الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطل الإرادوية الفكرية

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 8 / 5
مقابلات و حوارات


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: في جل ما تكتبه تشخيص دقيق لأس المشاكل التي يعاني منها البشر في مجتمعاتهم في غير بقعة من هذا الكون، ولكن يبدو في سياق كل تلك الكتابات أن هناك تفادياً متعمداً لتبني أي تصور للبديل الذي لا بد أن يكون عليه نقيض ما تقوم بتشخيصه وتوصيفه؟

مصعب قاسم عزاوي: أعتقد أن التغيير الاجتماعي وأي تصور إيديولوجي واقعي لنهج ذاك التغيير يجب أن يكون مشروطاً وناتجاً طبيعياً لاستبطان معرفي ضروري سابق له من الناحية المنطقية ينطوي على التشخيص، وتحديد مواطن العلل والآفات في الواقع الاجتماعي القائم بالفعل والمروم تغييره. وبمثال مبسط لا يمكن لأي طبيب مهما كان حاذقاً أن يضع خطة علاجية ناجعة لأي داء مهما كان بسيطاً في جسد أي مريض ما لم يتمكن أساساً من تشخيص ذلك الداء، وإلا كان طبيباً فاشلاً يعمل وفق مبدأ التخمين والحدس والماورائيات والتي تجافي كلها مبادئ العقل والعلم والمنطق.
وعلى نفس القياس، فإن القفز إلى استخلاصات ومخططات مؤدلجة في غالب الأحيان عن سبل علاج العلل التي يعاني منها البشر في حيواتهم ومجتمعاتهم، دون إلمام شامل وعميق بالأسباب وعلاقات المكونات البنيوية لتلك العلل، وتآثرها وتفاعلها فيما بينها، وهي عديدة ومتطبقة ومتزوية ودائمة التغير قد يصعب الإحاطة بها جميعها، قد يسقط المجتهد في خطل «الإرادوية الفكرية» والتي تسعى للي عنق الحقائق والواقع وحتى التاريخ لينسجم مع ما يراه صحيحاً وواجب التحقق من الناحية الإيدلوجية، وهو عوار كبير في ميدان العقل والتفكير.
ومن ناحية أخرى أعتقد بأن البشر قادرون – كما كانوا على امتداد صيرورة رحلتهم الطويلة كجنس بشري و التي امتدت على سبعة ملايين من السنين - من خلال تعاضدهم وتعاونهم وتفاعلهم مع بعضهم، وبالاستناد إلى أدوات الاستنارة العقلية، وتَكَشُّف الحقائق المستبطنة التي تحاول آليات الهيمنة تعميتها وإخفاءها بشكل ممنهج، وبالاتكاء على ما يمكن تسميته «بالمناعة المعرفية»، والتي تمثل منهجاً فكرياً نقدياً يُمَكُّنُ الإنسان العاقل المتعقل الرشيد من استخدام المنطق النقدي وقدراته العقلية الفطرية لاكتشاف الحقائق المتوارية وراء الستارات الإعلامية والإيدلوجية والتسويقية التي يكابدها في حياته اليومية من كل حدب وصوب، على تخليق شكل من الوعي الجمعي التوافقي على ما هو أصلح للبشر ومجتمعاتهم التي يعيشون فيها و هم أدرى بشعابها من غيرهم، بشكل يتسق مع التطور الطبيعي و الضروري للتصور عن الشكل الأفضل للحياة التي يطمح إليها الأفراد في مجتمعاتهم، والسبل الأكثر نجاعة لتحقيق ذلك؛ وهو ما أعتقد جذرياً بأنه السبيل الأجدى لتحقيق أي تطور مجتمعي حقيقي يفوق كل البرامج الإيدلوجية، وبرامج العمل السياسية المؤدلجة، وبيانات تأسيس الأحزاب الرنانة، خاصة في المرحلة الراهنة التي حولت جل المجتمعات في أرجاء الأرضين إلى حطامات هشيمية على شكل تجمعات من البشر المقهورين المظلومين المهمشين الذين لا يجمعهم فيما بينهم سوى تواجدهم في نفس الزمان و المكان. والحقيقة السرمدية الصالحة لكل زمان ومكان هي أن الزرع يسبق الحصد، ويسبقهما تمهيد للأرض والتفات مرهف لكل متطلباتها إن كان لذلك الزرع حظ في النضوج والإثمار. وبالقياس على تلك القاعدة في الحقل المعرفي الفكري الراهن قد يستقيم القول بأن واجب الاجتهاد يجب أن يصب راهناً في حيز تمهيد الأرض قبل الانتقال المتسرع إلى مرحلة الحصد إن كان يراد لذلك الحصد أن يكون سوى الريح والهباء المنثور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا