الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 282) اختيار قادة الاستخبارات

بشير الوندي

2021 / 8 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات ( 282)
اختيار قادة الاستخبارات
-------------
مدخل
-------------
مما لاشك فيه ان رئاسة الاجهزة الاستخبارية من المناصب المهمة والخطيرة والتي لها حساسيتها , ومن هنا تعتمد الدول المتقدمة آليات محددة واضحة لتعيين واستبدال القادة والمسؤولين الاستخباريين , على عكس الدول المتخلفة والقلقة والتابعة والدكتاتورية التي يعتمد فيها الولاء الداخلي او الخارجي كأساس في الاختيار , وهو اساس تكون فيه عيون غربال الكفاءة والخبرة واسعة , فلا يلتفت اليها حين تتوافر الطاعة , لذا ترى ان الكثير من تلك الدول كانت اختياراتها تعتمد على القرابة او القسوة المفرطة , او على العملاء , وقد يتدهور الامر ليصل الى اناس لاعلاقة لهم بالكفاءة او الخبرة او الممارسة والتخصص , وسنتناول في هذا المبحث بعض اهم الملاحظات التي نرى ان من المهم الالتفات اليها في اختيار القادة الاستخباريين.
------------------
فلاتر الاختيار
------------------
تسعى الدول الراسخة والمتقدمة الى التدقيق في اختيار مسؤولي الاجهزة الاستخبارية , فإختيار المسؤول أمر مهم جداً وتترتب عليه عواقب فشل او نجاح الدول , فرئيس الجهاز له تأثير فعلي وحقيقي في الادارة والقيادة والسيطرة والتوجيه والتطوير والتعامل مع المخاطر والتهديدات وصناعة القرار , وغالباً مايصل تأثير قيادته للجهاز الى كافة اذرع الجهاز الاستخباري مما يوثر في بناء المنظومة وكفاءة الجهاز وقدراته في انتاج الجهد , فهذا الاختيار بمعنى انك تختار العين من الجسد.
ولكل دولة انظمة تختلف بحسب ارتباط الجهاز الاستخباري , فمنها مثلا يرشح وزير الداخلية ويختار القائد العام او يرشح وزير الدفاع ويصادق القائد العام وهكذا , ويتم في الغالب التصويت على المرشحين لجهاز الاستخبارات برلمانياً في جلسة سرية بعيدا عن الاعلام , وفي بعض الدول يكون منصب رؤساء الاجهزة الاستخبارية سرياً وغير معلن ومكتوم حتى بعد التعيين ومنها بريطانيا (حتى وقت قريب) , ولكن في الغالب يكون علنياً , وقد ذهبت الدول الى تقنين هذا العمل وجعله ضمن آليات دقيقة وواضحة , وإمرار اسم المرشح في ثلاث فلاتر عليه ان ينفذ منها , وهي :
1- اللجان البرلمانية المختصة سواء كانت بمسمى "لجنة الامن والدفاع" او "لجنة الامن والسياسة الخارجية" , او كما في امريكا "لجنة الاستخبارات" في الكونغرس , حيث يكون لها دور استشاري في التعريف بالاشخاص وقابلياتهم وما يُقترح من اسماء .
2- كما ان لهيئة الاستخبارات الوطنية او ادارة المجتمع الاستخباري دور ورأي مهم في هذا الامر , حيث تقدم الاستشارة والمعايير والضوابط اللازمة التي يجب ان يتمتع بها المرشح .
3- كما ان لمستشارية الامن الوطني والحكومة الامنية المصغرة دور هام في مناقشة اسم المرشح المتداول لقيادة الجهاز الاستخباري .
-------------------------
الدكتاتورية والولاء
-------------------------
لاشك ان شكل النظام السياسي له دور كبير في تسمية الاشخاص لمناصب الدولة الهامة , لاسيما المناصب الامنية والاستخبارية والعسكرية , فاللدول الدكتاتورية تعتمد في قوتها على الاجهزة القمعية لذا تعتمد في اختيار قادتها على مايراه رأس السلطة , فقرار الحاكم هو الساري في تحديد من يكون رئيسا لجهاز استخبارات داخلي او خارجي او عسكري , والامر فيها يكون كيفي ويعتمد على الولاء , وقد اخبرني ضابط سابق كان مسؤولاً كبيراً في اجهزة الاستخبارات اثناء الحرب مع ايران , انه رافق صداماً من بغداد الى البصرة مع عدنان خير الله واثنان من كبار القادة , وعندما اقلعت المروحية سأل صدام الحاضرين في من يصلح ان يكون رئيسا للاستخبارات العسكرية , وطلب منهم ترشيح اسماء , فتم تداول اربعة اسماء من قبل وزير الدفاع والضباط الثلاثة الحاضرين في الطائرة , ولم يطرح صدام اسماً , فكان يستمع لخصوصيات كل واحد من الاسماء المطروحة , وعندما هبطت الطائرة في البصرة التفت صدام الى وزير دفاعه واصدر له أمراً بتعيين شخص لم يتم تداول اسمه في اجتماع المروحية ...هكذا بكل بساطة , فالدكتاتورية سريعة وحاسمة دوماً في اتخاذ القرارات !!!.
---------------------
معايير الاختيار
---------------------
ان المجتمع الاستخباري هو عين الدولة والنظام , فعليه ان يدقق في اختيار مسؤولية اي جهاز استخباري , ويحتاج في قراره الى الحكمة ووضع آليات تقلل نسبة الخطأ وفق ضوابط صارمة , فلابد من ان توافر شروط في المرشح تتلخص في الكفاءة , الاخلاص , النزاهة , الذكاء , المقبولية , المستوى العلمي , وغيرها من الضوابط التي تضيّق مقدار الخطأ , والاخلاص هنا للوطن وليس الولاء للقائد او الحزب او الزعيم , والكفاءة تعني التمرس والخبرة و القابلية الفكرية والذكاء والفطنة والحكمة.
كما يجب مراعاة التخصص , فالشخص المدني لايمكن ان يصلح كرئيس للاستخبارات العسكرية , فهو لا يعرف السياقات والحياة العسكرية , وكذلك من غير الممكن ان تأتي بصحفي ليصبح رئيس جهاز استخبارات خارجية , فمابالك ان كان من دون مؤهل !!! وهو امر لم يشهد اي بلد في العالم له مثيلاً , فالاختصاص مهم , فبرغم ان الجنرال بيترايوس كان قائد القوات الامريكية وحقق نجاحات في فترة قيادته بالعراق وهو جنرال مشهور , لكن عندما وضع كرئيس للCIA وهي مؤسسة غير عسكرية , سرعان ما اخفق واخترق وافتضح.
وحتى بعد الاختيار , فإن معظم الدول لاتدعه منصباً لفترة ممتدة غير محدودة , فتكون فترة التصدي للمنصب لخمسة سنوات مثلاً ثم تتجدد لمرة واحدة , وهنالك دول يكون فيها الجهاز الاستخباري وزارة تنتهي سلطة وزيرها بتغيير الوزارة كما في وزارة الاستخبارات الايرانية , وفي امريكا , الغالب فيها تغيير رئيس الجهاز الاستخباري مع انتخاب الرئيس الجديد الا انها ليست قاعدة .
وقد اثبتت دراسات علم الادارة ان بقاء الشخص في المنصب لدورتين لثمانية سنوات تجعل منه معتاداً على الرتابة ويميل الى البيروقراطية والجلوس خلف مكتب الادارة , ويتحول من منتج الى متكاسل , لذا من المفيد ان يتم التدوير الوظيفي لاربعة سنوات , وفي افضلها ثمانية .
اما في الدول الدكتاتورية او المتخلفة او المقادة منها , فلا ضوابط لديها لفترة المنصب فالبعض يبقى لعقود او حتى وفاته او سقوط النظام!!! لكونه صهر قائد الدولة او شقيقه او ابن عمه او ابنه او ثقته الشخصية او مرضي عنه من دول خارجية مسيطرة على القرار الداخلي .
---------------
منبع القادة
---------------
لقد اثبتت التجارب العالمية ان التدرج الوظيفي هو منبع بروز القيادات من حيث الخبرة وتراكمها والتمرس والتخصص , فمن اهم البنى التحتية بناء الكادر الامني والاستخباري , فاصبحت الدول على تلازم الرتب العسكرية بالشهادات الدراسية الطولية او مايعرف بالتعليم الطولي , فيتوقف شرط حصول رتبة ملازم الى نقيب على حصوله شهادة البكلوريوس , ومن رائد الى عقيد يجب ان يستحصل شهادة الماجستير, ومن عميد الى مافوق على شهادة الدكتوراه , اي ان التعليم اثناء الخدمة اصبح في الدول المتقدمة الزامياً , فتتوقف الترقيات على الشهادات وليس على احتساب سنيِّ الخدمة فقط , فلا يكفي ان يكمل اربعة سنوات ليستحق الترقية , وانما هناك تدريب ودورات عرضية طيلة سنوات الخدمة , ومن يتميز يمنح فترة دراسية لاكمال مرحلة اعلى لكي تعتمد عليها الترقيات , وهنا تبرز وتصقل المواهب ويفرز القيادي من الخامل.
وعلى نفس الغرار , تقوم هيئة الاستخبارات الوطنية باستحداث شعبة خاصة بتطوير وتقييم الكادر الاستخباري المتقدم , وتفتح لهم ملفات بعناية , وتخضعهم للتدقيق الدوري والتقييم المستمر سواء كان المعني رئيس شبكة , مدير محطة , آمر قوة استطلاع , مدير دائرة , مدير , مدير عام , مدير منظومة , مدير جناح , وغيرها من المناصب والدرجات العالية , فكلها لابد ان يلحظ فيها تقييم امن الجهاز وتقييم المسؤول الاعلى وحسن تنفيذ المهام والدورات المنجزة وكفاءة الادارة , بل ان الاستخبارات المتقدمة تلزم منتسبيها من اصحاب المناصب بتقديم دراسات علمية بشكل سنوي كوثيقة تقييم لتطورهم العلمي والمعرفي , كما تراقب حساباتهم المصرفية وسفراتهم وعلاقاتهم بشكل دقيق.
ان شعبة تقييم اصحاب المناصب لابد ان تكون مركزا مهما لبناء كادر الاستخبارات الرئسي في جميع اجهزة الاستخبارات من تطوير وتعليم وتدقيق وامن وتقييم مستمر , كما انها تجعل هناك وفرة في الاسماء واعتماد ترشيحات علمية صحيحة عند الحاجة , وان توجد هذه الشعبة في ادارة المجتمع الاستخباري وفي ادارات كل جهاز استخباري لنفس الغرض.
ان التدرج الوظيفي هو الانجح لكي ينتج الجهاز قيادته من كوادره , وهذا يشكل حافز وتقدم من قبل العناصر القيادية , وغالبا مايكون هذه التدرج موجوداً في اجهزة استخبارات الشرطة والجنائية والعسكرية في العالم , اما في الاستخبارات الخارجية فيحدث كثيراً ان يتم وضع شخص من السلك الدبلوماسي على رأس الجهاز ,وهذا قد يكون مناسباً في الادارات المنضبطة التي يكلف بها الشخص , فيأتي لوحده ويمسك زمام الامور لاربعة سنوات ثم يخرج بانتهاء الحكومة , فهو لا يتلاعب بكوادر الجهاز ولا يأتي بحاشيته ولا يتم نقل عناصر موالية له من دوائر اخرى , اما في الدول المتخلفة, فيأتي المسؤول ومعه حاشية واقرباء واصدقاء بلا ضوابط , فيصبح الجهاز ملكاً عائلياً له , فيؤثر في التقييمات واسناد المناصب وتفكيك الخبرات وصعود غير المؤهلين .
اما في العراق , فغالباً ما يكون رئيس الجهاز من خارج الموسسة والمجتمع الاستخباري سواء كان شخص سياسي او حزبي او قائد عسكري واخيراً صحفي!! , فقفزات غير المؤهلين لاتحصل الا في دول العالم المتخلفة , فترى مستشاراً لدى رئيس الحكومة عمره 30 او 35 عام من دون خبرة وظيفية , فكيف واين حصل على الخبرة ؟ ومتى مارس ادواراً ادارية وقيادية ؟ بينما المستشار في الدول التي تحترم شعبها يكون غالباً متقاعد ناجح او في نهاية خدمته الوظيفية وتبوأ مناصب عالية .
---------------------------------
الاستخبارات عنان الدول
---------------------------------
الاجهزة الاستخبارية الدولية الفاعلة جائزتها في اختراق البلد العدو , حتى لو كان الاختراق في دائرة زراعية لبلد العدو , لكن عينها وهدفها الاساسي دوماً هو بيت اسرار العدو اي جهازه الاستخباري وهو للدولة بمثابة العنان للفرس , ومن هنا فان اكبر نجاح يحققه اي جهاز استخباري هو حين يتمكن من تحقيق اختراق لجهاز استخبارات البلد المستهدف , اما قمة النجاح فهو في ان يسيطر على جهاز استخباري للعدو وان تكون له اليد الطولى في تعيين قادته , لأن السيطرة على بلد ما ونهبه كلها تتم ان سيطرت على اجهزته الاستخبارية , وهو امر بمنتهى الخطورة والصعوبة , الا انه اصبح ممكناً للاسف الشديد في الكثير من الدول الهشة التي تمكنت منها الدول الطامحة الخارجية من خلال ثغرات ازدواج الجنسية او ضعف حكومات وعمالتها.
يقول الجنرال حسين فردوست في كتابة الشهير "ظهور وسقوط سلطنة بهلوي" : ان الامريكان كان لهم رأي اساس في تعيين او تغيير رئيس جهاز السافاك في ايران في فترة حكم شاة ايران محمد رضا بهلوي , ولا يتم الامر من غير موافقتهم واستشارتهم , كما كان للانكليز التدخل مباشر في اختيار رئيس الاستخبارات العسكرية للجيش وما يعرف في حينها بالركن الثاني , وكانت الدولتان تتساهلان في كل شيء الا في ادارة هذين الجهازين , فكان المستشارون من تلك الدولتين لديهم مكاتب في كل جهاز يأتون من السفارة صباحا ويخرجون مساءاً بشكل يومي , ويلتقون مع رئيس الجهاز ويتعاملون مع باقي قادة الشعب والدوائر يومياً.
------------
خلاصة
------------
ان اختيار قيادات الاجهزة الاستخبارية امر في منتهى الخطورة ويجب الالتفات اليه بجدية وحذر , فلابد من وجود ضوابط واليات لاختيارة قادة الاجهزة الاستخبارية تعرّف قانونياً في القوات المسلحة وتناقش في البرلمان واللجنة البرلمانية المختصة بعد ان تدرس بإستفاضة طويلة في ادارة المجتمع الاستخباري , وان لاتترك للاهواء وللتدخلات الخارجية , فأن يبني بلد ما لظرف ما وتحت سيطرته العسكرية هو شأن شاذ , لكن الاعظم شذوذاً ان يمتلك ناصية جهازك الاستخباري ويتحكم في قيادته وقادته , ولعل من اعظم الكلمات الخالدات في هذا الشأن هي مقاطع من وصايا الامام علي عليه السلام لمالك الاشتر حين بعثه ليحكم مصر حين قال له :
"فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيباً ، وأفضلهم حلماً ، ممن يبطئ عن الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء , وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف , ثم الصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ، ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة ، فإنهم جماع من الكرم ، وشعب من العرف" وفي مقام آخر يقول " وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته ، وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم ، حتى يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو , فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك" , والله الموفق.
للمزيد انظر : كتاب الامن ..بنى تحتية وضوابط داعمة لكاتب السطور , حلقات مباحث في الاستخبارات :(12)ادارة المجتمع الاستخباري , (14)تقييم الاداء,(192)الهيكل التنظيمي , (193)قاطع المسؤولية , (223) الاستخبارات وتغيير الانظمة , (266) مرجعية الجهد الاستخباري , (279) الاستخبارات والانقلابات , (274)التفويض الاستخباري بين الهيمنة والتخادم , (278) الاستخبارات ومزدوجي الجنسية , ( 281) تعدد الادارات الاستخبارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟