الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس في مفترق طرق.. إلغاء الديمقراطية ليس حلًا

الاشتراكيون الثوريون

2021 / 8 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



أثارت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان وحظر التجوال، نقاشاتٍ وجدالاتٍ مُطوَّلة في أرجاء المنطقة والعالم، لا سيما في مصر، التي شهدت منذ ثمانية أعوام انقلابًا رسَّخَ أركان ديكتاتورية عسكرية لا تزال قائمة إلى اليوم.

لعل أبرز تلك النقاشات الدائرة حول تونس هي تلك المتعلِّقة بصلاحية الرئيس دستوريًا لاتِّخاذ مثل هذه القرارات. الكثير من الليبراليين واليساريين في مصر يفرِّغون النقاش من السياسة وعلاقات السلطة والطبقات والأزمة في تونس، ليحصرونه في الإطار الدستوري -رغم أهمية هذا النقاش في حدِّ ذاته. يجادلون بأنه طالما أن المادة 80 من الدستور التونسي تمنح الرئيس صلاحية اتِّخاذ مثل هذه القرارات، فلا يمكن اعتبار ذلك محاولة انقلاب على الديمقراطية. هكذا يصرف الكثيرون أنظارهم عن المضمون السياسي لهذه القرارات التي تمنح الرئيس الفرد سلطاتٍ ديكتاتورية، ويأخذون في البحث في الجانب الإجرائي الصرف. وقبل كلِّ شيء، إذا كانت هناك مادة تركِّز السلطات في يد الرئيس، فكيف يمكن وصف هذه المادة بأنها داعمة للحقوق الديمقراطية؟

جدالٌ آخر يدور حول دور الجيش في هذه الإجراءات. يجادل كثيرون أيضًا بأن ما حدث ليس بداية انقلاب، لأن الانقلابات عادةً ما يبرز فيها دورٌ حاسمٌ للجيش -كما حدث في مصر 2013 مثلًا. لكن قيس سعيد كان من المستحيل أن يتَّخذ هذه القرارات دون ضمانٍ أكيد لدعم الجيش والأجهزة الأمنية لها. كيف إذًا كان من الممكن أن توضع هذه القرارات موضع التنفيذ إن لم تكن مدعومةً بقوةٍ تفرضها على الأرض؟ كان الجيش حاضرًا في المشهد بوضوح، وبالتزامن مع قرارات الرئيس كانت قواته تطوِّق مبنى البرلمان.

المشكلة الأبرز في مثل هذه الجدالات وغيرها هي أنها مدفوعةٌ بالحماس للتخلُّص من حزب النهضة الإسلامي، ليس بالنضال الجماهيري الذي يتحدَّى أولئك القابعين في السلطة، بمن فيهم قيس سعيد، والطبقة المستفيدة من السياسات الاقتصادية التي يعاني منها التونسيون، ولكن من خلال الإجهاز على آخر ما تبقَّى من المكتسبات الديمقراطية للثورة التونسية. مشكلة هذه الجدالات أنها، من أجل رغبتها في التخلُّص من الإسلاميين في البرلمان، لا مانع لديها من العودة إلى سلطةٍ مُطلَقة في يد الرئيس وغلق باب الديمقراطية من الأساس، مع افتراض أن هذه الإجراءات الاستثنائية لقيس سعيد ستكون الأخيرة من نوعها، ومن بعدها سيفرش الطريق بالورود للقوى العلمانية!

كانت هذه الفكرة سائدةً أيضًا في مصر قبل وبعد انقلاب يوليو 2013، أن تسمح القوى المدنية العلمانية بانتهاك الديمقراطية من خلال انقلابٍ عليها، في انتظار سراب الديمقراطية والتنوير من جعبة الديكتاتور! ما حدث معلومٌ للجميع، بدأ النظام بالإخوان فقط كبدايةٍ لحملات قمع غير مسبوقة من أجل إخلاء الساحة من أيِّ معارضة تُذكَر. وهذه تجربةٌ نأمل ألا تتكرَّر مثيلتها في تونس.

لقد عانى الشعب التونسي الأمرَّين خلال السنوات السابقة. بلغت البطالة 17.4% في الربع الأخير من العام الماضي، وارتفع الدين العام لأكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وتتبع السلطات سياسةً اقتصادية تستند إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي والرضوخ الأعمى لشروطه، ما يزيد من عبء الحياة على التونسيين. هذا بخلاف الآثار المدمِّرة والفشل في احتواء جائحة كورونا ذات الآثار الكارثية. وسياسات حزب النهضة، وفشله، وفساده، وانتهازيته، ومساوماته مع رجال النظام القديم، دفعت للوصول إلى هذه الأوضاع المزرية.

لكن محاولة الانقلاب على الديمقراطية ليس حلًا لهذه المشكلات، بل دافعًا أساسيًا لتعميقها إذا تواصل الهجوم على المساحات الديمقراطية التي يمكن استخدامها لمعارضة هذه السياسات. لا يتبنَّى قيس سعيد سياسةً اقتصادية مختلفة على الإطلاق، وتلك السياسة جاءت بإشرافٍ ومباركةٍ من أجهزة الدولة، والآن يقدِّمون البرلمان كبش فداءٍ للأزمة ليوجِّه الشعب غضبه تجاهه هو فقط، وتجاه الانتخابات، وتجاه الديمقراطية برمتها.

من غير الواضح بعد ما إذا كان قيس سعيد، الذي أعلن منذ انتخابه في 2019 أنه ليس من محبي نظام السياسة الحزبية، سيستكمل إجراءاته وقراراته للهجوم على المزيد من المكتسبات الديمقراطية، مثل حقوق التنظيم النقابي، ومنع التظاهر والاعتصام وحرية التعبير والنشاط الحزبي. لكن المعركة لم تُحسَم بعد، ولا تزال هناك الكثير من المساحات التي قد تسمح ببناء بديل جذري يتفوَّق حتى على نفوذ حزب النهضة نفسه.

لكن مواقف القوى اليسارية والعلمانية التونسية جاءت في أغلبها إما مؤيِّدة وإما محايدة تدعو إلى “التمسُّك بالشرعية الدستورية”، مثلما جاء في بيان الاتحاد العام التونسي للشغل مثلًا، دون معارضة واضحة وقوية، باستثناء حزب العمال الشيوعي، الذي ندَّد بمحاولة الانقلاب لكن دون اتِّخاذ موقف عملي على الأرض.

إن الصمت على هذه الإجراءات التي تنقلب على المكتسبات الديمقراطية يعني إتاحة الطريق أمام المزيد من ضرب الساحة السياسية في تونس، ويعني أنه ربما في المستقبل يحين دور الإعلام والأحزاب، وربما أيضًا النقابات، وغيرها. لكن الأسوأ من ذلك هو أن غياب أو صمت أو تخاذل اليسار قد يخلي الساحة أمام القوى الإسلامية، وعلى رأسها حركة النهضة، في المعركة الديمقراطية، دون أن يقدِّم بديلًا حقيقيًا وملموسًا يبني جسرًا بين النضال من أجل الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية والنضال من أجل المطالبات الاقتصادية والاجتماعية التي يتوق لها الشعب التونسي.

الاشتراكيون الثوريون
2 أغسطس 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير