الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في خطاب القسم

منذر خدام

2021 / 8 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


كان من المتوقع أن يرسم الرئيس في خطاب القسم برنامجا لعمل الحكومة خلال السنوات القادمة، غير ان روحية الخطاب وكثير من ديباجته الانشائية جاءت تفصيلا في قوة التحدي التي عبر عنها في كلمة اعلان فوزه في الانتخابات. يتوجه الرئيس في خطابه إلى الشعب، كل الشعب ليسارع إلى تخصيصه بذلك القسم منه الذي " حمى " وطنه بدمه"، وصان " الأمانة" ، و حفظ " العهد"، وأثبت للعالم أن قدر سورية " أن تمنح التاريخ ملاحم يقرأ صفحاتها كل من يريد أن يتزود بدروس الشرف والعزة والكرامة والحرية الحقيقية.." . للأسف الشعب الذي تخاطبه يا سيادة الرئيس، إن كنت حقا تخاطبه، نصفه صار لاجئا او مهاجرا، واكثر من النصف الباقي لم تعد "الحرية"، في الوقت الراهن، من أولوياته بل لقمة العيش. أي دروس في "الشرف والعزة والكرامة والحرية " نعلمها للعالم وأعداد كبيرة من السوريين لم تترك بابا لم تلجأ أليه ليأويها. كيف تجتمع الكرامة والحرية مع الفقر المدقع الذي يعيشه السوريون اليوم.
وانسجاما مع روح التحدي الذي تميز بها الخطاب فقد اغلق الرئيس بكل وضوح طريق الحل السياسي عبر اللجنة الدستورية، إذ عد معركة " الدستور والوطن" واحدة لكن بأولوية " الدستور" فهي" عنوان الوطن" بحسب رأيه، وهي غير قابلة " للنقاش والمساومات". الوطن يا سيادة الرئيس مقسم واقعيا إلى مناطق نفوذ، ولا يمكن توحيده إلا عبر الحل السياسي الذي تشكل المراجعة الدستورية المدخل إليه، وهذا ما يعلمه كل سوري.
الشعب السوري يا سيادة الرئيس "متنوع" كما قلت، وهذا التنوع يشكل غنا حقيقيا لسورية، لكن ليس في ظل الاستبداد، بل في ظل الحرية والديمقراطية وحكم القانون، وخلق بيئة ملائمة وصحية لتفتح هويات مختلف مكوناته. القمع المنفلت الذي مارسه النظام خلال اكثر من خمسة عقود جعل كثير من السوريين يكفرون بسوريتهم، وهاهم مع تفجر الأزمة التي من اسبابها الرئيسة استبداد النظام، يلجؤون إلى هوياتهم الصغرى، مما تسبب في تمزيق النسيج الوطني.
خص الرئيس بخطابه السورين الذين أضاعوا "المسلمات" الوطنية وميزهم إلى فئات، منهم من "يبرر الفوضى والتخريب للمنشآت العامة.." والأخطر من ذلك أنه يقدم "المبرر للإرهابيين لكي يستمروا بعنفهم"، ومنهم من قبل باللغة التقسيمية والألفاظ اللاأخلاقية لاعتقاده أنها ممارسة ديمقراطية وحرية رأي، ومن وقف بلا موقف معتقداً أنها الحكمة، ومن اتخذ مواقف ملتبسة معتقداً أنها الحنكة، ومن مارس الانبطاح معتقداً أنه الانفتاح لكنهم جميعا خونة وعملاء. المواطن السوري البسيط يتساءل كيف صار اكثر من نصف الشعب السوري " خائنا" ونظام البعث منذ نحو خمسة عقود وهو يحكم البلد؟!!. أغلب الذين انتفضوا على النظام هم أجيال البعث يا سيادة الرئيس.
صدقت عندما قلت " استقرار المجتمع" من "اولى المسلمات" وكل من يمس " أمنه وامانه ومصالحه مرفوض بشكل مطلق". لكن لنكن واقعيين يا سيادة الرئيس المجتمع السوري بعد عشر سنوات من الصراع المسلح تمزق شرق تمزق وصارت هوياته الصغرى هي السائدة، عداك عن الملايين الذين غادروا اماكن سكناهم مهاجرين إلى الخارج او نازحين في الداخل. الذي يوحد السوريين اليوم هو الجوع والفقر والرغبة في ترك البلد.
رغم كل الحدة في نقد الرئيس لمعارضيه فقد ترك لهم بابا للعودة إلى "حضن الوطن" فهو "الملجأ والحاضن" وإن هذه الباب لن " تغلق" وإن الرجوع عن " الخطأ فضيلة". بغض النظر عن توصيف الرئيس لمعارضيه فهو يعلم كما يعلم أغلب السوريين ان عودتهم لن تتم إلا في سياق حل سياسي يؤدي إلى تغيير جذري وشامل في نظام الاستبداد الحاكم.
انتقل الرئيس للحديث عن "التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب" فبدأ بالتركيز على ضرورة تثبيت "سعر الصرف" للعملة الوطنية، وإن "القدرات" موجودة لكنها بحاجة لمن " يراها ويعرف كيف يستخدمها". بالنسبة لي كأستاذ في الاقتصاد ما اعرفه أن سعر الصرف ارتفع من نحو 45 ليرة للدولار في عام 2010 الى أكثر من 3000 ليرة سورية، وإذ يراوح حول قيمته الأخيرة فبفضل تحويلات السوريين في الخارج وليس بفضل قوة الإقتصاد في الداخل. لقد تشوهت الروابط الاقتصادية بين مختلف المناطق السورية، وغادر قسم مهم من رأس المال الوطني البلد، وتراجعت التجارة الخارجية إلى نحو 90 في المئة، وارتفعت البطالة لتشمل اكثر من 50 بالمئة ممن هم في سن العمل، وفي النتيجة ازدادت نسبة الفقراء في البلد لتشكل نحو 85 بالمئة من عدد السكان.
في ختام هذه القراءة في بعض ما جاء في خطاب القسم للرئيس في بداية عهدته الرابعة اعترف بأنني بذلت جهدا كبيرا في قراته، وتساءلت متفكرا إلى من يتوجه الرئيس بخطابه؟. إنه محاضرة في التنظير للسياسة العامة خلت من أية مقاربة حقيقية ممكنة للخروج من الازمة ولتحسين واقع حياة السوريين. وإذا كان الخطاب موجها إلى الخارج( كما أظن) في هذه الحالة عسى ان يبطن وراء تشدده الظاهر، مرونة كافية تساعد على تيسير الحل السياسي بما ينقذ البلد من مخاطر التقسيم، ويعيد توحيد الشعب السوري من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد