الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الممانعة الأمريكية في تحول الاتحاد الأوربي الى دولة اتحادية
آدم الحسن
2021 / 8 / 15مواضيع وابحاث سياسية
خلال الحرب الباردة و بسبب خشية حكومات بلدان أوربا الغربية من خطر الشيوعية السوفيتية كانت سياسات هذه الحكومات سائرة خلف الإرادة الأمريكية لدرجة و كأنها ملتصقة بمؤخرة البيت الأبيض الأمريكي .
و كنتيجة لظروف الحرب الباردة لم يكن هنالك وجود لرأي أو موقف لدولة من دول أوربا الغربية باستثناء فرنسا في الفترة الديغولية حيث كانت تتمتع بقدر محدود من الاستقلالية عن النهج الذي تسير عليه الولايات المتحدة الأمريكية .
بعد سقوط جدار برلين و حل حلف وارشو و تفكك الاتحاد السوفيتي تخلصت شعوب دول أوربا الغربية من الخوف من شبح الشيوعية السوفيتية و بذلك أخذت تتعامل بشكل تدريجي مع الولايات المتحدة الأمريكية كدول حليفة لها , في علاقة اساسها المصالح المشتركة و ليس كدول تابعة للإرادة الأمريكية تسير وفق الإملاءات الأمريكية , افعلوا كذا و لا تفعلوا كذا ...!
و لأن شعوب دول اوربا الغربية تَمتعتْ بعد الحرب العالمية الثانية و بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بأنظمة ذات نهج ديمقراطي حيث الحُكْمُ فيها لصناديق الاقتراع لانتخابات ذات قدر كبير من النزاهة عَبَرَتْ نتائجها عن إرادة هذه الشعوب و أدتْ الى تغيير المشهد السياسي في دولها و ذلك باختيار حكومات يتزعمها قادة وطنيون يهمهم مصلحة بلدانهم أولا و قبل كل شيء و يعملون على إقامة علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية من نافذة المصالح الاقتصادية المتبادلة و ليس التبعية لها .
أما دول شرق أوربا التي كانت ضمن معسكر الشيوعية السوفيتية فسياستها لازالت في الكثير من اركانها سائرة خلف الإرادة الأمريكية و سبب ذلك هو الخوف من الهيمنة الروسية الذي لازال يسيطر عليهم , هذا الخوف الذي جعل دول شرق اوربا تعيش حالة من التناقض الحاد فمِنْ جهة هي المستفيدة اقتصاديا من دخولها الى الاتحاد الأوربي لأنهم اصحاب اقتصاديات ضعيفة و من جهة اخرى يتمسكون أمريكا بسبب مشاكلهم مع روسيا .
لكن بالتأكيد , مع مرور الزمن سيزول الخوف الذي تعيشه دول شرق أوربا من روسيا و تصبح علاقة هذه الدول بروسيا علاقة مصالح مشتركة كالتي تربط دول غرب اوربا بروسيا .
المتتبع لمواقف امريكا من الاتحاد الأوربي يمكنه ملاحظة نهج امريكا الرامي الى إضعاف التماسك الذي يربط دول أوربا في شرقها و غربها ببعض كمحاولة لإفشال مشروع الوحدة الأوربية , فلقد شجعت امريكا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي و الآن تحاول زيادة الخلاف بين دول شرق أورب و دول غرب أوربا , دول غرب أوربا كألمانيا و فرنسا و ايطاليا تتصرف بسياسة مستقلة نسبيا عن السياسة الأمريكية و هذا ما لا ترغب به الإدارة الأمريكية .
محاولات امريكا لفرض سياستها و نهجها على الدول الأوربية لم يتوقف و لن يتوقف , فالدول الغربية لا تنتظر من السيد الأمريكي يُغير نهجه بل أنها تغتمد على سعيها الذاتي , أي أن هذه الدول تعتمد على نفسها و إرادتها في تعزيز سيادتها على قراراتها بما يخدم مصالح شعوبها و يمكن تناول بعض المؤشرات التي تدل على ذلك :
** حاولت امريكا وقف تنفيذ مشروع السيل الشمالي رقم 2 و هو انبوب لنقل الغاز الروسي الى المانيا مباشرة عبر بحر البلطيق بطاقة تصل الى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا , و من أحل تعطيل هذا المشروع الاستراتيجي فرضت امريكا عقوبات على شركات أوربية مساهمة في تنفيذه لكن ذلك لم يثني عزيمة و قرار المانيا في استيراد الغاز الروسي بدلا عن الغاز ألأمريكي أو الغاز القطري الذي ينقل بحاويات عملاقة عبر المحيطات و البحار و بكلفة اعلى بكثير من الغاز الروسي .
** فشل أمريكا في فرض سياستها على الدول ألأوربية لإجبارها على عدم الاشتراك الفاعل في مشروع طريق الحرير الجديد الذي تتبنى تنفيذه الصين حيث وضعت فرنسا و إيطاليا موانئها لتكون من المرتكزات الأساسية لطريق الحرير , أما خطوط سكك الحديد التي تربط وسط أوربا بالصين فقد بدأت تدخل في الخدمة بشكل تدريجي .
** تنامي العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوربي و الصين إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما الى مستويات قياسية جديدة حيث تمكنت الصين من ازاحة أمريكا من أن تكون الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوربي و أن تصبح الصين هي الشريك التجاري رقم واحد للاتحاد الأوربي .
هذه مجرد أمثلة , لكن في العموم إن العلاقة بين الاتحاد الاوربي و امريكا سائرة لأن تكون علاقة مصالح مشتركة , و قادة الدول الأوربية بدأوا يعلنون صراحة وقوفهم ضد نهج الولايات المتحدة الجديد الرامي لخلق حرب باردة جديدة بين محورين , محور امريكي – أوربي ضد محور آخر صيني - روسي .
قد يكون نهج الولايات المتحدة الأمريكية و استراتيجيتها في السنين القادمة هو افتعال حرب باردة جديدة ... لكن في كل الحالات سوف لن يكون نهج و استراتيجية الدول الفاعلة و القوية اقتصاديا في الاتحاد الأوربي كألمانيا و فرنسا و غيرها سائرة خلف الولايات المتحدة الأمريكية في حروبها المدمرة لمستقبل شعوب العالم , فقد حذرت المستشارة الألمانية السيدة ميركل من أن السياسة الأمريكية تجاه الصين و روسيا قد تدفعهما لتشكيل محور جديد و هذا ليس في مصلحة الجميع .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فرنسا.. عمل أقل، حياة أفضل؟ • فرانس 24 / FRANCE 24
.. جنوب لبنان جبهة -إسناد- لغزة : انقسام حاد حول حصرية قرار الح
.. شعلتا أولمبياد باريس والدورة البارالمبية ستنقلان بصندوقين من
.. رغم وجود ملايين الجياع ... مليار وجبة يوميا أُهدرت عام 2022
.. القضاء على حماس واستعادة المحتجزين.. هل تحقق إسرائيل هدفيها