الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوة الموت الاسلامية

طارق الهوا

2021 / 8 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أتابع منذ فترة حلقات ملف "الصحوة الاسلامية" على "يوتيوب"، التي يستضيف فيها إرنست وليم عَلمانيين مسلمين، يساهم كل منهم بأرائه الساخرة الضاحكة عما حدث من تغيير شامل عميق سلبي في ثقافات دول الشرق الاوسط منذ خمسين سنة هي عمر الصحوة الاسلامية الحديثة، التي يُشار عادة إلى جمال الدين الأفغاني على أنه باعثها في الشرق الاوسط، ويليه محمد عبده ثم أهم وأخطر أضلاع المثلث حسن البنا الذي ربط الصحوة الاسلامية بالسياسية بشكل صريح، واعتمد على تكفير المجتمع والعنف والزئبقية والانتهازية والتسلح بعيداً عن الجيش كمنهج يتوّجه نظام السمع والطاعة، وإلا وقع السخط وأكثر من السخط من الإمام على العضو المارق، وتخرج من هذه المدرسة الفاشية مدارس أخرى محلية وأقليمية ودولية، تفوق بعضها في وحشيته على المدرسة الأم، وكانت النتيجة تعميق التخلف الاجتماعي والتطرف الديني وتصدع المجتمعات وتحجيم القوى الناعمة في الشرق الأوسط، والاغتيالات السياسية والفكرية والهجوم على المدنيين واستهداف المنشآت الحكومية والعسكرية واغتيال رؤساء جمهورية وركوب ثورات العشرية الثانية من هذا القرن التي أوصلت بعض قياداتهم إلى الرئاسة، وليس عناصر منهم انقلبت عليهم بعد الوصول إلى السلطة كما كان في ثورة 1952 و بعض الثورات العسكرية الأخرى.
خواطري تعقيب على سلسلة"الصحوة الاسلامية" التي ستمتد كما هو واضح، لكنني أرى أنها لم تكن "صحوة اسلامية" بقدر ما كانت "صحوة موت إسلامية". تماماً كما يُخيل لأهل مريض السرطان في آواخر أيامه أنه قد تعافى، لكن الحقيقة أنه لم يعد يشعر بأوجاعه لأن جسمه بالكامل قد فقد الاحساس، وعقله قد إنشّل عن التفكير بسبب تفشي الخلايا السرطانية.
تفسيري الشخصي هو أن كوارث أو صحوات المسلمين الفكرية أتت في معظمها من خارج الشرق الأوسط، مرة من أفغانستان ومرة من بخارى وسمرقند أو غيرها من أماكن لا تتحدث العربية، لكنها أسست مرويات الاحفوريات الفكرية التي أصحبت مع الزمن مقدسات يستحيل أن يناقشها من يتحدثون العربية بالعقل، ومجرد التفكير العقلاني بها يجعل من يجرؤ على التفكير مرتد، لكن مع محمد عبده بدأت الكارثة في الشرق.
قال محمد عبده عن نهضة أوروبا بأنه رأى في أوروبا إسلاما ولم ير مسلمين. هذه التلفيقة البلاغية سببها رؤيته تقدما لن تستطيع أمته اللحاق به لأن الخلافة العثمانية وضعتها مع أهل الكهف، ولمّا عزّ عليه كفرد من خير أمة أخرجت للناس رؤية حقوق الانسان والقيم والعلوم الحديثة والتقدم ونظافة الشوارع والمدنية تحدث بواسطة مسيحيين، أطلق كذبته التاريخية وقال أنه بقدر ما ابتعد المسيحيون عن المسيحية زاد تطورهم وتقدمهم.
كذبة لا تليق بعَلم من أعلام التجديد، لأن المسيحيين ابتعدوا عن المسيحية السياسية وليس عن المسيحية. قوضوا سلطة الكنيسة السياسية، لكن كل الفنون والعمارة والقيم الأوروبية ارتبطت ارتباطا وثيقا بالمسيحية في عصر النهضة، وفكرة الدولة الحديثة وتطور العلوم والاختراعات بدأت بعدما أعاد المفكرون المسيحيون المسيحية إلى أصولها الايمانية وهي علاقة الانسان بربه، وآمنوا بشجاعة أن نصوص كتب العهديّن القديم والجديد لا تصلح سوى أن تكون كتب تأمل وصلوات، والشك يطال مصداقية بعض مروياتها التاريخية، وكل مروياتها الفلكية والكونية والعلمية مجرد تصورات لا ترقى لمرتبة اليقين العلمي، بل هناك من يدرس معجزات المسيح حاليا من وجهة نظر علمية ليصل إلى تفسير يستطيع العقل تقبله. هذه هي النهضة الحقيقية.
جاء الاسلام ديناً ودنيا لأن الحياة قبله وفي زمانه في الاماكن التي لم تعرف حضارة، مثل التي تحيط بها، كانت كذلك. تراكمات تاريخية يستحيل أن يشذ عنها الاسلام. كان ساحر القبيلة ثم لاحقاً زعيمها هو مرجع الحكمة والكلام المُقفى وطبيبها والسياسي الأول فيها والقائد العسكري لو كانت صحته تساعده على الإغارة على القبائل الأخرى، بل كان أحياناً هو الإله نفسه. منذ التاريخ السحيق حتى عصور الكتابة كانت هذه الشخصية المحورية كذلك.
لم يملك محمد عبده ولا غيره من معممين جرأة الاعتراف بتطور منظومة الحياة، لأنها ببساطة ستهدم سلطتهم وسطوة سيطرتهم على الناس، ورأي محمد عبد بصفته شيخ، أن الاسلام ايمان ودنيا. ورغم ذلك وُصف بأنه مجدد.
تلقف حسن البنا وغيره احياء هذه النظرية التي اتُهم كل من حاولوا تطويرها بالردة أو الزندقة، لأن البنا وغيره لم يكونوا مفكرين أو مصلحين بل مجرد دراويش يقتاتون على نظرية الدين الشامل، ويعتاشون في فلك سلطته اللانهائية على الناس، ومعظمهم كانوا متوسطي التعليم التلقيني الكتاتيبي، ومَنْ ذهب إلى أوروبا أصابه الهلع وأحس بضآلة عقله، ورأى في ترسيخ هذه النظرية خيراً له وطريقا للشهرة والسلطة والنقود، حتى وصل الأمر ببعض مشايخ عصر الانترنت إلى التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كمصاطب وأعمدة، كما في المساجد، لإسترجاع وترويج أفكار أوصلت المسلمين إلى تعميق التخلف العلمي والمجتمعي عندهم.
لم يكن الامر "صحوة اسلامية" بل "صحوة موت اسلامية" قبل الحلول القريب لعصر العلم ومعرفة خالق الكون علمياً وليس كما روت الأساطير، وهذه الصحوة لم يكن مقدرا لها الوجود ثم الاستفحال لولا وجود البترول، وعدم تقدير القادة الغربيين، خصوصاً أميركا التي رعت ثورة 1952 الإخوانية واقتلعت شاه إيران، تماماً لخطورة إحلال المتشددين المسلمين بدلا من الاتحاد السوفياتي السابق لتشغيل مصانع السلاح وخلق الحروب، وهي أهم صناعة لأنها تجعل كل الصناعات تعمل في نفس الوقت.
أدلة "موت الصحة الاسلامية" هي تراجع بعض نجومها عما قالوا بعد التغيرات التي بدأت تأخذ طريقها في دول التمويل، إضافة إلى ما حدث فيي مصر ضدهم، ثم تأتي المجموعة العَلمانية التنويرية المسلمة وفيهم من خرج عن فلك الجماعات المتشددة وحتى عن الاسلام نفسه، والامور هذه ستجعل المسلمين يدركون أن تطورهم وحياتهم يستحيل أن يتم من داخل منظومة الدين الشامل.
أختم بروح دعابة ضيوف ومُضيف سلسلة "الصحوةالاسلامية" وتأثيرها على الناس وأروي موقفاً حدث مع جار مصري أمام باب مصعد في ناطحة سحاب في ديترويت. دخل كل الواقفين وكنت منهم ما عدا جاري الذي كان يتمتم بكلمات غير مسموعة وهو ينظر الى الارض، واضطريت على الطريقة الشرقية الى وضع يدي بين بابيّ المصعد حتى لا يُغلق وسط ذهول الآخرين، ولما دخل الرجل المصعد سألته عن سبب وقوفه ونحن في طريقنا صعودا إلى مكتب محامي يثق به.
- كنت أقرأ دعاء ركوب الدابة.
- هل تمزح يارجل؟
- لا.
- وهل المصعد دابة؟!
- أهم كلهم ركوبة. أجابني بلهجته المصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح