الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلو الهارب الى مصيره ... لوحيد غانم

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2021 / 8 / 12
الادب والفن


يستثيرك العنوان بكلماته وبطوله مقارنة ببقية عنوانات الرواية العراقية ، فالعنوان يتكون من اربع كلمات وبدلا من ان يكون هذا الحلو الهارب من مصيره ، فوحيد يعطي للعنوان عمق معنوي فهو هارب الى مصيره والى :فيها دلالات عميقة مستقبلية وليست آنية فحسب . يبدو ان كلمة :الحلو تشير الى تابو كبير يمنع الحديث عنه في مجتمعنا كبقية التابوات الكثيرة وهو تابو (المثلية الجنسية) فالرواية وابتداء من عنوانها تعالج مشاكل المثلية الجنسية المتجسدة هنا في (مهنا يسر) وهو شخصية مسطحة والتي يعرفها النقاد بانها الشخصية التي يركز فيها الروائي على سمة واحدة تغطي عليها طوال النص ويقصد من وراء هذا التركيز ان تكون تلك الشخصية انموذجا يقدم فئة اجتماعية ، وهنا فمهنا يسر شخصية مسطحة قدمت فئة المثليين.
وهو يحمل شهوة حارقة وهو محترق بأيام اللعبة وفصولها وازمانها، لعبة المثلية وتعيده للشباب وتخيله صور ولعه القديم، ففي لعبة (52) تختبئ هذه المشاعر ، فاللعب ودخان السجائر والانفاس الحارقة ، فقد اعتمد وحيد ثيمة استهلالية تلفت الانتباه (مهنا يسر) القادم من البصرة والساكن في بغداد ،هذه هي الخارطة ، البصرة وبغداد تمثلان ركائز الاستهلال عبر المكان، المدمنون على المقامرة بزجاجة عرق كلهم مع (مهنا) يشكلون انجراف مهنا وراء ميوله (الغامض) عند مجتمعنا والواضح في العالم اليوم، حيث ان المثلية تشكل هاجسا كبيرا اعترفت به كثير من دول العالم واعطت لهم حقوق وواجبات اذن لعبة 52 هي التي اسهمت بعدم ثنيه يوما عن المقامرة بكل ثروته على صبي حلو او شا او رجل يجذبه ، تقترب الرواية من بعض المفردات السوقية لكي تلامس الواقع ضمنا، بداياتها ، الكولات: تسمية تطلق على حمامات بغداد حيث كان مهنا يسر يستحم ، الجراوي :تطلق على اولاد الشوارع تحديدا ممارسي اللواط، وهنا نختلف مع تعريف (غانم) للجراوي فهي كلمة سوقية تطلق تحديدا على ممارسي اللواط من الفصيل السالب وليس على اولاد الشوارع ،لان اولاد الشوارع يقصد بهم ليس فقط ممارسي اللواط، بل حتى السراق والباعة منهم وممارسي الدعارة ، بشكل عام، كذلك فان ممارسي اللواط (الموجب) لايطلق عليهم (الجراوي) بل الجراوي على ممارسي اللواط من الصنف السالب، ولديهم سمات تميل الى الانثوية فما كان تعريف وحيد للكلمة صائبا ابدا ، ما الذي ينتظر (مهنا) وكيف اتجه مهنا للواط هذا ما ستحدثنا به الرواية .
المهم في سن السابعة عشرة التقى مهنا بعباس الاعور للمرة الاولى وهنا يبرز (عباس الاعور) الذي غادر سجن ابوغريب منذ عام قبل احتلال الامريكان للعراق ، حاول مهنا ان لايعرفه(عباس) بعد لقاء قصير في سوق الطيور الا ان وحيد يقول (احيانا لايتعرف الموت على احد حتى تنبعث اشارة خاطئة منه) فعباس الاعور هنا يمثل الموت وعباس عرف مهنا على الرغم من ان مهنا كبر واصبح في الاربعين من عمره، الا ان ( هناك شيء ما يبق في ملامح الشخص يذكره بصورته في عهد صباه) عباس يعيش حاليا مع ديكه الاعور الذي قلع احد عيون الجنود الامريكان الذين يمشون في سوق الطيور والمولعون بها واسمه (جيم)المهم ان عباس لقب بالاعور وهو ليس كذلك وهذا ما علله وحيد غانم (فالتسميات والالقاب تلتصق بالمرء احيانا كتصنيف لوضعه الاجتماعي) عباس يعيش مع اخته (كواكب)وزوجته الصغيرة (حنون) اذن نحن امام شخصيات مضطربة سايكولوجيا (مهنا يسر) مثلي مضطرب يبحث عمن يداوي عشقه، عباس الاعور/ مضطرب يبحث عمن يشبع نزواته في العراك والشقاوات، وهنا ايضا نرى ان (وحيدغانم) يستخدم كلمات عامية داخل الرواية اثناء الحواريات كي تقترب الرواية من الشعبية ، 0حنون تخاطب عباس الاعور: (ما تنزل عيني؟تريد اصعد الك بالعشاء؟ انت مريض؟ ) ثم يدخل الروائي في وصف عباس الاعور عالمه بالتحديد، حيث كان صديقا ل(كوني) ومنه تعلم الشقاوات وقتل الاخرين، وسلبهم في مناطق متفرقة من بغداد وكذلك ولعه وتلذذه بالتدخين وتناول اقراص (ابوالحاجب والقط) وهي اقراص هلوسة وتخدير ، (كوني) كان ايضا مثلي الجنس حيث كان يحصل على (المتع والاولاد) دون تعب اعصاب وعباس كان ايضا مثله ففي حمامات بغداد (لايفلت من الدلاكين والمستحمين البغداديين العتاة اي فرخ زغب لم يقو جناحاه ، الا ان عباسا بدا اكبر من عمره قاسيا مؤذيا وجافا كالعظم ، دهم اللوطية الصغار والكبار في حلم خدر)

عباس عندما غادر بيت امه وبقي في الشوارع تحول الى كل هذا الاذى حتى وصل به الامر في السجن بالتحديد الى (الفصيل) حيث درب على ذبح الخراف والماعز وحتى حول الى ذباح ساهم في قتل بعض المومسات ابان حكم صدام ، وهنا يشير وحيد الى حوادث متفرقة قام بها ما يعرف ب(فدائيي صدام) حين اقدم النظام على ذبح بعض المومسات في العراق ،الصرة تحديدا وثقل السيف الذي كان يحمله عباس( حادا، لامعا، منتشيا، خوف، الة ، قتل، سكر ، تمتع بالنساء) وكان معه (ستار ماما) وهو مخنث الفصيل ومثلي ايضا كان يمارس عباس معه اللواط، و(ستار ماما) كان قاتلا ايضا في الفصيل ... يسهب وحيد غانم في وصف عباس الاعور وكيف وصل الى ما وصل اليه من تشوهات انسانية حتى وصل به الامر هاربا من المارينز بعد ان اقتلع ديكه عين احد المجندين وهاهو يبيت ليله في بيت العجوز ابوزهرة ، واباته ليلته جنب المرحاض حيث شعر بنتانة المكان تملأ انفاسه ولاغرابة فنتانة المكان تذكره بنتانة شخصه وهو ابن السادسة عشرة ، ومسيرته السيئة في القتل والسلب والترويع والفساد الاخلاقي وهنا نشعر بعمق سايكولوجي يتناوله وحيد في شخوص روايته وكيف وصلوا الى هذا الظلام الشديد الذي يحيق بهم .
وبتمحيص دقيق لبدايات الرواية نجد انه تحت ستار الجنس العنيف، الانحراف، الدسيسة ، نغمات اللواط، الزمان، عناصر اليأس المتجسدة في استسلام عباس الاعور ، ستار ماما، مهنا يسر، الى مصائرهم، التخنيث القذر الذي يصل الى حد الرعب ف(ستار ماما) قاتل لوطي ولايوجد انسان طبيعي حتى اللحظة في الرواية ، فالكل يحمل اضطرابات نفسية واضحة المعالم ويتبين لنا في الرواية ، حدث وشخصيات ومواقف وهنالك موضوعات كامنة تحت سطح الرواية نفسها، سنعمل على فك الغازها، حيث ستبرز لدينا شخصيات تحمل سلوكيات نفسية منحرفة ومضطربة منها: ستار ماما / مازوخي يحمل سادية فهو (سادومازوخي) كيف:
مهنا يسر : مازوخي.
عباس الاعور :سادي
كوني:سادي
فهو اي (ستار ماما) سادومازوخي لانه يقتل الناس ويتم اغتصابه ، فهو مازوخي ، مهنا يسر (يفرح باغتصابه) ويتلذذ بالفعل به فهو مازوخي اما شخصيتي /الاعور ، كوني فهما شخصيتان ساديتان بامتياز كبير فهما يتلذذان بأذى الناس وقتلهم وسلبهم، والدلالة على شخصية ستار ماما مازوخيا (انجذب ماما اليه، الى قسوته وعدم رحمته لانه اخاف رفاقه الفصيل فتحاشوه) وعباس الاعور ما كان يحصل على الاولاد بسهولة .
لذلك اكتفى ب ستار ماما، ومكانه اي: الاعور ما زال موحشا نتنا بروائح مثيرة لخياله حت لحظة هربه من الجنود المارينز وصف المكان له دلالة مهمة لدى الروائي وحيد غانم، كانت وجهتهما اي :عباس وستار ، بعد ان خطفا ممثلا لتصفيته من المسرح الوطني في بغداد لانه(عميل) "مكان غريب ومضلل، يوصل اليه درب جانبي مشجر اضاءته مصابيح صفر ، تعلو اعمدة ساحقة ، بينما منحتها مسافة الطريق افقا للراحة" فالطريق مشجر والمصابيح الصفر لها دلالات نفسية مريضة والمكان غريب ومضلل، اذن دلالات القتل والتصفية ورائحة الموت والخطف تفوح من هذا المكان وهنا يشير وحيد الى المرض النفسي الكامن في نفس ستار ماما ، (اراد ستار ماما المنتشي بساعتها في الفندق ،التلذذ بقتل ضحيته بدا منفعلا وفي نظرته لؤم" فيقرن وحيد غانم الانتشاء لدى ستار بساعة نومه للممارسة مع عباس مع تلذذ ستار لقتل الضحية فهو شخصية (سادومازوخية) .
كان ستار ماما مهووسا مريضا جدا حد الجنون لانه يقتل ضحيته بأسراف واضح وبذاكرة ملؤها الالم، امه مومس كان يعاشرها الفنانون وكان ستار يرافقها دوما للمسرح وكل هذه المعلومات يطلقها وحيد على لسان ستار ماما عند مبادرته لقتل الممثل، وهنا يعترف ستار بمرضه وبأساليب تربيته البائسة التي صنعت منه مجرما . (شعرت بالنرفزة لان الرجل ذكرني بخلقة صاحب ماما) تاتي الرواية لتبين سوقية الالفاظ وحتى الافعال التي تناولها غانم ليرسم ما يعني السقوط في الرذيلة لأبعد حد فستار فوق امه ليقتلها ويذكرها كيف انها حبسته في السجن مما ادى الى ان يُفعل به (فعل بي الشرطة والحراس والاولاد وكل حقير بالدنيا) هكذا لم يفعلها ستار ماما بل ضاجعها الاعور وقتلها وهكذا متعته كما يمتعها ابنها، وهنا تصعد لغة الرواية في قمة السوقية حتى لكأنك في عرف ليس فيه من معاني الانسانية شيء، والرصاصة التي حطمت دماغها نبعت من ( لذة مغتصبة نحو الظلام) اعتقد ايضا ان الرواية عالجت موضوع الشر وبؤس الوضع البشري من خلال حبكة متأنية في السرد مضطربة في المواقف وما فيها من عنف يقود الى اجواء الاثارة لغرض الاثارة ، نجد امامنا ان عباس الاعور الخارج من ازقة البتاوين القذرة متوحش صغير صبغ وجهه وتجرد من اخلاقه وبراءته وبدأ يمارس التعذيب ويقتل بسوء اختياره لنمط حياته.
اهتمام الرواية بماضي النظام السابق وذكره وايحاءاته للفدائيين ، لان عباس الاعور هو احد منتسبي هذا الفصيل البائس يقودني الى ان اسأل لماذا ينبغي للروائي الاهتمام بالماضي في الوقت الذي يوجد فيه امامه الان الشيء الكثير الذي يستحق الكتابة عنه؟ويجيب الناقد (انتوني بيرجيس)... الى ان الحاضر ليس الا خيطا رفيعا بين الماضي والمستقبل والمستقبل لم يدخل صيرورة الحاضر بعد لهذا السبب لم يعد امامنا سوى الماضي كي نكتب عنه ، وان كل روائي يسعى الى الاحتفاظ وبقدسية بحقبة في احدى رواياته وهكذا نجد ان كل روائي ما هو الا روائي تاريخي، وهو ليس مؤرخ بل يتمتع بموهبة خيالية في ميدان القصة والرواية هكذا ، نجد ان سرد تاريخ لفدائيي صدام على سبيل المثال جاء بموهبة خيالية استمدت لغرض ايضاح بشاعة هذا الفصيل علما انه لم يعالج تاريخا بعيدا بل لما يزل (مسكون ، وسخ، نسيان، سحنة، البعيد، عميقا، غضبا، غدر، خداع، همجي، كأس مرة) كلها مستجدة في شخص عباس الاعور الذي أنسانا مهنا يسر ، سجن عباس وهو في عمر 27 وكانت الشخصية مضطربة تجمع المتناقضات (قوي،غاضب،بائس) وهاهو يكتب لقب (عباس كآبة) في السجن اذن(عباس الاعور) بسبب ديكه خارج السجن(كآبة) داخل السجن، كما اود ان ابين ان الكاتب وحيد غانم في روايته هذه قد اسهب في استخدام الكلمات السوقية وكذلك في معالجة قضايا مثل المثلية الجنسية فليس ممكنا الوقوف عندها مطولا فالى الان الشخصيات الثلاث التي ذكرها هي مثلية /عباس الاعور، مهنا يسر ، ستار ماما والرواية تعالج وتنطللق الى قاع المجتمع وليس المجتمع.



ويستمر وحيد غانم وباسلوب تقريري مباشر دون خيال في سرد احداث وجود عباس الاعور ، في ابي غريب ومراودته السجناء الجدد عن انفسهم ، واغتصابهم ويذكرها بصورة واضحة المعالم دون مواربة بل انه يذكرها بصورة مباشرة ، دون خيال يذكر ابدا، فالرواية تاخذ منحى سردي مباشر دون ايقونات او ثيمات تخيلية وتبتعد عن الخيال حتى تصبح واقعية تماما واسهب كما اشرت في تناول المثلية حتى غدت ليست اسلوبا للمعالجة بل واقعا يدرسه، وبعد هذا الوصف الذي نذكره عباس وهو نائم في بيت ابي زهرة هاربا من فتك المارينز مع ديكه يعود ليوقظه ابي زهرة ، وتذكره بسبب نتانة الحمام التي تناغمت مع نتانة عيشه وحياته .
ويصر الروائي على الاستمرار في عرض المثلية وبصور مختلفة وبدون خيال ابدا بل سرد واقعي باسهاب كأنما صورة عباس الاعور وجمال الكردي بلباسه الداخلي الاحمر واضحين تماما امامك.
هكذا واذا بهذا القاع عباس الاعور يصبح شرطيا في العهد الجديد بعد 2003 بعد ان كان فدائيا وهذه صورة حقيقية لوضعنا الراهن يعالجها وحيد غانم في روايته هذه وهكذا بدأ عباس مع رفاقه الجدد بتأسيس مافيا داخل الشرطة تقتل وتسرق وتذبح (صلوا)لفظة شعبية تعني القتل.
وبذلك يشرح لنا وحيد غانم عمليات قتل وقعت بأيدي شرطة الداخلية ويفضح الاسباب عبر روايته هذه وتحديدا بعد السقوط. وبسبب الفوضى جاء امثال عباس الاعور وكان ضمن الوضع الامني العراقي .
كما دار حوار بين سيد علي صديق عباس الاعور والذي اخذ الديك منه وبين المترجم الذي كان يعمل مع جيمي المجند الذي اكل الديك عينه، لان المترجم كان يريد شراء الديك للمجند ومن ضمن الحديث الذي دار معالجات واقعية لما حل في العراق بعد دخول الامريكان اليه وكالتالي:
الميليشيات .
منظمات المجتمع المدني ودورها السلبي في العراق بعد التغيير وارتباطها بجهات راسمالية .( ان الكثير من المنظمات الانسانية وانا شخصيا كنت اتصورها تعمل بضمير نقي ،هي واجهات فاسدة التصقت بأذيال الجيوش وازدهرت في ظل المآسي) وهنا نرى ترابطا بين اذيال الجيوش وظل المآسي هذا هو كلام المترجم مع سيد علي (قليل الفهم) بسبب كونه رجل سوق يعمل في الديكة وتجارتها.

المترجمون المسيح الذين رافقوا الامريكان والسبب في اختيارهم للمسيح
هنالك تفاصيل يذكرها وحيد غانم ليست بذات ضرورة بل انها تقرب صورا وضيعة جدا لذهن القارئ وتسهم في اعتقادي في عدم تقبل الرواية مجتمعيا (لم تكن حنون تطيق لبس ثيابها الداخلية في الليل) فما دخل القارئ كي يتصور هكذا صورة ليست بذات اهمية ، حتى انها تفقد معنى الخيال الادبي . وفي موضوعة عدم تقبل الرواية مجتمعيا لدى البعض فالروائي غير ملزم ان يكون مع الذوق العام او مع الواقع المجتمعي ويتماهى معه .
تقفز شخصية جديدة في الرواية وهي شخصية عفنة بعفونة عباس الاعور وباستهتاره وهي شخصية ( حسين الراعي)او حسين قامة التي تتخذ من البصرة مكانا لها، وهنا يبدا المكان بالتشظي عن المكان الاول بغداد وحماماتها وباراتها وازقتها التي اكتنفت مهنا يسر القادم من البصرة وعباس الاعور وستار ماما وغيرهم والان المكان هو البصرة والشخصية حسين قامة وهو احد شقاوات المدينة وكان مولعا بالصبية ايضا اذ عشق صبيا حلوا اسمه (شمو) وحسين قامة كان قد اتفق مع( ظاهر حشرة) على ان يخطفا ويغتصبا (شمو) ووحيد يسرد هنا سردا مباشرا دون ان يكون هنالك خيال او متعة اما الزمن فهو زمن النظام السابق وبين الاثنين ( احقاد، صدامات، سجون،ثارات، شعور بالدونية) ويزاوج وحيد صورة مهمة بين (الشغف والحقد) لكن الشغف ينتصر لبقائهما سوية حول شمو وهو اسهاب ايضا ضمن قضية المثلية . حيث اني اجد ان وحيدا كان بمقدوره الاكتفاء بشخصية مهنا يسر وعباس الاعور لمعالجة موضوع المثلية دون ان يمتد لشقاوة اخر وهو (حسين قامة) والذي يظهر ميلا مثليا مرة اخرى ، وتحقق للاثنين مرادهما بخطف شمو كان ظاهر حشرة مسؤولا عن خطفه . ويرجع مرة اخرى لبغداد ويتحدث عن سيد علي الذي تحول من رجل يبيع الطيور ويعتاش على عراك الديكة الى زعيم ميليشيا عبر سيد جواد ال مجيد وهاهو بمعيته 3 شابا وهنا يزاوج بين الجنس والمال وقدرة الاول على جلب الثاني والعكس صحيح، وهنا فان سيد علي يتكشف لنا بانه بدأ يكسب جماعة عبر (جبار طلقة) وهنا يلتقي(الجنس ،الدين، الكذب ) سوية .ويضع وحيد بينهم عنصر مشترك يلتقون فيه جميعا وتبدأ حوارية يكتنفها الجنس والطمع والشره، حيث ان سيد علي المفتون ب(كواكب) اخت عباس ام (لولو) المفقود وفي اثناء الحوارية التي يتجسد فيها الجنس كمحور للقاء بين (سيد علي) الذي اصبح صاحب ميليشيات يقودها جبار وبين كواكب، كأنما هذه الاجواء تصور وبوجه اقرب للحقيقة حال تشكل الميلشيات في العراق بعد 2003 اذ ان الرغبة الجنسية ورغبة السرقة تحركهم في كافة تصرفاتهم وسخفهم وعهرهم وقتلهم للناس على الهوية وغيرها، وياتي وصف مشبع بالخيال غاب عن اغلب فصول الرواية التي غارت في وصف ما عانته البلاد من هؤلاء ، يتجلى الوصف الخيالي في ما تعانيه بغداد ما بعد 2003 وحتى اللحظة واصفا الحرب الاهلية وغيرها( غرقت بغداد في الفوضى ، فيما بدا ان من الصعب على المدينة، وكأنها سفينة قديمة جانحة في سراب العالم ، الخروج من وحلها خلال امد قصير)اما الحياة فهي كئيبة في بغداد وهي تمثل كنزا لفظه دجلة لسيد علي الوارد في الرواية وأمثاله الذين حولوا بغداد لظلام اما نهارات المدينة فقد بدت اكثر وحشية .

هذا وصف يصور بغداد وهي تدور باهوال الحروب وفظائعها وما يتخللها من انواع الشذوذ في العلاقات الانسانية ، هذا هو نفس الوصف لرواية (ودلز باكستر) الموسومة ( اخفض رأسك طلبا للرحمة) التي تحدث فيها كاتبها عن بورما وما يجري فيها من اهوال وحروب وانواع الشذوذ في العلاقات الانسانية على حد تعبير انتوني بيرجيس في مقال له بعنوان (افاق ادب الحرب الروائي) فنحن امام ثيمات تعالج الجنس والموت فمحتوى رواية وحيد يدور حول العنف والشذوذ والجنس ،فالشر في المدن التي تحدث عنها يتم التعبير عنه ليس بالافعال بقدر ماهو بالروائح ،فحسين قامة كان يشتم رائحة شمو وعباس الاعور يشتم رائحة مهنا يسر، وهكذا يقدم لنا صورة عن العنف الاجتماعي متمثلا بتكوين ميليشيا على يد سيد علي بدعم من سيد جواد (حمل الشباب الاسلحة وطافوا بالشوارع على غير هدى، وقد نالوا فرصة مجنونة لأثبات رجولتهم ووهوياتهم ورغباتهم ،فجأة زالت مخاوفهم القديمة وانكشف المنظر امامهم عاريا مغريا دمويا) .
والسلوك العنفي حتى اللحظة تجلى فيما يلي :
ميليشيات بقيادة سيد علي.
الشرطة المخترقة والمتحولة بدلا من حماية الناس الى ممارسة قتل وسلب وخطف (قاسم وواثق كبسلة)
الامريكان الذين منحوا هؤلاء جميعا (السلطة والجنون) الرائحة لها دورها كما اسلفنا (حملته خواطره الى حلبات المهارشة الدموية ،تنشق رائحة العرق التي تحيط بالصبية الوسخين ،الجراوي، والطيور) للحلم دوره ايضا في الرواية ( فلولو بدأ يزور عمته كواكب في حلمها ويوقظها ليلا).

ويبقى للمكان سطوته لدى شخصيات وحيد فقد عمل على جعل المكان فضاء تولد فيه الشخصيات فيحتضن مراحل نموها وما تتعرض له من احداث او ما تقوم هي بأحداثه وفي هذه المراحل تتمظهر لدى غانم الحياة بوجوهها المتعددة بخيرها وشرها، وان لم نكن قد رأينا اي تفاؤل فيما طرح في الرواية فسلمى القادمة من البصرة لخطبة كواكب الى عياش اخيها انبهرت برؤية شوارع بغداد ولياليها العبقة والتنزه في الحدائق والالعاب والاسواق ، المهم ان لولو جاء عبر عياش البصراوي وهنا تتشابك وتستمر الرواية في سوقيتها اذ تصف لحظات ممارسة العياش مع كواكب في الفراش . ويناقش وحيد مسالة في غاية الاهمية ما زالت تشكل تحديا امنيا خطيرا في العراق حيث يبين ان هذه الميليشيات تسلح
وتجذب الشباب بفعل الاموال وهو هنا ينبه لشبح البطالة وكيف ان هؤلاء يشكلون جيشا خطيرا داخل المجتمع اذ ان اغلب المنتمين الى الميليشيات هم من العاطلين عن العمل وهذه معالجة واثارة مهمة يقدمها وحيد غانم حول هذا المفصل .
تجتمع في هذه المجاميع مجموعة صفات :القتل، الجنس ،البطالة ، الخ.. وهكذا سيد علي يؤجر بيتا ليوزع من خلاله المساعدات التي يجذب الشباب عبرها، الصورة الجديدة لسيد علي تتطلب وقتا كي تكتمل ملامحها وتهيمن على العقول الصغيرة ، (المال، الوعود،الاوهام، المخاوف) تخلق صورة رجل دين كاذب ك سيد علي يقود ميليشيا مستهترة .
ويبقى سيد علي مجبولا على :
اشتهائه لكواكب .
ابتلاع اموال سيد جاد .
جذب عباس الى عالمه.
فشخصيته فيها: المال والدن والجنس والعنف وجمع كل هذه الصفات بشخص واحد لهو دلالة الراوي على ان (المال والدين والجنس والعنف) كلها تتقاسمها وحدة واحدة هي الرغبة الانسانية الجامحة تجاه هذه القضايا ويبررها ويسلكها الدين . اذن فالدين وبسبب مرونته وامتطائه يجللب معه المال والجنس والعنف وكل هذه الامور ممكن ان ينتجها.
القسم الثاني من الرواية يبتدأ بالكلمات( ايمان، العوز، الفضول، دار الوارثين) وفيه يصور وحيد كيف يؤسس رجالات الدين بيوتا لتوزيع الصدقات وكسب الاتباع ورجل الدين (مصارع الديكة سابقا) سيد عي اصبح رجل يستغل الدين لتحقيق اطماع له شخصية بوساطة الاموال التي تمنح له.
ومن خلال الحوار ييثير وحيد بعض الاسئلة المهمة التي يبدو منها معاناة المجتمع مثل :اين الحب؟ الحاجة للحرية ؟وحتى الاجابات (نحن نحب الفوضى وليس الحرية) هذه كلمات المترجم فالمترجم فاضل ناصر صحيح انه يعمل لدى الامريكان لكنه يثير اسئلة الواقع الذي عاش فيه حياته كلها، وفي ظل الحوار تتكشف نظرة رجال الدين الى العلمانيين كذلك وهي نظرة حقيقية واقعية ، بل هي نظرة مجتمعية ، صاح قاسم( اكيد متونس(يقصد ان المترجم قد مارس الجنس مع احد المجندات الامريكيات في القاعدة التي يعمل بها داخل بغداد) السيد يكول ان العلمانيين بلا اخلاق (هاهاها)
وهذه حقيقة رجال الدين في نظرهم للعلمانيين.
مهنا يسر يغادر شبابه الى الاربعين فيخفت جماله الا ان غبته الجامحة مستمرة بالشبق الجنسي (متلظيا في احضان عشاقه خلال ربع قرن حتى فقد جماله المغوي، دون ان ينطفئ شغفه المدمر ،على ان طريقه كان منذ البداية محفوفا بالخوف والاذلال) .
وهذه رؤية نفسية واضحة المعالم، الرواية تعود الى مهنا لانه محورها فهو في الاربعين نعم ، الا ان وضعه مستمر فمهنا هو صنيعة عباس وهو الذي دافع عنه وآواه ، في الروايةة ايضا وصف لدقيق لتفاصيل يعيشها القارئ بفضل هذا الوصف( اتجه صاعدا الجسر ، وكان الهواء يملأ دشداشته ويدفعه بقوة، فتحرك وهو يتمسك بالقضبان وكان مرور العربات يلفحه، ابواقها صيحات السواق، ارتال مستمرة لقوات امريكية ، تذهب بالاتجاهين) ووصف اخر يجعل القارئ كأنما يشاهد فيلما (رأى شموعا مطفأة ، طيوف نساء، سمع اصواتهن ) وصف ايضا لبغداد وكيف استحالت رمادا بالحرب الاهلية بعد 2003 (حيث بالوسع توقع رؤية الجثث الطافية ، اشخاصا نحروا او ثقبت جباههم او شقت خصورهم هشموا او قطعوا اربا او نخلوا بالرصاص) في الرواية تجد كذلك انها قد قسمت الى اقسام وكل قسم ينطلي على وصف صورة قمرة عباس الاعور ومرة مهنا يسر ومرة زمان وكواكب وهكذا ، ومرة يصف سيد علي وميليشياته وصدقاته حيث نرى في القسم العاشر من القسم الثاني من الرواية ( كان سيد علي ينشر ويديم نفوذه في بغداد) وهنا يتبين ان الامريكان ايضا كيف يتابعوا قادة المليشيات المسلحة ويعملوا في بعض الاحيان على اعتقالهم كما فعل مع سيد علي، الواقعية في طرح مشاكل المجتمع فالبغداديون( يأكلون ويشربون ويعملون ويتنزهون ويقتلون) فاتباع قادة المليشيات تحركهم الغريزة والطمع، فبدون ان تكون هاتان القضيتان متواجدة لايوجد هنالك اتباع لهم ابدا وهذه رؤية جريئة يتناولها الروائي كي يبين مجاهل هذه الحركات التي نهبت المجتمع ووجدت لها ارضا خصبة هي الارض بعد التغيير في 2003.
ويقع وحيد بمغالطة روائية كبيرة حيث يروي ان سيد علي سجن مع معتقلين عرب الجنسية اي ارهابيين وسيد علي شيعي وهؤلاء سنة ولايوجد معتقل يجمع ارهابيين سنة مع ارهابيين ينتمون لمذهب الشيعة لان هؤلاء مختلفين عقائديا بمعنى انهم سيقتتلون داخل السجن وهذه مغالطة كبيرة ليست واقعية تخالف نهج الرواية الواقعي، وحتى حديث سيد علي معه ليس واقعيا فهو يتهدده ان لم يكن معهم شيعيا فسوف لن يبقوه حيا والمعروف ان هؤلاء الارهابيين عرب الجنسية يتم سجنهم في سجون خاصة بعيدا عن اصحاب المليشيات والمشكلة انه بعد ان هدده اصبح يجالس عرب الجنسية الملتفين حول مصطفى المغربي خوفا منهم ، وقد يكون الامريكان قد سجنوا الجميع سوية كي تعم الفوضى داخل السجون ، المهم ان المغالطة قد تكون حصلت وقد يكون الراوي قد بناها وفق رؤاه ومنطلقاته وبعد خروجه من السجن،( نصب سرادق يستخدم للمآتم والافراح كبير جدا ممتدا بطول الجادة وقد سد طرفه الشارع الرئيس بينما صفت الكراسي تحت قماشته الجوخ المتينة او لم ابناء عشيرة سيد علي وليمة كبيرة فذبحوا عشرة عجول وقد طبخوا الرز...) ( لم ينقطع سيل المهنئين حتى حلول الليل) وهكذا ينقل لنا وحيد من خلال هذه الصورة رؤية واقعية لما يفعله اصحاب المليشيا عندما يطلق سراحهم فانهم يقيمون الولائم ، الخ... ويدعون الناس وتتكالب عليهم يستعطفونهم بمال او خوفا من بطشهم القادم فأجاد الكاتب بوصف هذه الصورة المؤلمة ، وفي السجن تعلم سيد علي كيف تتشكل الخلايا المسلحة وهذه صورة مهمة على ان السجون العراقية ، ما عادت سجون اصلا بل على العكس يخرج منها المجرم محملا بأفكار جديدة اضافها الى افكاره العفنة بالاساس( اذ رأى في السجن كيف تشكل الخلايا الخفية والفصائل النشطة وتوزع الادوار ولم يرغب بأهدار الوقت ما دامت الفرصة سانحة والشباب محتشدين بين يديه)اذن الفقر مع البطالة مع وجود الاموال لدى المتشددين يتم زرع العنف بين صفوفهم ويستمر عباس مع مهنا يسر سوية و(مهنا) هنا سيكون وسيطا بين عباس وسيد علي حيث يسلم البندقية التي سرقها عباس من الشرطة عندما كان يعمل في السلك وأخذها مهنا واعطاها الى سيد علي كي يسلمها بدوره للشرطة ويسري الامر لعباس ، وفي صورة اخرى يأتي هؤلاء المليشياويين الى مناطق (اماكن) تسكنها البطالة والفقر كي يؤكدوا سطوتهم على ، المحتاجين ، لاننهم لن يجدوا لهم اتباع في مناطق الاغنياء، لذا اتجه سيد علي الى المناطق الفقيرة في الجنوب، الحيانية في البصرة ، الثورة في الناصرية ، وما يماثلها من مناطق النقمة والعوز، اذن فمناطق الراحة والمال لايزورها سيد علي لانه لن يجد انصارا له فيها، اي انه لايستطيع زيارة الجزائر او البراضعية في البصرة بل عليه ان يزور الحيانية لانها مدينة الفقراء والكادحين وسيحصل على مراده بأتباع كثر ، ويصف وحيد وصفا دقيقا كيف ان بعض المؤسسات تفتتح لها مركزا في بغداد وتتوسع في بقية المحافظات وتكسب جيوش العاطلين مغرية لهم بالمال ( لكنه امتلك مالا ورغبة في انشاء مثيلات لمؤسسة الوارثين في الاماكن المظلمة، تحمس للدفع بنفوذه تحت غطاء آل مجيد الى تلك المناطق) وهنا يأتي الجواب( جذب المال والطعام والغريزة شبابا عاطلين ورجالا لم يعودوا يعرفون ما يفعلون في حياتهم فتعلقوا بالسيد) وهنا اقول لو كانت لدى هؤلاء الشباب مكانا للعمل ومكانة وفرصة للتعلم لما استدرجهم هؤلاء الذين يصفهم وحيد في روايته وصفا وفق بنى اجتماعية دقيقة جدا كأنما هو طبيب فيها يصف داءهم ويضع الدواء ايضا عبر روايته هذه، فمؤسسة الوارثين التي يستقي وحيد اسمها كأنما يناغم به الواقع، كانت لها فروع في اماكن الاغنياء حيث تحصل على الدعم منهم ، (اموال الخمس) والهبات والتبرعات، لكن سيد علي افتتح لها فروعا في اماكن الفقراء حيث كل شيء تابع له. وهذه المؤسسة بدأت تكبر وبالتالي من الممكن ان يكون لها اوجه سود وهو ما يحصل في اغلب المؤسسات التابعة والنابعة من المؤسسة الدينية ، ومن الممكن ان يكون لها وجه ابيض وهذا مالم يحصل ، ولن ، وفي كلام سيد علي السيد جواد مايدل على ذلك: ( البشر خطاء ، فلا تلومني على بعض الهفوات، انا غايتي خدمتكم ،لكن الوارثين تكبر وتصير لها غايات اكبر منا مولاي تصير سلطة ، ممكن ان تحمينا، مثلما تدمرنا) وينهي وحيد روايته نهاية ليس فيها امل ولا حل فمهنا يسر (الحلو) يعود الى حمامات بغداد في شيخ عمر كي يحصل على تدليك له، ولجسده، الممتلئ بالشهوات والشبق، وعباس الاعور يصبح اعورا حقيقيا بعد ان تعثر بعجوز فقأت عينه فقتلها وفر .
خلاصات حول الرواية :
نحن امام رواية سوقية بامتياز تصف قاع المجتمع بكل مفاصله.
وحيد بوصفه لأماكن النوادي الليلية يعطي شحنات عاطفية ، وكل مكان يحوي شحنة وهنا توحد الراوي مع المكان.
لم يكن في الرواية اية رؤية تخيلية أبداعية ، بل كانت واقعية تماما تصف بشكل مباشر احداثها.
تطرقت الرواية الى مواضيع تابو في المجتمع وهذه جرأة تمتع بها الراوي ،فالمثلية الجنسية موضوع صعب التطرق اليه في مجتمعنا لذلك فان توقف وحيد عنده يعتبر جرأة كبيرة في معالجته على الرغم من اسهابه غير المبرر في ذات الموضوع اذ كان بامكانه الاكتفاء بشخصية مثلية واحدة في عموم الرواية لا ان تكون هنالك اربع شخصيات مثلية (عباس الاعور ، ستار ماما، مهنا يسر ... الخ) فهذا اسهاب في الموضوع اكثر من اللازم وهنا اشير الى ان عمارة يععقوبيان على سبيل المثال تناولت المثلية الجنسية بشخصية واحدة كانت تسكن العمارة ودارت حولها احداث معينة .
تناول الرواية الشجاع الى قضية المليشيات الدينية وقراءتها قراءة مغايرة من حيث ان سيد علي هو رجل سوقي لكن الظروف التي سمحت له ان يقود ميليشيات مسلحة تحت عناوين واهية (مؤسسات خيرية) وحتى الاسم الذي اختاره وحيد(الوارثون) اسم واقعي، وسيد علي ما كان رجل دين حقيقي بل تلبس بلبوسه وهكذا اغلب متزعمي هذه المؤسسات. وحيد غانم يضع مقياسا يحرك هذه المؤسسات (المال، القتل، الخطف، الجنس... الخ) . سيد علي كانت تحركه نزواته تجاه كواكب ومال سيد جواد، وثلاثية المال والجنس والدين هو تحالف هجين سيء نجح فيه وحيد بتصوير صورة واقعية لمجتمعنا اليوم.
شخصية الشقاوة عباس الاعور ، والذي ما كان متورعا عن قتل اي شخص يقف في طريقه وهو شخصية سادية جدا، وقد نجح وحيد في تصويرات نفسية تجسدت في عباس الاعور/سادي، ستار ماما/سادومازوخي كما شرحناها في الدراسة .
خلت الرواية من اية اشارات اسطورية او ميثلوجية او حتى انثروبولوجية على الرغم من انها رواية مجتمعية الا انها خلت من اشارات تخص تقاليد الناس ، دياناتهم ، مذاهبهم، فلكلورهم، والسبب توجهها الى السوقية والانحطاط المجتمعي.
لم تكن الرواية معالجة للبنى الاجتماعية في الواقع بل واصفة له فقط ، والدليل ان نهايتها كما بدايتها ،عباس الاعور القاتل في بداية الرواية استمر قاتلا حيث قتل المرأة الغجرية الهرمة ولاذ بالفرار حيث ان اخر اسطر الرواية تصف قتل عباس للمراة العجوز دون وجود رادع ومعالجة حيث استمر عباس حرا طليقا (استجمع كل ما تبقى لديه من قوة ، ، ادار مديته ونحرها، قتلها وفر بعيدا) فبغداد استمرت في واقعها السيء ومهنا بقي في حماماتها ، بمعنى الا علاج لكل ما طرحه الراوي سوى الوصف.
الرواية هي رصد حقيقي لمعاناة عانى منها المجتمع مثلا :حال المترجمين في ظل الاحتلال الامريكي (فاضل الناصر) انموذجا يختطف من قبل ميليشيا للمساومة على فديته بالمال.

معاناة المجتمع من المليشيات المسلحة وكتمانها على انفس الناس.
وصف فات اوانه لفصيل فدائيي صدام وكيف حوى القاع وستار ماما انموذجا لانتمائه لهذه الفصائل.
الشرطة التي تاسست بعد التغيير 2003 وكيف انضم اليها اناس قاموا باستغلال اسم الشرطة في سرقة المال والناس ومنهم (قاسم الشرطي) وعباس الاعور ، وهذا حصل بسبب فقدان دولة القانون.
الفوضى التي عمت البلاد بعد التغيير وكيف سيطر على المجتمع الشقاوات ورجل الدين والمليشيات وهي فوضى مجتمعية كبيرة .
كما تنوعت استجابة شخصيات الرواية للمعطيات سلبا وايجابا ،فكشفت بعض هذه الاستجابات عن ذوات هشة ، معطوبة وقلقة غير قادرة على التماسك بأزاء واقع مزري مما خلق في دواخلها روح انهزامية تمثلت بستار ماما وحتى عباس الاعور المنهزم داخليا والذي يحمل اسمه دلالة سوداوية قاتمة ويتمتع باسلوب يكشف عن قمعية حادة تتمثل وتتمركز في اطار حب الذات ، ومهنا يسر مهزوم وسيد علي كذلك ، اتخذت كل (هذه الشخصيات من الاستكانة الى الملذات الفارغة وضعا لها ووسائل تزجي بها ايام عمرها الضائعة بين طواحين التشرد والضياع )
مقارنات زمنية حصلت فيها نفس الاشكاليات المجتمعية التي حاقت بالعراقيين فدائيي صدام في زمن مضى شبيهة بفصائل خارجة عن القانون وصفها وحيد .
ان رواية الحلو الهارب الى مصيره رواية واقعية تماما تقريرية وصفية لحالة مجتمعية مرعبة نجحت في وصف الواقع دون خيال يذكر الا انها لم تعالج كما اسلفنا كانما فتحت الجروح وابقتها على ماهي عليه.... هي رواية مجتمعية بينت السوء الذي يحيط بالعراقيين دون ان تبين اي وجه ابيض وجيد وسط هذه المأساة الحقيقية وهي رواية عنف اجتماعي تماما. كأنما وحيد غانم اغلق الباب في روايته على مأساة العراقيين التي لم يجد العراقيون لها حلا واضحا حتى اللحظة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في