الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصف قرن ونيف على كونفراس الخامس من آب

صلاح بدرالدين

2021 / 8 / 4
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في خطوة لها مغزى كان أول انتاج ثقافي بعد البرنامج السياسي المرحلي لكونفرانس الخامس من آب عام ١٩٦٥ اصدار أول كراس بعنوان ( ماذا يعني اليسار ؟ ) الذي شكل الجواب النظري حول التعريف والهدف وخلص الى اعتباره الجناح الديموقراطي القومي معبرا عن المصالح القومية والاجتماعية لغالبية الشعب الكردي وجزء من الحركة الديموقراطية والثورية في البلاد وليس فرعا أو تنظيما للحركة الشيوعية .
التواصل الأول بين الحركتين الكردية والعربية كان عبر اليسار الكردي المنبثق عن كونفرانس الخامس من آب منذ عام 1965 حيث وبالاضافة الى العلاقات مع الأحزاب العربية في سوريا كما ذكرنا أعلاه تم التعارف والتعاون مع خلايا حركة فتح في مخيم اليرموك بدمشق وبعد ذلك مع الجبهتين الشعبية والديموقراطية لتحرير فلسطين في دمشق ولبنان ، ومنظمة التحرير ، والحركة الوطنية اللبنانية ، حيث كان فرع حزبنا اللبناني من مؤسسي المجلس المركزي للحركة الوطنية اللبنانية ، ومن المشاركين في جميع مؤسساتها العسكرية والأمنية ، وتوسعت العلاقات لتشمل فصائل واحزاب ،عربية في المشرق ، والمغرب ، والخليج .
كما دشن اليسار نهج التعاون ، والعمل المشترك مع سائر قوى التحرر والتقدم في الحركة الكردستانية ، وفي المقدمة انشاء علاقة مميزة مع قائد ثورة أيلول الزعيم الكبير مصطفى بارزاني ، وشق طريقه في الفضاء الاممي حيث بنى علاقات الصداقة مع الاتحاد السوفييتي السابق ، وانتشر مئات الطلبة الكرد السورييون على أساس منح دراسية ، ومن خلال اليسار ، في بلدان المنظومة الاشتراكية – سابقا – لتلقي العلوم والمعرفة .
هكذا ظهر اليسار القومي الديموقراطي
كنا سبعة وعشرين فردا من أعضاء ( البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا ) " ١ " بيننا الشباب ، والكهول ، والمتدينون ، والعلمانييون ، من المسلمين ، والأزيديين ، ومعظمنا كنا في موقع المسؤولية القاعدية في اللجان المنطقية ، والفرعية ، والمحلية ، والطلابية ، من مناطق الجزيرة ،وعفرين ، كما كان بيننا جامعييون ، ومعلمون ، وكسبة ، وفلاحون ، التقينا في الخامس من آب عام ١٩٦٥ في كونفراس حزبي انقاذي بإحدى البيوت في قرية - جمعاية - التي تبعد خمسة كيلومترات عن مدينة – القامشلي - وهو الخامس في تاريخ الحزب ، حيث عقد الرابع قبله بعام بنفس المكان الذي كان قد شهد مسلسل الخلاف السياسي – الفكري بين أعضاء القيادة ، وكانت بداية ظهور الخلاف خلال الموجة الأولى من اعتقالات عام ١٩٦٠ في سجن المزة وأمام المحاكم ، وتمخض عنه تجميد متزعم الجناح اليميني متبني مقولة " الكرد أقلية " ، وصاحب مشروع تحويل الحزب الى جمعية ، ثم موالاة السلطات الحاكمة ، وعزل الحركة الكردية عن النضال الوطني الديموقراطي المعارض .
في الكونفرانس الرابع عام ١٩٦٤ وبالرغم من قرار تجميد متزعم اليمين الا أنه لم تتوضح تماما قضايا الخلاف لافي تعميم ، أو بيان ، أو مراجعة ، ولم تبت فيها ، ولم تحسم ، بل تم ترحيلها ، وتراكمت حيث شعرنا بثقلها ، وضرورة الولوج بتفاصيلها ، تقييما ، وتحليلا ، وواجب التصدي لها في كونفرانسنا الخامس خصوصا بعد اعتقال غالبية أعضاء القيادة بمختلف المناطق ، وانكفاء البعض واستقالة الآخرين ، مما شعر التيار اليميني الذي بقي رموزه بمعزل عن الاعتقال بأن الفرصة سانحة أمامه لتنفيذ مشروعه التصفوي .
قبل عقد الكونفرانس بنحو عام تم الاتصال من جانبي ( وكنت أؤدي واجب الفتوة المدرسية بمعسكر الراموسة بحلب ) بالرفاق القياديين المعتقلين بسجن القلعة بحلب عبر زيارتين للسجن ، حيث تمكنت من مخاطبة كل من : الراحلين اوصمان صبري ورشيد حمو ، إضافة الى عبد الله ملا علي ، وكمال عبدي ، وشرح وضع الحزب المزري ، وفهمت من كلام آبو أوصمان الذي خاطبني باسم زملائه المسجونين ، بأنهم يعلمون أزمة الحزب ، وأن على قاعدة الحزب القيام بواجباتها في الإنقاذ ، ونحن معها من دون تفاصيل لأن المقابلة ( المراقبة ) لم تكن تسمح بأكثر من ذلك .
في حقيقة الأمر لم يكن انجازنا في كونفرانس الخامس من آب عمل انشقاقي ، لسبب بسيط وهو أنه لم يكن هناك أصلا حزب منظم في مختلف المناطق الكردية ، فقط هياكل بالاسم ، من دون مضمون بالجزيرة ، مع تكتلات تغرد خارج السرب ، وتفرد اليمين بالسيطرة عليها خصوصا بالدرباسية ، وانعدام وجود تنظيم حزبي بعين العرب – كوباني سوى حالات فردية معدودة ، وتعرض كل القيادات والكوادر في جيايي كرمينج – عفرين للاعتقال ، والملاحقة ، وغياب أي تنظيم يذكر ، ولم تكن هناك قيادة مركزية تقوم بالضبط والربط والاشراف ، حيث الغالبية في السجون ، لذلك كانت مهمتنا انقاذية ، وصعبة للغاية بإعادة بناء التنظيم ، والقيام بتحول فكري جذري بالوقت ذاته يشمل البرنامج السياسي ، ويعيد الحركة الى – سكتها – الحقيقية ، وينهي سيطرة الفكر اليميني ، ويعيد الاعتبار لنضال شعبنا على الصعد القومية ، والوطنية ، والكردستانية ، ( بالوقوف مع ثورة أيلول وقائدها البارزاني الخالد ) ومع هذا وذاك إعادة تعريف الكرد من جديد : شعبا وقضية وحقوقا .
أما من قام بالانشقاق والتشجيع عليه والانسلاخ من جسم الحزب الأم الذي شهد التحول ، والتطور بشكل مشروع عبر الكونفرانس الخامس ، فهو أولا وبالدرجة الأساس تيار اليمين في الجزيرة ، وبعض القيادات الحزبية القديمة ( المحايدة ) التي ناصرت التيار اليميني ، ولم تنصاع لقرارات كونفرانس آب الانقاذية التوحيدية ، والشرعية ، في حين وقفت غالبية الرموز القيادية مثل : اوصمان صبري ، محمدي مصطو ، ورشيد سمو ، ومحمد فخري ، ومحمد ملا أحمد – توز – وعبد الله ملا علي ، اما مع الحزب ، أو مؤيدا له ، أو صديقا .
كنا ندرك منذ اللحظات الأولى من جلسات الكونفرانس أننا لسنا بصدد حل إشكالية تنظيمية لافي القيادة ولا في هذه المنطقة أوتلك ، بل أمام تحديات كبرى ، ومهام عظام ، تتعلق بجسم الحركة ، وفكرها ، ونهجها السياسي ، ومستقبلها ، وذلك في مرحلة حبلى بالصراعات الفكرية ، والسياسية ، والاجتماعية ، كرديا ، وسوريا ، وكردستانيا ، وإقليميا ، وأمام مشهد كردي سوري ملئ بالتناقضات الطبقية ، والاختلافات السياسية ، فحتى على صعيد الحركة الكردية ( التي لم تتبلور بعد حينها ) كان هناك نوعا من التمايز ، والتباين ، في المنشأ ، والمنبع الثقافي ، بين المناطق ، وعلى سبيل المثال كانت االخلفية القومية في الجزيرة تعود الى نهج – خويبون – التحرري ، مع التأثر بحركات البارزانيين ، ثم البارتي في كردستان العراق ، وكذلك الى حد ما في كوباني ، أما في منطقة عفرين فالوضع مختلف ، حيث غالبية نشطاء النخبة من مؤسسين وقياديين كانت من منشأ شيوعي ، وحصل انتقال باتجاهين مختلفين : في الجزيرة وكوباني من الفكر القومي التقليدي نحو الفكر اليسار القومي ، الديموقراطي ، التجديدي ، المنفتح ، والمتجسد بتوجه كونفرانس آب ، وفي عفرين من الفكر الشيوعي الى المجال القومي الأوسع .
لاأبالغ ان ذكرت أن كونفرانس الخامس من آب دشن مدرسة نضالية غنية بالفكر ، والثقافة ، والمعرفة ، وأنجب قيادات وكوادر ، ونشطاء ومناضلين ، كان ومازال لهم دور رائد ومؤثر ، في الحركة الوطنية الكردية السورية وفي الابداع الثقافي ، كما أغنت هذه المدرسة مفاهيم ، ومنطلقات الفكر القومي ، الديموقراطي في الحركة على شكل برامج ، ومشاريع ، ومبادرات متقدمة ، وانتهجت دروبا مبتكرة ، ومفيدة في مجالات العلاقات الكردية السورية ، والعربية ، والأممية ، والكردستانية ، والأهم في مضامين وجوهر هذه المدرسة هو التكيف مع الوقائع المستجدة ، وربط النضال القومي بالوطني ، بصورة متوازنة ، وإمكانية الاستمرارية في التجديد والعطاء ، وابتكار البرامج ، والمشاريع الاستراتيجية ، بمختلف المراحل التي تمر بها القضية الكردية السورية والحركة السياسية .
بسبب الزخم الهائل للنضال العملي الذي تلا كونفرانس آب في مواجهة نظام الاستبداد ، والدور المتصاعد لقيادته المنتخبة مجددا في المؤتمر الأول والكونفرانسات اللاحقة ، وبينها استجابة المناضل أوصمان صبري وعودته كسكرتير للحزب ، والنهوض الجماهيري الكردي السوري ، حاول رأس النظام حافظ الأسد معالجة الأمر على طريقته القمعية الاستبدادية ، كما بينت التطورات اللاحقة ( ومنها شهادة نائبه المنشق عبد الحليم خدام ) بأن أرسل – محمد منصورة – على رأس المخابرات العسكرية بهدف اختراق الحركة الكردية وشق حزب الخامس من آب ( الاتحاد الشعبي ) ، وتم له ذلك باستناده على قوى وامكانيات النظام ، ورهانه على عدد من ضعاف النفوس وتحديدا على ثلاثة من أعضاء القيادة في الجزيرة حيث شكلوا خلية لشق الحزب في بداية التسعينات أي بعد ثلاثة عقود من الانطلاقة التجديدية طبعا نجح هؤلاء باشراف مباشر من – منصورة – بشق الحزب بالجزيرة فقط وأخفقوا في وقف نهجه ومدرسته .
لاآعتقد أن الذين قادوا الانشقاق في الجزيرة ضد أنبل ظاهرة نضالية في تاريخ الحركة الكردية السورية بإمكانهم أن يفتخروا بجريمتهم النكراء ، أو اراحة ضمائرهم طالما كانوا على قيد الحياة ، أو إمكانية أن يقدموا شيئا مفيدا لشعبهم ، والتجربة أثبتت أن فرسان الانشقاق أولئك واخص بالذكر العراب المعتمد من ( محمد منصورة والذي عينه عضوا بالبرلمان لقاء خدماته ) فقدوا الصدقية والاحترام ،ومازالوا دمى تحركهم قوى الظلام في الداخل والخارج بين الحين والآخر ومازالوا من فرسان الردة والشقاق حتى لو اختبأوا وراء الشعارات والعناوين القومية ، واستظلوا بأطنان من – سجادات – الصلاة .
لم أهدف من سردي الموجز هذا الا من أجل العودة الى تسليط الضوء على جزء أهم من تاريخ حركتنا ( فمن لاتاريخ له لاحاضر ولا مستقبل له ) وبمعزل عن ممارسة التعصب الحزبي ولا الآيديولوجي وماذكرته كلمة حق وبايجاز شديد ( التفاصيل في مذكراتي بأجزائها الثلاثة ) صادر ليس عن شاهد عيان فحسب بل من مساهم رئيسي فكريا وعمليا ونضاليا مع رفاق آخرين وفي أصعب الظروف بمواجهة كل التحديات والإصرار على انقاذ الحركة واغنائها وتصحيح مسارها ورسم آفاقها الاستراتيجية وسأبقى أعتز وأفتخر بكل ماقمت به مع مناضلين شجعان أشداء آخرين ظهروا تباعا من هم من رحل عنا مثل سامي ناصرو ، وهلال خلف ، ومحمد نيو ، وخضر شانباز ، ومشعل التمو ، ورشيد سمو ، وشمو ملكي ، ومحمدي قادو ، وسيد ملا رمضان ، ومحمد علي حسو ، واحمدي بدري ، وفخري هيبت ، ومحمد حسن مصطي ، ومحمدي بوطي ، وسليمان شريف ، و أحمدي ملي بافي جمال ، وأوسكي زاخراني ، ونعمتو ، وبافي يلماز ، وحجي بلال ، وحسين حجي داود ، وآخرون لايتسع المجال لذكرهم طالبا منهم السماح ، ومنهم مازال بيننا .
نعم مدرسة آب بفكرها ومناضليها مفخرة لكل وطني كردي سوري ولاشك أن بعض أعضائها السابقين من من يتنصل أو يتناسى أو يحاول انكار حقائقها لدوافع مصلحية ضيقة لايختلف عن من تورطوا في الإساءة والشق بداية التسعينات علما وشهادة للتاريخ أن أي فرد من المشاركين بالكونفرانس الخامس لم يتواطأ مع السلطة بضرب الحزب وشقه وهذا امر بغاية الأهمية .
وعلى خطى كونفرانس الخامس من آب ونهج مدرسته النضالية التوحيدية فان المرحلة الراهنة تقضي بضرورة العمل على إعادة بناء حركتنا الوطنية بعد أن أودت بها الجماعات الحزبية الى أعمق أزمة بتاريخها المعاصر وذلك بتضافر الجهود الخيرة نحو توفير شروط عقد مؤتمر انقاذي وطني كردي سوري الذي يدعو اليه الآن حراك – بزاف – منذ أعوام وهو السبيل الوحيد أمام شعبنا .
" ١ " – أسماء أعضاء الكونفرانس الخامس في ٥ – ٨ – ١٩٦٥ :








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص