الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرج من الأوضاع اليمنية المأساوية المربكة!

منذر علي

2021 / 8 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في الوقت الراهن، اليمن أرض تعصف بها الحروب، ووطن منتهك السيادة من قبل القوى الخارجية، وشعب يفتك به المرض والجوع، وأوضاع تعمها الفوضى، وأزمات شديدة القسوة، تجعل الحياة مستحيلة في ظلها، وآفاق الحل تبدو مسدودة. ترى هل ثمة مخرج من هذه الأوضاع المأساوية المربكة؟
***
والجواب ، نعم، ولكن المخرج مشروط بالأدراك العميق للوضع غير السوي القائم في بلادنا، ورفضه بشكل مطلق، ورفض التبعية الخارجية، والسعي لتغيير الأوضاع الداخلية، بما يلبي مصالح الشعب وتطلعاته المشروعة في العدالة والحرية والتقدم. فهل أنتَ قادر على ذلك؟
***
إذا تسلحت بالعقل والضمير، وتحررتَ من العواطف القبلية والجهوية والطائفية والارتهان للقوى الخارجية، ونظرتَ حولك بتمعن وتجرد، فسترى أمامك عدة ملامح للوحة اليمنية الكئيبة، على النحو التالي:
الملمح الأول، هناك طائفة سياسية وعسكرية ودينية ترى أنها مختارة من الله وجديرة بحكم غيرها، وتسعى لفرض هيمنتها على بقية الشعب في جغرافية اليمن، ولهذا الغرض تستعين بقوى خارجية، لا يعنيها الله، بقدر ما تعنيها مصالحها القومية وتطلعاتها التوسعية. وهذا نفق طويل ومظلم ومسدود في نهايته.
***
الملمح الثاني، هناك طائفة سياسية وعسكرية ودينية أخرى ترى أن الطائفة الأولى منحرفة عن الحق، والطوائف الأخرى على ضلال ، وبالتالي ترى في نفسها أنها هي الجديرة بالحكم، وتسعى لإزاحة الجميع لكي تتمكن من حكم الشعب كاملًا وعلى النطاق اليمني كله ، وهي مثل الطائفة الأولى تستعين بالقوى الخارجية لتحقيق غايتها، غير أن طريقها مظلم ولا نهاية له.
***
الملمح الثالث، هناك طائفة سياسية وعسكرية وقبلية ودينية وجهوية، ترى إنَّ الطائفتين السابقتين ظلاميتين متخلفتين، لا يمكن التعايش معهما البتة، وبالتالي تسعى لفرض حكمها وهيمنتها على جزء من الشعب وجزء من اليمن في نطاق سيطرتها الجغرافية، وتستعين، مثلها مثل الطائفتين السابقتين، بقوى خارجية لتحقيق أهدافها. وهذا السبيل لن يفضي إلى نهاية إن لم يُفْضِ إلى الهاوية.
***
الملمح الرابع، هناك طوائف هجينية، موزعة الولاء، هنا أو هناك، وأتباع ومروجين لهذه الطائفة، أو تلك، مدفوعين بالجهل والحماقة والانتهازية والمال والمصالح الآنية المتجردة من الضمير والحس الوطنين.
***
غير أنَّ ما يغيب عن بال هذه الطوائف الشوهاء، المتشابهة في جوهرها، المتدثرة بالدين، الباحثة عن متاع الدنيا، أو بتعبير سياسي ذات المصالح الطبقية المتناقضة، المتنوعة في مظاهرها، هو أنها، جميعها، على ضلال مبين، وهي أقلية ضئيلة من الأوباش، تتحكم بمجموع الشعب اليمني وتتاجر بدمه لحساب الذئاب الإقليمية.
***
وفي مقابل هؤلاء الأوباش المحليين والذئاب الخارجين، ثمة وطن ينتهك وشعب بعشرات الملايين يموت، وعلينا أن نُغيِّر المعادلة، ونهزم الاوباش والذئاب، وننصر الوطن والشعب اليمني. ولكن هل نستطيع ذلك، وكيف يمكن لنا، مثلًا، أن نخرج من الإشكاليات المربكة المتصلة بالوحدة والانفصال والخلافة والولاية وغيرها من النتوءات المدمرة؟
***
والجواب: نعم نستطيع، والمخرج يمكن أن يتم من خلال دمج الرؤيتين، الوحدة والانفصال، والزوائد الأخرى كالولاية والخلافة في نسق جديد ، في إطار سياسي جديد، دون الاستعانة بالخارج، ودون حروب. ويمكننا ذلك ليس من خلال التقاسم المشين بين الأطراف السياسية والعسكرية والطائفية والقبلية والجهوية، ولكن من خلال تعزير حرية الاختيار وبناء اليمن الديمقراطي الموحد في إطار نمط سياسي تقدمي واحد، أو من خلال تحقيق العدالة في إطار دولة وطنية واحدة متنوعة الانماط السياسية والاقتصادية.
***
وأعني يمكننا أن نقيم دولة وطنية واحدة، بهوية يمنية راسخة، ليست على أساس تقاسم جهوي: شمالي مقابل جنوبي، أو شرقي مقابل غربي، وليست على أساس تقاسم طائفي: سني مقابل شيعي، وليست على أساس تقاسم حزبي، حصة لهذا الحزب وحصة لذلك الحزب، ولكن على أساس ديمقراطي علماني. دولة تقوم على أساس صوت لكل مواطن، One man, one vote، دولة تحتكم للقانون العصري، دولة تقوم على العلم، وليست على الهذيان والخطب الحماسية، دولة تحترم حرية الرأي والتجمع، دولة تفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، دولة تحترم الأديان، ولكنها تفصل الدين عن الدولة، وتترك للمجتمع حرية التدين والتعايش بين الأديان المختلفة، وبين المذاهب الدينية في إطار الدين الواحد.
***
وهل ستكون الدولة الجديدة المأمولة اشتراكية، أم رأسمالية، أم إسلامية شيعة أو اسلامية سنية، أم نمط مختلط من كل الأنماط السابقة؟
إنَّ الهدف الجوهري، كما عبر عنه تاريخ الحركة الوطنية التقدمية اليمنية منذ الخمسينيات، هو بناء "اليمن الديمقراطي الموحد "، وأعني أن يكون اليمن دولة ديمقراطية موحدة، ناهضة، تصون السيادة الوطنية وتحقق العدل والحرية والمواطنة المتساوية. ولكن إذا كانت هناك أسباب تحول في الوقت الحاضر دون ذلك الهدف، وهناك ظروف طارئة تهدد الوطن، فأن علينا أن نمنع تفتيت الوطن وسقوطه في قبضة الفرس والأتراك وبدو الخليج وإسرائيل. وأعني أنّ علينا إدراك الخطر المحدق بالوطن، ومراعات التنوع السياسي والتناقضات والانقسامات المحلية المختلفة، وبناء نظام يصون الوطن ويقيه من الاستهداف الخارجي، ويحتوي في إطاره كل التنوع الداخلي ويخلق تناغم يسمح بالاستقرار والعيش المشترك. أي أن تُقام الدولة الجديدة على أنماط اقتصادية وسياسية متعددة: اشتراكية ورأسمالية وإسلامية ( أي نظام اشترأسلامي !) كل نمط مكون من حوالي عشرة مليون إنسان ، يزيد أو يقل قليلا، بحسب التوجه للسكان والرؤى السياسية السائدة في المجتمع، ولكن هذه الأنماط المختلطة يجب أن تقام على الاختيار الحر للشعب اليمني لا على الاجبار والعبودية. وبالتالي سنحقق من هذه العملية الاختيارية الديمقراطية الهدف المرجو منها، وهو الاستقلال والحفاظ على السيادة الوطنية، والسلام والاستقرار والعيش الكريم، وسنتجنب الصراعات الجهوية والطائفية القاتلة، وسنقطع الطريق على القوى الخارجية المتربصة بوطننا.
***
ولكن هل يمكننا أن نقيم نظامًا متعددًا في بلد واحد؟
الجواب: نعم. هناك نماذج متعدد قائمة في بلد واحد، أنظر إلى الصين الشعبية، التي تتمتع بنظام رأسمالي في هونكونج، ونظام اشتراكي في بقية أجزاء البلاد، والدولة الصينية التي يحكمها الحزب الشيوعي الصيني الموحد ويديرها بمهارة فائقة أذهلت العالم، حيث تسعى القيادة الصينية ليس تجاوز الولايات المتحدة في قوتها الصناعية والاقتصادية ، ولكنها تسعى لإقامة مستوطنات في الفضاء الخارجي وفي الكواكب الأخرى ، فيما نحن مازلنا نغتسل بدمائنا في أبين ومأرب والضالع، وتعز وغيرها ، ونتحدث عن أرض الشمال و أرض الجنوب كما لو كانتا ضيعتان إقطاعيتان لهذا الشيخ وذاك ، وليستا وطن واحد لكل اليمنين عبر التاريخ!
***
اليمن، أو إن شئت الجنوب العربي، لا فرق، وطن واحد عبر التاريخ رغم التشققات الاستثنائية التي عصفت به بفعل التنابذ الداخلي والغزو الخارجي. اليمن كان موجودًا قبل وجودنا. اليمنيون تربطهم وشائج قبلية وعائلية وتاريخية وثقافية قوية، وقد تنقلوا في كل زوايا الوطن واستقروا في مناطق مختلفة، في أوقات مختلفة، في الفضاء الوطني، وحاربوا الغزاة مجتمعين وطردوهم، وسيبقى اليمن وطنًا واحدًا إلى الأبد بعد موتنا، ولن يسمح شعبنا للغزاة وأتباعهم من الأوباش المحليين في نحر الوطن وتوزيع أشلائه للقوى الاستعمارية.
***
وللخروج من المأزق القائم ، أي من هذا التفرع الثنائي، Dichotomy، المشين، والتجاذب المُدمر والانغماس في الدم، يمكننا، على سبيل المثال، أن نقيم نظامًا اشتراكيًا أو غيره في الجنوب الغربي والوسط: مثل عدن وأبين ولحج والضالع، وتعز وإب والبيضاء وريمة. كما يمكننا أن نقيم نظامًا رأسماليًا في شبوة ومأرب وحضرموت والمهرة وسقطرى، أو العكس. ويمكننا أن نقيم نظامًا مختلفا، أي خليطًا من الرأسمالية والاشتراكية في ذمار وصنعاء وعمران وحجة والمحويت والجوف وصعدة والحديدة، أو حتى نظامًا قائمًا على ولاية الفقيه، اشتراكي إسلامي: شيعي رأسمالي، ودفع الخُمس إن رأت الأغلبية في تلك المناطق ذلك ، كما هو الحال في إيران، أو على النمط الرأسمالي: الإسلامي السني الأوردغاني، كما هو الحال في تركيا، أو غير ذلك من الأنماط السائدة في العالم.
***
ولكن بشرط، وهذا أمر بالغ الأهمية، وهو أن يكون النظام المأمول في اليمن قائمًا على الديمقراطية والعدالة، تديره هيئة سياسية منتخبة من الأقاليم الثلاثة، تحكم بالتناوب لفترة رئاسية لا تقل 9 سنوات ولا تزيد 12 سنة. نظام قائم على الاختيار الحر للسكان وليس مفروضًا عليهم من أية قوى محلية أو خارجية. وإذا أعترض الشعب، عند بدء هذا المشروع أو خلال مسيرته التاريخية والنهضوية، على نظام الأقاليم الثلاثة ذات الأنظمة السياسية والاقتصادية المختلفة، وأقترع بالأغلبية المطلقة في مرحلة ما أن يوسع دائرة نمطٍ معين أو يلغيه سلميًا، أو يلغي الأقاليم الثلاثة مجتمعة، ويندمج في إطار نمط واحد اشتراكي عادل، أو نمط رأسمالي ديمقراطي، أو إسلامي عادل، فالأمر أولًا واخيرًا متروك للشعب، وليس لغيره، وعلى الشعب أن يقرر ذلك بشكل سلمي، دون عنف، ودون وصاية نخبوية داخلية أو تدخل خارجي. فالأطراف السياسية المحلية والخارجية ليسوا أوصياء على الشعب اليمني. نقطة على السطر.
***
على أن الأمر الأهم هنا هو أن يكون للدولة المأمولة دستور واحد، ينص على التنوع في أنماط الحكم بما يلبي التنوع في الرؤى السياسية والإيديولوجية، وأن تكون الانتخابات الدورية لرئاسة الدولة ورؤساء الأقاليم كل 9 سنوات أو 12 سنة ، وأن تمتلك الدولة الثروات السيادية التي ينبغي أن تنفق وفقًا للقانون، وبما يلبي حاجات المجتمع وتطوره ، وأن يكون للدولة جيش واحد، لحماية السيادة الوطنية، وعاصمة واحدة، في أي منطقة يمنية يتم الاتفاق عليها، مثل عدن ، تعز ، حضرموت ، مأرب ، الحديدة ، صنعاء، وأن يكون للدولة جهاز قضائي واحد لصيانة الدستور، وشرطة واحدة لحماية النظام والقانون، وتكون الوظيفة العامة في الدولة قائمة على الكفاءة والولاء الوطني، و ليست على أساس الانتماء القبلي أو المناطقي ، أو الجهوي أو الطائفي، وتكون حركة السكان مفتوحة بين الأقاليم، تتيح للمواطن أن يعمل في المنطقة التي تتوافق مع توجهه السياسي، بصرف النظر عن موقع مولده، ويعيش في إطار الأقاليم الاشتراكي ويخضع لقوانينه، أو في إطار الأقاليم الرأسمالي ويخضع لقوانينه، أو في إطار الإقليم المختلط، ويخضع لقوانينه. وهذا يعني أن يعيش المواطن الحضرمي في تعز، والتعزي في حضرموت، والضالعي في صنعاء، والصنعاني في الضالع، والذماري في يافع ، واليافعي في ذمار ، و وَهَلُمَّ جَرّاً ، وأن يكون لهذه الدولة العادلة ذات الأقاليم الثلاثة، أو ذات الإقليم الواحد، إذا رأى الشعب ذلك، سياسية خارجية مستقلة، متحررة من التبعية للمحاور الاقليمية، وأن يغدو اليمن حرًا وقويًا وعزيزًا مزدهرًا ومتقدمًا يُستعان به ، لا يستعين بالآخرين ولا يتسول العون من غيره كما يجري في الوقت الحاضر!
هذه أفكار أولية، رأيت أن أعرضها عليكم، حول المخرج الممكن من الأوضاع المأساوية المربكة، كما أتصور، وقد أكون مخطئًا، ولكن لكل مجتهد نصيب!
هيا، أوقفوا الحرب وعودوا إلى الشعب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة