الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيش مع المواقف العنصرية (2)

عذري مازغ

2021 / 8 / 9
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


ناديت أخ لصديق لي بالمغرب بألميريا ليتكلف بنقلي إلى ألميريا، فطلب مني ما بعادل الف يورو ثمنا للتنقل، أخبرته بان ذلك كثير جدا فعرض علي قائمة من المخاطر على نفسه في حالة إذا اوقفتنا الشرطة: قد يتعرض للسجن باعتباره يتاجر في المهاجرين، قد تنزع منه سيارته مع رخصة السياقة ثم أطنب في أن الأمر يعتبر مغامرة وصولا إلى أن يقبل ثمن أقل إذا كنا أربعة مهاجرين ، بعد ذلك كلمت صديقي لحسن الملقب ب"أخشاب" (النجار بالامازيغية، وربما أحسن كلمة حطاب لأنه عرف بهذا اللقب لأنه كان يتاجر في حطب الأرز اليابس)، أرهف علي بحس تجربته كمهاجر سري، نصحني أن لا اهتم لما يقال حول الوقوع في يد رجال الأمن، نصحني أن أذهب إلى محطة المسافرين بمالقا وأقتني تذكرة سفر، اخبرني بأن شاحنات نقل المسافرين لا تفتش من طرف رجال الأمن إلا نادرا وفي الحالات الخاصة والحالات الخاصة هذه ليس تفتيشا لأجل إيجاد مهاجرين سريين بل لشكوك اخرى حول المخدرات أو ضبط مجر، قال بان ثمن التذكرة مناسب جدا كما أوصاني، تفاديا لأي مشكل أن لا أنزل من الحافلة إلا عند وصولي، أخبرني بأنه سينتظرني عند نقطة الوصول.
لم أكن أعرف كيف أتعامل مع النقود الإسبانية برغم مرور اربعة أشهر على نزولي بالديار الجديدة، لم أخرج من "الكوادرا" بل كنت حريصا على سريتي كمهاجر بدون تسوية، كنا نأكل في مطعم صاحب "الكوادرا" مجانا ولا أخسر من نقوذي إلا ثمن السجائر وبعض قنينات جعة خصوصا في مساء الجمعة حيث السبت عطلة واستطيع ان انام حتى العصرمن يوم السبت، لهذا كان تعاملي مع نادل صاحب مقهى المحطة مثيرا لأحد "الحراقة" (الحراق لقب يطلق مرة على المهاجر السري ويطلق في نفس الوقت على المتاجرين بالمهاجرين، القاف هنا ينطق بين الجيم والكاف والقاف g باللاتينية ) لا حظ عندما اديت ثمن كأس بن أني ادفع الورق نقدا عوض النقود المعدنية، وعرف من خلال ذلك أني مهاجر جديد، اقترب مني ليصحح عملية تعاملي مع النادل، اخذ مني كل الصرف المعدني الذي بحوزتي، أدى ثمن القهوة للنادل وثمن كأسه هو وكأسين آخرين لصديقيه في الخارج ثم وضع الباقي في جيبه، وامرني بأن أحتفظ بالنقد الورقي، بدا نصوحا جيدا، كانما يريد كسب ثقتي حيث كسب الثقة في عالم غريب عنك ام مهم وهو باحترافيته تنقيل المهاجرين التائهين في أدغال الأندلس يعرف كيف يكسب ثقتهم، يتطوع في تقديم بعض الخدمات مثل استضافتك بكاس بن، او تقديم ترجمة ثم يبدأ في إغراق هواجسك بالتخوفات الأمنية، (أنا من جهتي تفهمت انه أدى ثمن ترجمته لي، لكن سرق مني أكثر)، كان قد سألني هل أنا جديد، فأخبرته بالإيجاب فحاول احتوائي، أنت هنا وسط المقهى تعرض نفسك لأمر خطير: هنا يوجد الأحناش! (ياله من رعب!) اقترح علي أن أنزوي في زاوية معينة بمحطة استراحة المسافرين مع مهاجرين جديدين كان قد اسطحبهما معه كانا ينزويان في زاوية معينة من المحطة حيث لا يوجد كثير من البشر، أردت ان اعمل بنصيحته لكن في الأخير رأيت أن انزواء المهاجرين الجديدين مثير هو نفسه للشفقة، كانا يبدوان بعيدان عن الحضارة، لا زال يظهر ملح البحر على ثيابهما كأنهما "بيراطاس" (قراصنة البحر) بشكل يعطي الإنطباع لل"أحناش" يقينا بأنهما مهاجران جديدان، جلست في مقعد عمومي في ساحة الإنتظار بالمحطة، وأنا أنظر في جريدة إسباينة، والحقيقة لم أكن أقرأها بل تظاهرت بشكل ما أني مدني متحضر، تلبسني خوف شديد عندما مر بالقرب مني مساعد امني لأن زيه عسكري أو بوليسي إلى حد ما، (عرفت فيما بعد أنهم مساعدون امنيون تابعون لشركة تأمين معينة تقتنيهم إدارة المحظة للحفاظ على الأمن وليسوا أصلا من الشرطة او الحرس المدني إنما شكل لباسهم يوحي بانهم رجال أمن الشرطة أو الحرس أو هكذا بدا الأمر بالنسبة لي للوهلة الاولى في عالم غربتي الجديد)، عندما تجاوزتني خطواته أكتشفت أني بالفعل وضعت الجريدة بشكل مقلوب بشكل لو كان شرطيا وانتبه للامر سيكتشف أني مهاجر سري لا يعرف وضع الحروف اللاتينية، اقترب مني "الحراق" مرة أخرى وأخبرني أن جلوسي في المقعد العمومي مثير للشبهة وأنه علي أن انزوي (كانت دائما محاولات منه لاحتوائي وأن فهمت ذلك تماما)، شعرت بثقله علي ثم قلت له سأدخل الحافلة، وهناك إذا كان قدري أن يستكشفوني فليأت الجحيم، اخبرته بأنه أخذ مالي عند اداء ثمن البن وذلك يضعه بالنسبة لي غير جدير بالثقة فرد علي:
ــ سأرد لك مالك ما أن نتفاهم عن ثمن نقلك إلى ألميريا..!
ــ كيف ستنقلني وأنا أصلا اقتنيت تذكرة بنفسي؟ كان ردي عليه
ــ انت لا تعرف خطورة الأمر! هناك في إيليخيدو، المحطة مليئة بالأحناش وهم يعرفون أن الجدد يأتون عبرها
ــ ممكن! لكن ماذا ستفعل أنت بالنسبة لوضعي؟
ــ بعضهم أصدقائي، سأساومهم فيك، بدا لي أنه يحدثني بنفس تلك الخلفيات المغربية حول رجال الأمن، ان تعرف رجل أمن يعني أنه قد يفيدك في مساومات ما في قضية ما، كتمرير شحنة خمور في سيارة أجرة، ولكي أضع "الحراق" في الموقف بناءا على معلومات أخ صديقي بألميريا الذي طلب مني ما يعادل ألف يورو قلت له:
ــ بمعنى إذا جاء أحدهم ليوقفني سأشير إليك؟
ــ لا ! اعمل كأنك لا تعرفني وساتصرف انا من بعد
ــ لنعمل إذن بموقفك، أنت لا تعرفني ولا انا أعرفك!
اتصلت مرة أخرى بجاري في المغرب "أخشاب"، أخبرته بما حصل ليعيد تأكيده: لا تهتم به هو سمسار "حراقة" يستغفلك!
عندما امتطينا الحافلة ، حدثت مشكلة، أحد "القراصنة" الجدد اشعل سيجارة فاشعلت احتجاج الركاب، نطق سائق الشاحنة في الميكروفون يأمره بإطفاء السجارة ويخبره أن التدخين ممنوع في الحافلة.. في المرآة لا حظت للتو أن سائق الشاحنة اكتشف اننا جدد، كان ينظر إلي وإلى الآخرين برغم أننا متباعدون ، نعم عرف ان واحدا منا نحن الجدد هو من اشعل السيجارة، عرف أن الفعل صدر من موري!
قطعنا الكثير من المسافات ولما اقترب وصولنا تحول "الحراق" لإلى المقعد بجانبي في محاولة أخيرة منه في مساومتي مرة اخرى، اكثر من تشحين مخاوفي لأقبل "حرقته":
ــ جميل أنك تحاول كسب رزقك، لكن لست الشخص المناسب لك، لأني فعلت أكثر من نصف العمل الذي عملته مع أصدقائك الجدد، لم تبحث عني في الغابات، لست أنت من أدى تذكرة سفري كما فعلت مع صديقيك واكثر من ذلك استغلت جزء من مالي في اقتناء السجائر والبن لهما ثم إني لست جديد كصديقيك، أنا عملت في ميخاس أكثر من أربعة أشهر وربما أعرف إسبانيا أكثر منك، نعم احداث إلخيدو مخيفة لكن صديقي الذي ينتظرني الآن في المحطة هناك طمأنني
ــ إذن هناك صديق ينتظرك!
ــ نعم وهو مهاجر قديم بها .
ــ إنس كل ما فعلته معك ولا تخبر صديقك، انا أسترزق فقط...
يسترزق فيماذا؟
في حاجة مهاجرين جدد، كانت فظاظة منه قدمها بود أنه يسترزق.
في المنطقة التي عملت بها بميخاس كانت منطقة بدوية، لم اسطدم فيها بعد بالحياة المدنية بإسبانيا، في "الكوادرا" يأتي زوار ذي الطابع الحميمي والنيني لزمن النبلاء، برجوازيون لهم حنين إلى القرون الوسطى، قرون العربة التي تجرها الفرسان، وقرون الحصان المزركش الفاخر، زينة الحصان كانت مثيرة جدا تذكرني بزينة الحصان الامازيغي أيضا، حين يأتي أحدهم ليكتري حصان، كنا نحن نمضي أكثر من ثلاث ساعة في تزيينه كما لو كنا نزين عروس، كان الحصان يسخر منا، كان دينكيخوتي ممتاز واعتقد ان ركلته لي التي أعتبرها طائشة كانت تنبيها منه لي : "ابحث عن عيش يليق بك، أنا اتغذى بالعلف وانتم يا أبناء القحبة تزينوني بأشياء لا قيمة لها عندنا نحن جنس الفرس!"
كان هؤلاء يأتون لكراء عربة، كانت نساؤهم تتزين أيضا بذلك اللباس التقليدي القديم، لباس النبلاء الأندلسيون، كن يتزينن كالفرس تماما، كن يتزين بالبسة فولكلورية جميلة جدا، ربما يمكنني القول أنهن يتزين بالقفطان الأندلسي، قفطان فاطمة المشهورة بقصر الحمراء في غرناطة الجميلة. هناك في "الكوادرا" لم اكن أميز بين لباس الشرطة ولباس اعوان شركات التأمين، لذلك اختلط عندي الأمران وأنا بالمحطة الطرقية لللإستراحة بمنطقة "موتريد".
صاحب "الكوادرا" الاول الذي عملت عنده في البداية لم يكن نبيلا حقا ولا هو برجوازي ، كان فاشيا بامتيازلدرجة عرفت ان أغلب زواره كانوا من عسكر فرانكو من قدماء الحرس المدني الإسباني، لذلك كانت علاقاتهم معنا نحن المستخدمون، علاقة اوامر، بينما صاحب "الكوادرا" الثاني كان أغلب زواره إنجليز والمان، واحيانا سعوديون او مشرقيون، سواح يحنون إلى تلك القرون القروسطية، ذلك المجد العتيد، لكن كانوا بشكل ما نبلاء برجوازيون، يتعاملون معنا بلطف ويؤدون لنا سرا عن خدماتنا لهم واذكر أنه حينما أصابني الفرس بركلته الطائشة تعامل معي هؤلاء السواح بابوية فائقة، تعاطفوا معي كوني مهاجر سري جديد، ولم يدخروا جهدا في الإطمئنان عن صحتي وعافيتي. كان صاحب "الكوادرا" هذه طيبا حقا فحتى عندما اخبرته أني ساسافر إلى ألميريا أمر أحد سائقيه لنقلي إلى محطة ميخاس واخذ تذكرة سفر إلى مالقا، أوصاني ان لا أخشى شيئا في الطريق وبأني سأصل بسلام كما نصحني بأني هناك في ألميريا أستطيع تسوية وضعيتي القانونية ليس كمالقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن