الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد التلقي السلبي في المسرح

فاضل خليل

2021 / 8 / 2
الادب والفن


دائما، وبسبق اصرار أقولها نحن نرصد ونتصدى للعروض المسرحية التي تقدم على المسارح، ننبش عن نواقصها من منطلق الحرص، كأننا أوصياء على صحة ما يدور، وبحجة اننا نبحث عن الابداع في الجديد الذي يقدم، مؤكدين على عدم التكرار حرصا منا على أن يظل مسرحنا، وحتى مسارح غيرنا دائما ناصعة البياض، ساطعة، تضج بالحياة، وتعج بكل ما هو ابداعي جيد وجديد. وهذا الى حد ما مقبول جدا ولا غبار عليه، لكن السؤال هنا، هل أن دورنا في رصد ما يجري على الخشبة فقط ؟؟ أم أن على رصدنا أن يشمل جمهور الصالة أيضا كواجب الحرص الذي يشمل مجمل الحركة المسرحية. اليوم وعلى غير العادة، لاسيما وقد تناولنا في بحوث سابقة، أهمية الموقع الذي يحتله المتفرج، أو المشاهد، أو المتلقي، أو المساهم في المسرح، لاسيما اذا انطلقنا من حقيقة أن هذا المساهم، هو زاحد من خمسة مكونات تضع المسرح في موضعه المناسب، وجاهزيته للتلقي. فالمعادلة، وكما نعرفها ونعرف بها طلبة المسرح في انها تتكون مما يلي: [ التأليف ، الاخراج ، التمثيل ، الخشبة ، الجمهور ]. اذن والمعادلة تقضي بمسؤولية العناصر الخمسة التي ذكرنا، عليه لابد لنا لنا ان نضع الجمهور في الميزان او بصورة اوضح، أصبح من المعتاد جدا أننا نتناول كل ما يعتلي الخشبة، بالنقد، أو وجهات النظر، وحتى الانطباعات التي لا تدخل ايجابيا في تقويم أي ظاهرة ومنها المسرح.
اليوم وعلى غير العادة فكرت في ماذا لو اننا جربنا أن نقلب الموازنة، ونضع القاعة [ الجمهور ] موضع النقد، بما يحمله من محاسن وعيوب. تبدأ من أخلاقيات المشاهدة، وابتداءا من المحافظة على الهدوء، وعدم الضوضاء، في عدم تناول المرطبات والسندويج، ولا التدخين، وصولا الى نقد المشاهدة بما يحمله مصطلح النقد من ايجابيات السعي في تطوير الظاهرة المسرحية. ولا يفوتنا من ان النقد هو نشاط فكري يطمح في إيصال منجز التلقي إلى احسن حالاته، وعليه يتوجب علينا أن نكشف عن العيوب وبعض سلبيات التلقي وصولا الى كسب [ متفرج ] يحمل بعض اسباب الاؤتقاء بالظاهرة المسرحية. باعتبار أن عملية [ التلقي ] انما هي فعالية فكرية اولا، ومساهمة فاعلة في النهوض بالجهود المسرحية باعتبارها فعالية فكرية ترتقي بالظاهرة المسرحية من خلال المنجز الإبداعي . ولا نبالغ اذا ما قلنا ان عملية التلقي ما هي الا: المعرفة الخالصة، التي تسعى الى ابتكار معرفة أخرى جديدة. وكما يستحيل على النقد أن يوجد من دون إبداع يحركه، كذلك يستحيل على الإبداع أن يوجد من دون نقد يحركه ويشاكسه، وليس أكثر مشاكسة من مشاهدة ذكية تجعل من النقد – كنتيجة - امتحان للإبداع في المسرح. والمشاهدة أو التلقي انما هي عملية متداخلة، ومبطنة تتكشف عنها حقائق أخرى تحمل الكثير من التأويل لكل جزيئة من أجزاء المنجز الإبداعي الذي يخضع للمساهمة من التلقي. وهذا لا يمنع من أن يكون لكل مساهم في التلقي [ المشاهد ] رأيه الخاص المغاير للرأي الآخر. ففي الجمال آراء بقدر ما في العالم من رؤوس ـ حسب الفيلسوف وول ديورانت في كتابه (قصة الفلسفة)ـ.
لقد أعتدنا جميعا، ولا أستثني أحدا منا نحن العاملين في االمسرح أولا، وفي مجمل الثقافة بشكل عام، فنحن من أكثر المتربصين وبشدة الى نقد ما يجري على خشبات المسارح، باحثين بدقة عن خطاياه غالبا، تاركين الحسنات فيه لفعل فاعل. متناسين مثالبنا الأكبر من فعل المشاهدة الذي لا يرحم. وانطلاقا من الفهم المتقدم من ان النقد هو ليس الا مدهش مثير، يحرك مثيرات أخرى ربما أكبر، واحدة منها (الجمهور). والنقد فكر، يديمه التساؤل ، وتنعشه الأفكار التي تدخل عليه. وهكذا سار الوضع على ما أريد له في المسرح وبقية الجهود الابداعية في الثقافة بشكل عام. ولزام علينا والحال هذا أن نأخذ بنظر الاعتبار، الضرورة في مراجعة النفس، قبل كل المشاهدة، أو التلقي، أو المساهمة المبدعة من قبل المتفرج الذكي الذي يستقبل مثيرات المشاهدة، املا في تجاوز وجهات النظر الانطباعية البعيدة عن الموضوعية. إن من أولى مهمات رأي التلقي انما تكمن في حرص المتلقي ـ المساهم، في متابعه العرض المسرحي ـ وفي هذا ندرة كبيرة ـ الأمل في المتابعة، ومنذ اختيار النص، وياحبذا قراءته وحتى آخر يوم من أيام العرض. وهو ما يلزمه بامتلاك حق القول الذي يريده في العرض الذي يشاهده. وهو رأي سيكون بالتأكيد رأيا خاصا بالمشاهدة الخاصة بالمتلقي ـ المساهم، الذي يختلف أو ربما يتفق مع الاراء الاخرى. هذا الرأي الخاص قد يساعد المبدع على معرفة الجدة أو التكرار في ماقدمه، بالمقارنة مع ما قدمه ـ هو ـ سابقا، أو ما تقدم به أقرانه من المخرجين. وفي هذا الرأي الكثير مما ينبه المبدع إلى ما ينبغي أن ينتبه إليه من عدم التكرار في المستقبل. ولابد أن نشير من البعض من المخرجين وبعض العاملين في المسرح من يستهجن تلك الاراء التي تقدم ويعتبرها تجاوزا على العلوم المسرحية، منطلقين من رأيهم الخاطئ في أن المشاهدة [ الجمهور ] انما تشكل الحلقة الأسهل في عموم العملية الابداعية في المسرح، وهو رأي خاطئ اذا ما عدنا الى الحقائق الخمسة التي يتكون منها العرض المسرحي وهي: النص، المخرج، الممثل، الخشبة، الجمهور.
من كل ما تقدم يتضح لنا الدور الذي يلعبه [ التلقي] في العملية الابداعية. ومن هنا يتوجب على المشاهد ان يتوخى الحذر في الكثير من التصرفات، والاستسهال الذي يعتقده في دوره في المسرح. من اهميات في من يتولى مهمة التلقي ـ المساهم، في المسرح . لكنه لا يمنع من وجود [ المتفرج الذكي ] ـ حسب آرنست فيشر في كتابه (المتفرج الذكي في المسرح)ـ وهو المتفرج الذي نسعى اليه كمسرحيين من اللذين استكملوا عدتهم الثقافية وصاروا مؤهلين كي يساهموا في النهوض بالعملية المسرحية وصولا الى التكامل الفني في العرض المسرحي. فليست هي الانطباعات الخاضعة للمزاج، ولا هي عملية التوثيق، أو الممارسات الشبيهة بالمتابعات الصحفية اليومية التي يرفضها المنطق العلمي يطلق عليها، المساهمة التي من شأنها التطوير. فهو ليس بالمتابعات الصحفية اليومية، ولا هو التوثيق المسرحي، رغم أهمية التوثيق، والريبورتاج الصحفي، في الحياة الثقافية. لكنهما لا يدخلان في نقد الرائي والمرئي. لاسيما وان التلقي المسؤول، يعني بإعادة الصياغة للعمل الفني، انطلاقا من هداية المخرج إلى ما فات منجزه الابداعي ـ العرض ـ من قيم جمالية. ومن أجل اكتمال إيصال المعنى الراق، الذي لم يتمكن المخرج من بلوغ اكتماله، لانشغالاته بالخطوط المتشعبة للعرض. فلدى المخرج من المخاوف التي يخشاها مايكفي للقلق الذي يبعده عن بلوغ ذلك التكامل الذي يسعى اليه. ابتداءا من خوف الانزلاق بما هو استهلاكي يومي يبعده عن تحقيق الفعل الراقي في المسرح. وليس انتهاء بطوفان وجهات النظر التي يسوقها جمهور اعتاد على المشاهدات السهلة التي لا توصل المسرح الى بر الامان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى


.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا




.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني