الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الاسلام الإستشراقي إلى الاسلام التاريخي

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2021 / 8 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


من الإسلام الإستشراقي إلى الإسلام التاريخي


مناهج التعليم الاوروبية التي ادت لولادة مؤسساتنا الجامعية التي خرجت نخب اليسار و اليمين هي مناهج تعليم إستشراقيه علموية تتوهم انها ب "علميتها" تلك هي فوق التاريخ فتحكم عليه هكذا و بكل ثقة بكونه تاريخ حقيقي و هو ما تطابقه البحوث الاركلوجية الدقيقة و التنقيب الحقلي الحرفي و تاريخ اسطوري تضع فيه الدين و اللغة و الفكر البشري في سلة "ما يمكن تكذيبه و التنكر له" هذا الوعي الإستشراقي التبشيري الذي يقيم حكمه على العالم ب احكام وصفية علموية هو ما أدى لظهور أشخاص مثل الترابي و كل حركات الإخوان المسلمين التي تتعامل بذات المنطق الوصفي و التي تتبنى ذات العقل العلموي الإستشراقي مع تغييرات برتكولية شكلية و سطحية تستبدل المسميات و المؤسسات ب إضافة "إسلامي/إسلامية" إلى عناوينها، لكنها تظل في العمق أطروحات علموية إستشراقية
تتبنى "الحداثة الاوروبية" برمتها و تجهل كل الجهل تاريخ تكون تلك الحداثة و صيرورتها، و تقفز فوق ذلك التاريخ كله متوهمة هوية "إسلامية" ليلها كنهارها بلا تواريخ و بلا مضمون، فهي تختزلها في "القوانين"، فولدت تصوراتهم للإسلام قوانين سبتمر، مؤكدين قولي أن الإسلام في وعيهم هو "نسخة تشريعيه إسلامية" عن "النسخة التشريعية الاوروبية العلموية".
تضع حلولا سحرية و عليا ك الشريعة هي الحل او العلمانية هي الحل فتظل مجرد تصورات جوفاء ساذجة لنخبة درست في مدارس المستعمر القادم ليلحق المستعمرات ب قطار الحداثة.
رأيت هذا جليا في كتاب المحبوب عبد السلام العشرية الأولى و انا أحاول ان اتلمس ببصيرتي الأركونية "مخاييل الإسلاميين للإسلام" فوجدتها مخاييل غارقة في البرأة و السذاجه و الاسواء من ذلك هو إنبتاتها عن الواقع السوداني.
حاول عبد الخالق محجوب و تلميذه بروف عبد الله علي إبراهيم عبور تلك المفازة عبر قلق عبد الخالق الصادق الذي رأيناه في تساؤلاته المنطلقة من هواجس وعيه بالفرداة السودانية و واقعها فأقام ذلك الحوار المتسائل حول منهجه الماركسي الإستشراقي و واقعه التاريخي السوداني، قصد إقامة المزاوجة و التبيئة و فك العزلة عن مفاهيمه اعني عزلة كونها علموية جامدة على شاكلة "الديلكتيك" و التي تبدو و كأنها تقوم بتلغيز الواقع لا العمل معه و النبضان فيه.. بيد أنها تجربة سرعان ما ذبلت في ريعانها لتحل مكانها ضرورات "البقاء"، حينما تورط عبد الخالق و حزبه في إنقلاب 71 الفاشل الذي صفيت بعده قيادات الصف الأول مطيحة بذلك بنخبة رأت يناعة الفكرة و طفولتها و حيويتها، لتستلم زمام الحزب قيادات كان همها "إبقاء المؤسسة و المعبد"، و هو تكتيك إستخدموه طيلة سنوات مايو العجاف حتى صار رؤية حزبية و سياسية سلمت الحزب لنخبة إستالينية اكثر منها لينينية.
الإسلام السياسي و اليسار السياسي إذا هما وليدين لذات "الوهم" لذات الحقيقية الإستشراقية التي تسطح الأشياء و تقفز فوق وقائعها زاعمة أن منهجيتها تلك هي منهجية "إلاهية" او "مادية علمية" لإن كلا المسميين يرمزان في وعيهما للحقيقة،الحقيقة التي يرونها بنت الواقع المتعارضه مع المثالية مقيمين بذلك مثالية جديدة من "الاحكام المتعاليه الجاهزة".
ذات الأمر سقط فيه الجابري الذي حجر على التراث الإسلامي و اوله و قوله ايديلوجياه الإستشراقية الغربية التي تستند على ثنائية مختلقه اعني ثنائية " العلمانية الحداثة و الغرب" و "التراث و التخلف و الشرق" لذلك فهو لا يقود قارئه للبحث بل للتسليم و الكسل المعرفي عن الدخول إلى النصوص الإسلامية و معايشتها لإنه سلفا "قام نيابة عنا" بقرأتها و إستخراج "النتائج النهائية منها"، لذلك لولا أركون لكنت سقطت في فخ الجابري الذي كاد ان يدخلني في "سبات فكري جديد".
إزاء ذلك الوعي الواهم و الزائف بالواقع يقف الوعي التاريخي الإجتماعي الحق ولا أقول التجربة الحزبية لحزب الوسط السوداني اي الحزب الاتحادي، بل أتحدث عن الصيرورة الإجتماعية السودانية التاريخية و التي نضجت على نار القرون الهادئة و التسلسلات المنطقية المتواصله مبيئة الإسلام نفسه و مكيفة إياه بمنطقها الصوفي و مشكلة المزاج السوداني الوسطي المحافظ الذي لا يحرق المراحل ولا ينزل بالبشارات و النتائج من الخارج بل من منطق الصيرورة و الترعرع بين يدي التجربه العملية التي تتبدى و تتكشف مألاتها، دون إستلاب و موافقة على رؤية الغرب و مناهجه و مألاته و دون تقديس للتاريخ و تجميده و إيقافه.
هو وعي بالذات و ممكناتها في ضوء حقيقة ظروفها و مسبباتها و منابعها و منابتها.
بيد ان التجربة السياسية الإتحادية سقطت في ذات "الفخ الإستشراقي" حينما قاد مؤسستها السياسية "خريجوا جامعات" مزهويين بربطات عنقهم فكانوا ان ادخلوا البلاد في فتنة "ليلها كنهارها" اعني مسودة الدستور الإسلامي سنة 67 التي بموجبها طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان و نزلت الدبابات إلى الشوارع ممهدة الطريق إلى إنقلاب النميري الذي مهد الطريق لإنقلاب البشير.
مجمل هذه الأحداث السياسية يمكن فهمها في مُسألة ذلك الوعي و تلك العين السياسية التي فكرت و قررت و حكمت بالمنطق الإستشراقي و الطموح الشخصي الواهم في "إبتداع النظرية" فطالما ان الإستشراق و مناهجه التعليمية إستطاعت ان تجعل لكل شئ نظرية و منظر و مؤلف و مخترع بمنهجها الوصفي فلما لا يقوم "هؤلاء الشبان" بالتنظير هم أيضا و الوصف السريع الجاهز و الإسقاط المتعسف، هذا المنهج الوصفي الذي إستبدل المسميات و لو على حساب تحطيم المضامين، المنهج الذي يقرر سلفا ان البقرة ديك و ان النظرية "تعلو" فوق التطبيق.
للنهضة إذا طريق و ليس هو طريق الإسقاط و الوصف و المصادرة بل طريق السبر و المعايشة عبر تقديم "النقد المزدوج" لمنهج الإستشراق الوصفي الذي كتف العلوم و المعارف و عزلها و ايضا لمنهج المجتمع في السمع و الطاعة لكل ما تقوله المنابر، و إمعان النظر في "اسباب النزول" و في "تاريخية" تلك الأحداث و تصيرها لا إقتطاعها من سياقها و رفعها لتكون احكاما جاهزة فنسقط في ذات الفخ الإستشراقي الذي ينصب حقيقة عليا و كأنها مرجعية كبرى خارج نهر التاريخ.
هنا و حين نستعد لهذا الغوص المعرفي الرائع في التواريخ الإسلامية سنفلت رويدا رويدا يابسة الوصف و الأحكام و نجمع الالئ و الإلتمعات في تنقيبنا لتكون طبوغرافيا الإسلام و طبقاته الجيولوجية و ظهور مفاهيمه و تطور تلك المفاهيم و تفاعلها مع الحدث الجغرافي البيئي المحيط، لإن الإسلام في كل بيئة جغرافية يأخذ مضامينا و تفاصيلا خاصة تعكسها ممارسات المؤمنيين الذي يحيون في بيئات متعدده تجعلهم يفكرون بطرق متعددة و هو تفكير لا ينفصم عن العروة الإسلامية الوثقى بل ينزلها و يبيئها و يعيش تفاصيلها بطريقته الثقافية الخاصة عبر تعميقه لمعنى ما في الدين دون أخر و هو تعميق تحدثه فيه البيئة حوله و تفرضه عليه، فإذا كان المصريون مثلا في تدينهم الشعبي مهمومون بالمعاد و الاولياء و التلاوة و الإنشاد فذلك عائد لكونهم يعيشون في بيئة مستقره تستطيع الإنكفاء على نفسها و الإكتفاء بها و التمعن فيها و إيجاد الوقت الكافي للإستعداد للمعاد بعد ان أمنوا قمح الحياة و هذا "الإستقرار" يأخذ رمزيته في شخص الفرعون او الرئيس او السلطان او الخليفة لذلك فالتاريخ المصري هو تاريخ سلاطين و ملوك.
بعكسهم مثلا ابناء الصحراء اعني إسلام نجد و الحجاز الذي ركز على مضمون "الجهاد و الإستشهاد" و هو مضمون يفرضه عليهم واقعهم الصحراوي القاسي الذي "يطردهم طردا" إلى الجهات و الأنحاء.
هذين النموذجين هما خير تطبيق لما اردت قوله لمعنى خصوصية الإسلام و غناه التأريخي في كل جهة دخلها لإننا و في "أفقه" سنتعرف على الوعي المحلي البشري و نفهمه لا لنحكم عليه و ندمغه بل لنسيله و نفك اسره من ربقة الاحكام و الأوصاف و التعاريف، عبر الإرتحال في الصيرورات و التواريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس