الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية أبي زريق بيكر – قصة قصيرة للكاتب الأمريكي مارك توين

رقية كنعان
شاعرة وكاتبة

(Ruqaia Kanaan)

2021 / 7 / 31
الادب والفن


الحيوانات تتحدث إلى بعضها البعض طبعا، ومن المستحيل وجود تساؤل حول ذلك، ولكني أفترض أن هناك القليل من الناس الذين يستطيعون فهمها، عني لم أعرف أبدا سوى رجل واحد يستطيع ذلك. أعرف أنه يستطيع، على أية حال، لأنه أخبرني ذلك بنفسه.

كان عامل منجم بسيط في متوسط العمر عاش لوحده في زاوية في كاليفورنيا بين الغابات والجبال لسنوات عديدة وتعلم وسائل جيرانه الوحيدين: الوحوش والطيور، حتى آمن أنه يستطيع بكل دقة أن يترجم أية إشارة مما تفعل، إنه جيم بيكر. و بحسب جيم بيكر فإن بعض الحيوانات لديها تعليم محدود وتستعمل فقط كلمات بسيطة وبصعوبة بالغة تقارن أو تعد، بينما حيوانات أخرى لديها مفردات ضخمة وملكة جيدة في استخدام اللغة وقدرة على الإيصال جاهزة وطلقة، بالنتيجة فإن تلك الأخيرة تتحدث كثيرا، إنها تحب ذلك، واعية بموهبتها وتستمتع بالاستعراض،
هكذا قال جيم بيكر، فهو -بعد ملاحظة طويلة ومتأنية- توصل إلى استنتاج أن طيور أبي زريق هي المتكلم الأفضل بين سائر الطيور والوحوش. وقال:

" يوجد لدى أبي زريق أكثر مما لدى أي مخلوق آخر، فلديه أمزجة أكثر وأنواع أكثر تنوعا من المشاعر مما لدى سائر المخلوقات، وهل تصدق أن كل ما يستطيع أبو زريق أن يشعر به فهو قادر على تحويله إلى لغة. وليس مجرد لغة عادية بسيطة!،ولكن من الطراز الأول الرفيع، كحديث كتب، يتدفق مستعينا بالمجاز! لم لا ترى طائر أبي زريق عالقا في البحث عن كلمة أبدا. لا أحد فعل ذلك، فهي تنسكب خارجة منه!

شيء آخر: لقد لاحظت بما يكفي أن لا يوجد طائر أو بقرة أو أي شيء يستخدم قواعد اللغة كما يفعل أبو زريق. قد تقول بأن القطة تستعمل القواعد جيدا، حسنا، إنها تستطيع، ولكن دع قطة تشعر بالإثارة مرة، دعها تصل لمرحلة شد الفرو مع قطة أخرى على السطح ليلا وستسمع لغة تصيبك بالغثيان. الناس اللامبالون هم من يظنون أن الضجة التي تثيرها القطط المتعاركة هي الأشد سوءا ولكنها ليست كذلك، إنها قواعد اللغة الممرضة التي تستخدمها. لم يحصل وأن سمعت أبا زريق يستعمل نحوا سيئا إلا فيما ندر وحتى عندما يفعل ذلك فإنه يخجل تماما كما يفعل الإنسان، يصمت وينسحب.

تستطيع أن تسمي أبا زريق طائرا. حسنا، هو كذلك في أحد المقاييس؛ لأنه يمتلك ريشا على جسده، ولا ينتمي إلى كنيسة ربما، ولكن من جهة أخرى فهو يمتلك من الإنسانية قدر ما تملك،
وسأخبرك لم، مزايا أبي زريق ومواهبه ومشاعره واهتماماته تشمل الأرض كافة. أبو زريق لا يملك من المبادئ أكثر مما لدى رجل الكونغرس، فهو يكذب و يسرق و يحتال و يخون وفي كل أربع من أصل خمس مرات فهو ينكث وعده المقدس. قدسية الالتزام شيء لا تستطيع حشوه في رأس (أبي زريقيّ). و هناك شيء آخر، فهو يستطيع أن يفوق أي شخص في المناجم في القسم. تظن أن القطة تستطيع أن تحلف؟ حسنا، إنها تستطيع ولكنك تعطي أبا زريق موضوعا يستدعي قواه الكامنة وأين هي قطتك؟ لا تتحدث لي- أعرف الكثير عن ذلك. وهناك شيء آخر أيضا، حول جزئية التوبيخ، أبو زريق يستطيع أن يطرح أرضا أي شيء إنساني أو كهنوتي. نعم يا سيدي، إن أبا زريق هو كل شيء يمثله الإنسان.
أبو زريق يستطيع أن يبكي، وأن يضحك وأن يشعر بالخجل، أن يقدم الأسباب ويخطط ويناقش، يحب النميمة والفضائح، لديه حس الفكاهة، و يعرف متى يكون حمارا تماما كما تعرف أنت – وربما أفضل. إن لم يكن أبو زريق إنسانا فهو يأخذ بدلائله، هذا كل ما هنالك. والآن فإني سأقص عليك حقيقة صادقة تماما عن بعض طيور أبي زريق:

عندما بدأت بفهم لغة طيور أبي زريق بشكل صحيح، كانت هناك حادثة صغيرة حصلت هنا، قبل سبعة سنوات غادر آخر رجل –عداي- ورحل. هناك يقبع منزله فارغا منذ ذاك الحين، بيت خشبي وسقف من ألواح الخشب– مجرد غرفة واحدة كبيرة لا أكثر، لا سقف – لا شيء بين الدعائم والأرضية. حسنا في صباح يوم أحد، كنت أجلس هنا أمام الحجرة الخاصة بي بمعية قطتي آخذ حماما شمسيا وأتأمل التلال الزرقاء وأنصت لصوت تساقط أوراق الشجر وحيدة وأفكر في موطني القائم هناك في الولايات والذي لم أسمع منه خلال ثلاثة عشر عاما، عندما جاء طائر أبو زريق وحط على ذلك المنزل مع حبة بلوط في فمه وقال: "مرحبا، أحسب أني أصبت شيئا ما". عندما تكلم سقطت حبة البلوط من فمه وتدحرجت على السطح بطبيعة الحال ولكنه لم يبالي، عقله كان بأكمله على الشيء الذي تعلق به. لقد كان عبارة عن عقدة مجوفة في السطح، نصب رأسه في اتجاه وأغلق عينا ووضع الأخرى على التجويف كأبوسوم ينظر داخل إبريق ثم غمز بعينيه اللامعتين، أعطى غمزة أو اثنتين من جناحه – مما يعني الشعور بالرضا، أنت تفهم- ثم قال: "تبدو كحفرة، موقعها هنا يبدو كحفرة وملوم إنا إذا لم أقتنع أنها حفرة!"
ثم لوى رأسه إلى الأسفل وأخذ نظرة أخرى، يبدو مستمتعا تماما هذه المرة ويغمز بجناحيه وذيله معا قائلا: "أوه ، لا هذا ليس بالشيء السمين – كما أحسب!، إذا لم أكن محظوظا! – فلم هي حفرة تامة الأناقة!"
ثم طار إلى الأسفل والتقط تلك الحبة، أحضرها عاليا وأسقطها في الداخل، كان يميل رأسه إلى الوراء مع ابتسامة سماوية على وجهه، جمّدته المفاجأة وحولته إلى سلوك الإنصات والابتسامة غابت من محياه كزفير آلة حلاقة، ليقول بدهشة غير مألوفة:" لم لم أسمعها وهي تسقط؟!"

ركز عينه على الثقب ثانية وأخذ نظرة طويلة، نهض وهز رأسه، خطا خطوة إلى الجانب الأخر من الثقب وأخذ نظرة أخرى من ذاك الجانب، هز رأسه ثانية – درس الأمر لفترة من الوقت ثم ذهب إلى التفاصيل- دار ودار حول الثقب ثم تجسس داخله من كل نقطة في محيطه بلا جدوى، أخذ وضع التفكير على مشط السطح وحك ظهره بقدمه اليمنى لمدة دقيقة وقال أخيرا: "حسنا، هذا كثير بالنسبة لي، هذا مؤكد، لا بد أنه ثقب طويل، على أية حال لا أملك الوقت لأبدو كالأبله هنا، وعلي أن أنهض إلى أعمالي –أحسب أن كل شيء على ما يرام وهي مصادفة على كل".

"ثم طار وأحضر حبة بلوط أخرى وأسقطها في الثقب، حاول أن يلصق عينه بالثقب سريعا ليرى ماذا يحصل ولكنه كان يتأخر كثيرا، أبقى عينه هناك لدقيقة من الزمن ثم نهض وتنهد وهو يقول: "يا للخزي، لا أفهم هذا الشيء، مستحيل، على أية حال سأعالجه ثانية". وأحضر حبة بلوط أخرى وأدنى مستواه أقرب ما يكون ليرى ماذا يحصل لها ولكنه لم يستطع، قال : "لم أصادف ثقبا كهذا، أنا مقتنع بأنه نوع جديد كليا من الحفر، ثم بدأ يشعر بالغضب، وقف كمن يقوم بتعويذة، مشى أعلي وأسفل مشط السطح وهو يهز رأسه ويدمدم لنفسه، ولكن مشاعره كان لها اليد العليا الآن وانكسر خاسرا يعاند نفسه أسود الوجه.

لم أرى طائرا يقف عند شيء صغير كهذا، كان يكتفي ليعاود المشي إلى الحفرة وينظر بها لمدة نصف دقيقة ويقول: "حسنا يا لك من حفرة طويلة وعميقة واستثنائية متفردة ولكني بدأت بملئك وسأموت إن لم افعل، حتى لو أخذ مني ذلك مئة عام!"

وعلى ذلك، ذهب بعيدا. أنت لا ترى طائرا يفعل ذلك منذ ولادتك. انصرف إلى عمله كزنجي ومنظره وهو يرمي البلوط لمدة ساعتين ونصف الساعة كان من أكثر المشاهد المدهشة التي رأيت في حياتي. لم يتوقف ليلقي نظرة، كان يرمي بها ثم يطير ليأتي بغيرها– كان يلقيها ويذهب بحثا عن المزيد. حسنا فقد تمكن أخيرا من أن يخبط جناحيه، كان مرهقا جدا، كان يأتي مخفض الرأس مرة أخرى يرشح عرقا كإبريق ثلج يسقط بلوطته في الداخل ويقول: "أظن الآن أني نلت منك هذه المرة!".
ثم انحنى للأسفل ملقيا نظرة. إن كنت تصدقني، عندما أخرج رأسه ثانية فقد كان شاحبا من الغضب، كان يقول: " وضعت من حبات البلوط ما يكفي العائلة ثلاثين عاما ولو كنت قادرا أن أرى إشارة لأي منها فليتني أهبط في متحف ببطن مملوء بنشارة الخشب في دقيقتين!".

كان لديه فقط ما يكفي من القوة ليزحف إلى المشط وأن يلقي برأسه إلى الوراء، ثم جمع انطباعاته وبدأ بتصفية ذهنه، فهمت في ثانية أن ما اعتبرته لغة بذيئة في المناجم كان عبارة عن أمورأولية كما يمكنك أن تقول.

أبو زريق آخر كان يمر بالجوار وسمعه يقوم بتفانيه، توقف ليسأل ما الأمر، فأخبره الطائر المعاني بالظرف كاملا وقال: "الآن قائمة هناك هي الحفرة وإن لم تكن تصدقني اذهب وأنظر بنفسك".
بناء على ذلك، ذهب رفيقة ونظر وعاد سائلا: "كم قلت أنك وضعت هنا؟"
"ليس أقل من طنين"، قال المعاني.
ذهب الطائر الآخر ونظر مرة أخرى ولم يبد عليه أنه قادر على تمييز ذلك ولذا شهق عاليا. و حضرت ثلاثة أخرى من طيور أبي زريق، قاموا جميعا بتفحص الحفرة وجعلوا ذا المعاناة يقوم بإعادة القصة ثم ناقشوها جميعا وطرحوا الكثير من الآراء السخيفة و الفضفاضة عنها بقدر ما كان حشد من الناس ليقوموا به.

استدعوا الكثير من طيور أبي زريق ثم أكثر وأكثر لدرجة أن منطقة الحفرة ظهرت وكأنها مكسوة بلحم ازرق. كان هناك ما يقارب من خمسة آلاف طير منها تتحادث وتتجادل وتثني وتلعن، شيء لم يسبق لك أن سمعته، كل طير في السرب وضع عينه على الحفرة وأعطى رأيا سخيفا عن الغموض أكثر من الطير الذي سبقه إليها، تفحصوا المنزل بأكمله أيضا، الباب كان واقفا نصف مفتوح، وأخيرا تقدم طائر عجوز للذهاب إلى الداخل والنظر فيه، بالطبع فإن ذلك حطم هالة الغموض في غضون ثانية، هناك كانت حبات البلوط مبعثرة على الأرضية، خفق بجناحيه وأطلق شهقة عالية: "تعالوا هنا!، تعالوا هنا جميعا، أُشنق إن لم يكن هذا الأحمق يحاول أن يملأ المنزل بالبلوط!"

جاؤوا جميعا منقضين كغيمة زرقاء وكل منهم قابل الباب وألقى نظرة، الصفقة العبثية التي جاء بها أبو زريق الأول عولجت بصراحة، وقع مختنقا من الضحك والطير التالي أخذ مكانه وفعل الشيء نفسه.

حسنا سيدي، لقد جثموا هنا في أعلى البيت والأشجار لمدة ساعة وقهقهوا على ما حصل كالبشر، لا يوجد أي معنى لأن تخبرني أن أبا زريق لا يمتلك حس الدعابة لأني أعرف أفضل! وذاكرة أيضا، لقد أحضروا طيور أبي زريق إلى هنا من كافة أرجاء الولايات المتحدة لتنظر أسفل تلك الحفرة كل صيف لمدة ثلاث سنوات، والطيور الأخرى أيضا قد فهمت جميعا النقطة، عدا طير بوم جاء من نوفا سكوتشيا ليزور اليوسامتي* والتقط هذا خلال عودته، قال أنه لم يتمكن من أن يرى أي شيء مضحك في الموضوع برمته، وعلاوة على ذلك كان خائب الأمل في اليوسامتي أيضا.

هامش :
ترجمة رقية كنعان.
القصة كتبت 1880 والمصدر كتاب :
Great American Short Stories
Wallace and Mary Stegner
Dell Publishing Co., 1957

* اليوسامتي : شلالات ارتفاعها ألفان وخمسمائة قدم موجودة في متنزه شهير بهذا الاسم في كاليفورنيا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل