الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكراهية ليست حاجة ولا ضرورة / تحديات تواجه الثورة الكوبية في القرن الحادي والعشرين

رشيد غويلب

2021 / 8 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ا

نشر موقع “شيوعيون” الألماني حوارا ضافيا مع جورجينا ألفونسو غونزاليس مديرة المعهد الفلسفي في كوبا. تناولت فيه اللحظات والتحديات الحرجة للثورة الكوبية في القرن الحادي والعشرين. وقدمت قراءة نقدية للوضع الاجتماعي والسياسي الحالي بعد احتجاجات 11 تموز في مناطق مختلفة من الجزيرة. ما الذي يحدث في كوبا بعد الإصلاحات السياسية والاقتصادية الداخلية، في ظل عصر الرقمنة ووسط أزمة الوباء؟ كيف يتأثر الشعب الكوبي بتشديد الحصار الجائر لأكثر من ستين عاما، وبعد تسعة وعشرين عامًا من قانون توريتشيلي، وسنة واحدة على تنفيذ ترامب لقانون هيلمز- بيرتون الصادر في عام 1996؟ في ما يأتي عرض لأهم ما ورد في الحوار مع شيء من التكثيف.

عواقب كارثية
هذه الحرب مارستها ضد الشعب الكوبي أكثر من 10 حكومات أميركية وتم تكريسها في قوانين وأنظمة ومراسيم، وكلها تنتهك معايير القانون الدولي وأخلاق التعايش الحضاري العالمي، وعلى الرغم من الرفض المستمر للحصار في الأمم المتحدة، لا يجري العمل على إنهائه.
كان لانهيار المعسكر الاشتراكي تأثير قوي على المجتمع الكوبي، ما أدى إلى ارتفاع آمال الحكومة الأمريكية بانهيار الثورة الكوبية، فلجأت في التسعينات إلى تشديد قاس للحصار عبر سلسلة من القوانين والإجراءات التي جعلت الوضع المعيشي للكوبيين أكثر خطورة.
وفي الواقع فان عواقب الحصار/ الحرب متعددة الاشكال أحيانا غير مرئية في الحياة اليومية، وبما أن تفاصيل حياة الأفراد الخاصة تبقى عموما في عالم غير مرئي، فإن العديد من عواقب الحصار على حياة الناس تظل مخفية. وبالتالي فإن مسار تاريخ الحصار وواقعه غير معروفين بشكل تفصيلي للشعب الكوبي. لقد كان على الكوبيين أن يعيشوا ويفكروا ويعملوا ويتطوروا في ظل ظروف غير عادلة وغير مبررة إطلاقا.
ولا يدرك المجتمع المدني العالمي طبيعة حرب الإبادة الجماعية الجارية بواسطة الحصار، لأن وسائل الإعلام العالمية المهيمنة تتلاعب بالحقائق، وتصور الأمر على أنه نزاع بين الحكومتين الكوبية والأمريكية، وتخفي جوهر ومعنى الحرب الحقيقية التي يمثلها الحصار.

تشديد الحصار والاحتجاجات
بعد عام من تطبيق قانون هيلمز- بيرتون، في عام 2020، حذر الرئيس دياز كانيل الشعب الكوبي من أوقات أكثر صعوبة في المستقبل، نتيجة للقيود الاقتصادية في مختلف المجالات، وتلك المفروضة على الحصول على الخدمات وصيانتها. ولهذا من الطبيعي وجود علاقة مباشرة بين ما حدث في كوبا أخيرا وتشديد الحصار، لأن حكومة الولايات المتحدة تستغل صعوبات الوضع الداخلي في كوبا والمرتبط بالأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتتبنى اجراءات أكثر قسوة لتوجيه ضربة قاتلة لكل البدائل الممكنة، التي من شأنها أن تساعد على استعادة مستوى معيشي أفضل للسكان وتعزيز الهيمنة التحررية في سياق التجربة الكوبية، وفي بعض النواحي في سياق تجربة بلدان المنطقة التحررية.
الحياة اليومية للناس اليوم معقدة للغاية، هناك نقص في السلع الأساسية، ونقص في الأدوية، ونقص في الكهرباء في أوقات الحر الشديد، والأجور غير كافية، والأسعار مرتفعة، وعدم سرعة فعالية التدابير الاقتصادية التي تم اقتراحها للتغلب على الأزمة. وفي كثير من الأحيان لا يجري تنفيذ هذه التدابير بالسرعة والانضباط المطلوبين، للاستفادة من تأثيرها المباشر والسريع على حياة السكان. وفي هذا السياق، هناك تفاوتات متزايدة يرتبط جزء منها بإجراءات إعادة التوزيع، وأشكال التوزيع الداخلي التي تفضل بعض القطاعات والمناطق على حساب أخرى.
إنّ وسائل النقل العام مقيدة بسبب نقص الوقود، نتيجة لمنع الولايات المتحدة وصول ناقلات الوقود إلى كوبا، ما يؤثر بشكل مباشر على إمدادات الطاقة. والوقود أمر حيوي ليس فقط لوسائل النقل العام، ولكن أيضا للطهي في المنزل وللإنتاج الصناعي. يضاف إلى ذلك آثار تغير المناخ والأمطار الغزيرة والأعاصير المباشرة على المحاصيل والظروف المعيشية وتفاقم الصعوبات. كل هذا يجري بالتوازي مع ظهور أجيال جديدة من كورونا، تضعف البنى التحتية للرعاية الصحية في بعض المناطق.

توترات وتناقضات يجب مواجهتها
منذ بعض الوقت، هناك توترات وتناقضات لها تأثير، ولها علاقة بإعادة هيكلة المجتمع الكوبي، المرتبطة بالفئات الاجتماعية، حيث تتغير أنماط الحياة، وفي نفس الوقت الأنماط الأيديولوجية والثقافية. وهناك عملية تسييس للمشروع الاجتماعي الثوري، وهو أمر مفروغ منه، وفي نفس الوقت هناك توسع وتوطيد متزايد للمواقف المحافظة وغير النقدية بشأن الأحداث الاجتماعية المرتبطة بالأنماط الاستهلاكية والفردية واستراتيجية الهيمنة الإمبريالية.
هذا يؤدي إلى العديد من التفسيرات والاعتبارات. لقد بيّنت تجربة السنوات الأخيرة في أمريكا اللاتينية أنه حتى اتخاذ تدابير لصالح القطاعات الأكثر فقراً، لا تشكل في إطار الصراع الاجتماعي، ضمانا لدعم العمليات التحررية. وفي حالة كوبا، يؤشر هذا أيضًا قطيعة مع المشروع الاجتماعي للثورة، وأن هناك حاجة للتفكير في كيفية استعادة الإحساس الجماعي بمشروع الثورة، من خلال تحسين حياة الناس. لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن زيادة مشاركة الناس، وكيف يمكن تشجيع المشاركة الشعبية في صنع القرار وكيف يمكن جعل الناس يشعرون بأنهم جزء من هذه العملية؟
يجب أن تؤخذ في الاعتبار عناصر التغير الاجتماعي، والتغيرات في البنية الاجتماعية والديموغرافية، وشيخوخة السكان، وموجات الهجرة الداخلية، والتمايز الاجتماعي القوي الذي لم يتعوده السكان. كل هذا يعني ضرورة النظر إلى الثورة والعملية الجارية بطريقة مختلفة، وأنه يجب البحث عن طرق أخرى للتعامل مع السياسة والاقتصاد والجماليات والأخلاق بطريقة تكاملية، بطريقة شاملة وإنسانية وتضامنية وأممية لتشكيل ودفع العمل إلى أمام. هذه هي التحديات المقبلة.
ويجب أن يكون واضحا أيضا أن الشعب الكوبي غير معتاد على مواجهة بعضه البعض. لقد عاش حصارا وتهديدات على مدار 60 عاما، لكنه ليس شعبا عنيفا. انه شعب يحب هدوءه. هذا حق. وهذا مطلب وهذا أحد مبادئ الثورة. وبالطبع هناك العديد من الاحتياجات والتناقضات لكن الكراهية ليست حاجة ولا ضرورة. وهذا يشمل أيضا التلاعب وإثارة الفتنة. كل هذا يفرض التفكير بما يجب القيام به لمنع حدوث ذلك مرة أخرى.
صحيح أن ليس كل كوبي ثوريا، الثورة ليست مهمة الجميع، لكن المشروع الاجتماعي يجب أن يكون مشروعا للحرية والتحرر ولكرامة وسيادة واستقلال جميع الكوبيين، ولا يجب التنازل عن ذلك.

خصوصية كوبية
جرت محاولة لمقارنة الأحداث الأخيرة في كوبا بما يحدث في البلدان الأخرى في القارة، ومن الضروري توضيح الاختلاف الجوهري في الحالتين. إن ما يحدث في كوبا يجري في إطار مشروع اجتماعي ثوري. هو ما تمثله الثورة الكوبية، وأن إمكانية إعادة بناء وتعزيز بنية التضامن بين المواطنين، التي كانت أساس الثورة الكوبية، لا تزال قائمة. والفضاء الاجتماعي المشترك لديه إمكانات لصالح العملية الثورية، حتى وإن بدا صحيحا أن هناك فجوة تنفتح لصالح الرأسمالية وعودتها في كوبا، لكن الإجماع لصالح الثورة لا يزال قائما ويشكل الأغلبية. وهناك فرصة لتعبئة القوى التي ستعيد النسيج الاجتماعي الثوري للشعب على أساس التعاون والابداع، وبأفق النضال ضد الرأسمالية، الذي تميزت به التجربة الكوبية عن السياق الإقليمي الذي لا يزال يسود فيه منطق رأس المال، وليس منطق استدامة الحياة.
يعتمد المشروع الاجتماعي الثوري في كوبا على نضال ثقافي، تعليمي، حضاري، مناهض للسلطة الأبوية، مناهض للتمييز، مناهض لتدمير البيئة، مناهض للاستعمار ضد ذهنية مراكمة الارباح، وهذا هو بالضبط درس التجربة الأخيرة الأساسي، أي ضرورة العمل معا داخل المؤسسات وخارجها، وفي جميع المجالات الإنتاجية والمجتمعية، لاستعادة النسيج الاجتماعي للتضامن. يجب تشجيع الدفاع عن الإنتاج الوطني الذي يضمن السيادة الغذائية، ويجب إيقاف تحرير السوق، وتجنب التوجه لنموذج دولة اقتصاد السوق.
يجب زيادة تعزيز التكامل المتبادل بين الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين، بحيث تكون المصالح العامة في المقدمة، وأن لا تشكل النزعة التجارية معنى الاقتصاد، بل تلبية احتياجات السكان، في المدى القصير، من خلال منح مبادرات الإنتاج المحلية قدرا أكبر من الاستقلالية. ولا داعي لانتظار رقابة مركزية لتشجيع تطوير المبادرات الإنتاجية المحلية التي يمكن أن توفر حلولاً فورية للمشكلات المطروحة.

دروس جوهرية
ضرورة للتفكير في التنمية. التنمية التي لا تنحصر في الاقتصاد، بل يجب أن تكون عملية تحول ثقافي. لقد تراجعت رؤية التنمية كعملية تحول ثقافية لصالح رؤية التنمية الاقتصادية. وفي هذا السياق تلعب مكافحة الفساد ومشاركة الناس مهمة من أجل سد ثغرات عدم المساواة.
إن بناء اقتصاد عام متنوع وتشاركي ومسؤول اجتماعيا، وخلق بيئات إبداعية، وبيئات عمل تعاونية، وتواصل اجتماعي صادق، في الوقت المناسب ومقنع، وعدم السماح للعدو بسرقة الشبكات الاجتماعية هي أيضا دروس تم استيعابها أخيرا. وهي مرتبطة بالطريقة التي نريد بها تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والفرص المتاحة للجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا