الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديكور، نبض العرض الأول في المسرح

فاضل خليل

2021 / 8 / 11
الادب والفن


صار بحكم المتفق عليه فنيا وعلميا ـ وحسب التجارب المسرحية العديدة محليا وعالميا ـ بأن الديكور المسرحي والاضاءة المسرحية، هما الركنان الأهم في العرض المسرحي بل ويأتيان بالمرتبة الأولى من حيث الأهمية في عملية الابداع والتكامل الفني في العرض المسرحي. بل والأهم من ذلك، انهما اذا ما التقيا وكان الممثل الديناميكي المحرك لأجزاءهما، شكلا حتما ما نتعارف عليه اليوم بـ (السينوغرافيا). وحيث أن كلاهما (المنظر والضوء) واحد في كل، ويعتبر واحدة من المثالب ، بل من الكبائر التي تسجل ضد الاخراج والمخرج اذا ما كانتا في تشكيل العرض بمعزل عن آراء المخرج وملاحظاته السديدة، عندها ستحسب في غير صالحه. بل سيكون المصممان بمثابة المخرج البديل للمفكرـالقائدـوالمنظم للعرض (المخرج).فمن غير الممكن ـ اذن ـ ان تتم رسم خارطة المكان منظرا وضوءا بغياب واضح لتدخل المخرج المباشر. فما الذي سيبقى من عمل المخرج في تحديد هيكيلية العرض؟ لاشئ أكثر من ان يحرك مكونات العرض وفقا للمكان المقترح وفي وضح الضوء الذي صنعه الآخرون. عندها وفي ظل ذلك الغياب وترك مقترحات المنظر وصناعته بيد المصممين والمنفذين يكون المصممون هم المخرج اللذان شكلا العرض، وسيكون المخرج متفرجا سلبيا لا عمل عنده سوى ملء الفراغات التي تركها مصمم المنظر الى المخرج كما أسلفنا. لاسيما والمؤلف ـالباحث يصف عمل مصمم الديكور، في دوره الواضح بالقيام باضفاء الصفة التشكيلية على مكونات الديكور المسرحي، فهو يعرف الديكور باعتباره " الجزء الاساسي والضروري في العرض المسرحي، فهو اذن الاطار التشكيلي للمنظر المسرحي المرسوم حسب قواعد هندسية ". وأنا أقول ليست تشكيلة هندسية فقط، وانما ابداعية كذلك ففيها الاضافة والبصمة الخاصة بالمصمم، الذي تجاوز دوره التنفيذ المحدود الى الانجاز الابداعي الذي يشار اليه.
وهنا لابد لنا من التعريج على السينوغرافيا: كأي فضاء حي دائم التبدل والتنوع، واحدة من اساسياتها الديكور أو ( المنظر المسرحي ) تماما كما الحياة الواقعية الدائمة الحيوية والتغير، في تحولاتها المتعددة والمنطقية للأشياء، بل وحتى اللامنطقية منها أحيانا. والمسرح الذي يخضع للتغير وفق التطورات الحتمية في الحياة، وفي حركة الممثل المتنقل دوما بين الأجزاء والمحرك الديناميكي لفضاءآت العرض. وهذا لا يمكن له أن يحصل إلا في لحظات ثبات الرؤية الفنية في وحدة فنية وأسلوبية للصورة المكتملة وما يليها من الصور في سياقات التطورات الديناميكية الدراماتيكية للحياة والمسرح، تماما مثل حركة [المتواليات المنطقية] والمحكومة بقوانين التطور الاجتماعية. وهنا حيث تتدخل ضمن عمليات التكوين ، في الهدم والبناء ، قوانين : [ الكتلة ، والحركة ، والزمن ] مع الاستخدام الأمثل : [ للضوء ، والظلام ، والمؤثرات الصوتية والصامتة ، وما يلحق بها من الملابس على اختلافها ، وما يتخللها من الالون ]، في الفسحة التي تمنحها مكونات فراغ الفضاء من : [ الارتفاع والعمق والعرض ] . وهي المستلزمات التي تساعد الإنسان - الممثل في المسرح ] إلى امتلاك الأجواء في إتقان فعله المسرحي، في تأثيراته العاطفية والنفسية والجمالية، والتي تحقق الإيقاع – نبض الحياة الطبيعية أو المصنوعة، التي توصل الخطاب المطلوب في أحسن صوره. إن في فهم تلك العناصر المكونة للعرض – مجتمعة - كفيلة بخلق صورة السينوغرافيا التي نريد في الحياة أو على خشبة المسرح . وعليه فان الحركة في المسرح وتحريك كامل أجزاء الفضاء ، هي : [ صورة التشكيل الحركي ] أو ما نطلق عليه اصطلاحا [ الميزانسين في حالة الفعل ] .
وعليه فان الجهد الابداعي الذي يبذله الكاتب من تحقيق التوازن بين كلا الجهدين، جهد المخرج أولا, باضفاء مايطمح اليه الى المصمم الذي يتمتع بالمواصفات التشكيلية، وما يتبعها من لون، وتكوين، وانشاء، ومنظور، وتخطيط، زمايتبعه من ضوء واظلام، وصمت وصوت....وغيرها. هذا الجهد ذو السمة الابداعية التي تراعي عدم الاطاحة بجهود الاخرين، يقف في مقدمتهم المخرج وكذلك الجهود المسرحية الأخرى مجتمعة، لاسيما وان المؤلف قد أخذ بنظر الاعتبار الجهود التأليفية لكاتب النص المسرحي حين يصف عمل مصمم الديكور على أنه " ترجمة مرئية لجملة النص المسرحي بما فيها من أفكار ومعاني الى تصميمم ". وهذا رأي غاية في التقدم من الناحية العلمية، ولا يغبن حق أي جهد من الجهود المسرحية المجتمعة، بدءا من جهد التأليف ( جهد النص ) وانتهاء بأقل الجهود الابداعية مكانة سواء في التنفيذ او ما تتطلبه الاجراءآت الفنية بعد التنفيذ، الساعية الى اظهار الشكل المسرحي المتميز للعرض المسرحي. والسينوغرافيا واحدة من ثلاث وسائل للرسم المنظري ( الديكور ) في البناء المعماري – مسرحي وغير مسرحي – وهي:
1) التخطيط الأفقي.
2) التخطيط العمودي.
3) السينوغرافيا، في بقية مكوناتها.
وهي هنا " تصوير لوجه من وجوه المبنى، والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل عن مظهر المبنى النهائي عن طريق الحيل البصرية "(11). والحيل البصرية هنا هي ما يضفي على الواجهة من ضوء ولون ، وعليه فهي تأكيد كبير على إن السينوغرافيا هي ليست [ المنظر ] وحسب. والاختلاف في وجهات النظر حول مفهومها إنما تؤكده الممارسة لوحدها ، وهي الكفيلة التي تحسم الخلاف وفقا لتجربة كل فنان . فما جدوى من تأسيس الشكل المنظري المتكامل في ظلمة دامسة ، خالية من حياة الممثل التي تحركها؟ ومن بقية المستلزمان التي تحقق فيها المشاهدة الفنية ذات المتعة الحسية العالية.
وكما السينوغرافيا في التصميم المنظري كذلك يدخل الميزانسين كواحد من الوسائل الهامة في التعبير عن خطة المخرج، وافكاره التي تبعث الروح في العرض، ولا يتم ذلك بمعزل عن الحياة العامة والجهود الطويلة الامد – اساس العمل في الخطة الاخراجية – هذا الفهم المسبق للاحداث والوسائل التعبيرية التي توصل الى التشكيل الحركي في التجسيد مما يبعد الميزانسينعن الصراع السطحي الذي يحوله الى مجرد توزيع باهت، خال، من التفكير. مما يحول مهمة المخرج من [مبدع] الى [منفذ آلي] . فيصبح العمل على المسرحية مجرد اشكال مرصوفة خالية من الروح، والجوهر الابداعي الذي يوصل المنجز بسهولة الى الجمهور مما يسهل قراءته الابداعية لتعطي الى كافة مستلزمات العرض بدءا من الممثل [ المحرك الأهم ] لبقية مكونات العرض من [ الديكور، الازياء، الموسيقى، الاضاءة، الماكياج...وغيرها ]. ومن حركة الضوء واللون والعتمة مع الصمت المعبر والحوار- من خلال اللغة المنطوقة- مع الايماءة والتعبيرات في الوجه والجسد وما يتبعها من مشاعر مزوجة بالايقاعات المتباينة المتناظرة والمختلفة، المتناغمةمع عناصر العرض الاخرى، انما هي جميعا تشكل حركة الميزانسين. من كل ما تقدم يتشكل العرض المسرحي بالاستناد الى الحالة القائمة بين الانسان في المسرح وارتباطة في بيئة العرض والفضاءآت الخالية التي تحتاج الى من يخدمها، والشعور بـ [المواطنة في الفن ] من خلال الاشكال والاشياء + قيم الجو العام. بالاعتماد على [ قواعد التكوين ] في : التناسب، القوة والضعف، التركيز، التوزيع الرشيد المستند الى قوة العلاقات العاطفية بين الشخصيات. فالتشخيص الخاطئ للحالة يشتت الافكار ويضيع جراءها الممثل [ المحرك الأهم لكل ما على المسرح وخارجه]، كذلك الامر في حركة المجاميع ويبعدها عن الانسجام مع بقية مكونات العرض. لتضيع بعدها كل الجهود الساعية للوصول الى التكامل الفني في العرض المسرحي.
تتجلى اهمية الكتاب الذي بين ايدينا في كونه كتاب يتوجه الى طلبة المسرح بكل بساطة وهدوء، وهذه نقطة مهمة جدا حيث جاء الكتاب في صميم العمل لتندرج تحت مواده تجربة المؤلف في المسرح التي نلمسها بكل تواضع موضحة اثناء ذلك المفاهيم العامة للديكور ودوره في المسرح ومهمات المصمم الذي يضطلع بها عند تكليفه بالعمل وكيفية البدء بتكوين الافكار صعودا الى بناء الديكور الخاص بالمسرحية التي تنتهي الى العرض المسرحي الذي نتمنى له التكامل.
هذا الكتاب جدير بالقراءة لاحتواءه على الفائدة التي من المؤكد بأنها ستنهض بمستوى الطلبة في الاعداد والتكوين. اتمنى للمؤلف الموفقية في هذا الجهد وما سيليه من الجهود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا