الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامات الموسيقى والمدن

سعد محمد موسى

2021 / 8 / 5
الادب والفن


حوار الموسيقى الكونية
الجزء الرابع
حين يقترب موعد إفتتاح مهرجان (گناوة وموسیقى العالم) من كل عام في الصويرة التي تحتفي بتلك المناسبة لمدة ثلاثة أيام، تعج حينها المدينة بحشود غفيرة قادمة من شتى أصقاع العالم تلتف حول المنصة الرئيسية في ساحة مولاي الحسن، المنتصبة ما بين المدينة والساحل، بعد أن تنطلق الفرق الموسيقية الگناوية سيراً على الاقدام بأهازيجهم ورقصاتهم تصحبهم آلاتهم الموسيقية وهم يرتدون أبهى ملابسهم الزاهية التقليدية وبالوانها الرمزية الفاقعة ويعتمرون طاقياتهم المزدانة بالاحجار وأصداف البحر من (باب دكاله) الى الساحة.
یشکل هذا المهرجان السنوي الذي تأسس عام 1998 حدث عالمي فني يجمع ما بين الاداء الشعري والموسيقى والغناء والرقص والاحتفاء الطقوسي المتنوع مع الايقاعات (البربرية الطوارقية والافريقية والعربية والابتهالات الصوفية الاسلامية) وبمشاركة الفرق الموسيقية (الاوربية والامريكية والتاميلية والكاريبية) يجمعهم الغناء والعزف المشترك ما بين المعلمين الگناويين وكبار الفنانيين العالميين.
تعد هذه التجربة الفنية الحديثة والتلاقح الموسيقي الاممي تجارب أبداعية مهمة ورسالة أنسانية نبيلة من أجل نشر الحب والسلام ضد الكراهية والعنصرية وضد الحروب والدمار أنها دعوة لنصرة الموسيقى والشعر ضد الترسانة الحربية والاستبداد، وترسيخ الرهان ... أن مهمة الموسيقى هي دعوة لإنقاذ البشرية من تداعيات السقوط في دوامة العنف والجريمة والتخلف وكذلك تهذيب النفوس وصقل الحس الجمالي فهي اللغة الاممية المشتركة فوق هذا الكوكب.
أبتداءً من تجربة الموسيقار الاسطورة وعازف الگيتار (جيمي هندريكس) الذي زار الصويرة عام 1969 ولقاؤه مع ملك الگمبري المعلم (عبد الرحمن باكو) في قرية (ديابات) المتاخمة للصويرة والتي تحولت فيما بعد الى مركز استقطاب وعاصمة لشباب حركة (الهبيين) العالمي وقد حصل غناؤهم وعزفهم الارتجالي بالصدفة في تلك القرية الهادئة التي تقع على ساحل الاطلسي ويذكر أن الاسطورة جيمي هندريكس الذي كتب في مدينة الصويرة (أغنية قصور من الرمال) كان يفكر بشراء القرية ويحولها الى واحة للموسيقى والغناء العالمي وملتقى لحركة شباب الهبيين، لو لا الموت الذي غيبه في إحدى فنادق لندن وهو بعمر 27 سنة بعد عام واحد من زيارته للصويرة وما زال هنالك مقهى يحمل اسمه ويعرض صوره في قرية ديابات والذي يرتاده الكثير من الزوار ومن محبيّ جيمي هندريكس.
يتجلى الانسجام الموسيقي والروحي المشترك ما بين موسيقى الگناوة وموسيقى (الجاز والفلامنكو والريغي الجامايكي والكاريبي والبلوز) بمنح فضاء مطلق لموسيقى كونية وليدة ثقافات متعددة يجمعها تأريخ من الجراحات والشجن وصرخات المستعبدين من أجل الحرية والكفاح والانعتاق من العبودية ... وكذلك ما بين تناغمات (الراجا والتالا) والدعوة للمحبة والتأمل الروحي والتعايش السلمي في موسيقى الكارناكيتية والتاميلية والاغاني الهندية الراقصة على ايقاعات الطنبورة والسانتور ومع نفخات الساكسفون العميقة والقوية النابعة من تأريخ الرق وشقاء الزنوج، (والترومبون والبوق) في موسيقى (الجاز) التي تكون الاقرب الى انغام آلة (البانجو) في موسيقى (البلوز) وطبول (الريغي) الثقيلة التي توحي بصوت الثورة ضد الاستغلال والعنصرية والتهميش العرقي... مع عزف گيتار (الفلامنكو) وحسرة الفلاح الموريسكي المسلم المنكوب حين فقد أرضه وطرد قسراً خارج فردوسه الاندلسي فوجد مواساته مع ضياع الغجر ورقصة طائر النحام الوردي.
حين استمع الى موسيقى الروح الكونية التي تتداخل بها التوليفات الموسيقية وانسجام التناغمات القادمة من آفاق بعيدة لتجتمع في لقاء التلاقح الموسيقي والاندماج الثقافي والانساني كنت أتمنى لو يكون هنا في مهرجان الصويرة لموسيقى العالم حضور للغناء الريفي العراقي وأطوار الابوذية أيضاً مثل (المحمداوي والصبيّ والزهيري) حين يكون مشروع وتجربة مشتركة مع ايقاعات الگناوة أو الجاز أو الايقاعات التاميلية تصاحبها ايقاعات (الدنبك والمطبگ والخشبة العراقية والناي) بأنينه الشجي الذي يستحضر تمايلات قصب البردي وترانيم الهور الى ساحل الاطلسي أو حين يشترك الايقاع الجسدي لرقصة الچوبي والهجع مع رقصة الغناوة أو الفلامنكو يرافقه تناغم ونين المطرب العراقي الذي يحمل همومه وأشجانه وعشقه منذ سومر وأكد!!
أن التراكمات السمعية والايقاعات الموسيقية وكتابات القصائد الشعرية والتمعن في القراءة التأريخية والمقارنة ما بين موسيقى الگناوة وموسيقى البلوز مع الابوذية والغناء الريفي العراقي جعلتنی أدرك أن هناك ثمة تشابه ووشائج تجمع بين هذه المذاهب الغنائية لاسيما في روحية البوح الحزين الذي يفيض من الاعماق الانسانية المعذبة التي تنشد الخلاص، فحين يشدو المغني أنينه وأوجاعه وغربته وشكواه وهذا ما يفيض به غناء البلوز لدى الزنوج المعذبين في امريكا والنازحين من أفريقيا لا سيما في زمن العبودية في القرن السابع عشر مع المغنيين الريفيين والاهواريين الذين هم أشبه بسدان الحزن في المعابد السومرية حين ينشدون عذابات الناس المقرونة بالقهر الاجتماعي والسياسي الذي مر بالوطن ويوصفون أيضاً بساطة وجمال الطبيعة لاسيما في البساتين والاهوار ويرتلون هيامهم ولوعتهم وحبهم العذري لحبيباتهم باصواتهم الشجية والساحرة حين يشدوا القصب الملتاع بماء الاحزان أنينه في هزيز الريح حتى يعبر الونين واستمرارية الشجن الى قصبة أخرى وسط جمهرة المنشدين من أجمة القصب هذا الفن المقرون بالنعي والتظلم، مع ايقاع مجاذيف المشاحيف في سكينة الهور وشدو الطيور التي تتوارى وراء أجمة القصب والصرائف ووراء أساطير وأسرار إنكي (إله الماء) لدى السومريين.
ومثلما زنوج أمريكا المهجرين قسراً من جذورهم ومن أوطانهم وهم يرددون أغاني حرث الارض وتبذيرها ثم الحصاد في حقول مالكيها الغير شرعيين من البيض ومعاناتهم في حمل الاخشاب والصخور وتصاعد ايقاعات أوتار البانجو والقيثار مع رفع عقيرتهم وهم ينشدون لكفاحهم وبؤسهم من اجل الانعتاق والحرية.
وفي حضرة هذا المهرجان كنت أتخيل سماع أغنية كونية ينشدها الگناوة ايقاعاتها قادمة من آلة گمبري بمحاذاة أسوار مراكش العتيقة أو مطربي البلوز والجاز وهم يصدحون بالغناء الحزين من دلتا المسيسبي بصحبة الساكسفون والبانجو مع مغني الابوذية والغناء الريفي أو منشد الچالغي البغدادي بغنائهم المنساب من أهوار الجبايش وبساتين نخيل الجنوب ومقاهي ومقامات شناشيل بغداد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أشرف زكي: أشرف عبد الغفور كان من رموز الفن في مصر والعالم ا


.. المخرج خالد جلال: الفنان أشرف عبد الغفور كان واحدا من أفضل ا




.. شريف منير يروج لشخصيته في فيلم السرب قبل عرضه 1 مايو


.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح




.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار