الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديكتاتورية الكادحين ضرورة للتنمية المتوازنة

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2021 / 8 / 15
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


هذا نص عن ضرورة التأميم وطبيعة العوامل الدولية والداخلية التي أزمت اقتصاد السودان وكثير من دول العالم الثالث


قبل قرار التأميم في السودان كانت غالبية عمليات الاستوراد والتصدير في يد تلاتة شركات بريطانية المركز، وفي يد ثلاثة بنوك أجنبية المركز ومن ثم كانت إدارة هذه الشركات والبنوك تتحكم في الأمور المالية لحكومة ومجتمع السودان بينما كان في كل السودان بضعة مدارس ومشافي وبضعة مصانع ومشروعات زراعية تآكلت قيمة أقطانها. وكانت حاجة المجتمع إلى التنمية وموارد التنمية حاجة واضحة. وبإنجازعملية التأميم تضاعفت القدرة المالية للحكومة وزادت إمكانات الإستثمار الحكومي لكن الكوارث الاقتصادية التي جاءت بعد ذلك عطلت هذه القدرة وأفلست الحكومات بتأثير ثلاثة عوامل خارجية متتابعة، وأربعة عوامل داخلية هي:


(أ) أهم العوامل الخارجية التي عطلت إقتصادات السودان وكثير من الدول الإفريقية:
1 - طرد العملات الإفريقية من دائرتي الإسترليني والفرنك الفرنسي واستولاء البنكين المركزيين الانجليزي والفرنسي على التأمينات والأرصدة الذهبية الإفريقية،
2- رفع أسعار النفط، ودولرة استوراده بينما العملة الأمريكية بعيدة عن تجارة وقدرات الدول الافريقية كونها دولاً أوروبية الإرتباط،
3 - تخفيض حصص المشتروات الأوروبية من كل دول إفريقيا والعالم المستقلة حديثاً، ورفع اسعار المنتجات الصناعية الأوروبية.

لهذه الأسباب ذات الاستعمار الحديث أفلست في غضون خمسة سنوات، أو أقل، غالبية اقتصادات الدول الإفريقية المستقلة حديثاً، ومنها السودان ودخلت في فخ المساعدات والديون المسمومة الشروط فالخصخصة والعولمة.

قائمة بأسماء الدول التي مارست وتمارس التأميم: en.m.wikipedia.org/wiki/List_of_nationalizations_by_country



(ب) بعض العوامل الداخلية التي عطلت إقتصادات السودان وكثير من الدول:
لضبط أي إقتصاد وتنميته تنمية متوازنة (وليست أي تنمية) لابد من السيطرة الحكومية على موارده الكبرى ومن ثم استثمارها بصورة فعالة، وفيما بعد ثبت بحالة دولة زيمبابوي حتى بدايتها التأميم وحالة دولة جنوب إفريقيا وفي كثير من الدول قبلهما مثل مصر والعراق وسوريا تنزانيا وزامبيا إلخ ثبت إن عملية ترك سيطرة الشركات والبنوك الخاصة على حركة موارد المجتمع لم تحسن مستوى التنمية ولم تحسن معيشة الكادحين بل حتى دول غرب أوروبا والدول المتحدة الأميركية تعاني من فشل اقتصاداتها الليبرالية بديون ترليونية وفوائد لايمكن دفعها وذلك رغم سيطرتها الاستراتيجية على غالبية أمور موارد وتجارة العالم.

كانت غالبية موارد السودان المالية مملوكة لمجموعة الثلاثة شركات أجنبية والثلاثة بنوك أجنبية، وقد تمت عملية السيطرة عليها بنجاح كبير عام 1970 لكن كما في غالبية دول العالم الثالث تعثر الاستثمار المتكامل لكل موارد الدولة والمشروعات الحكومية الإدارة. لم يكن ذلك تعثر ثم فشل الإدارة الحكومية لبعض شركات القطاع العام بسبب حدوث التأميم نفسه فكل دول العالم مارست التأميم بل فشلت إستقلال الإقتصاد الوطني في كثير من دول العالم الثالث للأسباب الخارجية المذكورة أعلاه ولأسباب داخلية كبرى لم تكن مبحوثة ومعروفة جيداً سوى بعض إشارات في نضال الاتحاد السوفييتي قبل الحرب العالمية الثانية ثم بين جمهوريات يوغوسلافيا وفي دول أخرى اهتمت بتطوير الشراكات والملكية التعاونية، لكنه كان إهتماماً غير متكامل. في كل العالم التالت لم تكن العلة الكبرى للإقتصاد هي تأسيس القطاع العام فعلى أية حال تم تأسيسه ومضاعفة حجم أعماله، وارتفع الناتج القومي في فترة الستينيات وأول السبعينيات بنسب كبيرة، بل كانت -ولم تزل- العلة الكبرى في مختلف دول العالم عامة ودول العالم المحبة للأسلوب الإجتماعي أو الإشتراكي في بناء وتنمية مواردها، علة تتمثل في طبيعة إدارة الاقتصاد وطبيعة ملكية وإدارة القطاع العام وكانت علة داخلية رباعية الأخطاء منعت استدامة تطور وتنمية موارد البلاد ودهورت معيشة كادحيها:

1 - الخطأ الأول، فصل التطور الوطني عن التطور الطبقي::
كان خطئاً نظرياً، فكري/ فلسفي/ آيديولوجي/سياسي الشكل تمثل في فصل قضية التغيير الوطني والتنمية عن قضية تغيير علاقات الإنتاج، بتأخير وتأجيل الأخيرة باعتبار ان وقت بداية ذلك التغيير لم يأتي! بل ينتظرون (((اكتمال))) التطور الرأسمالي! حيث كان التصور العام انذاك -ولم يزل- ان بالإمكان تحقيق تنمية وليس التنمية المتوازنة بعلاقات الإدارة والإنتاج القديمة المتخلفة !

2- الخطأ الثاني، ضعف سيطرة العاملين على المشاريع والمؤسسات:
كان خطأ اقتصادي سياسي اجتماعي في إدارة القطاع العام بفصل جزء من ملكية وإدارة المشاريع الإنتاجية والخدمية العامة عن حقوق عامليها وحصر شؤون تشغيلها وتسييرها في بيروقراطيا المركز وقراراته، بدلاً لأن تكون ملكية وإدارة جزء مهم من شؤون القطاع العام مؤسسة على نظام شراكات أو جمعيات تعاونية بين عامليها وأقاليمها والحكومة المركزية، ومن ثم كان نصيب غالبية العاملين من زيادتهم الانتاج نصيباً ضئيلاً، بينما لو تم تحقيق نظام الأسهم لكان لغالبية العاملين حافز مالي كبير مباشر لزيادة إنتاجهم.

3- الخطأ الثالث، حرية تجارة وغلاء الطعام والمساكن وضعف المرتبات:
كان خطئاً جسيماً تمثل في ضعف الإهتمام بإقامة شراكات وتعاونيات إنتاج وتوزيع الخضر واللحوم والفاكهة التي تغذي سكان المدن بطعام زهيد السعر. كذلك عدم الإهتمام بشراكات وتعاونيات بناء المساكن بينما حافظت نفس حكومات الدول الزاعمة الاتجاه إلى الاشتراكية على حرية تجارة الطعام وحرية تجارة المساكن، ومن ثم بهاتين الحريتين وضعف نموء دخل غالبية الكادحين والعاملين في القطاع العام تكون مركب الدمار بإجتماع أسعار الطعام والسكن المرتفعة مع المرتبات المنخفضة، وتفاقم هذا الدمار برفع أسعار النفط حيث ولدت من تركيبة الأسعار المرتفعة والمرتبات المنخفضة حالة خراب بنيوي >ات تفاوت طبقي وطفيليات كثيرة.

الخطأ الرابع، ضعف عمليات التكامل والإتحاد:
محوره ضعف إهتمام الحكومات بتأسيس بنية تكامل إقليمي للموارد والقدرات وأمور التنمية المشتركة بين الدول الجيران خاصة الدول العربية بل اهتمت بالأمور السلطوية ومن ثم خافت كثير من القوى الشيوعية والقوى الرجعية أن تكون إتجاهات التنمية المشتركة والوحدة مدخلاً لنفوذ وتحكم الجيران مع غياب الدمقرطة المتكاملة للدول في تلك الظروف وإلى الآن من المستحيل احداث دمقرطة متكاملة بدون تنمية أي مع التخلف وضعف الاستثمار وضعف الخدمة الحكومية لحقوق المواطنين في التعليم والعلاج والسكن إلخ، ومن المستحيل إحداث تنمية بدون تأميم داخلي وبدون وتكامل إقليمي يحشد موارد إنتاج ويفتح مجالات توزيع.

حساباً تضيف إجراءات التكامل بين الدول الجيران موارداً كثيرة لأي بلدين متكملين وتؤسس عمليات إقتصادية وسياسية مهمة لتنمية قوة مجتمعهم بصورة تحمي موارده ومستقبله من آلات التحكم الامبريالي في تجارة العالم. من إهمال هذه الحقيقة الحسابية بالإمكان القول إن إهمال تكامل الطموح والإبداع والعبقرية في بلد كالسودان مع الخبرة والسوق في بلد كمصر والنفط والمال في بلد آخر كان إهمالاً مشوباً إضافة إلى عوامل أخرى بظرة سالبة إنعزالية تريد حل الأزمات الكبرى في كل دولة دون الإستفادة من تجميع هذه الموارد التي شتتها أنانيات الاستعمار وأنانيات برجواز كل بلد بعد استقلاله. أهملت تلك النظرة الوطنية الديموقراطية المتأثرة بحالات فساد وفظائع الحكم البيروقراطي والعاشمة في مستقبل أفضل أهملت تاريخ ونجاح تكاملات الدول المتحدة الأميركية وتاريخ ونجاح تكاملات الجمهوريات السوفييتية، وتاريخ ونجاح تكاملات دول يوغوسلافيا، وتاريخ ونجاحات دول شرق أوروبا، وأهملت تاريخ ونجاحات تكاملات غرب أوروبا.

في سنوات الستينيات واوائل السبعينيات تبلور خوف منطقي (لكن ببديل ليبرالي أو برجوازي صغير) من عنف وسطوة التيار القومي العربي الناصري والبعثي وسياسته السوفييتية الشكل والدعم المرتبطة بتقوية السيطرة البيروقراطية على النشاط الإقتصادي والسياسي، وأدى ذلك الخوف المنطقي ومحاولة الحكومات القومية الفلسفة إلغاءه بالعنف وردود أفعاله الإنفعالية الكرنفالية الشعبوية ثم المأساوية إلى تعطيل مشروعات التنسيق والتكامل والإتحاد وتبددت الموارد المتوقعة بإنجاز عمليات التكامل.

تركت الخلافات حول طبيعة أو كيفية إتحاد بعض الدول العربية وكذلك الخلافات حول إتحاد بعض الدول الإفريقية وحتى بين سنغافورة وماليزيا أو بينهما وإندونيسيا كل آحلام التقدم الإقتصادي الإجتماعي عن طريق حشد الموارد والقدرات لقمة سائغة لنشاط قوى شبه الاقطاع والرأسمالية خاصة مع سيطرة حرية التملك والنشاط التجاري على طعام الناس في المدن، ومن ثم بإستمرار إرتفاع الأسعار وضيق مرتبات ومعيشة سكان المدن تشكلت أرضية لتجدد ديكتاتورية السوق في تلك الدول ومنها السودان مرة تلو أخرى برئاسة مختلفة وفي السودان تتجدد مرة برئاسة عسكرية ومرة برئاسة مدنية. ونتيحة لبقاء موضوع الإستقلال والتنمية في الشكل الوطني الضيق للتطور الرأسمالي المنحصر بأمور تجارية وخدمية صغيرة استمر ولم يزل تدهور مستوى معيشة الكادحين، وزاد ولم يزل التفاوت الطبقي والتفاوت الإقليمي وتوتراتهم ونزاعاتهم وزادت بهم حالة ضعف وتفكك المجتمعات والدولة وارتفعت معدلات الإفلاس والديون والتدخل الخارجي.



(ج) الأزمة:
ان التعامل مع مسائل الإستقلال والتنمية وشؤونهما في الاقتصاد والسياسة في دول العالم الثالث وفي السودان منذ الخمسينيات وإلى مستقبل قريب كان ولم يزل أكبر من مسألة التأميم بل كان في تفاصيله تعاملاً جزئياً متفرقاً غير إستراتيجي أقرب للتجريب وللتلتيق، يظن إن بالإمكان حل الأزمات المتداخلة المتوالدة من بعضها بحلول جزئية منفردة متتابعة تنتظر فيها الأزمة الإقتصادية حل الأزمة السياسية! وتنتظر الأزمة الإجتماعية حل الأزمتين السياسية والإقتصادية! .. إلخ! وعلاوة على تصوره الخطي لتتابع الحلول كان، ولم يزل، تعاملاً منفصلاً في غالبية أموره عن إرادة الكادحين وعن إرادتهم في الأقاليم، وبهذا التراوح والتفكك تذبذبت نتائجه في المؤشرات الحسابية الصرفة نجاحات كبيرة وسقطات كبيرة، مقرونة بهبوط عام في مستوى معيشة الكادحين رغم التحسن الظاهري في عناصر حياتهم.



(د) بداية الحل:
حاضراً يحتاج تخفيض التفاوت والظلم الطبقي والإقليمي وإلغاء نظام الإستعمار الداخلي وإدمان تسول الديون ذات الشروط المسمومة إلى تنظيم أو تأميم الأنشطة التجارية والمصرفية المضرة لعملية التنمية المتوازنة ووضعها أولاً تحت سيطرة شراكة أو رابطة تعاونية بين عامليها وإقليمها والحكومة المركزية، كما تحتاج عمليات تخفيض التفاوت الطبقي والإقليمي وكل عمليات الإستغلال والتهميش المولدة لها لإسقاط الأفكار والنظم الليبرالية الداعمة حرية التملك والنشاط التجاري وبناء نظم ديموقراطية شعبية متكاملة بدلاً لها يضم برلمانها تمثيلاً مباشراً للكادحين (=الرعاة، الزراع، العمال، المهنيين) لهم الغالبية وتمثيلاً لمجتعات العمل العام (=المجتمع الأكاديمي، مجتمع الحركة التعاونية، مجتمع المعاشيين، المجتمع العسكري، المجتمع التجاري، مجتمع الإعلاميين، المجتمع المدني، إلخ ) إضافة إلى تمثيل الأحزاب، وتمثيل الأقاليم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد