الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صحوةُ الضمير الإنساني

فاطمة ناعوت

2021 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

بعد القرارات الجسور التي أصدرها ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" بنشر التنوير وقيم الدين القويم دون تزيّدات الفقهاء المتطرفة، وتشديده على معاقبة أي شخص يتبنّى الفكر المتطرف بوصفه "مجرمًا"، قائلا: “لن نجعل من البشر آلهةً تحاسبُ الناس"، بدأت حصونُ التطرف والإرهاب باسم الدين في التهاوي المتسارع. قدّمَ أحدُ أعتى غُلاة الُمتشددين في المملكة السعودية، "د. عائض القرني"، أخطرَ مراجعة فكرية عرفها التاريخُ الحديث، واعتذر على الهواء وعلى الملأ عن سلبيات عديدة في نهج ما أسموه "الصحوة الإسلامية"، التي أورثتِ البشرية سنواتٍ وعقودًا من الويل والتنمّر والتكفير والإرهاب وتشويه وجه الإسلام في عيون العالم.
وهذا الاعتذارُ ليس سهلا، أو كلمةً تخرجُ من الأفواه يُسرًا كما خرجت ألسنةُ اللهيب من الأفواه يُسرًا فكفّرت وفجّرت وأحرقت. فالُمعتذِرُ، وهو (الرقم الصعبُ) في الفكر السلفي التكفيري المتشدّد، يعلمُ تمام العلم أنه سيكون في مرمى سهام الانتقاد اللاذع من (الأرقام الصغيرة ) التي ترتزقُ على التشدد والتكفير والرجعية. فهو ببساطة "يُبوِّر" بضاعتهم بذاك الاعتذار!
"الحركة الصحوية" مصطلحٌ نشأ في ثمانينيات القرن الماضي على ألسن بعض الدُّعاة المتشددين مثل "سلمان العودة"، "عائض القرني"، “عوض القرني”، "ناصر البريك"، "سفر الحوالي"، وغيرهم. وهي حركة إخوانية عمدت إلى إخفاء الوجه السمح للإسلام وإعلاء راية الرجعية والتديّن الشكلي وإهمال جوهر الإيمان. واليوم، يبدأ أحدُ أساطين ذلك التيار في رحلة العودة من طرف الجمود المتزمّت إلى جادة الاعتدال السمح الذي يُبشِّر ولا يُنفِّر؛ كما ينصُّ الحديثُ الحاسم: “يَسِّروا ولا تُعسِّروا، بشِّروا ولا تُنفِّروا". وتلك بدايةٌ طيبة لطَيّ صفحة سوداء من تاريخ الإنسانية، دفعت فيها البشريةُ بكاملها فاتورة التطرف الفادحة، لم تسددها بعدُ بالكامل.
ويثبُ للأذهان سؤالٌ: هل يُصالح ذلك الاعتذارُ ملايين النفوس التي تكدّرت حياتُها جراء تلك "الصحوة"، كما أسموها على مدى نصف قرن؟! هل يداوي الأرواحَ التي أُزهقت والدماء التي أُهرقت بسبب تكفير الناس للناس؟! هل يعيدُ الثرواتِ الحضاريةَ التي فُجَّرت وحُطّمت وأُحرقت جرّاءَ نعتها بالأصنام كذبًا وجهلاً؟! هل يُقدّم الاعتذارُ ترضيةً للبلاد الغربية التي دخلها المتطرفون لاجئين فخرّبوا حضارتها بدعوى أنها أرضُ كفر وضلال؟! وأتساءلُ بحزنٍ ورجاء إن كان ذلك الاعتذارُ الجميل سوف يرأبُ صدوعَ مصرَ التي ألبستها رياحُ الصحويين الأكفانَ وهي في عزّ إشراقها وجمالها، وضربت خاصرتَها سهامُهم ففرّقت بين مسلميها ومسيحييها؟!  ثم نتساءل إن كان الرأيُ العام العالمي سوف يصمت، أم يتخذ إجراءً حاسمًا ضد قطر وتركيا بعدما فضحتهما شهادةُ "القرني" وكشفت أنهما على رأس الجهات الداعمة للإرهاب في المنطقة العربية، والممولة لأجندات الإخوان، إلى جانب بوقهم الإعلامي، قناة الجزيرة، لتجميل خطابهم الدموي؟!
تأخر الاعتذارُ كثيرًا بعدما "اتسع الخرقُ على الراتق" واستفحل سرطانُ الإرهابُ في أرجاء الأرض، فقررت السعودية التحرر من النفق المظلم. ولكن الاعتذارَ اعتذارٌ؛ وإن تأخّرَ. وخيرٌ من ألا يأتي على الإطلاق. فالاعتذارُ في حدّ ذاته إدانةٌ صريحة عن السنوات الآثمة التي توغّل فيها (الفكر الصحوي) فهيمن على آذان بسطاء المسلمين في أرجاء الأرض، وسيطر على عقل المجتمع العربي والإسلامي وظلَّ صداه مُدويًّا على منابر المساجد، وجعلنا نحن التنويريين في مرمى النيران، واضعًا أعناقَنا تحت مقصلة التكفير، بزعم أن كل من يُخالف نهج الصحوة، معادٍ للإسلام! والعكس هو الصحيحُ دون شك.
وهنا يبرزُ السؤالُ الكبير: “وماذا عن شيوخ التكفير في مصر من تلاميذ "الصحوة السعودية"؟! هل سيعتذرون كما اعتذر عرّابُهم، أم ستأخذهم العزّةُ بالإثم ويُكابرون؟!”
أعلن "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة" التابع لدار الإفتاء المصرية، في بيانه الرسمي إنه يُرحِّب باعتذار الداعية السعودي عن الأفكار المتشددة التي كان يدعو إليها، وإنها خطوة مهمة وجريئة في طريق التخلص من التطرف والتشدد. فالاعتذارُ رجوعٌ إلى الحق وشجاعة أدبية ودينية مُثمّنة.
وهنا، ندعو المرصدَ المصري الموقَّر أن يوجّه ميكروسكوبَه الفاحصَ نحو ربوع مصر حتى يتتبّع الدُّعاةَ التكفيريين المصريين الذين يرتزقون على الفتاوى المتشددة التي تدمّر مصرَ منذ خمسة عقود، وبدأت السعودية في التبرؤ منها الآن.
فذلك الاعتذارُ السعوديُّ الجميل الذي نشكر عليه ولي العهد السعودي، لن يكون فيه خيرٌ إن لم ينعكس على مصرَ بالخير، مثلما انعكست صحوتُهم علينا بالويل عقودًا. فكما يقول أبو فراس الحمداني: “إذا مِتُّ ظمآنًا/ فلا نزلَ القَطرُ"، أقولُ: “إن لم يُنقذِ اعتذارُ الصحويين مصرَ، فلا كان الاعتذارُ! "الدينُ لله والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن.”
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامير المستنير
منير كريم ( 2021 / 8 / 4 - 10:51 )
تحية للاستاذة فاطمة ناعوت
اثناء التحول من المجتمعات والافكار البدائية الى المجتمعات المتمدنة الحديثية بالاضافة للشروط المضوعية لعب الشرط الذاتي (الامير المستنير ) دورا حاسما في التحول من البدائية الى المدنية , وكانت اوربا انذاك تضم العديد من الامراء(الحكام) المستنيرين
في بلداننا العربية نحتاج الى الامير المستنير بقوة
لكننا ابتلينا بالامراء الجهلة الانانيين
شكرا لك

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح