الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدريب الفعال بعد انتهاء الحروب الداخلية

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2021 / 8 / 14
الادارة و الاقتصاد


يكثر الحديث عن التدريب الفعال بعد انتهاء الحروب نظرا لأهميته في إعادة بناء ما دمرته الحرب وتعويض ما فقد من خبرات نتيجة الهجرة أو الإقصاء أو الموت القسري أو غير ذلك من عوامل . وحتى نتمكن من تحقيق تدريب فعال علينا أن نفهم الظروف التي تمر بها المؤسسات وعمالها وقد تقود بطريقة أو بأخرى إلى صعوبة تحقيق الهدف المنشود من التدريب الفعال .

بنية المؤسسات بعد الحروب الداخلية:
تؤثر الحروب الداخلية بأشكالها المختلفة على مؤسسات الدولة بأشكال متعددة تضر ببنايتها وهيكلتها وطريقة عملها وقد يأخذ التأثير أشكالا متنوعة ومظاهر متعددة يصعب حصرها في سطور قليلة . تتأثر المؤسسات الحكومية بالحروب الداخلية تأثرا كبيرا فتعاني من المظاهر التالية :
الإحباط : ينجم الإحباط نتيجة غياب أو اضطراب البوصلة التي تقود العاملين نحو تحقيق أهداف المؤسسة .
الترهل : ينجم الترهل نتيجة بطء في العمليات الإدارية وخاصة في المؤسسات التي تعاني من الانتشار الجغرافي .
المسؤولية : ينتج عن الحروب خسائر فادحة لتجهيزات قد تكون في عهدة أشخاص معينين وفق طبيعة عملهم تؤدي إلى تحملهم مسؤولية شيء خارج عن إرادتهم .
الفساد: تساعد الحروب الأهلية في نمو الفساد وانتشاره نتيجة الحاجة المادية وغياب الرقابة وبطء الإجراءات وضعف المتابعة .
ارتفاع الأسعار : يتسبب الاضطراب على الأرض إلى اضطراب في الإجراءات الإدارية واضطراب في سلاسل التوريد وسلاسل التأمين مما ينعكس سلبا على الأسعار صعودا و في النوعية هبوطا ، مما يؤدي إلى اضطراب في تحقيق عدالة الأسعار.
غياب الربط بين المسار التدريبي والمسار الوظيفي : ويحدث ذلك نتيجة هروب الكفاءات وهجرتها والحاجة الماسة لسد الفراغ الحاصل بأية كفاءات.
غياب التدريب : نتيجة اعتقاد سائد لدى معظم الإدارات بأن التدريب حالة ترفيهية زائدة وعدم ميلهم لدعم التدريب ماديا ومعنويا ووظيفيا .
الرشوة : تحتاج الرشوة إلى بيئة حاضنة لها وبالتالي تميد إلى اجتذاب الكفاءات الضعيفة عليما وماديا ومنطقيا وبالتالي هناك تناقض بين التدريب وبين البيئة التي تعتمد على بيئة الرشوة والفساد.
ضعف التمويل والميزانية الخاصة بالتدريب : حيث تعتمد المؤسسات إلى تهميش دور التدريب وتأجيل الاهتمام به واعتباره نوعا من الرفاهية .
مهام التدريب الفعال بعد الحروب الداخلية :
يتمثل نموذج التدريب الفعال الذي يتمتّع بالخبرة في مجال التدريب في خلق الإحساس بالتواصل والتفاھم واللطف والسھولة والإجبار في بعض المواضع لضرورات تكتيكية ومعرفية ولوجستية . قد تعاني مهام التدريب الفعال انحرافا معيارا في أوقات الحروب وما بعدها عن الحالة الطبيعية لأسباب مادية ومعنوية وثقافية وإيديولوجية ، ومن مهام التدريب الفعال بعد الحروف الداخلية يمكن أن نذكر ما يلي:
التلاقي : إن تلاقي المتدربين في قاعة التدريب يعد خطوة جيدة لتبادل الآراء حول موضوع محدد بعينه لأنه يكسر الجمود وبمجرد حضور المتدرب إلى قاعة المحاضرات يعتبر خطوة جيدة نحو التغيير .
الترفية : إن كسر جمود الأيام المتشابهة بحضور دورة تدريبية في مجال محدد يعد نوعا من الترفية وبداية حسنة نحو التغيير الجيد في فترات ما بعد الحروب.
التحليل المباشر : يساعد التحليل المباشر في سبر توجهات المتدربين بحيث يمكن التنبؤ بسلوكهم في المستقبل لوضع خطط تدريبية تتناسب مع توجهاتهم ورؤية المؤسسة التي يعملون بها .
التحليل غير المباشر : يساعد التحليل غير المباشر في كشف توجهات المتدربين بحيث يمكن التنبؤ بسلوكهم في المستقبل لوضع خطط تدريبية تتناسب مع توجهاتهم ورؤية المؤسسة التي يعملون بها .
النمذجة : يمكن خلق نماذج جديدة لتوجهات التدريب الفعال بهدف الاستفادة منها في حالات مشابهة في المستقبل.
المعرفة : يمكن زيادة معارف المتدربين في موضوع معين أو ربط شبكي للمواضيع المتعلقة مع بعضها بهدف خلق جيل من المتدربين يتأقلم بسرعة واقتصاد المعرفة .
الجديد : من الضروري أن يقوم التدريب الفعال بمناقشة موضوعات جديدة وبأسلوب جديد بهدف جذب المتدربين خاصة وأن الإنسان يغريه معرفة ما بجهله .
التعريف بالقانون : من مهام التدريب الفعال الأساسية تعريف المتدربين الجدد والقدامى بالقوانين النافذة في المؤسسة التي يعملون بها بحيث يتم تنويرهم
التعاون مع الرقابة : عن طريق إنزال الرقابة من برجها العاجي وتحسين صورتها لدى العاملين وأنها وسيلة حماية لا وسيلة عقاب .
التحليل والقياس : ويتم ذلك عن طريق تحليل الواقع الوظيفي والإنتاجي وقياس النتائج من خلال انعكاس التدريب على الأرض .
التغذية الراجعة : ويتم ذلك عن طريق التأكد من النتائج المتوخاة وإن كان كل شيء قد تم على ما يرام .
تمكين التغيير : الناس بشريحتهم الواسعة يقاومون التغيير ، ومن هذا الإيمان يمكن أن يساعد التدريب بأشكاله المختلفة في إحداث التغيير.
إدارة الرئيس والمرؤوس : يساعد التدريب كثيرا في ردم الهوة بين الرئيس والمرؤوس والتقريب من وجهات النظر وخاصة بعد صعود العديد من القادة غير المؤهلين إلى مراكز اتخاذ القرار نتيجة الحروب والنزاعات الداخلية وهجرة الخبرات.
لم تكن الحروب والنزاعات الداخلية على مدى التاريخ إلا وبالا وكارثة على الإنسان، وللحروب والنزاعات الداخلية عواقب خطرة، منها الملموس والمنظور كالقتلى والجرحى والمعوقين، والدمار العمراني والاقتصادي والبيئي. ومنها غير المنظور الذي لا تظهر آثاره إلا بعد توقف الأعمال الحربية، وعواقبه وخيمة على الدولة والمجتمع ويحتاج إلى وقت طويل لمعالجته. وفي هذه العجالة سنلقي الضوء باختصار على هذه الآثار.
الآثار السياسية:
إن الحروب والنزاعات الداخلية لها آثارها السياسية على الدول التي تصاب بها، حيث تعد مشكلة انهيار الدولة من أولى النتائج والآثار المترتبة على هذه الحروب والنزاعات الداخلية. ويقصد بانهيار الدولة تقويض مؤسساتها السياسية والمدنية، وانهيار أجهزتها العسكرية والأمنية بما لا يسمح لها بأداء وظائفها المختلفة، وهناك نمطين أساسيين للانهيار.
النمط الأول: هو الانهيار الشامل للدولة، ويقصد به انهيار السلطة المركزية عندما تؤدي الإطاحة بالنظام إلى حدوث حالة من الفوضى الشاملة بما لا يسمح لأي من الجماعات المتنازعة بالسيطرة على الحكم بصورة كاملة، كما هو الوضع في ليبيا حاليا.
النمط الثاني: هو الانهيار الجزئي، ويقصد به ضعف سلطة الحكومة وترهل جهازها الإداري الذي ينجم عنه عجز الدولة عن فرض سيطرتها على جميع أقاليم الدولة، كما هو اليمن على سبيل المثال لا الحصر. وقد تؤدي الحروب والنزاعات الداخلية إلى مطالبة بعض الجماعات بالانفصال عن الدولة الأم ومحاولة إنشاء كيان سياسي آخر مستقل، كما حدث في السودان حيث انفصل الجنوب عن الشمال، وكما جرى في العراق حين أجرى الأكراد استفتاء - من جانب واحد - حول استقلال إقليم كردستان عن العراق، حيث شارك حوالي 5 ملايين مقترع من الأكراد في الاستفتاء، وأن نسبة 92.7% من المشاركين صوتوا بنعم للانفصال، ولكن الاستفتاء أجهض بالقوة لعدم وجود توافق بين الأطراف ذات الصلة، وغياب الدعم والتأييد الدوليين اللازمين. وكما يحدث في حاليا اليمن، حيث يطالب الجنوبيون بالانفصال عن الشمال والرجوع إلى الوضع القائم قبل عام 1990م.
الآثار الاقتصادية:
إن الحروب والنزاعات الداخلية لها آثارها الخطيرة من الناحية الاقتصادية على هذه الدول، حيث تؤدي إلى توقف او ضعف حركة التنمية بسبب هروب الاستثمارات الداخلية ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية نظرا لإمكانية تدمير المنشآت الاقتصادية والبنى الأساسية اللازمة لتطوير العمليات الاقتصادية داخل هذه الدول. كما أن اغلب موارد هذه الدول تصرف على الجانب العسكري بدلا من تخصيصها لتعمير ما دمرته الحروب لبناء المدن المدمرة والمؤسسات الصحية والتعليمية المنهارة، كما حدث في العراق وسوف يحدث في كل من ليبيا واليمن إذا توقفت الحروب والنزاعات. كما تصبح هذه الدول مثقلة بالديون الخارجية، فالجزائر بلغت مديونيتها نتيجة الحرب الداخلية حوالي 25 مليار دولار، أي ما يعادل 80% من عائدات صادراتها النفطية في ذلك الوقت، وكذلك العراق الذي تتراوح مديونيته ما بين 100 الى 120 مليار دولار أي ما يعادل 61% من مجموع إيراداته.
الآثار الإنسانية والاجتماعية :
تعد الحروب والنزاعات الداخلية من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى انتهاكات الحق في الحياة بشكل كبير لأنها توقع عددا كبيرا من القتلى في صفوف المدنيين الأبرياء. ففي الحرب الداخلية في الجزائر التي اندلعت بين القوات الحكومية والمتطرفين الإسلاميين في بداية التسعينيات من القرن الماضي وأطلق عليها مسمى "العشرية السوداء" استغرقت حوالي عقد من الزمن، وحصدت أكثر من 150ألف ضحية. والحرب الداخلية في السودان التي استغرقت حوالي 21 عاما وانتهت عام 2005م بانفصال الجنوب، حصدت حياة أكثرمن مليون ونصف المليون شخص، وتشريد ما يقرب من خمسة ملايين آخرين.
وفي الحرب الأمريكية/البريطانية على العراق عام 2003م، تراوح عدد القتلى ما بين 600 ألف إلى مليون من المدنيين والعسكريين أكثرهم من العراقيين.
أما عدد القتلى نتيجة انتفاضات الربيع العربي منذ عام 2011م، فمن الصعب تحديد الأرقام لأن الحروب الداخلية لا زالت قائمة حتى يومنا هذا في عدد من دول الشرق الأوسط، ولكن التقديرات التي تعلن من وقت إلى آخر من بعض منظمات الأمم المتحدة، تفترض وجود أعداد غير موثوقة للضحايا لأسباب سياسية .
العنف الجنسي ضد المرأة:
العنف الجنسي هو أحد أنواع العنف التي تحدث أثناء الحروب والنزاعات الداخلية والذي يستهدف المرأة على وجه الخصوص حيث تتعرض المرأة لذئبية الرجل والعنف والاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي من قبل المتحاربين كسلاح استراتيجي لمعاقبة الأفراد وبث الخوف، والقضاء على الخصوم وإذلال الرجال من خلال إرسال رسالة مفادها أنهم غير قادرين على حماية نساءهن. العنف الجنسي تم استخدامه كسلاح في السودان خلال الحرب بين الشمال والجنوب وكذلك في إقليم دارفور. كما أن "داعش" مارسته ضد النساء في كل من العراق وسورية. كما تتعرض النساء إلى ما يسمى "العنف في مرحلة ما بعد النزاع"، فمن الشائع أن تبدأ موجة جديدة من العنف المنزلي في أعقاب النزاع، كمحاولة من الرجال للتعامل مع صدمات الحرب التي لم يستطيعوا معالجتها وتجاوزها.
الحروب والنزاعات الداخلية تفرض ضريبتها النفسية والاجتماعية على النساء والشباب والأطفال التي ستكون لها عواقب بعيدة المدى، فالنساء الأرامل يعانين من مشاكل نفسية واجتماعية وعاطفية لسنوات طويلة، أما الشباب فالكثير منهم سوف تظهر عليهم علامات الأمراض النفسية من عنف واكتئاب وحالات صرع. أما الأطفال الذين شاهد اغلبهم مناظر القتل التي تعرض لها ذويهم وجيرانهم، فسوف يعانون مشاكل قلق وكآبة، وسوف يعانون من ضعف التركيز في الفصول الدراسية. المشاكل السياسية والاقتصادية قد تحل بعد سنوات من الاستقرار السياسي، أما المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية فستبقى لسنوات طويلة وقد تحتاج إلى جيل بأكمله (أي بين 25 إلى 30 سنة)، هذا إذا قدر لهذه الدول أن تحظى بالاستقرار السياسي وتبقى موحدة.
في ظل هذا الواقع المرير ، يأتي دور التدريب الفعال ليساهم في خل المشكلة ومحو الآثار السلبية للحروب الداخلية ، بأدواته النفسية والعقلية والعصبية واللغوية والإدارية والإرشادية ، وهو ، والحال هذه ، يحتاج الكثير من الدعم الإداري والنفسي والمادي لتحقيق غاياته المتوخاة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف


.. موازنة 2024/25.. تمهد لانطلاقة قوية للاقتصاد المصرى




.. أسعار الذهب اليوم تعاود الانخفاض وعيار 21 يسجل 3110