الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يستفيق أنصار قيس سعيد أنهم خزان بيد شق من المنظومة الفاسدة

بشير الحامدي

2021 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


خزان جماهيري منقلب عليه

أنهت السنوات 2014 ـ 2019 في تونس طورا أولا من ديمقراطية الانتقال الديمقراطي المغشوشة التي مكنت الخوانجية وحدهم في مرحلة أولى من الحكم قبل أن يصير ذلك مستحيلا بالنسبة لهم بعد أن تداركت بقايا نظام بن علي تصدعها عبر نداء تونس وصار التوافق بين شقي المنظومة هو المطروح للاستمرار ولمواصلة تفتيت الفاعلين السياسيين في 17 ديسمبر وبالتالي ضرب أي إمكانية لمواصلة النهوض الثوري الذي شهدته البلاد في ديسمبر جانفي 2010 ـ 2011 . انقلب البادي قايد السبسي في 2014 على حلفائه من اليسار اللبرالي المصدق بديمقراطية الانتقال الديمقراطي والذي رأى فيها إمكانية لنيل نصيب من السلطة مع طرفي الانقلاب الأقوى: الخوانجية ـ نداء تونس ونظرا لفشل الجميع: الخوانجية والشق البورقيبي واليسار اللبرالي كل من موقعه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا دخلت البلاد سنة 2019 بخزان جماهيري كبير رافض للمنظومة الحاكمة ورافض للتوافق مجددا بين مكوناتها. خزان لم يعد يرى حلا لمشاكله لدى أي طرف من أطراف هذه المنظومة الفاسدة يرفع عاليا سقف مطالبه حتى وإن بدا هذا الخزان على مستوى الانتظام والتوحد على مشروع للمقاومة مستقل عن هذه القوى الثلاثة غائبا ولا يبرز إلا في بعض المناسبات واكتفى بالتعبير عن نفسه في شكل احتجاجات متقطعة هنا وهناك ولكنها كانت احتجاجات نفذت بما رفعته من شعارات وطالبت به إلى مساحة جديدة في مواجهة قطبي المنظومة الفاسدة هي مساحة السيادة على الثروات والموارد ومساحة محاسبة الفاسدين في العهود الثلاثة ومساحة السيادة على القرار.
سنة 2019 منح هذا الخزان الجماهيري الواسع ثقته لقيس سعيد الوافد القديم الجديد للمنظومة المهترئة العاجزة ومكنه من كرسي قرطاج آملا عن أوهام كبيرة في أن يحقق له مطالبه معتقدا أن المعركة في ذهن الرجل محسومة أيضا مع المنظومة بشقيها وهو السبب الذي يفسر المساندة الكبيرة التي لقيها قيس سعاد من الشريحة الشبابية خصوصا داخل هذا الخزان الجماهيري. وظل قيس سعيد طيلة ما يقارب العامين في قصر قرطاج عاجزا عن لعب الدور الذي انتظره منه منتخبوه ولكن أثناء العامين جرت في النهر مياه كثيرة ليظهر قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 بإجرات نصب نفسه بموجبها حاكما مطلقا مغذيا قبل وبعد 25 جويلية هوجة جماهيرية ليس ضد المنظومة كلها ولكن لترجيح كفة شق منها على شق آخر وإعادة توزيع المواقع والنفوذ داخلها. وهو ما تؤشر عليه الأوضاع إلى حدّ الآن حيث بدا الرجل واقعا تحت تأثير حلف دولي وإقليمي لا يختلف في شيء عن الحلف الذي يدعم الخوانجية. فإجراءاته لم تتعد إلى حدّ الآن تنفيذ أحكام سابقة متعلقة ببعض النواب في البرلمان وإقالة وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير المالية ووزير الاتصالات وتعويضهم بمسيرين قريبين منه ومن الحاشية المحيطة به في قصر قرطاج والتلويح بصلح جديد مع جزء من فاسدي المنظومة ومطالب غائمة للتجار بتخفيض الأسعار ولأصحاب البنوك بتخفيض الفوائد على القروض قوبلت بصمت من التجار وبرفض صريح من أصحاب النوك حتى أنه يتردد أنه في حواره مع رئيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية في قصر قرطاج قال له "سيد الرئيس نحن معك فيما فعلت ولكن لسنا معك في ضرب رجال الأعمال فهؤلاء هم رجال وطنيون قدّموا الكثير لتونس وخدموا الاقتصاد الوطني ..."
إجراءات قيس سعيد في الحقيقة هي إجراءات لا تدل إلا على ذلك الماء الذي جرى في قصر قرطاج منذ انتخاب قيس سعيد في مؤسسة رئاسة الجمهورية. فالرجل وهذا خيار منه قد لا يقف عليه مساندوه اليوم مدفوع بذلك الشق الفاسد بدوره من المنظومة أولئك الذين يريدون العودة لنظام رئاسي ولبرلمان لا يرفع صوته في وجه رئيس الجمهورية ذلك الشق الذي مازال يري أن حركة النهضة ضرورية للمرحلة القادمة من الانتقال الديمقراطي ولكن نهضة مرسكلة، نهضة تظل في المشهد السياسي ولكن ليست بنهضة ما قبل 25 جويلية نهضة على شاكلة النهضة التي كان يسعى بن علي للاعتراف بها في الأشهر الأخيرة من حكمه وكلنا يعرف تلك الاستراتيجيا التي كانت منظومته تشتغل عليها والمبادرة التي كان يسعى لتفعيلها مع طيف واسع من قيادات النهضة و أنصارها الذين كانوا مستعدين لتكوين حزب علني يرضى عنه بن علي وترضى عنه منظومة حكمه.

النهضة الآن

اجتماع مجلس شوى النهضة قبل يومين كشف أن النهضة مازال بيدها كثير من خيوط اللعبة السياسية في تونس وأنه مازال لها حلفاء خصوصا من القوى الخارجية تستند إليهم ومازالوا هم بدورهم يراهنون على أن ديمقراطية الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن تستمر دون مشاركة النهضة فيها. لذلك جاء موقف النهضة المعدل لموقفها الأول من انقلاب قيس سعيد حيث يجمع كثير أن موقفها الجديد فرضه عليها حلفاؤها الخارجيون خصوصا أمريكا وألمانيا المتمسكان بمواصلة الانتقال الديمقراطي و"بالشرعية الدستورية" وهو موقف أربك قيس سعيد كثيرا وشل حركته أمام أنصاره ووعوده الهلامية لهم هذه الوعود التي رات فيها هذه القوى دفعا للمجهول وربما للفوضى التي قد تربك الأوضاع في ليبيا والجزائر لذلك نراها تتمسك بدعوته للعودة للحياة الدستورية في أقرب وقت وهناك من يتحدث عن مفاوضات غير معلنة تجري بينه وبين فرنسا و الأمريكان و ألمانيا بمعية الجزائر وتركيا للدفع في اتجاه أن يعين قيس سعيد قريبا حكومة ورئيس حكومة بخلفية اقتصادية يصادق عليهما البرلمان الذي لن يكون ممثلا فيه كل الذين تعلقت بهم قضايا وفي نفس الجلسة يعلن رئيس البرلمان استقالته وينتخب رئيسا جديدا للبرلمان ليقدم فيما بعد قيس سعيد مبادرات تهم تغيير طبيعة النظام السياسي والقوانين الانتخابية يقع قبولها ترتيبا لانتخابات سابقة لأوانها ستجرى بعد سنة من الآن.
كذلك فمساندو قيس سعيد من الجمعيات والأحزاب وبيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل في إجراءاته التي أعلنها يوم 25 جويلية كلهم يشتغلون على عودة "الشرعية" ويتحدثون عن خارطة طريق وغير ذلك وهو ما يؤشر على أن الأوضاع ليست بيد قيس سعيد وحده و أنه يتحرك وسط شبكة معقدة من العلاقات والمصالح كلها تصب في اتجاه مواصلة الانتقال الديمقراطي ولكن بضمانات كبيرة لصالح الشق المناهض لنهضة متحكمة في كل المشهد السياسي الشق الذي يريد أن يجني نتائج الفشل الذي انتهت إليه النهضة في العشر سنوات الأخيرة لصالحه وهو ما ستكشف عنه الأيام و الأسابيع القريبة القادمة.
فالنهضة لن تحاسب على جرائمها التي اقترفتها في العشر سنوات الأخيرة والفاسدون لن تطالهم المحاسبة التي تطالب بها الجماهير والمنظومة ستظل قائمة وتعمل ولكن بفاعلين جدد متكتلون حول الرئيس وحكومة الرئيس.

بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل دوما وراء سياسة الشريك حتى مع الشيطان

بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل الشريك الفعلي في الانقلاب على 17 ديسمبر والمنقلبة على الفصل عشرين من قانون المنظمة بتزكية من شقي المنظومة قبل انقلاب قيس سعيد بأيام وبعد اجتماع هيئتها الإدارية أخيرا وإعلان مساندتها لإجراءاته تبقى دائما حذرة من مآلات الأوضاع فهي تعرف أن قيس سعيد والشق الذي يخطط له سيجعلانها في قادم الأيام منكشفة أمام منتسبي الاتحاد الذين سوف لن ينالوا شيئا من السياسات القادمة لهذا الشق التي لن تختلف كثيرا عما سبقها من السياسات وأنه سيطلب منها مزيد تدجين النقابة التي تهيمن عليها هذا إذا لم يشهر سعيد وحكومته التي سيعينها الحرب عليها إن هي حاولت أن تطالب ولو بالفتات لصالح منتسبيها فسعيد والشق الذي يدعمه سيبحثان عن تجاوز أزمة السيستام بمزيد تفقير الفقراء و إغناء الأغنياء وبمزيد قذم مناب الأجراء والموظفين من العمل الذي لا يكفي لمجرد سد الرمق لذك فالبيروقراطية النقابية حريصة على تامين موقعها والمطالبة بالسرعة في تعيين حكومة لا تخفي أنها يجب أن تكون حكومة يمكن أن تجد معها سبلا للحوار والمشاركة ولا تفتح ملفات الفساد التي تشق هذه المنظمة ولا ملفات الفساد التي سكتت عنها أو ساهمت في حصولها في الإدارات وفي الشركات ولا ملفات التعيينات الإدارية والسياسية صلب المنظومة أثناء مرحلة توافق شقيها.

أين تتجه الأوضاع في ظل هذه كل هذه التناقضات

الظاهر إلى حدّ الآن أنه سيكون لموقف القوى الخارجية أمريكا وفرانسا تحديدا دور كبير إن لم يكن كل الدور في تحديد قوى وسياسات الطور القادم من الانتقال الديمقراطي طور ما بعد 25 جويلية وسيتحكمان في كل ما سيقوم به قيس سعيد سياسيا ودستوريا ويحددان كل خياراته و أنه سيبقى سجين مافيات الدولة العميقة والقوى الاستعمارية و اقصى ما يمكنه القيام به هو أن يوجد للشق الذي يحركه مناطق نفوذ واسعة خصوصا في جهازي البوليس والجيش هذين الجهازين الذين ظهرا لحد الآن أن قيس سعيد لا يمكن له تحريك غيرهما و أنه سيواصل عملية إرباك حركة النهضة وإضعافها دون تفكيكيها لخلق نوع من التوازن الجديد يمكنه والشق الذي يوظفه من أن يستمرا في الحكم في ظل سيستام الكلمة الأولى والأخيرة فيه لمؤسسة الرئاسة ولمراكز القوى العسكرية والبوليسية والمخابراتية التي كلها مسخرة لخدمة وفرض نفوذ المراكز المالية الإدارية المحلية والأجنبية . إنه لاعب جديد لقوى استعمار الداخل بعد أن فشل الاعب الخوانجي وتقرر إزاحته عن النفوذ المباشر لاستمرار المنظومة الفاسدة بمافياتها التقليدية المالية والإعلامية والحاملة للسلاح. إنه طور جديد من الانقلاب على الحركة الشعبية وعلى مهماتها التي بدت تتوضح وبدأت تتقدم شيئا فشيئا لكنس المنظومة كاملة بشقيها.

07 أوت 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران