الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العبث في الشرق للاوسط، تأملات تاريخانية

حسام تيمور

2021 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


جدير بالذكر ان الولايات المتحدة لم تنسحب من العراق تحت وطئ ضربات المقاومة، كما يسميها المحلل السياسي يتيم القضايا و الانظمة، و كذلك كما لم تسلم العراق على طبق من ذهب، لملالي طهران، و شيعة الصدر و المالكي، مضطرة او مكرهة، بل كانت العملية مخططا لها، و مدروسة المنطلقات و الاهداف و النهايات !
و حيث كان هذا "التسليم" ليس فقط بمنطق المصالح و السياسة و التوازنات، حيث تغلب لغة القوة و الاوراق التي يستعملها كل طرف، و حظوظه في الظفر بقطعة من "الغنيمة"، بل كان مذ بدايته خاضعا للمرموز و الطقوسي، انطلاقا من تسليم رقبة المشنوق "صدام حسين"، الى شيعة كربلاء و البلاء و الولاء للمرشد و هلاوس ثأر التاريخ الهجري و امتداده الكيماوي على يد الذراع اليمنى لصدام، او صحابي البعث "علي الكيماوي" !!
كان الأمر منذ البداية يبدو و كأنه احياء لرماد الفتنة الكبرى، خصوصا بعد الحرب الطويلة التي جرت بين العراق و ايران، و قبلها كذلك، حيث تم الانقلاب على الملكية في العراق، و الاطاحة بشاه طهران ؟!

عندما سئل "الحسن الثاني" عن الدولة العلمانية، او فصل الدين عن الدولة، قال ما مفاده، أنه يفضل بقاء المجتمع متخلفا، رجعيا، على ان يخضع لتلك المشارط الثقافية التي صنعت و تصنع مهازل التاريخ، قديمه و حديثه ! و قد عرج في سياق حديثه، لمحاوره الفرنسي ، للمصادفة العجيبة، على الحالة الايرانية، و صديقه "الشاه" او كما لفظها، " Mon ami le Chah" .. و تحذيره المسبق له بخصوص نزعاته التحديثية التحررية على حساب "الخصوصية الدينية" !

نتحدث هنا عن نمط السلطة و التدين، بما يعني "دين السلطة" و "سلطة الدين"، "دين العامة" و "سلطة الدين على العامة" !
هي ثلاثة اقانيم تحدد المغزى من الاستبداد الديني، او ماهية الاستبداد الديني، بالمفهوم التاريخاني / كما يفككه العروي، البنيوي كما تقاربه المناهج المابعد حداثية، بشكل صادم اكثر، في بعد و انفصال عن التاريخ بمفهومه "الدياليكتيكي"، و تاويلاته الاودلوجية الضيقة آنا و استقبالا !

يشخص العروي مسألة الانماط التدينية من خلال منهج تاريخاني صارم، حيث يعتبر مثلا، ان اسلام المشرق، الذي يمثل تاريخ القرن الواحد الهجري، احدث ثورة بالمفهوم /الاجتماعي، لدى مجتمع شمال افريقي، في القرن الثامن او التاسع عشر !
كيف يستقيم هذا التصنيف الغريب و الغرائبي ؟!
ينطلق العروي هنا، من نمط الاعتقاد القائم، في طور زمني معين، حيث كان يتجاور داخل نفس المعتقد اي الاسلام، اسلام السلف الصالح، و بقايا العادات القبلية المتنافرة زمنيا و تزامنيا، و ارث السلطة أو القبيلة المتغلبة، و اسلافها !
هنا حيث كان الاسلام مرتبطا بالموروث الثقافي، بل كان هذا الارث مضمنا داخل نفس الوعاء، حيث يرتبط مثلا، سقوط او انحباس المطر بالميثافيزيقا، و يرتبط "الفقيه" او الشان الديني، باحوال البلاد و العباد، سواء على مستوى الطبيعة او السياسة أو الوضع العام للرعايا و الحكم !
يذكر هنا "العروي" مثلا، كيف كان يتم طرد امام المسجد، او فقيه الكتاب، من القرية او المدينة، في حال ما انحبس المطر سنوات، او قلت المحاصيل و تردت الانسال، بفعل الطبيعة و مفاعيلها، كما يمتد الامر للانقلاب الكامل على منظومة الحكم، او خلع البيعة لسلطان، او قبيلة، لنفس الاسباب !
هنا لعب اسلام القرن الواحد الهجري، او الغزو السلفي، دور التغيير او الثورة، بالمفهوم التاريخاني، لانه مثلا، يحرم الاعتقاد ب "البركة"، و الزوايا و القبور و الافراد، و يضع المنهج "النقلي" وجها لوجه مع كافة متغيرات الوجود الانساني حيث يعتبرها او يصنفها تحت ركن القدر و الايمان بالقدر، خيره و شره، حيث أنه مثلا، لا يمكن اعتبار "الصحابة المبشرين" فساقا كان واجبا خلعهم بمجرد ان عمت المجاعة او اكتسح الطاعون بلاد المسلمين ؟!
هنا تتضح دقة و حدة المقاربة التاريخانية اكثر، في تفكيكها لهذه الأقانيم الثلاثة، اعتمادا على القراءة الموضوعية للتاريخ باستحضار مختلف مراحله كقطائع متسلسلة، او ك "سلسلة قطائع" تشكل تلك الانتظامات البنيوية التي تسمى "الخصوصية" !
تعتبر المجتمعات الثالثة، او مجتمعات ما قبل الحداثة، نتاجا مباشرا لاصل تراثي ثابث، فهي بذلك امتداد مستمر و ان كان يعيد انتاج و تشكيل نفسه بطرق مختلفة، تبعا لطفرات التاريخ و الحضارة، فهي بذلك مجتمعات متداخلة الانماط و الاحقاب، تتجاور داخلها الاضداد و المتناقضات، و انماط الانتاج و العيش، لكنها تبقى دائما رهينة اصل هو "التراث" !

بالعودة للسياسة، و على ضوء هذا المدخل المقتضب، نجد ان العراق ما قبل صدام او العراق تحت ظل الملكية، هو نفسه العراق في عهد صدام، و هو نفسه العراق في عهد ما بعد صدام، اي تحت سطوة ايران و محور الغزو، الامريكي الغربي، و الخليجي كذلك ؟!
ان اجتماع هذه المتناقضات كافة، و هي اطراف متناحرة متنافرة، داخل نفس "وعاء السلطة" لما بعد الاطاحة بنظام البعث، هو الذي يؤكد ما سبق، كون ان العراق هو العراق، و ان الاصل المتجذر، هو "التراث" و شكل المجتمع، بالعودة الى المقاربة التاريخانية، من حيث هو امتداد متغير لاصل ثابث !!

و هنا حيث نجد ان مملكة بابل، التي حاربت و سبت اليهود، كانت في حرب مستعرة ضد الفرس، و ان "الفرس" هؤلاء، اعادوا اليهود الى أرضهم، بعد تمكنهم من دحر "البابليين" !
كما نجد ان المشنوق "صدام حسين"، كان في حرب مستعرة مع الفرس، تحت عمامة ولي الفقيه، و ان هذا الأخير كان مدعوما، بشكل لا يمكن اثباثه بشكل قطعي، من طرف "تل ابيب" .. و في حال ما اذا قمنا بنفي هذا الدعم، فان الاصل في التوازن الجيوستراتيجي ان "تل ابيب" كانت كذلك في حالة حرب شبه معلنة مع نظام البعث الصدامي ! و حيث سبق هنا لصدام حسين ان صرح بعد افراطه في احتساء الويسكي، بانه "نبوخذ نصر" الجديد، الذي سيغزوا اسرائيل و يفعل باليهود ما فعل بهم البابليون، في اتساق مع الحرب ضد ايران الملالي، و علاقات متذبذبة مع دول الخليج العربي التي تتقاسم رغم كل هذا، المذهب السني مع نظام الحكم القومي البعثي في العراق، أي مرة اخرى "دين السلطة"، و "سلطة الدين"، و "سلطة الدين على المجتمع" !
هنا كان الخليج العربي داعما غير معلن للعراق في حربه ضد "طهران"، كما كان داعما غير معلن لانظمة البعث و الاشتراكية الاخرى، في حروبها الهامشية سواء في اليمين او سوريا او لبنان، باعتبارها بؤرا تحتضن حساسيات اثنية اخطر على انظمة السنة، من هلاوس و اوهام القومية العربية !!
لقد كانت الانتليجينسيا الغربية ملمة بالضرورة بهذه الحساسيات و التداخلات، و كانت هي بالضرورة التي توحي الى انظمة "سياكس بيكو" بعدم الخوف او التوجس من تسمين كلاب و عجول القومية العربية، لانها ادوات "لا تاريخية"، او "لاتاريخانية" بهذا المعنى، او لا تملك اصلا تراثيا بالمفهوم "الجينيالوجي"، باستثناء هرتلات الشعراء و استلهامات الادباء لملاحم و اساطير غابرة، لا تستقيم زمنيا او تزامنيا، مع اي امتداد او فصل تاريخي لشعوب المنطقة .. حيث نجد أن ادب المقاومة مثلا من يوم النكبة الى درويش و قباني و كنفاني، هو اعادة انتاج ركيكة لاصل تراثي غير موجود او مفعل لدى المخاطب، و هو بهذا المعنى تراث عبري، او اعادة استنساخ لتيه اليهود و اساطيرهم و بطولاتهم حتى !!

و عندما نعود كذلك للموقف الغربي، و هو موقف فاعل هنا، متحكم، على المديين القريب و المتوسط و البعيد، نجد أن نظام الشاه الايراني كان عسلا في صالونات الغرب، و كذلك ملكية العراق، ببنما نجد ان الغرب نفسه، دعم بشكل سريالي انظمة الارهاب و الخراب التي وصلت الى السلطة، بعد انقلاب مضحك او انتفاضة رعاع ؟!
يحكي احد ضباط "الكي جي بي" في شهادة تاريخية موثقة / مترجمة على برنامج "رحلة في الذاكرة"، كيف ان الروس اتصلوا بالخميني، فور تفجر الاحداث و انهيار نظام الشاه، عارضين عليه نقله من منفاه الفرنسي الى طهران بطائرة خاصة، بحماية و دعم روسيين، مطلقين، كحليف مستقبلي سيعوض نظام الشاه التابع للغرب، و الذي انتفض الشعب ضده، و يستغرب كون ان "الخميني" الذي لم يكن انذاك قابضا على شيء الا الريح في منفاه، رفض بشكل مطلق اي دعم او اسناد روسي ولو من باب المجاملة بدعوى انه في ايدي امينة !!
و كما كانت فرنسا كذلك، و بريطانيا و اغلب دول الاتحاد الاوروبي منذ البداية، تدعم نظام "صدام" بكافة الوسائل، و تصنع منه "البعبع" الذي سيشرع في تدمير محيطه ثم ذاته !
و كيف ان فرنسا نفسها، تجاوزت كل الخطوط الحمراء عندما باعت نظام البعث العراقي مفاعلا نوويا، دمرته اسرائيل في عملية معلنة، كما دمرت مماثله في سوريا في عملية ظلت سرية الى حدود سنة 2018, حيث تم اعلان ذلك رسميا من قبل تل ابيب، بسبب مساطر الافصاح عن التحركات السرية التي تفرض تجاوز مدة زمنية محددة ..
نجد ان أبرز داعمي انظمة البعث بالعتاد و المال، كانوا نقائض لمشروع انظمة البعث و القومية العربية، في اصطفافها الذاتي و الموضوعي مع المعسكر السوفياتي، اي دول الغرب زائد بريطانيا، و مستعمراتها السابقة في الخليج العربي، و الشرق الاوسط عموما !!
و كما نجد مثلا، ان التراث الفقهي السني، الوهابي خصوصا، لا يقر بشيء اسمه "امارة مومنين"، من باب الفقه، و هو نفسه عند المذهب الشيعي بشكل اكثر عنفا و حدة، اي من باب العقيدة و المعتقد و التاريخ، و هو ربما السبب وراء تماهي الوهابية و محور السنة، مع "امارة المومنين"، رغم كونها بدعة في فقههم، و كذلك نجد "صدام حسين" الذي لم يكن يخفي ودا لامارة المومنين، و هو ود متبادل، رغم حساسيته المفرطة من علاقاتها الشبه معلنة ب "تل ابيب"، و مواقفها الباهتة من القضية .. و حيث كان حسب ما يحكى هنا و هناك، مؤيدا لابادة الريف و سحق انتفاضته، كما ان هناك حديثا غير مؤكد او رسمي، عن عرضه ترسانته الكيماوية على نظام الحسن الثاني، بعد خطابه الشهير الذي ذكر فيه بشكل عجيب و مترابط كذلك عنصرين هما ، "الأوباش، الخميني"،و حيث كان صدام ربما كذلك يعتبر حركة الريف امتدادا او نسخة للاكراد و الشيعة ..
هنا لم يكن الموقف من "نظام" او من سلطة هو المحرك، بل كان المحرك هو ذالك النزوع نحو احداث اختراق في تداخلات التراث بغية الوصول الى اصله، او ايجاد موطئ قدم داخل نواته المحركة، و هنا حيث تبدأ الفوضى و فوضى المفاهيم و السياسات و التوجهات، و بداية التفكك و الذوبان داخل دوامة "العبث" !
و كما أن الولايات المتحدة و معها دول الغرب، سلمت عنق صدام لاولياء علي و مقتدى الصدر، فقد سلمت هؤلاء قبلا، لساحات الابادة في عهد صدام، كما تستعد الآن، لتسليم اولياء علي و مقتدى و الحوثيين و الملالي، دفعة واحدة الى محور السنة و اسرائيل، بعد اخصاء الأول، لحظيا، و تجريد الثاني، من بقايا امتداده التراثي، الاسرائيلي، بعد تحييد اخر الليكوديين، و احلال حكومة قوادين بشاشية اليمين الاصولي، و نياشين حروب يسار الخصيان لدى دوائر البنتاغون و الخليج العربي كذلك!!
و هنا فان اطلاق تركة الجيل الاول من حروب الولايات المتحدة، يصير مفهوما، و منطقيا، بالمعنى الجيوستراتيجي، لكنه كذلك، متفق مع تاريخانية المنطقة، كرهينة لاصل تراثي يعيد انتاج نفسه باستمرار !! و كما كان الفرس كانوا يوما منقذي اليهود، و صلاح الدين الكردي كان مخلصهم من اقفاص الصليبيين في اوراشاليم، فإن اكراد اليوم و سنتهم، و فرسهم، سيلعبون نفس اللعبة، هذه المرة، فوق نطاق الانظمة، أي ربما بعد زوال نظام الملالي، و انتدابه الحكومي على العراق، و بحث الغرب عن كلب سخرة جديد، بعد صدام و الخميني و عبد الناصر و حافظ ..، و خامنئي، لاخافة اصحاب الكروش و ملوك النفط و امراء الغازات و المؤلفة قلوبهم من باقي الحكام في المنطقة..
من يدري ؟؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل