الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمانِ محاولات للّحاق بسيلڤيا بلاث

رزان الحسيني
كاتبة ادبية وشعرية، ومترجمة.

2021 / 8 / 15
الادب والفن


حينَ كنت صغيرةً كِفاية
لأظن أن القمر يمشيَّ معي
فوق سطح بيتنا،
والغيمُ يحزن معي
حين أبكي بباحة المنزل،
حين كان أقصى ما أستطيع عدّه
رقم "ستة"
وكنتُ أظنّهُ أكبر كل شيء،
وأعظم كل شي،
كنتُ أقدّرُ حجم السماء بستة.
وأعرف، أنّ الآن كبر كلُّ ما بي
إلا قلبي
رغم الشيبُ الساطعُ على سطحه،
لا زلتُ أبحثُ عن طريقةٍ
بها أقدّرُ حجم الألم، غير "الستة"
وغير الكتابة
ذلك المخاض اللامتناهي للنفس دون جدوى
كما لو كانت تسعيف حائط متُهالك
لن يزيل الغبار وخيوط العنكبوت فحسب
بل -بعكس المرجوّ- يقشّرهُ أبداً..
حتى الفراغ، وحتى القبح.

منذ أن بلغتْ الفتاة التي تسكنُ نُزلِ قلبي
ستة عشر عاماً؛
شرعتْ سمفونية نعيق الغراب
بالدوران
باسطوانةٍ لامرئيةٍ، لغرامفون لامرئيّ
تصدحُ مثل وجعٍ أليمٍ في العظم
بعد نوم ليلةً على الأرض العارية.
لا تراهُ إلا أنك تسمع صداه..

ومذُ حينها
لاحقتُ أشباحي
أشباحي التي صنعها لي غرابي الحبيب
بدل أن أُلاحق فراشات الحلم
وأرضى باصطياد الكوابيس بديلاً رخيصاً.
حتى حين قررتُ الاستقالة
رفضَتْ التوقف عن الحومِ حولي
ظناً منها أني أمها..
كما لو ان أشباحي طفلٌ صغير
أو هُريرة
ومن أحبَنّي صدقاً، سوى الأشباح والأطفال والقطط؟
لكن الأطفال كبروا، والقطط هربت
إلا الأشباح، خالدةً أبداً
والغراب لا يشيخ ولا يطير..
تسبح مخلوقاته بحمامٍ من دمِ ضحاياها
تَذبحُ الفرّاشات، والضحكات، والأحلام
قرباناً لتاجهِ الهائل
متغنّين بصوت واحد:
-حين يؤدون طقسهم الأخير
رقصةً حول رؤوس البشر-
الموت، الموت، الموت.

لم يمرّ سوى زوج سنين
على تاريخ بدء النعيق
حين تعثّرتُ بسيلفيا بلاث
صديقتي المخفية، والمقربة
تلك التي لم أجد مثلها واقعاً..
كأن شِعرها شجرةٌ نمَتْ معلقةً في الهواء
منذ الخمسينات،
وظلتْ تجوب الأرض بحثاً عن تربةٍ وفيّة
حتى وجدتْ قلبي
قلبي المُثمر على الدوام..
لتضرب بثقة الطبيعة
جذورها فيه.

صديقتي الملهمة، شبيهتي بكل شيء
عدا اللغة، وقصة الشعر
وعدد محاولاتنا للرحيل.

الموت فن
مثل كل شيءٍ آخر.
أقومُ بهِ جيداً بشكلٍ إستثنائيّ.
صديقتي المتباهية..
قامت به جيداً فعلاً
وحققتهُ عند الرابعة، مثل نقطةٍ
وضعتها آخر السطر من قصيدتها الأخيرة.
بكلّ سلاسة محتملة وهدوءٍ ضاج..
ورحلت مُحلّقةً على غيمةٍ من الغاز.
أما أنا، عاتبتها مراراً
كيف لثمانِ محاولات ألّا تنجح،
كيف أفشلُ حتى بالموت؟
كيف لم تنسلّي من بين أشباحي
وتُقدمي معروف الأصدقاء
وتخلّصيني، بسحبي
بدلاً من أن تكتفي -مثلهم- بحثّي فقط!

لن ترحلي، ولن تكوني سعيدةً قط..
يهمسُ شبحاً من فسحة مفتاح بابي،
وآخر يهمس من تحتها:
دمّرتِ كالعاصفة الهوجاء كل ما حولك
ورغم ذلك فشلتِ بكل شيء!
وآخرٌ يخترقها، ليذكّرني
أن حتى سيلفيا، حصلتْ على رفاهية التناسي
بين جدران المشفى ناصعة البياض
وأنكِ، في هذا الجسم أبداً
تعدّين أيامكِ البائسة خطوطاً على الحائط
أمام لوحة ستيري نايت..

كما لو ان كل كائنات العالم
الحيّة، والراحلة، والمنتحرة،
وإرثهم المتروك خلفهمُ..
اتفقتْ على تقريعي والهَزء بي.

لن ترحلي، ولن تبقي..
جسمكِ عالقٌ هنا للأبد
مثل إرثهم المهجور، تحفة كل منتحرٍ
وقعتِ بسحر جمالها الحزين
وانتقيتيها
لتصنعي منها أدلّةً وأعداءً
على الرفوف أمام الحائط الكئيب،
ذاك الذي تشوّهينهُ بالخطوط.

ثمانِ محاولات، ولم تجزعي..
حتى ولو تخلّيت عن غرورك الصارخ بقدرتكِ
على استدعاء جلالة مَلِك الموت..
لإنك استطعتِ استدعاء رجل الموت
ما هو أقلٌّ منهُ فحسب.

ولأنك مغناطيسٌ للتعاسة، لم تجزعي
لا زلتِ تحتفظين بأمل الرحيل تحت وسادتك
وسادتك المحشوّة بشعر رأسك المهزوم..
رأسك الذي تجلديه على الحائط ليلاً، حين ينام الجميع..
الحائط المبللّ بالدموع وبصمات جبينك،
وتنتظرين خاشعةً.. رحمة المَلِك!

ليسوا أشباحي وحدهم المتحدّثين
قلقي يحدّثني أيضاً،
حين الكثير منّي يجلسُ حوليّ
ويطلب مني ألّا أهلع..
لأن المتبقي في رصيدي روحٌ واحدة
من التسع أرواح، لسيلفيا بلاث
وقطتي الهاربة.

فإذن، ما من داعٍ للذعر.. إبتهجي!
-يخبرني القلق-
لقد خطّ التعب طريقهُ على جبين قلبك أصلاً
ومُلئِتْ تجاعيدهُ تراباً،
حتى دُفِن
كما لو كان مدينة أوبار..
مرةً كان يصدحُ بالمجد
والآن يصدحُ بالقفار والوحشة.

آن الأوان حتماً، لأن تبتلعي الفراغ الكثيف
ذاك الذي كنتِ تتجنبيه
وتتجرعيه أجزاءً، مثل شرابٍ للسعال
أو احتساء قنينة عطر حارق،
آن الأوان لأن تجرعي مرارته
لأن توصدي الباب المؤدي الى السمفونية البعيدة.

يخبرني قلقي
لا تقلقي، فأنا هنا..
رغم أنه ليس أمامك سوى الانتظار كالعجائز..
أو الهرب باتجاه الصوت.
وأعلم أنكِ عجولة، حلوّتي
لذا، فلتهربي أبداً
نحو الصوت
عند إشارتي..
الآن!

2021/6/18








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با