الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الإله بنكيران رجل المطافئ في حكومة عود الثقاب

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 8 / 5
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


إن الحديث عن الإسلامي عبد الإله بنكيران ، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سابقا ، ورئيس الحكومة المغربية في مرحلة فوران ثورات الخريف العربي ، ليس شخصنة منا أو تحاملا على شخصه ، وإنما المبعث الموضوعي يكمن في مناقشة جوانب نموذج فريد يمتح من الإسلام و الشعبوية و المعارضة و التأييد حسب ما تمليه البرغماتية المادية والشعبوية الفارغة .

فالنموذج موضوع الحديث ، تمكن بفضل دهائه السياسي و معجمه الغني بمفرادات تنفذ للقلب الشعبي البسيط ، من نقل مستوى الغضب المغربي المحتدم الذي عبر عنه الشارع ؛إلى مستوى من قبول الواقع الجديد الذي يتميز بسيادة حزب إسلامي لأول مرة في تاريخ المغرب للحكومة ، في ظل دستور جديد و نظام ملكية برلمانية . أجمع المحللون أن بنكيران و خلفه العثماني لم يفعلا كل الصلاحيات التي خولها لهما دستور 2011 . النموذج الإسلامي الناجح في ركوب أمواج الصراعات واللاعب الناجح على حبل التوازنات ، منحه الملك معاشا إستثنائيا اعتبره البعض ريعا سياسيا من جانب الممنوح ، دون توصيف للمانح ، إذا ما كان هبة ملكية أو مشاركة في الوصف الأول للممنوح له . هنا لا يمكنني الجزم في الأمر ، فالبنية الخاصة للدولة معقدة جدا ولا يمكن فهمها على مستويات بسيطة من التحليل. المعطى الإقتصادي في البلد يدخل في دائرة الميتافيزقيا أو ماورائيات ،حيث يغدو كل رقم محسوس مجردا ، وكل مجرد محسوسا حسب ما تقدمه السلطة العليا وما تسمح به . فالثروة في المغرب معلومة و مجهولة ، حاضرة وغائبة ، وهذا هو الإيمان بالغيب الذي يجب على الفرد أن لا يخالفه أو يعارضه ، لأن السلطة المتوارية لها القدرة على المنح و العطاء من خلال تفعيل شفرة الكاف و النون .

عبد الإله بنكيران كما وصفه المحلل السياسي المنار السليمي ب قذافي العدالة و التنمية ، هو مثال لشخصية مزدوجة تعارض وتؤيد حسب المصلحة الضيقة المادية ، ما يجعل لها مقابلا في سوق الأسهم و المبيعات . تاريخ الرجل حافل بالمرجعيات المتنافرة و الخطابات المتناقضة ، ما جعله دائما محل شبهة من طرف الاَخرين . سبق أن وصف الأستاذ عبد الرحيم السليمي نموذج بنكيران كونه يضحك و يبكي في الوقت نفسه ، دون أن يُحدث قطيعة مع ماضيه ، حيث لا يتوانى في العودة إلى طفولته ليتحدث عن أشياء قديمة جدا دون دلالة ، و يتحدث عن إنجازات يعلم الجميع أنه لم يحقق منها شيئا البتة .

التناقض يظهر أولا على مستوى الإنتماء ، حيث استهل نشاطه النضالي من خلال التعاطف مع التيارات اليسارية الراديكالية ، مثل حركة 23 مارس ، وهي حركة ماركسية لينينية ، ثم غير وجهته تلقاء حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية سابقا ، قبل أن يتحول صوب ضفة مناوئة مبدئيا وفكريا ومنهجيا ، وهي شط الإسلاميين ، حيث انخرط في العمل الإسلامي سنة 1976 ، مع تنظيم سري اَنذاك وهي الشبيبة الإسلامية ، ليعلن انسحابه منها بعد 5 سنوات ، بسبب رفضه لخط العنف الذي يسير عليه التنظيم و مرشده عبد الكريم مطيع ، خاصة فيما يتعلق بالملكية و الصحراء . نورد هنا قراءة شخصية لمسار الرجل داخل هذا التنظيم الإسلامي ، لنتساءل عن مسوغات ثبات الرجل داخل الشبيبة ردحا طويلا من الزمن ، مع علمه بتوجهاتها ومواقفها التي يرفضها كلية ، فهذه المدة كانت كافية ليتشرب مبادئ التنظيم لا أن يثور عليه في لحظة واحدة ، كما أنها مدة طويلة تضعه في خانة المطلوبين لدى السلطة ، إذا لم تكن هناك جهة أخرى تحميه . لكن النموذج الفريد استطاع الإنسحاب من الشبيبة ليعلن تنظيمه الجديد الذي أسسه والذي حمل إسم الجماعة الإسلامية . الرجل يحمل نفَسا ومساحة كبيرة للمناورة والعمل ، ويبدو أن لاشيئ يمكن أن يكبح نشاطه تحت أي ظرف كان.

الأمر الذي دفع بأعضاء قيادية من حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية خلال الإنتخابات السابقة ، إلى التصريح إعلاميا أن بنكيران كان مخبرا إبان إنتمائه للشبيبة الإتحادية قبل أن يغادرها نحو منظمة الشبيبة الإسلامية المتناقضتين مبدئيا وفكريا وعمليا . الإتهام نفسه سيلقيه عليه زعيم الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع الذي اعتبر أن حزب العدالة والتنمية صناعة مخزنية و أن النموذج كان مندسا داخل التنظيم فقط .

التعارض الثاني يتجلى على مستوى الخطاب ، ففي المرحلة السابقة التي تزعم فيها الجماعة الإسلامية ، وادعى أنه تعرض للسجن والإعتقال في درب مولاي الشريف ، كما زعم معارضته في تلك الفترة للنظام الملكي و الدولة ، إلا أن وثيقة سرية كشفت عنها جريدة العلم التابعة لحزب الإستقلال ، التي نشرت ورقة أبرقها بنكيران لوزير الداخلية و الإعلام إدريس البصري ، يعلن فيها قابليته للتعاون مع مؤسسات الدولة .وفي رأيي أن المضمون يحمل كل العموميات الممكنة بما فيها التعاون مع الداخلية . وبغض عن النظر عن حيثيات الرسالة فالرجل كان متعاونا مع الدولة منذ البداية أي قبل تأسيسه للجماعة الإسلامية .

خطاب قذافي العدالة و التنمية حمل خيمة ضخمة من الوعود الإنتخابية ، التي سرعان ما انقلب الحزب عنها جملة وتفصيلا ، حيث كان يرفض الإقتطاع من أجور الموظفين ويندد بذلك داخل البرلمان و في مواقعه وصحفه الإعلامية ، وعند الإختبار الحكومي رسب في الإمتحان ، حيث سن قانونا مجحفا عنونه بالأجر مقابل العمل ، ليلحقه بقانون توظيف قروسطي في التعليم العمومي ، مجهزا على كل المكتسبات القانونية و الحقوقية التي مهد لها فطاحلة التشريع داخل القُطر الوطني وخارجه ، بشكل يوحي إلى أن الإسلاميين مكانهم في المسجد و الأضرحة و الزوايا وليس الحكومة ، وهذا حكم لا يسري على باقي الأحزاب الإسلامية داخل المغرب أو في تركيا أو مصر مثلا ، لأن الإستثناء يخص حزب العدالة و التنمية المغربي فقط .

عديدة هي المرات التي خرج فيها السي عبد الإله بنكيران ليصرح بلغة شعبوية أنه مازال يصلح جدران منزله ويؤثت بهوه ، وعند حصوله على المعاش الخاص بعد نهاية رئاسته للحكومة ، قال أنه كان يمر بأزمة مالية علم بها الملك وخصص له هذا التقاعد السمين . وهو أسلوب لغوي يحيلنا إلى خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الذي أذاع بدوره خبر ماضيا مفاده أن ثلاجته كانت فارغة لمدة عقد من الزمن ، والتي لم يملأها غير ماء الصنبور . القاسم المشترك بين بنكيران و السيسي هو لغة الجسد المقبولة عند العامة ، حيث سرعان ما ينفذ خطابهما إلى الأعماق ، ليكون دور الرجلين مثل حبات التخدير أو تأثير الكحول . وهنا كان من الأفضل أن يسمي المنار السليمي بنكيران بسيسي العدالة و التنمية بدل الأخرى التي تبناها .

في اَخر ظهور إعلامي له ، خرج بنكيران ليبرئ المغرب من التهم التي إدعتها صحف عالمية حول تورطه في التجسس على شخصيات وطنية و دولية بواسطة برنامج بيغاسوس ، الذي صنعته شركة NSO الإسرائلية ، وموقفي من القضية أن هذه التهم لا تستند على أسس صحيحة لأن يصعب إثبات ذلك تقنيا بالأدلة ، والأجل الذي منحته المحكمة للصحف المدعية لتقديم حججها إنقضى ، كما أن المسألة ترتبط بالأمن القومي للبلد يصعب الحسم فيها ، لكن المثير هو مضمون ما صرح به بنكيران في شريطه المصور ، حيث تاه الرجل ليسرد معطيات تاريخية لا صلة لها بموضوع بيغاسوس إلا في اليسير و الهامشي منها فقط .

الرجل أثنى على مديري الأجهزة الأمنية في المغرب ، وذكر دماثة أخلاقهم و تدينهم ، وأن المغاربة شعب واحد لا تفرق الأزمات ، وأن ثوابت الوطن هي الإسلام و اللغة العربية و الملكية ، واستشهد بالتمدد التركي الذي لم يتسنى له النفاذ للمغرب ، والأمر نفسه بالنسبة لفرنسا التي دخلت للحماية فقط ، واعتبر أن المغرب بلد ديمقراطي ، رغم بعض المعطيات ، التي لم يجد الرجل في جعبته أو مخيلته غير الحديث عن القاسم الإنتخابي الذي اعتبره غير ديمقراطيا ، و كأن مشاكل المغاربة محصورة في القاسم الإنتخابي ، الذي يهم الأحزاب السياسية و حزب العدالة و التنمية و عبد الإله بنكيران ، حيث يبدو أن الرجل لا يهمه سوى مصالحه الخاصة و الضيقة ، وكل ما يصدر عنه من تأييد فمجرد تجسير أو تقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي