الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا سيحدث بعد رحيل الرئيس الصيني شي جين بينغ؟

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2021 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إلى الصديق العزيز
منير كريم

هذه المادة مستلَّة من تقرير كتبه "جود بلانشيت" و " ريتشارد مكغريغور" تحت عنوان: "ما بعد شي جين بينغ: سيناريوهات المستقبل عن تعاقب القيادة "، الذي نشره "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" و"معهد لوي" في أبريل (نيسان) 2021، وقد أُخذت منه تلك المقالة، بتصرّف.

بعد حوالي تسع سنوات في المنصب، يهيمن الرئيس الصيني شي جين بينغ على النظام السياسي لبلاده. إذ يتحكم في الجيش وعملية صنع السياسات المحلية، والدبلوماسية الدولية. وكذلك تجعله قوته التي لا تضاهى داخل "الحزب الشيوعي الصيني" شخصاً لا يمكن المساس به، ومن دون منافسين سياسيين موثوقين، سيكون أي قرار بالتقاعد مبنياً على ما يراه شي مناسباً ووفقاً لجدوله الزمني. وقد سمحتْ له إزالة حدود الفترة الرئاسية في عام 2018 بالحكم إلى أجل غير مسمى، إذا اختار ذلك. وفي حالة تخلي شي عن مناصبه القيادية الرسمية، فمن المرجح أن يحتفظ بالسيطرة الفعلية على "الحزب الشيوعي الصيني" و"جيش التحرير الشعبي". وكلما طالت مدة توليه السلطة، زاد توافق الهيكل السياسي مع شخصيته وأهدافه ونزواته وشبكة عملائه. وكل يوم يبقى فيه شي في منصبه، يصبح دوره أكثر أهمية للاستقرار السياسي في الصين.

في المقابل، يأتي ذلك التكديس للقوة الشخصية على حساب الصين. لم يعيّن شي خليفة له، ما يلقي ظلالاً من الشك على مستقبل نظام يعتمد بشكل متزايد على قيادته. ومن المرجح أنّ عدداً قليلاً فحسب من كبار مسؤولي الحزب يملكون فكرة عن خطط شي الطويلة الأجل. وقد التزموا الصمت حتى الآن، بشأن المدة التي ينوي البقاء فيها في القيادة. هل سيتقاعد في المؤتمر العشرين للحزب في 2022، أم أنه سيتشبث بالسلطة إلى الأبد؟ إذا مات فجأة خلال تولّيه الرئاسة، على غرار ما حصل مع ستالين في 1953، هل سيعاني الحزب انقساماً يتنافس فيه الخصوم على تولي زمام الأمور؟ هل سيتمكن المراقبون الخارجيون حتى من مجرد ملاحظة بوادر الخلاف؟

لا يشكّل طرح تلك الأسئلة مجرد تكهنات فارغة. يوماً ما، سيخرج شي من المسرح السياسي. وفي المقابل، فمن دون أي إشارة إلى وقت المغادرة والطريقة التي سيغادر فيها، أو من سيحل محله عندئذ، تواجه الصين احتمال حدوث أزمة خلافة. على مدى السنوات القليلة الماضية، أزال شي المعايير الهشّة في "الحزب الشيوعي الصيني" المتعلقة بتقاسم السلطة ونقلها. وعندما يحين الوقت لاستبداله، على النحو الواجب حتماً، يمكن أن تكون للاضطراب في بكين آثار مزعزعة للاستقرار تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الصين.

تعتبر عمليات النقل السلمي والمنهجي والمنتظم للسلطة أمراً مفروغاً منه إلى حدٍّ كبير في الديمقراطيات الحديثة، لكنّ التحولات الجامحة تشكّل مصدراً للصراع وعدم الاستقرار في جميع أنحاء العالم. حتى الأنظمة الديمقراطية التي تسود فيها إجراءات قانونية صارمة واتفاقات طويلة الأمد حول مسار الخلافة، ليست محصنة ضد عمليات النقل المتزعزعة، كما يتضح من الجهود الأخيرة التي بذلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في تشويه النصر الانتخابي للرئيس جو بايدن. وعلى نحوٍ مماثل، تتيح القيود القانونية والسياسية غير الكافية في بلدان عدّة لشاغلي المناصب أن يتمسكوا بالسلطة، غالباً إلى أجل غير مسمى. وحينما تكون الإجراءات القانونية أكثر قوة، يعقد القادة العزم على البقاء في مناصبهم ويقومون بتنحية خصومهم السياسيين أو حتى سجنهم بشكل استباقي. وعلى الرغم من أن بعض الحكام الأُتوقراطيين ينجحون في صد التهديدات المحدقة بسلطتهم، إلا أن الجهود المبذولة للحكم مدى الحياة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى حدوث أزمات خلافة أو تحديات قيادية رسمية أو حتى انقلابات.

ولا تعتبر الصين استثناء. وصف الباحث بروس ديكسون الخلافة بأنها "الدراما المركزية للسياسة الصينية منذ بداية الجمهورية الشعبية في 1949". خلال حقبة ماو، تميّزت معارك القيادة بأنها متكررة وشرسة، بدءاً من "قضية غاو غانغ" في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، التي شهدت تأجيج ماو للصراع بين عديد من الخلفاء المحتملين، ووصولاً إلى وفاة لين بياو، الذي جرى اختياره في وقت من الأوقات وريثاً لماو، وتوفي في حادث تحطم طائرة غامض أثناء محاولته الفرار من الصين في 1971. كذلك عمد ماو إلى تنحية خليفة محتمل آخر، ليو تشاو تشي، الذي تعرّض للضرب منْ قِبَلْ "الحرس الأحمر" ثم توفي في الأسر عام 1969. وفي أواخر 1976، بعد أشهر قليلة من وفاة ماو، اعتُقِلَ أعضاء "عصابة الأربعة"، وهم مجموعة من كبار المسؤولين الذين ساعدوا في تطرف الثورة الثقافية. وقد أيّد خليفة ماو المختار، هوا غوفينغ، تلك الاعتقالات، ولكنه نُحِّيَ بعد بضع سنوات على يد دينغ شياو بينغ، الذي تولى القيادة في أواخر 1978. ولم تنته حالة عدم الاستقرار تلك تماماً مع نهاية حقبة ماو. إذ تعرض الزعيمان اللذان اختارهما دينغ لقيادة "الحزب الشيوعي الصيني" في ثمانينيات القرن العشرين، وهما هو ياوبانغ وتشاو زيانغ، إلى الإطاحة بهما وسط اضطرابات سياسية شديدة وصراع داخلي بين النخبة.

في سياق مغاير، تغيّر ذلك النمط خلال العقود القليلة التالية. وبحلول وقت تولي شي الرئاسة في أواخر 2012، بدا أن بكين قد استقرت في إيقاع من عمليات نقل السلطة المستدامة والمتوقعة والسلمية. وذهب علماء الصين البارزون إلى حد الادعاء بأن "الخلافة نفسها أصبحت مؤسّسة حزبية". في المقابل، دمّر شي تلك الافتراضات مع اقتراب نهاية فترته الرئاسية الثانية. وفي اجتماع "المؤتمر الشعبي الوطني" في ربيع 2018، مرّر قسراً تعديلاً دستورياً يزيل الحد الزمني عن ولايته. وبنفس القدر من الأهمية، لم يعيّن مرشحاً كي يحل بدلاً منه، ولم يقدّم شي أو "الحزب الشيوعي الصيني" مؤشراً على أن الانتقال وشيك. وعلى الرغم من أن بعض وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحزب أعلنت أن شي ليست لديه نية الحكم مدى الحياة، برز غياب واضح لأي بيان رسمي حول مستقبله السياسي.


قد يكسر شي التوقعات ويقرر تسليم السلطة في المؤتمر العشرين للحزب في أواخر 2022. ولكن، من دون وجود خليفة، بمعنى عدم وجود شخص أثبت صدقيته بالفعل واختُبِرَ منْ قِبَل الحزب، فإن تلك النتيجة غير مرجحة إلى حد كبير. بدلاً من ذلك، قد يُقدّم عدد من المرشحين من طريق ترقيتهم إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب التي تعتبر قمة السلطة السياسية في الصين. بعد ذلك، سيقضي هؤلاء الأفراد سنوات عدّة في التنقل بين مناصب أعلى وأعلى من أجل اكتساب الخبرة في الحكم وبناء الصدقية داخل النظام. من جهة اخرى، حتى لو عيّن شي واحداً أو أكثر من الخلفاء المحتملين في 2022 مع تطلّعه إلى التقاعد رسمياً في وقت مبكر مع حلول مؤتمر الحزب التالي، فقد لا يعني ذلك نهاية سيطرته غير الرسمية. وبإمكانه الاستمرار في ممارسة قوة هائلة من وراء الكواليس، على غرار ما فعل دينغ وجيانغ زيمين بعد انتهاء فترة زعامتهما.

تتوافق تلك النزعة في الصين مع نمط تاريخي أوسع. فمن النادر أن يتنازل الحكام الأقوياء عن الرئاسة، بل يحتفظون غالباً بنفوذهم إذا فعلوا ذلك. في الوقت الحالي، تحرم هيمنة شي الحكومات الأجنبية من فرصة بناء علاقات مع خلفاء محتملين. وإذا لم يوضح تفضيلاته في 2022، فمن المرجح أن يؤكّد التأخير أنّ أي شخص مؤهل ليصبح القائد التالي للصين يكون حالياً أصغر من أن يظهر حتى على رادار المراقبين الخارجيين.

وعلى الرغم من أن تعزيز شي سيطرته مثير للإعجاب، إلا أن أقوى القادة يعتمدون على دعم تحالف من الجهات الفاعلة والمصالح. واستطراداً، يكون ذلك الدعم مشروطاً، وقد يضعف مع التغيير في الظروف المحلية والدولية. لا يعرف الغرباء الطبيعة الدقيقة للصفقة بين شي وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية والعسكرية، لكن ليس هناك شك في أن التباطؤ الاقتصادي الكبير أو سوء التعامل المتكرر مع أزمات السياسة الخارجية، من شأنه أن يجعل مهمة شي في موازنة المصالح المتنافسة أكثر صعوبة وسيطرته أكثر هشاشة. إذ يملك كل تحالف نقطة انهيار. ويشكّل ذلك بالطبع سبباً في رد القادة على محاولات الانقلاب بقسوة شديدة. إذ إنهم يريدون ردع المنافسين المحتملين، على غرار تحذير الرئيس الغامبي يحيى جامع بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2014، إلى "كل شخص يخطط لمهاجمة هذا البلد، كن على استعداد، لأنك ستموت".

تشكّل الإطاحة بزعيم حاكم، خصوصاً الزعيم الذي يتمتع بقبضة حديدية على دولة الحزب الواحد اللينينية، أمراً لا يسهل إنجازه. إذ يواجه أي قائد طموح ينظّم انقلاباً عقبات هائلة، تبدأ بضرورة حشد الدعم من الأعضاء الرئيسيين في البيروقراطية العسكرية والأمنية من دون إثارة انتباه الزعيم الحاكم والأجهزة الأمنية من حولهم. وبالنظر إلى القدرات التكنولوجية التي تحوزها خدمات الأمن في "الحزب الشيوعي الصيني" ويسيطر عليها الرئيس شي، فإن مثل ذلك المسعى محفوف بمخاطر تشمل إمكانية الانكشاف والانشقاق المبكر للمتآمرين الذين يغيرون رأيهم. صحيح أن شي لديه مجموعة من الأعداء في الحزب. وصحيح أيضاً أن الحواجز التي تعيق التنظيم ضده تكاد لا تُقهر. ولكن، في غياب أزمة نظام، تتضاءل إلى حدٍّ كبير قدرة خصوم شي على إنجاز انقلاب عليه.

في ملمح مغاير، سيقضي موت شي فجأة أو عجزه على حكمه، بغض النظر عن الوقت الذي ينوي فيه إنهاء ولايته. إذ يبلغ من العمر 68 سنة، ولديه تاريخ من التدخين، ويعاني زيادة الوزن، ويعمل في وظيفة عالية التوتر، ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية، "يجد متعة في الإرهاق". وعلى الرغم من عدم وجود علامات علنية على أن شي يعاني اعتلالاً في صحته، إلا أنه لا يزال فانياً. والآن، بعد أن ألغى قواعد الخلافة في الصين، سيخلق غيابه فراغاً في السلطة، وقد يؤدي إلى صراع داخلي على المستويات العليا لـ"الحزب الشيوعي الصيني". وكذلك يمكن أن ينقسم أعضاء تحالف شي إلى مجموعات متعارضة، يدعم كل منها خليفته المختار. ويمكن لأولئك الذين عوقبوا أو هُمّشوا في عهد شي، محاولة الاستفادة من تلك الفرصة النادرة لاستعادة السلطة. وحتى إذا لم يمت، لكنه أصيب بالعجز بسبب سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو حالة صحية خطيرة أخرى، فستدخل الصين في مأزق سياسي. وسيضطر مؤيدو النظام والمنتقدين له على حد سواء إلى التدافع من أجل تشكيل تحالفات جديدة للتحوط ضد تعافي شي أو وفاته، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها على السياسة الداخلية والخارجية.

وهناك بالطبع سيناريوهات أخرى محتملة. مثلاً، قد يختار شي التقاعد في 2035، وتلك نقطة وسطى بين الذكرى المئوية لـ"الحزب الشيوعي الصيني" التي حلّت هذه السنة، والذكرى الـ85 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وكخلاصة، فبغض النظر عن كيف ومتى سيغادر الرئيس شي منصبه، يثير الافتقار إلى خطة واضحة [في خلافته] أسئلة لا مفر منها حول قدرة الحزب على نقل السلطة بطريقة سلمية ومتوقّعة. في العقود التي أعقبت وفاة ماو في 1976، بدا النظام السياسي في البلاد كأنه يستقر بثبات، على الرغم من الاضطرابات العرضية في قمة الهرم. وفي المقابل، يكتنف المستقبل السياسي للصين حالة من عدم اليقين حاضراً. ليست قضية الخلافة من القضايا التي يناقشها المسؤولون الصينيون علانية، لكن لا يمكنهم تجاهلها أيضاً. إنها مشكلة ستحتاج إلى حل عاجلاً أم آجلاً.

* جود بلانشيت، يشغل مقعد فريمان للدراسات الصينية في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" ومؤلف كتاب "الحرس الأحمر الصيني الجديد: عودة الراديكالية وانبعاث ماو تسي تونغ".

* ريتشارد مكغريغور زميل رفيع الشأن في "معهد لوي" ومؤلف كتاب "شي جين بينغ: ردّ الفعل العنيف".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على