الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة رقصة فلامنغو

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 8 / 13
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


الفلامنكو لحن حياة ووجود يدخل السياسية والاقتصاد والعلم والمعرفة في رقصة فريدة أن هِمْ هِمْ بالنظر هِمْ لا تقرب يدا في لحظة اندماج ولحن حنين للحياة كل الحياة . فما هي ؟ ومن أين جاءت ؟
الفلامنكو نوع من الموسيقى الإسبانية ، الذي يقوم على أساس الموسيقى والرقص. الجذور العربية للفلامنكو تظهر في طريقة الغناء من الحنجرة وفي جيتار الفلامنكو وتأثره بالعود، نشأت في الأندلس في القرن الثامن عشر. وموسيقى الفلامنكو معروفة كذلك في دول المغرب العربي وخصوصا في المدن الشمالية كتطوان وطنجة ومدن أخرى حيث أن الشمال المغربي والجنوب الإسباني يتشابهان كثيرا في الثقافة والهندسة المعمارية للمدن.
لا أحد يعرف على وجه اليقين أصل تسميتها التي أثارت عدة فرضيات: وهناك احتمال أن يكون اسمها معناه ” الفلاح المنكوب.” حيث يرجع إلى فلاح منكوب من غير أرض وهم الفلاحين الموريسكييسن الذين أصبحوا بلا أرض ، فاندمجوا مع الغجر وأسسوا ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم التي يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم . ويربط البعض اسم هذه الموسيقى بطائر النحام الوردي .
ويعتقد بعض الباحثين أن شجرة الفلامنكو بالغة الغنى والثراء ويعبر كل فرع منها عن غنائيات معينة مستقلة بشكلها ومضمونها وطريقة أدائها فهي تحتوي :
أغاني عميقة غجرية الأصل وأغاني أندلسية الأصل وأغاني خفيفة وبقيت هذه التقسيمات موضوع نقد وملاحظات وتعليقات هامة وجادة . ويعد أهم فروع شجرة الفلامنكو الغناء العميقة الذي يتفرع منة العديد من الرقصات الأخرى مثل السيغرياس وصولياريس والتانجو . أما جذع الأغاني الخفيفة فتضم غنائيات أهمها السيفيانا ويضم نوعا أخر من التانجو الخفيف الراقص . وهناك نوع مهم من الفلامنكو وهو فلامنكو الذهاب والإياب ويتعلق بأغاني حملها الأسبان معهم إلى أمريكا اللاتينية ثم عادت إلى إسبانيا بشكل جديد بعد أن تطورت وهى عبارة عن غنائيات لم تعد تغنى في إسبانيا لكن ما تزال تغنى في أمريكا اللاتينية .

يتكون الفلامنكو من ثلاثة عناصر وهى الغناء والرقص وعزف الجيتار أو القيثارة بالإضافة إلى جماعة التصفيق اليدوي . أما الغناء فهو مركز مجموعة الفلامنكو وأهم مكونات الفلامنكو ويتميز بالنغمات الحزينة المأسوية والصرخات التي تشبه العويل والتي ينبغي على الراقص أن يبذل قصارى جهده بجسده و أطرافه ويحركهما في سبيل ترجمة الكلمات والمشاعر والمعاني التي يعبر عنها المغنى ″ويترجم الغناء عناء ومكابدات الغجر والفقراء وهذا ما جعله يتلون بحزن يميزه فالغناء العميق يجسد المحن والتمزق والمكابدات التي يشعر بها الغجر والكلمات الدالة على الحزن في المعجم الفلامنكى كثيرة مقابل قلة عبارات الفرح وتعبير وجه المغنى وحركات يديه تترجم بقوة العناء والمكابدة اللذين يتغنى بهما كثيرا ويعتبر أداء الفنان كامارون دى ايسلا خير مثال على ذلك.
أما القيثارة فهي المكون الثاني ففي بداية الفلامنكو كان المغنى هو أساس العرض الفني وبمرور الزمن فرضت القيثارة نفسها من خلال موهبة وبراعة العازفين الذين أدخلوا على فنون الفلامنكو الكثير من التقنيات الموسيقية المتميزة ويؤدى العازف دورا مهما في توثيق التواصل بين المغنى والراقص وتحقيق الانسجام والتناغم.
أما الرقص فهو المكون الثالث الذي يجسد المشاعر والعواطف التي تعبر عنها الأغنية بالحركات و الخطوات وهو المتحكم في سرعة إيقاع الأغنية من خلال سرعة وحركة القدمين والجسم كله وهو مصدر مهم لموسيقى إضافية ناشئة عن حركة المغنى وعازف القيثارة يسعيان دوما لاقتفاء خطوات إيقاعاته وحركاتة لذلك يشترط في الراقصة أن تكون موسيقية بارعة إلى جانب لياقتها البدنية التي تمكنها من إتقان الحركات وضرب الأرض بقدميها برشاقة وقوة معبرتين وسرعة خاطفة ومضبوطة وذات دلالة محددة وتحرك يديها وأصابعها وجسدها بليونة وانسيابية متناهية
ويشكل المصفقون عنصرا مهما في هذا الفن فالتصفيق الملازم للفلامنكو آلية إيقاعية مرافقة معقدة وذات أهمية قصوى له قوانين دقيقة يجب الالتزام بها فهو تعبير إيقاعي للكلمات والنوتات والمشاعر ووظيفة المصفقين هي تحفيز الراقص وتقديم الدعم له بتحديد النغم وضبطه عبر تصفيقات متتابعة ومتسارعة.
فن الفلامنكو يعكس بجلاء تقاليد وأعراف التنظيم الاجتماعي الغجري الذي يحتل فيه الذكور المكانة البارزة بينما تحتجب المرأة وراء أدوارها التقليدية. ولكن في حفل الرقص تبدو الطقوس مخالفة لهذا العرف متحررة منه. فبداية الرقصة تكرس بشكل قوي هيمنة النساء وتحكمهن في حلبته ، بعد ذلك يلتحق الرجال بالحلبة بشكل تدريجي . ورقص النساء يستحث المغني على التفنن في تلاوة قصائد الغزل التي تتغنى بجمال وأنوثة الراقصة حيث يتيح حفل الرقص للغجريات فرصا كبيرة ومهمة لتغيير وضعهن الاجتماعي. تلبس الراقصة لباسا زاهيا ملونا عريضا فضفاضا على غرار لباس الغجر بينما يلبس الراقص قميصا ضيقا ملونا أو أبيض وسروالا أسود ضيقا أيضا وينتعل الذكور والإناث أحذية قوية تحدث فرقعات مسموعة خلال ضرب الأرض بها. وكان سلفهم يلبسون أحذية ذات كعوب عالية لإحداث الصوت القوي المسموع ويضعون على رؤوسهم قبعات تقليدية لم يعد يستسيغها الراقصون ولا المغنون اليوم. وهي تختلف عن الرقص الهادئ المتمايل كالرقص الشرقي أو الكلاسيكي حيث تعتمد راقصة الفلامنكو في حركاتها على قوتها الجسدية هذا بالإضافة إلى حركات ذراعيها وقدمها بعنف مما يترجم الثورة على القيود. ويختلف أداء الراقصة عن أداء الراقص ببعض الحركات العنيفة عند الراقص التي تعبر بقوة عن هذا العنف مما يجعل الراقص الماهر يثير الإعجاب على الرغم من مكانته الثانوية في حفل الرقص في ظل مكانة المرأة التي تهيمن عليه تعبر راقصة الفلامنكو في رقصها عن الكبرياء والأنفة من خلال حركة الذراعين والقدمين مترجمة أحاسيسها الداخلية بحركات سريعة وقوية كالتصفيق والضرب بالقدمين والإغناء السريع للجسد وشموخ الهامة في كل الإيقاعات. وتعتمد الراقصة على حركة الأطراف (الأيدي والأرجل) وهذه الحركة لا تتجه نحو الهدر والرومانسية بقدر ما تتجه نحو التصعيد الحركي أو الدينامية المتنامية.
الفلامنكو لهيب تمرد تؤججه النغمات.. جنون نار يمزقه تلاحق دقات الأقدام. تتسارع إيقاعات الرقص بالكعوب.. تتمايل ناحلات الخصر، فتبدد أحزان الوجود المظلم وتزيح عن النفس اليأس. هكذا ولدت رقصة الفلامنكو ، ثورة تعبر عن مشاعر المضطهدين والمسحوقين. أرواح تكسر بالموسيقى قيد الأسر ، وتحيي بالأهازيج الفجر. ليست كل الثورات خراب تحرق الأخضر. ليست كل الثورات تسجن شعب عملاق في قمقم وفوقه الليل بحر جنون وحنين .
تمخضت الفلامنكو من ثورة ألم ، حين سنّ الملك فرناندو قانون ينص على أن يسكن مملكة إسبانيا المسيحيين الكاثوليك فقط . قانون عنصري دفع الكثيرين إلى الهجرة من ديارهم وغاب من يومها نهار المسلمين واليهود والغجر والمسيحيين غير الكاثوليك من الأندلس.. وكأنها ذكرى تشد حبل اليوم بالأمس.
يجتمعون بلا مأوى ، خلف أسوار مدينة غرناطة. يصوغون من أحلامهم الضائعة رقصة تجسّد فيض مشاعرهم، تصاحبها أنغام القيثارة وحماس المصفقين. كيف يرتلون نشيد الرحيل في الفضاء الفسيح لحناً عذباً ؟ كيف يلونون أيامهم بأشلاء أمسهم المفقود؟. الفلامنكو رقصة حياة وثورة وجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنا أحسدك
ماجدة منصور ( 2021 / 8 / 14 - 04:51 )
لأول مرة أحس بأني أحسدك على تلك الرفاهية الفكرية و الفنية التي تعيش بها يا أستاذ محمد0
عني أنا أعيش منذ زمن إحتراق وطن كان إسمه سوريا و قد صار هذا الوطن بحوزة الزعران و الحرامية و قطاع الطرق من الشبيحة و البناديق و سرسرية الليل0
أطالع دوما أخبار هذا الوطن المنكوب ببشار الأسد و حملة مباخره و حينها يعتريني القرف و أحس بالغثيان0
أحسدك فعلا على إستمرارية إحساسك بجماليات الرقص و حركات الجسد المتمرد عبر رقصاته0
فيما مضى من الأيام كنت أزور ماربيا و بورتوبانوس في أسبانيا و أقضي عطلتي و أنا في حانات الفلامنكو أتفرج فيها على غضب الجسد حين تتقمصه غجرية تدب بأطراف أقدامها الصارخة بإيقاعات عجيبة و حركات الجسد حين يثور على كل أشكال القهر0
نيال قلبك0
فما زلت قادرا على الإحساس و الكتابة عن إبداعات تمرد الجسد الذي يعيش تحت ضغط القهر0
شكرا جزيلا

اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب