الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في إستراتيجية الأمن القومي الجديدة للدولة الروسية.

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2021 / 7 / 31
السياسة والعلاقات الدولية


صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع تموز هذا العام على إستراتيجية الأمن القومي الجديدة للدولة الروسية، لتحل محل الإستراتيجية السابقة الصادرة في نهاية كانون الأول عام 2015.
وتعتبر إستراتيجية الأمن القومي الوثيقة الأساسية التي تحدد اتجاهات تطوير نظام أمن الدولة للاتحاد الروسي، وتحدد التهديدات الخارجية والداخلية التي تواجه أمن الدولة على المديين الطويل والقصير. وتجري مراجعتها كل فترة، وتقع مسؤولية تنفيذها على جميع مؤسسات الدولة، وبتنسيق من رئيس الدولة. ويقدم سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي تقارير سنوية عن تنفيذها، وحالة أمن الدولة بشكل عام. وفي الواقع تفصح الإستراتيجية عن سياسة روسيا تجاه الولايات المتحدة وحلفائها، ودول العالم الأخرى كالصين، ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً.
وتحدد الإستراتيجية نوعين من أكبر التهديدات لروسيا: الأول عسكري ذا طبيعة طويلة الأجل وقادم من الخارج، والثاني داخلي يتعلق بالمسائل الاجتماعية والاقتصادية والمعلوماتية أو التقنيات الجديدة. كما تشير الإستراتيجية إلى أهم أولويات السلطة والمتمثلة بحماية الشعب وقضايا الدفاع وأمن الدولة والمجتمع، وتكنولوجيا المعلومات والقضايا الاقتصادية، والمشاكل البيئية، وضمان التطور العلمي والتقني، وحماية القيم الروحية والأخلاقية والثقافة والذاكرة التاريخية الروسية والاستقرار الإستراتيجي.
وحددت الإستراتيجية مصادر التهديدات العسكرية المتمثلة بشكل رئيسي بالولايات المتحدة والدول الغربية وحلف شمال الأطلسي؛ والتي تعدّ -وفقاً للإستراتيجية- أنها "تزعزع استقرار الوضع العالمي"، وتقوم "بأعمال عدائية" تستهدف روسيا (عسكريّا واقتصاديّا وسياسيّا، وكذلك كمعلومات وحملات تشويه للتاريخ). وأكدت الإستراتيجية أن "العالم الغربي" يسعى إلى المواجهة وسباق تسلح جديد، بما في ذلك سباق التسلح النووي. ولمواجهة ذلك ينبغي لروسيا أن تستمر في زيادة قدرات قواتها المسلحة والاستثمار في تطوير تقنيات عسكرية جديدة، وتعزيز استقلالها عن البيئة الدولية في مجالات الغذاء والاقتصاد والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والعلوم، فضلاً عن تعزيز إمكانات مجتمعها. وذلك للتقليل من التهديدات الخارجية ذات الطابع العسكري، والتهديدات الأخرى التي تهدف إلى إضعاف الدولة الروسية، مثل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية. وعلاوة على ذلك تنص الإستراتيجية بوضوح على أن كلاًّ من المجتمع ومؤسسات الدولة يجب أن يكونا جاهزَين للعمل في أوقات الحرب. كما أشارت الإستراتيجية إلى أهمية الأخطار المتعلقة بنظام المعلومات الذي تعتزم القوات المسلحة استخدامه لمحاربة الجريمة السيبرانية.
وفيما يتعلق بالتهديدات الداخلية بينت الإستراتيجية أهم التحديات المتمثلة في تدهور نوعية الحياة، والجريمة، وتغير المناخ. وردّا على ذلك أُعلن عن مزيد من التدابير لدعم الأسرة وتطوير نظام الصحة والتعليم، والاهتمام بالقيم الروحية والوطنية الروسية التقليدية، والتي بفضلها سيتمكن المجتمع من مواجهة التهديدات من الخارج، وتطوير الاقتصاد "الأخضر". وتشير الإستراتيجية بوضوح إلى الحاجة لزيادة دور الدولة كضامن أساسي لأمن سكان روسيا وحماية المواطنين الروس الذين يعيشون في الخارج، وخاصة في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً.
وجاءت الإستراتيجية الجديدة مشابهة بالشكل لإستراتيجية 2015، إلا أنها مختلفة عنها وبشكل كبير بالمحتوى، ففي الوقت الذي تم فيه تحديد أهم التهديدات بطريقة مماثلة إلا أن مصدرها هذه المرة حدد بالدول الغربية، والتي تسعى إلى تغيير نظام الحكم في روسيا، ولم يتم التطرق إلى التهديدات المتعلقة بالإرهاب بما فيه "الإسلامي"، أو الهجرة غير الشرعية كما كان سابقاً.
وركزت الإستراتيجية الجديدة بشكل أقوى على ضمان استقلال أكبر لروسيا عن العالم الخارجي، وتعديل أهداف السياسة الخارجية الروسية؛ التي تقوم على أساس متابعة مصالح روسيا، والتخلي عن الإعلان عن تطوير التعاون السياسي مع الولايات المتحدة وحتى التعاون في القطب الشمالي، وأعلنت بدلاً من ذلك عن شراكة إستراتيجية مع الصين والهند.
وتعكس الإستراتيجية الأمنية الجديدة تصور النخبة السياسية الروسية للعالم كمكان للتنافس، مقسم إلى مناطق نفوذ، وتؤكد على أهمية عامل القوة في العلاقات الدولية الذي تعتبره روسيا على الدوام الطريق الرئيسي لضمان أمنها، وتراه أكثر أهمية من الوسائل الدبلوماسية. وتم التطرق إلى نظام الأمن الدولي الذي اعتبرته الإستراتيجية بأنه لا يستجيب للتحديات العالمية المعاصرة ويتطلب تغييرا.
أما في الجانب الاقتصادي، فإنّ الإستراتيجية تركز على الاكتفاء الذاتي، وهو ما يعني التوسع في إغلاق السوق الروسية أمام التجارة الدولية، بما في ذلك أمام الدول الشريكة، وحتى في وجه رابطة الدول المستقلة.
وعلى الرغم من أن الوثيقة تطرح تحدياتٍ جديدةً مثل تلك المتعلقة بتغير المناخ، إلا أن التركيز الأكبر ينصب على الاستجابة للتهديدات العسكرية التقليدية؛ ولذلك ستواصل روسيا زيادة إمكانات قواتها المسلحة، وتعزيز القيم الروحية والثقافية للشعب الروسي، والعمل على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي.
وجاءت الإستراتيجية الروسية الجديدة مشابهة للمبادئ التوجيهية الإستراتيجية المؤقتة لإدارة بايدن فيما يتعلق بالتهديدات التي يواجهها المجتمع الدولي؛ كالإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والفضاء الإلكتروني والأمن الوبائي والتغير المناخي، إلا أنها ترى طرقًا مختلفة تمامًا لحلها. ففي الوقت الذي تروّج فيه إدارة بايدن بقوة إلى التعاون الدولي الواسع ونشر الديمقراطية في العالم، تركز روسيا على التعاون الدولي المحدود في أطار الأمم المتحدة والمنظمات التي شكلتها، مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتتجه إلى عسكرة الدولة والمجتمع.
وبالنظر إلى اللغة المعادية للغرب للإستراتيجية المعتمدة حديثًا، فمن المتوقع أن تحافظ روسيا على طريقتها في إدارة سياستها الخارجية والأمنية. وتشير الانعزالية الظاهرة بوضوح في الوثيقة، والحاجة إلى بناء إمكانات الدولة في وقت الحرب، إلى أن روسيا ستكون أقل استعدادًا من ذي قبل للقيام بتعاون دولي أوسع في السنوات المقبلة. وعلى الرغم من أن الوثيقة تسرد البلدان التي ترغب روسيا في التعاون معها (بشكل أساسي أعضاء كومنولث الدول المستقلة والدول الآسيوية)، إلا أن نطاق وموضوع هذا التعاون سيقتصران فقط على المصالح الروسية الحالية. وستواصل روسيا السعي لزيادة نفوذها في محيطها الدولي، وبحجج مختلفة، بما في ذلك حجة ضرورة حماية المواطنين الروس القاطنين في هذه الدول. كما أنها ستعزز الضغط على الاندماج مع دول مثل روسيا البيضاء.
وفي الوقت الذي ترى فيه روسيا إمكانية العمل في إطار الأمم المتحدة، حيث تتمتع بحق النقض الفيتو في مجلس الأمن، إلا أن الإستراتيجية لم تتطرق إلى رغبتها في التعاون في أطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أو مع مؤسسات دولية آخرى مثل الاتحاد الأوروبي. وتركز الوثيقة أيضًا بشكل كبير على التهديدات في مجال المعلوماتية والرقمية، وهنا يمكننا أن نتوقع تكثيف الإجراءات الروسية تجاه الدول الغربية بحجج مختلفة، منها حماية وسائل الإعلام والفضاء السيبراني الخاص بها. كما يجب توقع المزيد من الحملات التاريخية بحجة حماية القيم الروحية والأخلاقية والثقافة والذاكرة التاريخية الروسية، وبحجة إزالة المخاطر المتعلقة بتشويه التاريخ وتقويض القواعد الأخلاقية الأساسية وفرض قيم مخالفة لها من الخارج.
وبالنظر إلى المشاكل الهيكلية للدولة الروسية، والتي تم التطرق إليها بطريقة مماثلة في الإستراتيجيات الأمنية السابقة، يمكننا التأكيد بأن روسيا لن تكون قادرة على التعامل مع معظم التحديات التي تم تحديدها خاصة في المجال الاجتماعي والعلمي والتطور التكنولوجي، خاصة أن الوثيقة لا تفرض أي التزامات تنفيذية على مؤسسات الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد