الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غرور معرفي؛ ضئيل وقاتل.

هاشم عبد الرحمن تكروري

2021 / 8 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


من اللافت للنظر بصورة فاضحة غرورنا بإطلاق الأحكام التأكيدية والمفرطة بالثقة، فإحصائياً، تسمح قواعد العلم الأساسية بنسبة خطأ عند إجراء البحوث تصل إلى 5% ، هذه النسبة مردها لعدم قدرتنا الوصول إلى الدقة اللامتناهية بسبب محدودية قدرة القياس لدينا، على الرغم من التطور المذهل في ادواتنا في المائتي عام المنصرمتين، وعلى الرغم من الوصول في بعض مجالات العلم إلى درجتين أدني من هذا للشك، وذلك عند نسبة دلالة إحصائية تصل إلى 1% و .001% إلا أن هذه النسبة تبقي النتيجة تحتوي على نسبة شك يمكن مع التكرار المتواصل أن تقع. ومع هذا فإن إطلاق الأحكام بصورة معاكسة تماماً والتجرؤ على نفي اللامعلوم وما لا يخضع لمقياس العلم يكاد يكون فجاً ولا اخلاقياً.
فلو نظرنا من جهة أخرى لحد المعرفة العلمية التي ولّدت لدينا كل هذا الغرور لوجدنا أننا لا نتجاوز نسبة الخطأ المسموح به احصائياً والذي أطلقنا من خلاله أحكامنا وعممّناها على ما يزيد من 95%، كيف؟
العلم ذاته يقول: أن للكون المرئي الحالي عرض حوالي 90 مليار سنة ضوئية، ومن المفترض أن وراء تلك الحدود هناك مجموعة من النجوم والمجرات العشوائية الأخرى، لكن أبعد من ذلك لا يمكننا التكهن بما هو موجود، وهذا العرض هو افتراضي، ويبنى عليه افتراضياً أيضاً، وتقول الدكتورة كاتي ماك عالمة الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة ملبورن (University of Melbourne) بأستراليا، أن الحجم الفعلي للكون المرئي هو 46 مليار سنة ضوئية في أي اتجاه، وعلى الرغم من أن الكون بدأ قبل 13.8 مليار سنة فقط فإن هذا لا يزال يضع حدا لحجمه الذي يمكن للبشر رؤيته؛ ويطلق عليه "الكون المرئي".
أي أن أي شيء خارج هذا الشعاع البالغ 46 مليار سنة ضوئية غير مرئي لسكان الأرض، ولن يكون مرئيا أبدا، ذلك لأن المسافات بين الأجسام في الكون تزداد بمعدل أسرع من وصول الأشعة الضوئية إلى الأرض.
وعلاوة على ذلك، فإن معدل تمدد الكون لم يكن موحدا، لجزء قصير من الثانية بعد الانفجار العظيم. إذ كانت هناك فترة من التوسع المتسارع تسمى التضخم؛ نما خلالها الكون بوتيرة أسرع بكثير مما هو عليه الآن، وتضيف ماك إنه بافتراض حدوث التضخم فإن الكون في الواقع أكبر 1023 مرة من 46 مليار سنة ضوئية التي يمكن للبشر رؤيتها، لذا، إذا كانت هناك حافة للكون فهي بعيدة جدا ولا يستطيع أبناء الأرض رؤيتها ولن يتمكنوا أبدا من رؤيتها. أيضاً فإن ثابت هابل يتغير من فترة لفترة ويعطي أبعاد جديد للكون لم تكن معروفة سابقاً، فما زال العلماء منذ هابل وفريدمان وإلى الآن يقدمون تعديلات متلاحقة عن دقة هذا الثابت، والذي يبدو أنه يقف في حافة الافتراض أكثر منه في أرض المعرفة الحقيقية، هذه الافتراضات المثيرة والمتغيرة تعني أن معرفتنا ضئيلة لدرجة تجعل من هامش الخطأ الاحصائي هو محل معرفتنا ومكان المعرفة الإحصائية هو محل جهلنا، ولتوضيح ذلك، نعود لفرض الدكتورة ماك أن الكون أكبر من1023 مرة من 46مليار سنة ضوئية وعقدنا مقارنة نسبية لوصلنا إلى نقطة معرفتنا الضئيلة وجهلنا المفزع،... لذا فمن الضروري بمكان إفساح المجال أمام فرضيات أخرى دون أن يسخر منها العلم التجريبي، فمن المفارقات اللامنطقية أن العلم نفسه يبدأ من نقاط تعتبر فلسفية أكثر منها علمية قياسية وينطلق منها لوضع أسسه التي ينفي ما بدأ منه، وليس أدل على ذلك من مسلمات إقليدس ومسلمات كثير من الأسس الرياضية التي يقف عليها العلم الأن.
لذا لو اختصرنا بكلمات بسيطة ما نتحدث به سنقول: أن من المعيب لمن لا يعلم أكثر من الــ5% الحكم على الــ95% من اللامعلوم وإعطاء احكام قاطعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر