الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دول ثلاث جربت الاشتراكية ثم نبذتها- المملكة المتحدة

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2021 / 8 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


دامت تجربة المملكة مع الاشتراكية ثلاثة عقود متصلة لم تجني منها سوى لقب "رجل أوروبا المريض"، لتخوض في السبعينات والثمانينات ثورة اقتصادية شاملة تحت قيادة شخصية استثنائية استحقت لقب المرأة الحديدية- رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر. في البداية، شكك كثيرون أن تستطيع امرأة إنقاذ البلاد- كانت المملكة حينذاك مجرد شبح لذاتها الحرة والمزدهرة اقتصادياً ذات يوم.

استحوذت الحكومة على أكبر شركات التصنيع في صناعات مثل السيارات والحديد. وبلغت معدلات الضريبة على الأفراد 83 بالمائة من "الدخل المكتسب" و98 بالمائة ساحقة على الدخل من رأس المال. كان أغلب الإسكان مملوكاً للحكومة. رغم ذلك، بقيت معدلات النمو في المملكة لعقود من الزمن أكثر تباطؤاً من بقية الاقتصادات الأوروبية. لم تعد بريطانيا العظمى "عظمى" بعد وبدت متجهة صوب صندوق المخلفات الاقتصادي.

كانت قوة النقابات العمالية تشكل عقبة ضخمة أمام الإصلاح الاقتصادي، لاسيما بعد أن سُمح لها منذ عام 1913 بإنفاق ميزانياتها على أهداف سياسية، مثل السيطرة على حزب العمال. قوة النقابات أضعفت الإنتاجية وعطلت الاستثمار. بقي السجل البريطاني في الاستثمار والإنتاجية لفترة طويلة من 1950 حتى 1975 هو الأسوأ لأي بلد صناعي كبير. وأدت مطالب النقابات العمالية لزيادة في حجم القطاع العام والمصروفات العامة إلى 59 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تسببت مطالب الأجور والمستحقات من طرف العمالة المنظمة في إضرابات لا تنتهي شلت حركة النقل والإنتاج.

في 1978، قرر رئيس الوزراء العمالي جيمس كالاهان أنه، بدلاً من إجراء انتخابات، "سيلبي النداء" ويمدد ولايته حتى الربيع المقبل. كان خطئاً قاتلاً. إذ واجهت حكومته "ربيع الغضب" الأسطوري في الأشهر الأولى من 1979. وأضرب عمال القطاع العام عن العمل لأسابيع. وتكدست المدن بجبال من القمامة غير المجمعة. وبقيت الجثث دون دفنها وعاثت الفئران فساداً في الشوارع.

عندئذٍ عمدت رئيسة الوزراء المحافظة المنتخبة حديثاً مارجريت تاتشر، وهي أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في المملكة المتحدة، إلى الانقضاض مباشرة على ما اعتبرته عدوها اللدود- النقابات. قامت بحظر ما كانت تسمى الاعتصامات الرحالة (Flying pickets)، وهي بمثابة القوات البرية للصراع الصناعي وكانت سريعة الانتشار والتنقل لدعم العمال المضربين في مكان آخر، ولم يعد بمقدورها بعد محاصرة المصانع أو الموانئ. وألزمت العمال بإجراء الاقتراعات السرية قبل الإقدام على الإضراب. وحرمت ما كان يسمى المتجر المغلق (The closed shop)، الذي كان يلزم العمال بالانضمام لنقابة إذا أرادوا الحصول على وظيفة. كان من نتيجة كل ذلك أن هبطت عضوية النقابات من ذروة قدرها 12 مليون في أواخر السبعينات إلى نصف ذلك الرقم بحلول أواخر الثمانينات. وكما أعلنت تاتشر، "آن الأوان لكي نصحح سياساتنا الاقتصادية الآن أو لن نصححها أبداً، دعونا نواجه الحقيقة." تم تخفيض ضريبة الدخل على الأفراد بمقدار النصف، إلى 45 بالمائة، وألغيت ضوابط الصرف.

كانت الخصخصة من أهم إصلاحات تاتشر. لم تكن أساسية لتحسين الاقتصاد فسحب. كما دونت في مذكراتها، كانت "إحدى الوسائل المهمة لمعالجة آثار الاشتراكية المثبطة والمفسدة". فمن خلال الخصخصة التي تؤدي إلى توسيع قاعدة الملكية لأقصى حد ممكن وسط عموم المواطنين، "تنكمش سلطة الدولة وتتسع سلطة الشعب." أوفت تاتشر بوعدها للشعب البريطاني وباعتهم شركات الطيران والمطارات والمنافع والهاتف والحديد والبترول المملوكة للحكومة.

في الثمانينات، حقق الاقتصاد البريطاني نمواً بمعدل فاق أي اقتصاد أوروبي آخر باستثناء إسبانيا. ونمى الاستثمار التجاري البريطاني بمعدل أسرع من أي بلد آخر باستثناء اليابان. كما نمت الإنتاجية أسرع منها في أي اقتصاد صناعي آخر. وخُلقت نحو 3.3 مليون وظيفة جديدة بين مارس 1983 ومارس 1990. وتراجع التضخم من مستوى مرتفع عند 27 بالمائة في 1975 إلى 2.5 بالمائة في 1985. ومن 1981 إلى 1989، في عهد حكومة محافظة، حقق الناتج المحلي الإجمالي متوسط نمو بلغ 3.2 بالمائة.

بحلول وقت رحيل تاتشر من الحكومة، كان قطاع الصناعة المملوك للدولة قد انكمش بنحو 60 بالمائة. وكما كتبت في مذكراتها، كان تقريباً كل واحد من أربعة بريطانيين يملك أسهماً في السوق. وانتقلت أكثر من 600.000 وظيفة من القطاع العام إلى الخاص. بذلك استطاعت المملكة المتحدة أن "تضع توجهاً عالمياً في الخصخصة لتحتذي به بلدان على قدر كبير من الاختلاف فيما بينها مثل تشيكوسلوفاكيا ونيوزيلندا." عقب التحول الحاسم بعيداً عند نهج الإدارة على الطريقة الكينزية، استطاع رجل أوروبا المريض ذات يوم أن ينعم الآن بواحد من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم. ولم تحاول أي حكومة بريطانية لاحقة، عمالية أو محافظة، أن تعيد تأميم ما ألغت تاتشر تأميمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه هي الراسمالية الشعبية
منير كريم ( 2021 / 8 / 5 - 18:07 )
تحية للاستاذ
بالفعل ثاتشر اسست عمليا مايعرف بالراسمالية الشعبية
يكون الشعب مندج ومستفيد من النمو الراسمالي والقاعدة الاجتماعية للملكية تتسع من خلال القروض والاسهم ونمو الاستثمار الصغير
شكرا لك


2 - الحقائق القاصمة
فؤاد النمري ( 2021 / 8 / 6 - 07:24 )
طرأ في النزع الأخير للنظام الرأسمالي أن نبا في انجلترا مرغريت ثاتشر وفي الولايات المتحدة رونالد ريغان
تجند هذان الشخصان من الماضي المنسحق لإعادة الحياة للنظام الرأسمالي المتوفى في السبعينيات فيما يدعى النيوليبرالية فما كانت نتيجة أعمالهما

أذكر أني استضفت مهندساً من بريطانيا في العام 80 ولما سألته عن أحوال بريطانيا فما كان منه إلا أن سحب من جيبه باوندا وبصق على صورة الملكة على البلوند
طبعاً المهندس كان يقصد البصقة في وجه ثاتشر
في عهد ذينك النيوليبراليين انحط الدولار الأميركي والباوند الإنجليزي
كنا نصرف الدينار الأردني بـ 2.5 باوند امجليزي وبأكثر من 3 دولارات

كانت الغتئدة المصرفية على هاتين العملتين تتجاوز نسبة 20%
تلك دلالات قاطعة على أن نظام الإنتاج في انجلترا وفي أميركا في انهيار تام

خلاصة القول أن الكاتب لا شأن له في علم الإقتصاد خليك عن الإشتراكية وهي الإقتصاد الصعب

اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة