الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرج ودينامية الحياة في المسرح

فاضل خليل

2021 / 8 / 16
الادب والفن


إن المسرح حياة .... والمخرج نبض هذه الحياة
ليون شيللر(*)

المسرح هو فن النطق بالعناصر الفنية المتعددة . وهي : الممثل الواعي لمهماته والمنسجم مع بقية العناصر ، من ديكور ، وموسيقى ، وملابس ، وإضاءة ، وبقية المجموعة المسرحية المعروفة ويجمع المخرجون تقريباً على أن الممثل هو أهم تلك العناصر فارغة من محتواها الفكري والفني ، إلا إنها جميعاً لا تخلق جميعاً التأثير المطلوب ، بعيداً عن خطة إخراجية دقيقة متناسقة قائد ومنظم العرض المسرحي : المخرج " ففن المخرج يكمن في قدرته على أن يرى في المسرحية ما لا يراه أحد من قبل "(1) كما في رأي توفستونوكوف والمخرج كما يقول بوبوف : " هو ذلك الساحر الخفي والمفكر في المسرح ، الموجه الإداري المبدع الخلاق للمجموعة ، والذي بدونه يصعب النظام "(2) . فشخصيتهُ رغم حداثتها تاريخياً لكنها أصبحت تحتل المنزلة الأولى في عملية الخلق المسرحي . ظهرت الحاجة لها نتيجة لعملية التطور بشكل عام ، وحاجة المجموعة المسرحية إلى من يقودها ويقوم بتنظيم عملها . وأن " قيمة العرض المسرحي أصبحت لا تعتمد على حجم المدرسة أو موقعها أو نوعها بقدر ما تعتمد على مهارة المخرج واتساع آفاق مخيلته "(3) . والمخرجون المسرحيون نوعان:
- الأول : المخرج ، الذي يمتلك الحرفة وتنتقصه الرؤية الإبداعية .
- والثاني : المخرج ، مهندس العرض المسرحي ، مالك الرؤية الإبداعية والحرفة ، الذي يعرف كثيراً عن تأريخ الفن ، والفلسفة وعلم الجمال ، والأدب ، وغير ذلك من علوم الحياة ، الذي يعطي الكثير من روحه وفكره للنص والعرض ، ولا يكتفي بتفسير وعرض فكرة المؤلف بل يسعى لإضفاء فكرة المخرج على العملية الإبداعية . وهناك من يطلق عليه : مؤلف العرض المسرحي.
إن الإنسجام والتفاهم مع المجموعة المسرحية يعمق من المبادرة الخلاقة فنشاط المخرج " و جوهرة فنه يكمن في توحيد الجهود الخلاقة للمجموعة . ويوحد ، ويشكل ، ويوجه المواهب المتعددة في مجرى واحد للفكرة الفنية، ويعطي العرض المسرحي طابعه ولونه ونغمته الخاصة "(4) . فالمخرج إذن هو : المفكر والقائد و المنظم للعرض المسرحي ، الذي تلتقي أمام خبرته كل الطاقات ، التي تكّون العرض المسرحي . يبدأ عمله منذ لحظة إختيار النص حيث أن العمل مع المؤلف ، ثم المصممين ، والممثلين ، من خلال العمل على الطاولة التي تؤكد جميعها على التفسير والتحليل وتحديد الأهداف والمعاني لغرض تجسيدها ، وإيصالها إلى المتفرج مقرونة بالمشاعر والأحاسيس والحركة بعد التمرين المتواصل على خشبة المسرح .
تعتبر التجارب الإخراجية التي خاضها كل من ستانسلافسكي ودانجنكو إنجازاً وتحولاً جوهرياً في فن الإخراج المسرحي ، فلأول مرة في تاريخ المسرح الروسي يصبح المخرج القائد الفكري الحقيقيً للفريق المسرحي .فهو الذي يحدد عمق الخط الأساسي للعرض وتجسيده بالعمل المتواصل مع الممثلين والمصممين وبقية المجموعة الخلاقة . بل لقد اصبح عمل كل فرد من المجموعة المسرحية يعني تعميق الهدف الأعلى للمسرحية وأهميته التي عززت الشعار " لا توجد أدوار صغيرة ، بل يوجد ممثلون صغار "(**) . وهكذا اصبح المخرج يحتل المركز الأول والأساس في المسرح وذلك بعد اتساع مهامه فيه حين أضيفت له مهمة المربي والمحرك الإبداعي ، الخلاقً والمبتكر في كل أجزاء العرض المسرحي ، إضافة إلى كونه المنظم له .
إن إختيار المسرحية بالنسبة للمخرج ، تعتبر إستجابة لرغبة داخلية يلتقي بها مع الكاتب ، عبر فكرة أو إحساس يجعله محوراً لفعله الإبداعي . تدفعه تلك الرغبة لاستخدام المادة المسرحية المختارة للتعبير عن ذاته ودوافعه الخاصة ، مما يؤدي إلى تأكيد جملة من المواضيع المهمة في نظره والتعامل مع البعض الآخر منها على أنها مواضيع فرعية تساعد الموضوع والهدف الأساسي من الوصول إلى غاياته . وقوانين الإخراج تؤكد على هذه الحقيقة كما أشار (بوبوف) ، وهي أن على المخرج حذف كل ما هو زائد وعفوي . فمساهمة المخرج في تحديد مواطن الضعف والقوة للنص المكتوب . فمهمة المخرج مهمة تكميلية لعملية التأليف ولا يمكن للكاتب أن يمارسها بدون المخرج مهمة المخرج " فإن كتابة حوار لمسرحية مثل (هاملت) عملية خلق ممتعة ، أما أشغال الفكر حول من أين يدخل (الشبح) من يمين المسرح أو يساره ، فهو أمرٌ مقرف ، يحسن بالمؤلف أن يتركه للمخرج "(5) على حد قول برناردشو وقد يتساوى الجهد الإبداعي المبذول في كلا التأليفين ، تأليف النص ، وتجسيده في العرض حتى وقد يفوق الإخراج في جهده على تأليف النص كون الجهد الثاني هو الأكثر حرصاً وأمانة في عدم إضاعة الجهد الأول فلا تكون الإضافة والحذف إلا في صالح العرض المسرحي . " إن ثمة أناساً يقولون أن لا حاجة لتدليل المؤلف ، فعليه أن يأتي بمسرحية جاهزة تماماً ، وعندها يكون كاتباً مسرحياً . كلا ، فان هذا لا يتفق مع الصورة التاريخية للتطور المشترك للأدب المسرحي والمسرح على السواء "(6) كما يحدد توفستونوكوف . أي أنها عملية إبداعية مشتركة فلا يمكن فصل إحداها عن الأخرى ، والبعض الآخر يرى أن المخرج المعاصر اغتصب المسرح من المؤلف ، بعد كان المؤلف أهم شخصية في المسرح اليوناني وعهود شيللر ، وغوتة ، وحتى آستروفسكي ، إلا أن المخرج المعاصر ببراعته الخاصة والتي قد لا تكون مما هدَّف إليه المؤلف – وهذا رأي خاطئ – فلو إستعرضنا أعمال (مسرح موسكو الفني MXAt )(***) لرأينا أن من أسباب نجاحه واكتسابه شهرةً واسعة كونهِ مسرح مؤلفين قبل أن يكون مسرح مخرجين ، ذلك لأنه كان يتسم بالأمانة الفنية الإبداعية في ترجمة وتجسيد أفكار المؤلف . وحتى عند إخراجه لأعقد وأشهر المسرحيات العالمية لكبار الكتاب أمثال : شكسبير ، غوغول ، تشيخوف ، غوركي .. وسواهم . وهكذا نرى أن المكانة المرموقة التي وصل إليها [مسرح موسكو الفني] بل وكافة المسارح المتقدمة في العالم ، ذات الأثر المهم في المسرح وهو بسبب تظافر الجهود المشتركة بين المؤلفين والمخرجين معا .
إن التأليف قد وهب المسرح نماذج فنية جديدة ، كانت بحاجة إلى جهد المخرج ليبث فيها الروح لتظهر . فالنصوص المسرحية إذن لم تكن سوى مادة خام اكتملت بتدخل المخرج . والذي ساعد المخرج في الوصول إلى رؤاه في النص ، هو تجربته الجمالية ، واتحاد هذا الحس الجمالي بشيء ما في النص ، وهذا معناه العمل على الوصول إلى (فكر المخرج) كبداية لتنظيم عمل المخرج والذي يؤدي إلى انسجام العرض المسرحي ، ولكن ذلك لا يعني إقحام الأفكار والمعاني إقحاماً ، يدمر النص ، إذا ما فهمنا بأن العلاقة بين المضمون والشكل تعبر عن المسائل الحيوية في الفن والتي تتضح من خلال التجسيد المسرحي المتماسك ومن الضروري أن نبحث خلال مرحلة التوافق النوعي لنتاج المؤلف عن نوع المسرحية التي نجسدها " لأن الشكل هو التعبير عن حالة الاستقرار التي يمكن بلوغها في وقت معين ، وان الصفة المميزة للمضمون هي الحركة والتغيير "(7) كما يشير ارنست فيشر . أو كما يحدد توفستونوكوف " والسؤال عن النوعية يقع في مرحلتين ، أولاً ، هو الشعور في الإنتاج ، طرازه ، ونوعيته ، وتوافق المخرج ، ومن جانب آخر ، الواقعية في هذه الخصوصيات في الممثل "(8) كما يرى توفستونوكوف . أي أن المخرج يجب أن يكون قادراً على استخلاص الجوهر الدرامي للنص وإيصاله ، وان يتمكن من إقامة جسور بينه وبين المؤلف ، لأن فهم الكاتب يعني فهم طبيعة تفكيره وإدراكه للواقع ، فالحيوية الداخلية للكاتب تولد إيقاعات العرض ، ومن الخصائص الداخلية للكاتب تولد إيقاعات العرض ، ومن الخصائص الداخلية للكاتب ينبثق نظام التوالي في الصور الفنية وفي الوصول إلى نظام system أو أسلوب العمل في المسرحية الذي يحدد لنا : السرعة الإيقاعية tempo-retheam ، والميز انسين mezanseen ، وطبيعة الشخصيات ، والجو العام للمسرحية atmosfear .
فالمسرحية ليست أكثر من مسرحه الواقع والظروف المحيطة به والعلاقات ونوعها بين الشخصيات والتي تستدعي الصراع حتماً . والمخرج الذي لا يهمه دراسة الأسلوب الإبداعي للمؤلف ، أو دراسة الأوضاع التي تدخل ضمن إطار أفكار المؤلف ولن يتغلغل في عالمه ، وطبيعة أسلوبه وجماليتها ، ولن يستطع الوصول إلى أفكاره هو ، لأنه " ومنذ أرسطو وإلى اليوم يرى الفلاسفة بأن الشكل هو الجانب الجوهري في الفن ، هو الجانب الروحي ، وأن المضمون هو الجانب الثانوي الناقص الذي لم يتوفر له من النقاء ما يجعله واقعاً كاملاً "(9) ، وبالتالي فالعملية الإخراجية هي التي تجسد النص على المسرح ، وتجعل منه واقعاً حياً .
إن التطور الإيجابي في العلاقة بين المؤلف والمخرج ومن ثم ، الممثل : [مؤلف قرارات المخرج] . والذي هو جوهر نجاح العرض المسرحي ، في إيصال أفكار المؤلف والمخرج وبقية الفريق المسرحي ، والأهداف المطلوب إيصالها لكل واحد منهم عبر [المصفاة الأمينة – المخرج] . ولا يمكن أن تتم بفعل تأثير جزء من أجزائها كان طاغياً على البقية وهو غير ممكن لطالما مر بأمانة عبر المصفاة [المخرج] ، وهذا ما يسعى إليه العمل المسرحي ، وهوا لوصول إلى التكامل الفني في العرض ، وإضفاء المتعة الجمالية المستندة إلى مجمل العناصر ، بدأ بالتنفيذ من أجل إيصالها إلى المتلقي [الرائي] : وهو ابن الواقع الذي لا يصعب عليه التميز والتقويم . ولكي نعرف الواقع الذي يعيش فيه المتفرج في إطار العصر – خصوصا عند التعامل على المسرحية التاريخية – وكيفية التعامل معها بما يتفق والحاضر المعاصر . والتي التعامل معها لا يستند إلى عنصر واحد من العناصر بل إلى ثلاثة عناصر حسب (غروموف) وهي :
أ – مادة التصوير .
ب- تعامل الفنان معها .
ج- موهبة التنفيذ .
ولا أدري لماذا لم يضف (غروموف) عنصراً رابعاً هو وصولها إلى المتفرج ، لأن أية رؤية جمالية تعتمد في تحقيقها على أربعة عناصر هي :
• العنصر الأول : (الرائي) أو (الخالق) ، وليكن الكاتب بذكائه وعبقريته وحسه ، وثقافته ، ومعتقداته ، وشعوره بالإنتماء .
• العنصر الثاني : الواقع الإجتماعي والإقتصادي ، وقوى تحريك هذا الواقع في إطار العصر ، خصوصاً ضمن العمل في المسرحيات التأريخية – وهي تدخل ضمن أساسيات عمل المخرج المعاصر مع المسرحية التأريخية .
• العنصر الثالث : التوجه الخاص لـ (الرائي) – وليكن المخرج – من خلال طموحه وقدراته وتمكنه من أدوات خلقه باعتباره – منظم العرض المسرحي .
• العنصر الرابع : أن تصل الرؤية بكاملها إلى المتلقي – المساهم في العرض المسرحي – المتفرج .

ويعتبر (الممثل) كما أسلفنا من الوسائل الإبداعية المهمة في عملية الخلق ، وفي إيصال الأفكار فهو الذي يعطي الحياة للنص المسرحي ، ولذلك وصل إهتمام المخرجين بالممثل حداً كبيراً ، ومن أجله كانت الدراسات الجادة ، التي تتناول أهميته في العرض المسرحي حتى أن دانجنكو طالب المخرجين " أن يموتوا في الممثل "(10) . ومما تميز به دانجنكو في الإخراج أنه كان يهتم كثيراً باكتشاف مميزات ممثليه كل على حدة ، وكان يدرس إمكاناتهم الإبداعية . فالمظهر الجسماني للشخصية – مثلاً بالنسبة إلى دانجنكو – كان يشكل أهمية كبيرة ترتبط بسمّة جاذبية التي تسمح للمثل أن يكون عنصراً هاماً في العمل الإبداعي المتكامل للعرض المسرحي كله ، ويؤكد (دانجنكو) على أهمية إيصال (التعقيد التركيبي الشاعري للنص المسرحي) إلى شعور الممثلين فكان يطالبهم " أن لا يستهينوا ببساطة أهدافهم الدرامية ، وأن يوجهوا إنفعالاتهم في مجرى الخط الإبداعي هذا ، أو ذاك "(11) ويجب أن يتطور التمثيل بانسجام مع الخط العام للمسرحية ، وعليه فمن الخطأ فصل أي هدف يريد الممثل تحقيقه في هذه اللحظة ، بل يجب دفع الممثل ضمن الوضع النفسي ، أثناء وجود الانفعال لديه – إلى العديد من الحالات النفسية المختلفة التي بإمكانها أن تكسب ذلك الإنفعال الكثير من الغنى والعمق .
كما تركز أيضاً عمل (ستانسلافسكي) مع (الممثل) وبالذات في تكوين إحساسهُ الداخلي منذ البداية ، لكنه لم ينس أن ينمي جسمه ويؤهله بالتمارين على (الجمناستك ، المرونة ، الصمت ، الرياضة ، الرقص ، الباليه ) وصولاً إلى المرونة المطلوبة . فكانت أسئلته إلى طلابه تنصب دائماً إلى إستفزاز الحس الداخلي ، والخارجي وصولاً إلى (الفعل الفيزيكي) المطلوب ضمن العمل مع الممثل كان (ستانسلافسكي) يخاطب ممثليه :
- على أي أساس كونتم هذه اللعبة ؟ فكروا جيداً ... وإياكم أن تبتدعوا الحل ... حاولوا أن تشعروا به حالاً .. كلما شعرتم بشكل أعمق ، كلما وصلتم إلى النتائج الأفضل .. تخيلوا أنفسكم في هذه الحال (12) .

ساعد عمل ستانسلافسكي مع الممثل في الوصول إلى طبيعة المشاعر وإلى الفعل العضلي المعبر . يقول توفستونوكوف : " أما الذي يجعل من الممثل المبدع مجرد لاعب مستعبد وليس تسلط المخرجين ، وانما وجود مخرجين هزليين غير متمرسين .. وان المسرح يمكن أن يموت فقط عندما يكون عمل الممثل والمخرج عملاً خالياً من الروح " (13) .
أما كيف ينجح المخرج في إيصال أفكاره على الجماهير ويؤثر فيهم ؟ فذلك من خلال إستخلاص الأفكار المعاصرة الملّحة في الوقت الراهن ، من خلال فهمه للمجتمع المعاصر الذي يعيش فيه ، فالمخرج هو الذي يستطيع أن يرى الحياة ولا يكتفي بامتلاك القدرة على التعمق في المسرحية ، وتحريك الممثلين على المسرح فحسب وإنما على حد قول كورجاكوف "يراقب الحياة ، ويتضلع بها بمعرفة كبرى في جميع الميادين ، فضلاً عن معرفتهِ في الحرفية المسرحية أيضا "(14)ً .
فالفن مرتبط بالمرحلة بشكل ملح ، والمخرج المعاصر هو عين المشاهد في الصالة ، يشعر بقلق المشاهد ، ويعرف اهتماماته ، والذي يثير تساؤلاته ، وما الذي يخلصه من مخاوفه ، ويتعمق في المعرفة ، وصولاً إلى معاناة المتفرج الداخلية ...
فبدون هذه المعرفة ، يفقد المسرح عنصر المعاصرة في الطرح . وهذا ما أكده أيضاً (توفستونوكوف) في سؤالهِ : فيما إذا كان المتفرج عدواً للمسرح أم صديقاً ؟ . لأن المشكلة مع الجمهور ستحسم عندما يلتقي فكر المسرح بفكر الصالة أي أن تنتهي الاختلافات الفكرية حول المسائل المطروحة السياسية والأخلاقية ، وهذا ليس معناه أن العلاقة بين الجمهور والمسرح سيسودها الرضا التام ، فالمشاهد يدرك إن من حق أن يقول الحقيقة ، التي لا يروق للبعض سماعها ، لكن الكذب أيضاً غير مسموح به .
والخلاصة أن دراسة نص الكاتب وحياته الداخلية وما يحيط بها تمكننا من الوصول إلى الإنطباع الصادق ، الذي يجب أن نعمل على إيجاد الشكل الخارجي للمسرحية – التجسيد – من خلال إعطاء الجو العام للمسرحية والحالة النفسية للشخصيات . فالجو العام يوازي في أهميته الفعل الدرامي الذي يخلقه الممثل ، وهما كل لا يتجزأ من عمل المخرج على المسرحية والجو العام لا يتم بمعزل عن عملية تكوين الشكل الذي تخلقه كل العناصر المكونة للعمل المسرحي . ونجاحها يعبر عن العلاقة المنسجمة بين الكاتب وعصره ، والوحدة الفنية من جهود المخرج والممثل ، وفنان الديكور وعناصر الإخراج الأخرى التي توصلنا إلى التشكيل الصوري المطلوب بضمنها المتفرج .
كما أن وحدة الشكل الديكوري مع نظام الصور الفنية للمسرحية هي الشرط الأول للتكامل الفني في العرض المسرحي ، لذلك يصبح إختيار (مصمم الديكور) لهُ أهمية إختيار الممثلين ، وتوزيع الأدوار . كما العمل مع الممثلين تتبعه الإستقلالية في الجهد الخاص للممثل ، كذلك العمل مع فنان الديكور ، يجب أن يدفعه إلى التعبير عن رأيه بصورة مستقلة ، والدخول في حوار مع المخرج على ضوء الخطة الإخراجية للمسرحية .
فالديكور الذي يحمل فكرة المسرحية يربط جميع الشخصيات ، والمستلزمات الأخرى درامياً ، كما هو شأن كل عنصر ، في توافق وتضاده مع العناصر الأخرى ، غرضه الارتباط معها ، وتوصيل فكرتها ، وأن يبدو معها منسجماً مع إيقاعات الحياة فيها ، مع انفعالاتها ومختلف الأصوات والمؤثرات في مجمل العرض المسرحي .
إن قدرة المخرج على ربط التشكيل الحركي بالتكوين الفني الذي يخلقه فنان الديكور على خشبة المسرح أمر هام وضروري ، وعليه فان التقاء كل المنظورات في منظور واحد رئيسي لخط الفعل المتصل باتجاه – فكرة العرض الأساسية – أي -
(الهدف الأعلى) يجعلنا نصل إلى الوحدة الهارمونية ، لكل أجزاء العملية الإبداعية ، مع التوزيع السليم لعناصر الإخراج المسرحي .
لقد أكد ستانسلافسكي كثيراً على أهمية (المنظور) وإرتباطه الأساس بـ (الهدف الأعلى) و(خط الفعل المتصل) ، إذ بدون (المنظور) لا يستطيع الفنان أن يتجه إلى الهدف المطلوب ، أو انه سيسير مغمض العينين . إن مفهوم التطور عند ستانسلافسكي ، يعني منظور الفنان للدور – أي التوزيع الواعي للقوى الإبداعية ووسائل وألوان التعبير – كذلك منظوره للمسرحية ككل .
كما أن الإحاطة المعرفية بالوسائل التعبيرية ، من ( السرعة الإيقاعية الميزانسين ، الإضاءة ، الموسيقى ) ... الخ ، لها بالغ الأهمية في التأثير على المتفرج . فمن مجمل إيقاعات الأجزاء يتولد إيقاع الفعل ، وبالتالي إيقاع المسرحية . والميزانسين ، هو عملية الكشف عن خط الفعل المتصل ، ووحدة الشخصيات ، وحالة الإحساس الجسماني لديها ، والجو المسرحي التي تتحرك فيه ، ومن خلال الميزانسين نستطيع إيصال فكرة المشهد بسهولة .
إن الوحدة الفنية لأسلوب العرض تتم على أساس التعاون الفكري ، وانسجام التفكير الجمالي بين جميع أعضاء المجموعة المسرحية ، وبدون هذا التعاون وذلك الإنسجام بين المجموعة المسرحية سوف لن نصل إلى العرض المتكامل ، وكما قال ستانسلافسكي: " هناك أدوار مكونة وأدوار ممثلة وعروض فنية ، وعروض مصنوعة " وبالتالي لا نستطيع الوصول إلى العرض المشبع بالهدف الأعلى ، والمزاج الحقيقي للتنفيذ بدون وحدة الإنسجام بين المجموعة المسرحية . وتحديد أهدافها الأساسية التي تصب مجتمعة في الهدف العام
المسرحية .

الهوامش
*) ليون شيللر 1887-1954 : مخرج معاصر من بولونيا ، سعى إلى التجديد في المسرح البولوني المعاصر .
**) ظهرت شخصية المخرج في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبالتحديد 1847 في دوقية ساكس مايننغتن – في ألمانيا .
1) جيورجي توفستونوكوف : لقاء ، عن مجلة [الثقافة والحياة] ، ت:علي حيدر يونس ، مجلة [سينما ومسرح] ، العدد8 ، بغداد 1972 ،ص75 .
2) الكسي بوبوف : التكامل الفني في العرض المسرحي ، ت:شريف شاكر ، دمشق 1976 ، ص75 .
3) فرانك . م . هوايتنج : المدخل إلى الفنون المسرحية ، إصدارات دار المعرفة ، مطابع الأهرام التجارية ، القاهرة 1975 ، ص307 .
4) بوبوف : مصدر سابق ، ص307 .
***) واحدة من أهم مبادئ ستانسلافسكي في عمل الممثل .
5) جورج برناردشو : تعليمات شو إلى المخرجين ، مجلة فنون المسرح ، العدد8 ، القاهرة 1949 ، ص51 .
****) حروف المصطلح باللغة الروسية MXAT وهي بالحروف السلافية القريبة الشبه بالحروف الكبيرة اللاتينية ، وتقرأ [مخات]
6) توفستونوكوف : مصدر سابق ، ص76 .
7) آرنست فيشر : ضرورة الفن ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة 1971 ، ص164 .
8) جيورجي توفستونوكوف : عن حرفة المخرج ، منشورات سلسلة [علم وفن] ، باللغة البلغارية ، صوفيا 1970 .
9) فيشر : [ضرورة الفن] مصدر سابق ، ص153 .
10) انطوان ساخنوفسكي : السمات الخاصة للإخراج لدى نيمروفتش دانجنكو ، ت:عدنان جودة ، مجلة الحياة المسرحية ، العدد9 ، دمشق – صيف 1979 .
11) نفس المصدر السابق
12) ف.تيريشكوفيتش : ايزنشتاين وستانسلافسكي ، ت:ريمون بطرس ، مجلة الحياة المسرحية ، العدد 3 ، دمشق 1979 ، ص 56 .
13) توفستونوكوف : مجلة الثقافة والحياة – مصدر سابق ، ص75 .
14) كور جاكوف : دروس ستانسلافسكي في الإخراج ، إصدارات دار الفن – بالبلغارية ، صوفيا 1952 .
15) توفستونوكوف : مجلة الثقافة والحياة – مصدر سابق ، ص75 .


وقادراً على إقامة جسور من الفهم بينه وبين المؤلف ، والمجموعة المسرحية ، يشير (بوبوف) إلى ضرورة فهم الكاتب الذي يعني فهم طبيعة تفكيره وإدراكهِ للواقع ، فالحيوية الداخلية للكاتب تولد إيقاعات العرض ، ومن الخصائص الداخلية للكاتب ينبثق نظام الصور الفنية . وأسلوب المسرحية يوحي لنا بالسرعة الإيقاعية . والميزانسين ، وطبيعة الشخصيات ، والجو العام للمسرحية ... الخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية