همي طيلة فترة الاعتقال ..
نظرت إلى مكتبتي وجدتها فارغة إلا من عدة كتب مصفوفة .. سألت اخوتي عنها قالوا أن رفاقك (1) دخلوا أخدوا قسم منها والقسم الآخر حملهم اخوك بسيارة هوندا ليرميهم بعيدا فلاحقوه بسيارة أخرى واعتقلوه ومعه الكتب في معتقل آخر .. والقسم الثالث جاء صديقك " أبو زيد " الجوبراني يسأل عنك فقلنا له أن يرميها في نهر تورا .
بحثت بين الكتب والوثائق فوجدت أن سندات التمليك الخاصة بالبيوت والأراضي الزراعية و كتابات شعرية كنت اكتبها احيانا ومسدس اشتريته من المرحوم محمد كرو والبومات طوابع وصور وأشياء أخرى غير موجودة .. اعتقد أنها كانت بين الأوراق التي رموها اهلي في نهر تورا خوفا من ان تصبح وثائقا ضدي اثناء الاعتقال أو انها راحت مع مجموعة الكتب التي حملها اخي برهان ليتلفها فاعتقلوه ، وسرقوها .
في اليوم التالي أخذت أمي ومعنا ضرورات الســفر وخرجــنا ، أردت أن " أفسحها " وانسيها مرارة الحرمان قبل أن أغادر سوريا هاربا من احتمال اعتقالي لأني لن أساعد النظام في تفتيت حزبي ..
كانتا سفرتان الأولى الأولى كانت وجهة البحر ، حيث أخذت والدتي الى فندق بمدينة طرطوس ، مروراً بحمص ، وانتقلنا الى حمامات ابو رباح ثم عدنا إلى دمشق فاتصلت بالرفيق زهير علي وأخبرته الذي حدث معي ، ثم اتصلت بالرفيقين حسن صالح " مسؤول اللجنة المنطقية بالجزيرة " وسامي " مسؤول التنظيم الحزبي في جبل الأكراد " عفرين " .. وأخبرتهم بما حدث بالكامل وبخاصة الأستاذ حسن حيث اخبرته اني ذكرته في محضر التحقيق وكيف اني وافقت مؤخرا على شرطهم في انشقاق .. وتابعت اقول له ، لكني لن افعل وسأغادر الوطن .
قال لي : ابقى وسنحميك .
قلت لن اساعد هذا النظام في ضرب حزبي .. لن ابقى ، لكن سأزور الجزيرة وعفرين لأودعها وأودع الرفاق الذين ناضلت الى جانبهم .
وبالفعل اخذت والدتي وسافرنا الى عفرين وإلى الجزيرة أودع الأرض والناس دون أن اخبر احد بما انوي .. ثم عدت إلى دمشق ، وفي الفترة القصيرة تلك قمت باستخراج بدل عن ضائع لسندات التمليك ، وكتبت وكالة عامة لأحد الاخوة ليتصرف بملتلكاتي عندما احتاج لمال وانا في بلاد المنفى ..
في تلك الفترة كنت اتردد لعند والدتي لأني لم اكن انام في بيتي بل عند رفاقي الحزبيين أتذكر اسم احدهم وأكن له كل الاحترام واشكره على مساعدته لي وهو الرفيق محمد شريف ، وعندما اكملت تلك المعاملات صرت ابحث عمن يوصلني الى لبنان ، لأني بالأساس ممنوع من السفر كما اسلفت وذلك منذ 11/نيسان 1979 .
حاولت بالبداية أن اسافر الى كردستان العراق التي كانت في حالة ثورة ضد نظام صدام حسين ، فالتقيت بالأخ عدنان المفتي الذي كان يعيش بدمشق " المهاجرين" ويشغل عضوية اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي الكردستاني الذي كان يتزعمه المرحوم رسول مامند ، إلا أن كاك عدنان اعتذر قائلا انت معروف رفيق ابو جنكو ولا يمكننا ايصالك الى كردستان .
فكرت في طريق آخر وهو السفر إلى أية دولة اشتراكية لحزبنا فيها منح دراسية ، لآستفيد بالفترة التي ابقى بها في الخارج علميا ورسى تفكيري السفر الى جمهورية بلغاريا الشعبية حيث يتواجد فيها عدد كبير من رفاقنا الطلبة .
في تلك الفترة زارني السيد " ع.ت " الذي كان عرفني عليه أبو ديلبر قبل اعتقالي بفترة سنتين مهنئا ..
كان هذا الرجل يتردد علي في فترة كان فيها ملاحقا ، لم يوضح سبب ملاحقته وصور لي ولرفاقي امره بأنه رجل مسكين حكمت عليه المحكمة حكما دائا وظالم .
في عام 1985 وكان الرجل ملاحقا طلبت منه مساعدتنا في الاشراف على فرقة كاوا قبيل الاحتفال بعيد نوروز عام 1985 حيث جرت محاولة من رفيق في إحدى الهيئات الحزبية لخرق تنظيمي فساعدنا الرجل وكان متخفيا من السلطات لحكم قضائي – غيابياَ عليه ..
قيل لي من جانب الرفيق أبو ديلبر بأنه حكم غير عادل وأن المجموعة التي قبض عليها اعطته مبلغ 25 الف ليرة سورية على ان لايحضر المحاكمة ، ولما جرت المحاكمة جرّمته المحكمة بكل الاتهامات التي وجهت لزملاءه فخرجوا كالشعرة من العجين وحكمت المحكمة عليه لفترة عشر سنوات سجن .
كنا نشفق على حاله على انه وكما أخبرنا لم يكن قد قام باي عمل يخل بالقانون ، ساعدناه في طلب العمل والسكن ، حتى اننا في عام 1985 عملنا " فزعة " و تطوعنا كمجموعة فبنينا له بيتا في وادي المشاريع قرب دمشق .
في فترة قبل الاعتقال رفعت طلب انتسابه إلى قيادة الحزب فرقضوا الطلب ، فأبقيناه صديق ..
بعد إطلاق سراحي جاءني ورجاني بعد أن عرف بأني سأهرب إلى أي مكان خارج الوطن أن أساعده في الوصول معي إلى لبنان فقط ووعدني في أنه سيتدبر أمره بنفسه بهدف السفر الى فرنسا ليتخلص من حالة الملاحقة ، وكان الوصول الى لبنان مغامرة كبيرة بالنسبة لي وله ايضا .
وعدته أن أوصله معي ، واصطحبته الى مكتب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين محاولة مني أن يساعدونا في الخروج من دمشق ، ولأننا في عمر أكبر من ان نكون طلبة ، نسعى للمنح الدراسية طلبت من " الرفيق " ابو مجدي الذي كان يشغل عضوية المكتب السياسي للجبهة أن يوصلنا الى لبنان ، بحجة اننا سنسافر للدراسة في مدرسة حزبية كمنحة من الدول الاشتراكية .
ابو مجدي ايضا اعتذر منا ، كما اعتذر مني كاك عدنان مفتي وقال لنا ، " اوصلوا على لبنان ، والباقي علينا " خاف أن تعرفني حواجز المخابرات المنتشرة على طول الطريق المؤدية إلى بيروت كما كل الطرق في سوريا ...
رحت ابحث عن مجموعة ثورية أخرى توصلنا الى لبنان .
التقيت بعد ذلك بالأخ " عابدين" المسؤول عن منظمة اسمها ( منظمة طريق الأنصار " Partizan Yul " وهي منظمة ثورية مكونة من الكرد والترك متحالفة مع حزب العمال الكردستاني والجبهة الشعبية لتحرير تركيا المعروفة باسم " عاجلجيلر " أي المستعجلون .) وطلبت منه أن يوصلنا الى منطقة البقاع اللبنانية فوعدني مباشرة ، ولما طلبت منه ان يوصل صديقي الآخر اعتذر ..
مرة أخرى طلبت منه ، ايضا فاعتذر ايضا ، في المرة الثالثة دعوته الى بيتنا الصيفي في جمرايا هو ورفيقيه المتواجدين معه دائما في دمشق وخلال تناولنا الطعام رجوته ان يساعد رفيقي الذي شاركته في بيتي هذا طيلة فترة التخفي بعد إطلاق سراحي فرضي عبدين ورفاقه ايضا واتفقنا أن نسافر في اليومين التاليين ، لكن رفيقي اعتذر على السفر مباشرة بحجة انه يريد السفر إلى القامشلي ليودع عائلته بالرغم انه كان دائما يستعجلني للخروج من دمشق حيث كنت أخرج بدل ضائع عن السندات الخاصة اأملاكي والتي ضاعت بين الكتب التي رماها الصديق ابو زيد في نهر تورا .
ذهبت أزور أمي وقلت لها أني سأسافر الى القامشلي خوفا عليها من الزعل ، وطلبت منها مالا إذا كان لديها فقدمت لي مبلغ صرفته من شركة نحاس وكان السيد "ع.ت" معي بثلاثة آلاف وخمس مئة دولار ، وتنازلت لوالدتي عن حصة لي في فندق الشام حيث اشترينا معا قبل اعتقالي اسهما فيه وكان سعر السهم في البداية خمس مئة ليرة سورية لكن المبلغ ارتفع فيما بعد وذلك لهبوط سعر الليرة فاصبح السهم بمبلغ الف ليرة سورية .
جاءني رفاق منظمة بارتيزان يول ووعدوني بأن ننطلق في التالي من منطقة مساكن برزة .
وفعلا كنت في موعدي المحدد في اليوم التالي فسافرنا إلى الحدود " لم اعد اتذكر من اي نقطة مررنا تماما " ومن هناك عبر الجبل مشينا مشيا حتى وصلنا الأراضي اللبنانية ، واكملنا الطريق مشيا على الأقدام حتى وصلنا إلى معسكرهم في منطقة جبلية داخل الأراضي اللبنانية .
رحبوا بي ، وأقمت عندهم اسبوع حتى وصل الرفيق عبدين الذي امر رفاقه بتوصيلي إلى مكتب الجبهة الديمقراطية في مدينة بر الياس في سهل البقاع على أن يأتوا بالسيد م.ع.ت فيما بعد عندما يعود من القامشلي .

رحب بي مسؤول المكتب " أبو حسين " ترحابا بالغا ، وطلب من رفاقه أن يؤمنوا لي المأوى المناســـب عندهم ، وأن يعامــلوني معاملة الضيف " الثوري" وقد قدرّت هذه المساعدة كثيرا ، ولحسن حظي أني في تلك البلدة الصغيرة التقيت بأناس اعرفهم وهم ابناء عائلة كردية من دمشق تربطهم صلة قربى باشخاص أكن لهم الحب والتقدير والاحترام بحي الأكراد كانوا يقيموا الى جوار المكتب تماما .. قمت بزيارتهم وأصبحت أدعو ابنهم الذي صدف واعتقل معي لمدة شهر واحد على خلفية غير سياسية لشرب فنجان قهوة في مقهى البلدة معي
.............................................................

- (1) عرفت فيما بعد أن الرفاق في منظمة حزب البارتي بدمشق وهم : المرحوم محمد خير وانلي " أبو جنكيز وابنته ، والأخ عبد الرحيم وانلي " أبو نوزاد " دخلوا بيتي وأخرجوا النشرات الحزبية وآلة الكاتبة ، وخلال
مؤتمر اللقاء الكردي – الكردي في مدريد عام 2014 التقيت بالدكتور عبد الحكيم بشار وقلت له : الله يرحم ابو جنكيز اللي دخل بيتي وأخرج الوثائق السياسية الهامة . أجابني على الفور : أنا كنت معه ، أراقب الطريق العام .
- (3) خلنج يعني جديد جدا َ باللهجات السورية .

= = = = = = = = = = = = = = =
*عرفت أن قرار منعي من السفر فيما بعد وأن كان بتاريخ الحادي عشر من نيسان 1979 .









بعد اسبوعين تقريبا وصل السيد "ع.ت" وكان اول سؤال وجهه إلي : ماذاعن جوازات السفر ؟
هل عثرت على من يبيعنا جوازات مزورة ؟
قلت له انتظرت أن تصل ونذهب معا .. تابعت : .. أحد الذين اعتقلوا معي كان من جماعة " اللجان الثورية " التابعة للقذافي وأخبرني حينها أن لهم معسكر في بر الياس ، سنسأل عن مكانه ونذهب نسأل مسؤوله الذي بعث له معي رفيقه تحيات وسلامات ، وأخبرني حينها بأن مسؤول المعسكر سيؤمن لي جواز سفر بسعر معقول .
" م.ع" رد علي ّ قائلا " انا لي اقرباء هنا وعائلة صديقة تسكن قرية في مجاورة تابع مؤكدا أنهم أقرباء زوجة ابن أخيه الذي يعيش حاليا في باريس ، سيزورهم ويسأل عن كيفية شراء جواز سفر مزور ، وبالفعل تردد عليهم عدة مرات لكنهم لم يستطيعوا مساعدته في ذلك ، فعاد ليطلب مني أن نذهب إلى جماعة اللجان الثورية لنشتري من مسؤولهم جواز السفر ، في اليوم التالي سألنا عن المكان واتجهنا إليه لنشتري جوازات السفر فالتقينا برئيس المعسكر ذاته ، ابلغته سلام رفيقه الذي كان معتقلا إلى جانبي وطلبت منه تأمين جوازي سفر ، لي وللسيد " "ع.ت" فأجابنا بالايجاب وقال انه يستطيع تأمين الجوازين وبسعر خمس مئة دولار للجواز الواحد ، سأله " ع.ت" عن فيزا إلى باريس ، فأجابه بأن سعر الفيزا إلى أية دولة في أوربا الغربية 400 دولار امريكي ..
خرجنا من مكتب ذلك المعسكر وقعدنا بعيد عنه نتبادل وجهات النظر حول الموضوع ، رأيته قد شحب وجهه وبكى ..
سألته عن السبب ، فقال أنه لايملك سوى مئتي دولار امريكي ولن يستطيع الهرب من هذه البلاد ، فما كان مني إلا أن رتبت على كتفه وقلت له لاتحزن ، " رجلي على رجلك " لن اتخلى عن مساعدتي لك لكن بشرط أن نسافر إلى بلد واحد ، قال : فرنسا ، اعتذرت وقلت له ليس لي أصدقاء هناك ، يجب السفر إلى بلد واحد لترجع لي المبلغ الذي سأدفعه عنك فقبل وقال كما تريد فلتكن السويد .
في الحقيقة أنا لم اكن أفكر بالسفر إلى بلاد الغرب ، كان همي أن استفيد شخصيا من فترة النفي خارج الوطن وهذا سيكون لو أني سافرت إلى إحدى الدول التي منحت حزبنا منحا دراسية ، لكني وعدت ، ووعد الحر " دين " .
عدنا مباشرة إلى معسكر اللجان وطلبنا من قائده أن يساعدنا في الحصول على الجوازات والفيز معا ، وحصلنا عليها إضافة إلى بطاقتين شخصيتين على اننا من تلك اللجان لنستطيع التحرك في لبنان بدون توقيف من جانب العسكر السوري المنتشر حينها على كافة الأراضي اللبنانية .
دفعت 1800 دولار ثمن الجوازين والفيزتين إلى السويد التي كانت تعج بالكرد المهاجرين من كردستان الشمالية ولي منهم اصدقاء كثر .. وابتدأ المشوار .. ثلاثة أشهر قضيناها في لبنان بمساعدة إحدى الفصائل الفسطينية وهي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، قضينا قسما من المدة في مكتبها بمدينة بر الياس ثم وحين حصلنا على جوازات السفر انتقلنا إلى منطقة جنوب صيدا ننتظر الفرصة المناسبة للسفر ..
قلت لصاحبي تعال نزور الأستاذ جورج حداد ، تأفف واعتذر وبعد الحاح رضي بذلك ، فزرنا الأستاذ جورج في دار النشر التي يملكها في شارع الحمرا ورحب بنا ايما ترحاب ، واصبح يزورنا يوميا في صيدا ويبحث لنا عن طريقة آمنة نخرج بها من لبنان ، ليس ذلك فحسب بل أنه نصحنا بالسفر إلى بلغاريا لوجود رفاق حزبيين من حزبنا يدرسوا هناك بعد أن طرح علينا الشخص الذي ساعدنا عن طريق الرفيق أبو سالار مشكلة السفر بالطائرة انها محددة إلى دولتين فقط ، إما اليونان أو بلغاريا فاخترنا بلغاريا وفعلا استطاع رفيقنا ان يؤمن لنا من يركبنا بالطائرة ويرسلنا الى بلغاريا سالمين دون اي شرط أو ثمن مالي .. إلا مبلغ اخترت ان ارسله للشخص الذي اخرجنا من مطار بيروت يوم سفرنا .
وصلنا بلغاريا في اواخر ايلول من عام 1989 ، ففوجئنا بالثلوج تغطي الأرض ونحن كنا نلبس البسة صيفية اعتقادا منا أن الجو مشترك بين بيروت وصوفيا .
نزلنا في فندق لمدة ثلاثة ايام ، هي الفترة المتفق عليها مع السفارة البلغارية في بيروت للحصول على سمة الدخول زرانا خلالها الرفاق الطلبة أولهم الرفيق المهندس زكريا مللي ، ومحمود ديركي ، وعبد الباقي كولو الطالب في معهد تكنيك الأسنان الذي عرفني على الكاتب بوريس مينتشف ، مدير معهد ايفان فازوف في العاصمة البلغارية " صوفيا " وقد رافقنا إلى منظمة الصليب الأحمر لتتبنانا لديها بدلا عن منظمة " أمنستي " التي كانت ممنوعة في بلغارية في عهد الرئيس جيفكوف وقد قدمنا أوراقنا لدى الدكتور مارينوف وطالبة الصيدلة شيرين بارافي ، وحواس الطالب في كلية الصحافة الذي كان يساعدنا ايضا لدى الدكتور مارينوف ، ورياض عمر ، والفنانة الكردية زوزان ، وأحمد علي ، والبروفيسور عدنان بدر الدين ، وقبل ان تنتهي الثلاثة ايام دعانا عدنان بدر الدين الذي أصبح أستاذا جامعيا ومستشرق في النروج إلى البيت الحزبي والذي كانت كافة مصاريفه تدفعها منظمة الخارج للحزب وخلال هذه الفترة عرض عدنان علي أن أكلم والدتي في سوريا لأطمأنها بأني وصلت بلغاريا وبأني بخير وأمان .
اتصلت بوالدتي رحمها الله ، سلمت عليها وأبلغتها اني الآن في بلغاريا وكل شئ على مايرام ، ثم عرض الموضوع نفسه على مرافقي ، فانفرجت أساريره وامسك التليفون ليتصل ببيت جيران عائلته بالقلمشلي ، وراح يسأل عن صحة الرجل وعن صحة عائلته وأولاده ، وعن أقاربه ، وابلغه انه وصل بلغاريا سالما غانما ، وبعد الحديث طلب منه أن يبلغ زوجته واولاده بأن يأتوا ليتكلم معهم ، فنادى الرجل احد ابناءه وقال له له اذهب لبيت جارنا وقل لهم ان ياتوا ليكلمهم ، وفي انتظار افراد العائلة استمر الرجل يكلم جاره عن معاناة الهروب والوصول إلى بلغاريا وعن كرم رفاق حزب الاتحاد الشعبي الكردي ، وكيف اسكنونا في بيت الحزب .. الخ .
ولما وصلت أفراد العائلة افتتح الحديث مع زوجته ، وكلمها واجاد الكلام ، ثم اعطت التليفون لأبنها الكبير فالأصغر والأصغر ثم الأصغر والأصغر .. الخ مما ترتب على السيد عدنان بدر الدين مبلغا مضاعفا دفعه للإإعتذار من ايوائنا اكثر مما سمح لنا ، وقال ارجو ان تبحثوا عن سكن آخر .
سألنا الفنادق فلم يوافق اي فندق على استضافتنا إلا بالدولار والدولار كان يصرف في بيوت الطلبة بعشر ليفات في حين ان سعره الحكومي ليفتان وخمسين ستوتنكي فتطوع الرفيق خورشيد علاوي الطالب في الأدب البلغاري في الوصول إلى فندق رضي أن يحاسبنا بالعملة البلغارية في مدينة بوتيف غراد قرب العاصمة البلغارية صوفيا الذي عرفنا فيها على الكاتب فاسيل والكاتب قسطنطين ، وفيما بعد على الكاتب يانتشيف الذي كان قد نشر 21 كتابا للأطفال ..
لكن للأسف لم يساعدنا الرفيق خورشيد في الاقتصاد بمصروفنا الذي كنت ادفعه انا بالذات ، لم يدلنا على محل تجاري يبيع جبنة أو أو خبز بالرغم من تكرار طلبنا بذلك بل كنا نفطر في مطعم صغير ، ونتناول الطعام في مطعم آخر وفي المساء في مطعم أكثر غلاء .. حتى أن الرفيق زكريا مللي استغرب من تصريفي لخمسين دولار كل اسبوع .
ومن خلال مراجعاتي للسيدة هانيا المصري الموظفة المهتمة بوضعي في منظمة " أمنستي " فرع لندن – بريطانيا باعتبار أنه لايوجد مكتب لمنظمة أمنستي في بلغاريا أبلغتني أن هيئة الأمم المتحدة قبلت لجوءنا السياسي وعلينا مراجعة مكتب الصليب الأحمر البلغاري ليساعدنا بالنيابة عن امنستي ريثما تقبلنا الدول الديمقراطية كلاجئين إليها ..
قصدنا الصليب الأحمر البلغاري والتقينا بمدير المكتب الدكتور " Др МариноФ " مارينوف الذي أشار له رفيقنا عبد الباقي يومها على أننا من رفاق حزب الاتحاد الشعبي الكردي واننا بحاجة للحماية الدولية ، فأبدى الدكتور ماينوف ارتياحه من مقابلتنا ، وسلمنا رسالة خاصة لشركة بلقان توريست لتأمين مكان لنا نقيم به .. ووعدنا بمساعدة شهرية بلغت 150 ليفا شهريا لكل منا .
غالبية طلبة حزبنا زارونا في تلك الفترة ، لكن لفت نظري كثرة الانتقادات على الرفيق صلاح بدر الدين من جانب رودي الذي كنا نزوره ويزورنا ، في نفس الوقت الذي كان يتصل يوميا بالرفيق سعيد ، وذات مرة بينما كان يتكلم مع الدكتور سعد الدين ملا قال لي سعديد يريد التحدث معك .. وما ان امسكت الهاتف حتى فتح حديثا خاصا ضد صلاح بدر الدين ودعاني للعمل معه ، فقلت له بالحرف الواحد : يعني أنا بقيت سنتان ونصف في المعتقل ارفض أن انشق ، دخل المعتقل مع كل الإغراءات ، تريدني ان اعمل في هذا الاتجاه وأنا حر ؟؟ !!
وفي تلك الفترة بالذات وصل الأستاذ جورج حداد ، صاحب دار الكاتب التي نشرت لنا كتب رابطة كاوا للثقافة الكردية ، و المتضامن مع قضية شعبنا الكردي ومع حزبنا لأبعد الحدود فانشغلت معه في علاقاته مع الكتاب والسياسيين البلغار الذين عرفني عليهم باعتباره كان قد درس في المدرسة الحزبية بصوفيا قبل ذلك التاريخ كالكاتبان رادوي كريستيف ، و بوبوف ، وكان يتسم بالخلق الرفيع والتحليل الصائب للقضايا السياسية في الشرق الأوسط .
ولم تمضي فترة طويلة حتى وصل وفد من رفاق القيادة من سوريا الى بلغاريا برئاسة الرفيق حسن صالح ، فزارني الرفيقان نذير : ابو شاهين " والرفيق من عفرين ولم يطرحا عليي شيئا في حين ان الرفيق حسن صالح لم يزورني وقتها .
فيما بعد لاحظت أن الرفاق الموالون لهم لم يعودوا يزورونا ، كان الشخص الذي معي يزورهم في بيوت الطلبة التي كانوا يقيموا بها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في