الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سلسلة حوارات منصة التنوير / فوزي عبد الرحيم عن الدولة العراقية المعاصرة واليسار والثقافة

رشيد غويلب

2021 / 8 / 4
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الأمسية الحادية عشر في إطار سلسلة ندوات منصة التنوير عبر الفيس بووك استضافت الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ فوزي عبد الرحيم في محاضرة بعنوان " الثقافة والسياسة في العراق"، كان المفروض ان يتناول فيها المحاور التالية: دور النظام الملكي في تشكيل ملامح الثقافة العراقية، إثر التنوع العراقي في تكوين ثقافة عراقية، ظهور الحركات السياسية وتبلورها، ودورها في صناعة الثقافة العراقية وتوجهاتها، الاستقطاب السياسي وتأثيره في مسيرة الثقافة العراقية الخلاصة، ولكنه ركز في الوقت المخصص له على تقديم قراءة تاريخية سياسية عن الدولة العراقية المعاصرة واليسار والثقافة. ادار الامسية الناقد التشكيلي كريم النجار، الذي عرف بالضيف ونتاجه، وأشار الى جوانب هامة واسئلة تتعلق بالمحاضرة.
ان تغطية مجريات الأمسية لا تعني تقديم تسجيل نصي لها، ولا تعني ايضا التطابق مع المنهج الذي اعتمده المحاضر، ولكنها تهدف الى تعميم الفائدة من العديد من الموضوعات المطروحة وزوايا التناول التي تدفع الى التفكير.
الفرضية الأولى
أشار عبد الرحيم في بداية حديثة الى ان العلاقة بين السياسة والثقافة بديهية ولا تنحصر بالعراق، لكن هناك خصوصية عراقية مرتبطة بطبيعة المجتمع العراقي والحركة السياسية العراقية التي امتازت بغزارتها مقارنة ببلدان المنطقة والعالم.
وقدم فرضية تقول ان النظام السياسي للدولة العراقية المعاصرة منذ تأسيسها في عام 1921 كان نظاما قوميا عربيا – إسلامي. وان البريطانيون أسسوا هذه الدولة وفق مصالحهم ومقاساتهم بغطاء ليبرالي، واعتمدوا على تأهيل من تعاون معهم من العراقيين في الإدارة العثمانية المنحلة. ولهذا لم تعكس الدولة الجديدة وثقافتها الواقع العراقي بتنوعه وتعقيداته. واستغرب عبد الرحيم من حديث بعض علماء الاجتماع عن حكمة الملك فيصل الأول، لان العراق عصي على أبنائه، فكيف يمكن لرجل قادم من مجتمع الجزيرة العربية الإسلامي المغلق، ان يتفاعل مع مجتمع متنوع التكوين والثقافات، ولذلك كان انعكاس ذلك كارثيا، كما بين المحاضر.

الفرضية الثانية

هي ان المجتمع العراقي بطبيعته يساري، ولم يفوت المحاضر الإشارة استغراب البعض من ذلك، لكن توصيف اليسار عنده يتجاوز الطابع الاقتصادي، ويرى ان اليسار العراقي اجتماعي ويستند الى التنوع الاجتماعي والثقافي للمجتمع.
وشدد عبد الرحيم على العداء التي واجهت به بلدان الإقليم الدولة العراقية الجديدة، فإيران كانت تسعى لجعل العراق جزء منها، وتركيا تراه جزء من الإرث العثماني، في حين شكل الكيان العراقي الجديد خطر وتحديا للنظام السعودي الرجعي وكذلك للكويت، وحتى الأردن رات في العراق خصما.
ويرى المحاضر ان الولايات المتحدة ترى في العراق خصما بغض النظر عن نظامه السياسي ملكيا كان ام جمهوريا، وانهم عملوا على تغيير طبيعة الكيان العراقي، وليس نظام الحكم فيه فقط.
الفرضية الثالثة
تتعلق بالحركات السياسية التي نشأت في العراق الحديث التي كانت ذات توجهات يسارية – وطنية عكست طابع المجتمع العراقي، على عكس النظام الملكي الذي يراه المحاضر نظام عروبي – إسلامي تلحف في بداياته بالليبرالية، وان الثنائية في طبيعة النظام والقوى السياسية التي عارضته حافظت على ديمومتها.
وذكر عبد الرحيم، ان الإبادة الجماعية التي نفذها النظام الملكي ضد الاشوريين في 1933 كشفت بشكل مبكر عن طابعه الحقيقي، حيث قام نظاما يفترض بأنه ليبرالي بتهديم عشرات القرى لأسباب عنصرية، وغيب المعطيات لعدد الضحايا الذي تراوح ما بين 600 – 3 آلاف مواطن. وان القومي – الاسلاموي رشيد عالي الكيلاني كان وراء المجزرة، واضافة الى الكيلاني أشار المحاضر الى عدد من الشخصيات المماثلة التي اثرت في السياسة الرسمية العراقية، وصولا الى صدام حسين الذي هو الاخر بالنسبة له عروبي – اسلاموي. لقد تصاعد القمع وممارسة الإقصاء من قبل النظام الملكي مع تبلور المصالح الاقتصادية وتزايد الخطر على النظام.
الفرضية الرابعة
وبعد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 1934، بدأ ثوب النظام الليبرالي يولد القمع، بالتوازي مع تعزز العلاقة بالبريطانيين. لقد مثلت قوى اليسار والحزب الشيوعي راس حربة المقاومة، ومع تصاعد القمع بدأ ظهور وتبلور قوى متطرفة، واصبحت قسوة النظام الملكي واضحة للعيان، ولم تتحمل قوى يسارية ثنائية الاستقطاب، وما كان بإمكانها الاستمرار، مما أضر بالتعددية السياسية لليسار، في حين استمر الشيوعيون لامتلاكهم تنظيم امتاز بالمرونة، وبهذا خسر اليسار دور فاعل لشخصيات ريادية مثل عبد الفتاح إبراهيم وعزيز شريف، بالإضافة الى الوفاة المبكرة للزعيم الوطني جعفر أبو التمن، وحتى الحزب الوطني الديمقراطي لم يستطع المواصلة، فاختفت مع هؤلاء ثقافات يسارية. وكان الضرر كبيرا، لان اليسار العراقي هو من بلور الهوية الوطنية العراقية بتنوعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وليس غيره، وهذه هي الموضوعة الرابعة التي طرحها المحاضر، في حين اعتمد الآخرون على القمع الشديد لهذه التعددية.
وربط المحاضر بين صعود اليسار ونمو الفئات الوسطى "الطبقة الوسطى"، حاملة المشروع الوطني اليساري، مستفيدة من مما هو إيجابي خلال العهد الملكي مثل تأسيس نظام تعليمي، وما رافق ذلك من سمات حضارية.
واليسارية العراقية عند الأستاذ فوزي عبد الرحيم هي الاهتمام والمشاركة بالشأن العام، وهذا ما جسده اصطفاف كادحي العراق مع ثورة 14 تموز، التي كانت مشروع وطني ، لذلك جاء الشعار والعلم اللذان اعتمدتهما الثورة تجسيدا لطبيعة المجتمع، بالإضافة الى النهوض الثقافي في جميع مجالاته، وعلى سبيل المثال لا الحصر الشعر، الذي ينتمي رموزه الكبار الى اليسار، وفي هذا السياق مر على ذكر الجواهري، السياب، والبياتي، بالإضافة الى نهوض المسرح، الفن التشكيلي، والاغنية العراقية.
الفرضية الخامسة
هي عدم قدرة اليسار السياسي مواكبة ما اسماه المحاضر بالهدية، ويعني الطابع اليساري للمجتمع، فبدأت المنافسة تحل محل التكامل، وخسر اليسار تعدديته، التي كانت يمكن ان توقر حماية مطلوبة للشيوعيين كما يرى. لقد أدى صعود الأوساط المتطرفة واستمرار القمع المباشر الى تغيير طبيعة المجتمع، الذي وصفه المحاضر "بالرحم المنتج لليسار".

منهجيا يرفض المحاضر استخدام توصيف العمالة، عند تناوله الاصطفافات السياسية مع الخارج، معتمدا بدلا عنها فكرة تلاقي المصالح، وعلى هذا الأساس فسر التحول الذي عاشه البعث بعد تأسيسه، فهو يرى، كان يمكن ان يظل دور البعث محدودا، ولكن تطور الصراع نقله الى طور آخر، أي تحول عمليا الى وعاء لكل القوى والفئات المعادية لثورة تموز والشيوعيين وعموم اليسار، بعد ان طرح نفسه بديلا لليسار مستفيدا من غلافه "الاشتراكي"، والرعب الذي لف القوى الاجتماعية المحافظة، نتيجة لهيمنة اليسار على الشارع بعد انتصار ثورة 14 تموز مع بقاء السلطة المباشرة بيد العسكر. لقد تحول البعث الى حاضنة للثورة المضادة، وتخلى عن شعاراته الأولى، وتحول الى منظمة تآمريه، ولاحقا الى منظمة إرهابية ، وفي هذا السياق تناول محاولة اغتيال الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، وانقلاب 8 شباط الأسود، الذي يرجعه الى تلاقي المصالح مع القوى الخارجية، إضافة الى تحالف قوى الثورة المضادة داخليا، الذي وصفة بخلطة إسلامية – قومية، اعتمدت المقدس، كما جسدته الفتاوي الدينية الشهيرة لرموز المؤسسة الدينية الشيعية والسنية. واكد ان تأييد هذه المؤسسات للانقلاب أضر بأبناء الطوائف التي تمثلها، وخصوصا الشيعة الذين شكلوا اجتماعيا أكثرية ضحايا الانقلاب.
وأشار المحاضر الى عدم ادانة المراكز العالمية لمجازر انقلاب شباط، على الرغم من رفعها راية حقوق الانسان عاليا، بل منحت هذه المراكز التأييد لسلطة البعث، واكتفى بعض منها بالصمت، وحتى بقايا النظام الملكي ايدت الانقلابيين.
الفرضية السادسة
مفادها ان المراكز الدولية وخصوصا الامريكان، لم يجدوا ان هذا القمع كافيا، فعملوا على احداث تعيير جذري في طبيعة المجتمع العراقي، وفي هذ السياق أشار الى تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس، المعروف بعدائه الشديد للشيوعية، بشأن التطورات الجارية في العراق ربيع عام 1959، بانها الأخطر في النصف الآخر للكرة الأرضية، في إشارة منه الى هيمنة الشيوعيين على الشارع.
وأشار عبد الرحيم الى تراجع دور اليسار مع جراء مضاعفة الريع النفطي، الذي شكل رافعة لتعزيز التسلط، وانفصال الحاكمين عن المجتمع، وبالتالي اضعاف دور الفئات الوسطى في مسارات تطور البلاد.

لقد اعتقد معسكر السلطة القومي – الاسلاموي ان انقلاب 8 شباط قد انجز المهمة، وانهى دور اليسار، ولكن الانتخابات الطلابية في عام 1967، والاضراب الطلابي، شكلا حسب المحاضر جرس انذار للسلطة، وعلى الرغم من الانشقاق الذي أضر بالحزب الشيوعي، فقد فازت قوائم اليسار، وشهد العراق صعودا يساريا مماثل في طبيعته، وليس في اتساع شعبيته للصعود اليساري ، الذي ساد في عام 1959. وان هذا الصعود كان أكثر نضوجا، فلأول مرة تطرح فكرة استلام اليسار للسلطة. وفي هذا السياق أشار المحاضر الى انطلاق حركة الكفاح المسلح في الأهوار، وكذلك الى حادثة تنظيم طلبة احد صفوف الجامعة في 9 تشرين الأول 1967 تأبين للرمز الأممي الكبير جيفارا.
واكد المحاضر على ان انقلاب 17 تمز 1968 جاء ليقطع الطريق على هذا النهوض اليساري، متناولا عملية تأهيل صدام حسين ومجموعة من الاشقياء عبر محطات عدة كانت منها عملية كسر اضراب الطلبة حينها.
ويرى المحاضر ان صدام حسين كان صاحب مشروع شخصي، التقى مشروعه مع مصالح الأوساط المتطرفة، في مواجهة الأغلبية، وبهذا الصدد أشار الى تمويل صديق شنشل الذي يفترض انه ليبرالي لعملية اغتيال الزعيم. ولهذا يرى المحاضر ان المشروع السلطوي القومي – الإسلامي متواصل من صدام حسين الى الآن، مشيرا الى تشابه أساليب قمع الآخر، والى المسوغات الفكرية التي يعتمدها المتطرفون.
خلاصة
ضمت الخلاصة الإشارة، الى ان اليسار في العراق يتجاوز اطره التنظيمية، وان صدام حسين هزم كشخص وكسلطة، ولكن ثقافة صدام ونظامه لا تزال حية. ولهذا هناك ضرورة لسيادة الثقافة والتعليم، انسجاما مع قيم اليسار، واهمها اعتماد العلم. وابراز أهمية قيمة العمل الجماعي، والايمان بجدواه. لقد كان التغيير وقتذاك ممكنا، عبر حضور التنظيم والموقف السياسي، وأخيرا أشار الى إمكانية ان تتحقق نتائج أفضل حينها، لو توفر في العراق إطار سياسي يساري – وطني مرن، ولكن ذلك لم يكن ممكنا.
وفي رده على الأسئلة والمداخلات اشار المحاضر الى ملاحظات عدة منها، ان المشروع القومي الاسلاموي دفع الى سدة الحكم بساسة طارئين وغير مؤهلين مثل عبد السلام عارف والبكر. وان الشيوعيون أبدوا مرونة واعية وعالية إزاء تصدر الشخصية الوطنية كامل الجادرجي للحركة الوطنية في الخمسينيات، وكانت المضامين التي عكسها اليسار متطورة، مذكرا بخطاب جريدتي الأهالي واتحاد الشعب. وان الحزب الشيوعي تحول الى وعاء للتنوع الثقافي والسكاني العراقي، في مواجهة الاقصاء الذي اعتمده المشروع القومي – الاسلاموي.
ويرى المحاضر في مسيرة الأول من أيار عام 1959 مسيرة عراقية جسدت التعبير عن التنوع الثقافي في مشهد لن يتكرر كما يعتقد. وان عبد الكريم قاسم كان وطنيا، ولكن محدوديته الفكرية لم تساعده، والتآمر عليه كان كبيرا.
في ختام الأمسية أعلن عن الأمسية المقبلة لمنصة التنوير والتي ستقدم في 11 آب الحالي، بعنوان "المجتمع والسلطة للعراق الملكي" للدكتور كاظم حبيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة