الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور عمل المخرج في المسرح العربي المعاصر

فاضل خليل

2021 / 8 / 19
الادب والفن


المقدمة
المخرج العربي المعاصر ملتزم بقضايا شعبه ، يسعى نحو مسرح تخلقه الجماهير ، أهم سماته الصدق ، يسعى في خدمتها ويلتصق بها شكلا ومضمونا . إلا أن تدني واقع التأليف المسرحي عربيا بسبب غياب من يبتكر الأشكال الجديدة والمؤثرة أبعده عن أداء مهماته وأهدافه ، وهذه متأتية من حداثة النشوء وغرابة المسرح على الواقع الثقافي العربي . ولأن غالبية من كتبوا فيه كانوا من خارج الاهتمام به بل قدموا إليه من فنون أدبية مغايرة – إن لم نقل بعيدة – لذلك لم تخلو كتاباتهم من التأثيرات الصنعة في كتابة المسرحية الأجنبية . فاستعاروا أشكالها ومشاكلها – المضامين – ووضعوها في قالب محلي بعيد عن الهم العربي . وان اعتقدوا انهم قدموا نصا عربيا ظلت الأشكال بعيدة عن الطابع العربي . هذا الاستسهال في تناول الحياة العربية وكأنها بكامل صحتها وخلوها من المشاكل المهمة والكبيرة ، بل تناولوا المشاكل السهلة وكأن الحياة العربية لا هموم لها غير هموم الزواج والطلاق والعقم والإنجاب ، بل وان أرادوا التسيس فكأنما الموضوعات الطبقية ليست اكثر من عدم إمكانية زواج الفقير من الغنية وبالعكس من الأمور الطفيفة . فالواقع العربي ومشاكله الكبيرة التي يزخر بها تحتاج إلى مؤلفين عاشوا الواقع بكل مآسيه وامتلكوا القدرة على التحليل الفلسفي لذلك الواقع . إذن فالتأليف الذي نريد هو التأليف النابع من الواقع لا الذي يستعير الهموم والأشكال الجاهزة والمستعارة من الغير . إن المعادلة الغائبة في مسرحنا هي ندرة التعاون المثمر بين جهود الكتاب والمخرجين كما هو الحال في ازدهار التأليف عند الغرب نتيجة لهذه الجهود . وقد يكون سبب ذلك هو حداثة ظهور شخصية المخرج(1) وتفرده عن المجموعة المسرحية وغياب الكاتب الحقيقي في المسرح العربي وفق المواصفات التي حددناها . إن الجيل الأول من المخرجين لم يكن ليهتم إلا بالتأليف الجاهز والقريب من النصوص الأجنبية في أشكالها .
* الجيل الرائد من المخرجين
وقد ظهر ذلك جليا في أعمال الجيل الأول من " كبار المخرجين العرب أمثال : عزيز عيد ، زكي طليمات ، حقي الشبلي ، فتوح نشاطي ، في المشرق العربي . ومحي الدين باش طرزي"(2) ، علي بن عياد ، في المغرب العربي . ولو تعمقنا بعض الشيء في تركيبة هذا الجيل من المخرجين ، لوجدنا انهم جميعا بعيدين كل البعد عن طرح المفاهيم الاجتماعية والسياسية المؤثرة ، قريبين من الهموم السطحية القريبة من دغدغة الجمهور الأرستقراطي الذي يدخل المسرح لأغراض التسلية السهلة فقط . لذلك كانت أعمالهم لا تعدو أكثر من أعمال استهلاكية مكملة للحياة الأرستقراطية من حيث الموظة وال prestige . ساهمت هذه الأعمال مساهمة فاعلة في الهاء الجماهير بدلا من تنويرهم لتغير الواقع المرير الذي يعيشون فيه . إذ كان عمل هذا الجيل من المخرجين كما هو حال التأليف مقلدا للتجربة الأجنبية وهمومها كما أسلفنا ، لا يعدو اكثر من نقل مشاهداتهم الجاهزة الخالية من الإضافة والابتكار القريبين من الواقع العربي الذي يعيشون فيه . لكن لا يخفى أن يكون لهذا الجيل شرف الريادة وافضل في استمرار وديمومة الفن المسرحي عربيا . وبواسطتهم تم فتح المعاهد الفنية التي قدمت أجيالا من المسرحيين ساهموا في بناء الظاهرة وترصينها .
* الجيل الثاني
أما الجيل الثاني فقد اختلف كونه مر بظروف حربين عالميتين وسعت من مداركه إضافة إلى دراسته لفن المسرح في بلدان مختلفة امتلكت القدرة والإمكانية والتطور في هذا الفن من خلال امتلاكها العراقة والبداية والتاريخ الذي آل إلى الإرث الذي صاروا عليه من أولويات وآليات العمل . فأعطت الدارسين فيها ومنهم العرب قدرة التحكم بالذي تعلموه وما افرزه ذلك التعليم من خلق التعددية في الاتجاهات . بل لقد وضعتهم تلك الخبرة المكتسبة أمام مسؤولياتهم فكان لاختياراتهم التي كانت تحاكي واقعهم وتوجهاتهم ذات الخبرة العلمية والثقافة مما ميزهم عن جيل الرواد الذي سبقهم والذي تربى على الأفكار البرجوازية التي سادت في أيامهم . ورغم أن ثقافة الجيل الثاني كانت " ثقافة ليبرالية ، وطنية تقوم على فكر رجعي في الغالب "(3) .
اتسم عمل هذا الجيل في المسرح ، باعتبار أن المسرح كان أداة مهمة من أدوات التطور . لها اعتبارات في المسرح كونه ظاهرة حضارية اجتماعية وثقافية من واجبها التغيير والتطوير ونشر الوعي ، والارتقاء بالظاهرة انطلاقا من الفهم المتقدم لها . لقد اصبح في كل بلد عربي عدد من المخرجين تميزوا بتفكيرهم الخاص بكل منهم وأسلوبه الذي يميزه عن غيره والذي هو مزيج مما اكتسبه من تأثيرات ما شاهده ودرسه وتتلمذ عليه من أساتذته . مثل نبيل الألفي ، حمدي غيث ، سعد اردش ، في مصر . إبراهيم جلال ، جاسم العبودي ، جعفر السعدي ، في العراق . رفيق الصبان ، علي عقلة عرسان ، في سوريا . مصطفى كاتب ، عبد القادر ولد كاكي ، من الجزائر .. وسواهم من بقية الأقطار العربية . مع كل ذلك من التطوير والتنوير إلا أن اختياراتهم ظلت محدودة ومن دون ما تطور إيجابي يذكر لصالح التجربة ، أو لصالح التغيير الاجتماعي برغم أنها كانت في توجهاتها تقدمية الطروحات والاختيارات .
* الجيل الثالث
أما الجيل الثالث من المخرجين في المسرح العربي ، فكانوا الأكثر وعيا وتقدمية ، والأكثر إدراكا وإحساسا بما يحتاجه مجتمعهم . لاسيما وانهم الأكثر علمية من الجيل الذي سبقهم للأسباب الواضحة التي أهمهما تقادم الزمن على الظاهرة المسرحية الأمر الذي جعل أعمالهم تتسم بالدقة والموضوعية فكانت أكثر تأثيراً من الأعمال التي قدمها الجيلان السابقان عدا أسماء قليلة يمكننا أن نستثنيها لأنها واكبت التطور فأثرت وتأثرت بالجيل الثالث فزامنته وأستمرت معه وكانت رجالات مسرحية لجيلين منهم إبراهيم جلال وجاسم العبودي ، أما رجالات الجيل المتداخل الثالث والرابع فهم سامي عبد الحميد وقاسم محمد – الذين سنتناول أساليبهم الإخراجية بشيء من التفصيل في ما بعد – بدري حسون فريد و جعفر علي في العراق ، فواز الساجر وعلي عقلة عرسان وأسعد فضة في سوريا ، نجيب سرور وسعد أردش وكرم مطاوع في مصر ، الطيب الصديقي في المغرب .... وآخرون .
لقد عرفت مرحلة الستينات الفهم الحقيقي لعمل المخرج في المسرح المعاصر المتصف بالدقة في اختيار النصوص التي تعالج هموم الإنسان العربي وتتناول القضايا الجوهرية التي تخدم الواقع العربي فابتكروا أساليب جديدة من العروض المسرحية أكثر جذباً للمتفرج كونها الأقرب إلى همومه إضافة إلى التعددية والتنوع بالعروض المسرحية وخروج بعضها من القاعات المغلقة إلى الساحات ، والمقاهي ، والمدارس ، والمعامل ، والمستشفيات بل وفي أي مكان يتسع لتقديم تلك العروض ، كذلك التنوع في اختيار النصوص ، فقدموا (سوفوكلس ، وأرستوفان ، مثلما قدموا لشكسبير ، وموليير وغوركي وتشيخوف ، واونيل ، وابسن ، ودورينمات ، وبيتر فايس ، وميكان تيري ) وغيرهم من الكتاب الأجانب برؤى ومعالجات معاصرة ، إضافة إلى تقديمهم عروض مسرحية لجيل مبدع من الكتاب خلقتهم الثقة بإمكانات الجيل الثالث من المخرجين فظهر كتاب متميزون خصوصاً في مرحلة الستينات أمثال : نعمان عاشور ، عبد الرحمن الشرقاوي ، صلاح عبد الصبور ، معين بسيسو ، نجيب سرور ، يوسف العاني ، عادل كاظم ، نور الدين فارس ، طه سالم ، سعد الله ونوس وغيرهم وكان لتطور عمل المخرج والمؤلف في المسرح ، بحيث كان لكل مسرح مؤلفه الخاص نذكر على سبيل المثال من تجربة العراق ، يوسف العاني وعادل كاظم كانا مؤلفين لفرقة المسرح الفني الحديث ونور الدين فارس مؤلف لمسرح اليوم وطه سالم مؤلفاً لفرقة مسرح إتحاد الفنانين وسعدون العبيدي مؤلفاً لفرقة مسرح الرسالة ، وعلي حسن البياتي مؤلفاً لفرقة14تموز ..وهكذا ولو تمعنا بدقة أكثر لوجدنا أن لكل مخرج في مرحلة الستينات مؤلفه الخاص ، فعادل كاظم كان مؤلفاً لإبراهيم جلال ويوسف العاني كان مؤلفاً لسامي عبد الحميد وكان بعض المخرجين يكتب ويعد ويقتبس لنفسه أمثال بدري حسون فريد ، وقاسم محمد ، وغيرهم ونتيجة ولهذا التطور في التعاون بين المخرجين والمؤلفين ، أن ظهر الناقد المسرحي المتمكن ، إضافة إلى تفسير وتحليل النص الأدبي والتفاصيل الفنية الأخرى للعرض المسرحي .
* نقاد المسرح
فبرز كتاب كان لهم التأثير الإيجابي الكبير في تطور ظاهرة المسرح وظاهرة الجمهور وقد كان لهم جمهورهم الذي يثق بطروحاتهم ويرتاد المسرح اعتماداً على تلك الآراء التي كانت تحرج المسرح حيناً ويحرجها حيناً آخر ، من هؤلاء النقاد كان صادق الصائغ ، وثامر مهدي ، ومحمد الجزائري ، ود.جميل نصيف .. وآخرون وبمرور الوقت تسلل إلى جانب هذه المجموعة من النقاد كتاباً أثروا سلباً على مستوى النقد وأثروا سلباً على تطور الظاهرة المسرحية بالتالي . فإن بعض النقد بل أغلبه لا يعدو أكثر من مجرد انطباعات وآراء شخصية فيها الرضا أو عدمه حسب المزاج الذي يكون عليه من يكتب (الإنطباع – النقد)لأن النقد هو كشف للعملية الفنية بصيغ علمية وتربوية متقدمة لا يعرفها الفنان عن نفسه . " وهنا لا يوجد ناقد حقيقي سوى الجمهور باعتباره يجمع في تراكيب متعددة كل المعارف وهو الذي يحدد نجاح العمل المسرحي وفشله "(4) .
النزعة الإبداعية في المسرح العربي
في الإخراج العربي المعاصر ، هناك نزعتان أساسيتان :
• النزعة الأولى : المقلدة للمسرح الأجنبي ، والتي نقلت تجربة المسرح حرفيا وقلدتها في أدق التفاصيل شأنها بذلك شأن النشأة التي بدأ بها المسرح انطلاقا مما نقله النقاش وتأثيرات البخيل لمولير التي نقلها عن المسرح الفرنسي بحذافيرها . كذلك الحال مع بدايات الإخراج الذي كل مارآه النقاش أيضا حتى في نقل المواضيع الأجنبية وبالتفصيل الدقيق الممل . هذه النزعة أثرت سلبا في تطور المسرح وأبعدته في أن يكون للظاهرة العربية خصوصيتها في التمثيل أو في الإخراج ومن العوامل التي ساعدت في ذلك أيضاً توفر النص الأجنبي وشحة النص المحلي ، سوف نبتعد عن الخوض في هذه الظاهرة لأنها لا تشكل أهمية في خلق الخصوصية للمسرح العربي هويته التي تميزه .
• النزعة الثانية: هي التي حاولت التخلص من التأثيرات الأجنبية في التناول بالرجوع إلى التراث العربي ، منطلقين من كون التراث العربي مليء بالمضامين والأشكال التي تساعد في الوصول إلى سمات إخراجية تبعد المسرح العربي بعض الشيء عن التأثيرات الأجنبية .
فالصديقي مثلاً اعتمد أسلوب الإحتفال في المسرح وأكد على أن تحضير العرض المسرحي لا يجري أثناء البروفات أو البيت أو الباص فقط ، بل يستمر دائماً وبالأخص على خشبة المسرح ، وبمساعدة ومساهمة المتفرج(5) .
أو قاسم محمد الذي عاد إلى السوق البغدادي ، واعتمد على الباعة وهم يعرضون بضاعتهم وهم مقدمو وممثلو العرض المسرحي في مسرحية [بغداد الأزل بين الجد والهزل] فكانوا الوسيلة الأساسية في عرض أفكار المخرج في المسرحية أو استخدم المخرج إبراهيم جلال [عربة البضائع الجوالة] المعروفة في الوطن العربي ، عند إخراجه مسرحية [مقامات أبي الورد] تأليف عادل كاظم ، وكذلك في استخدامه للمقام العراقي وتأثيراته الموسيقية واللحنية على السامع في توصيل مفاهيم العرض بدلاً من الراوي التقليدي وهي طريقة شبيهة بالراوي في مسرح بريشت ، أو في استخدام جلال أيضاً لـ [الهوسة](*) كشكل ذي خصوصية عربية في مسرحية [المتنبي] لعادل كاظم أيضاً أو سامي عبد الحميد الذي نقلنا إلى أجواء الخليج العربي في إخراجه لمسرحية [هاملت عربيا] فأظهر الغواصين في الخليج العربي وغناءهم وهم يعملون بجد ويبحثون عن اللؤلؤ في أعماق الخليج . أو نبيل الألفي الذي استفاد من عملية تقديم النذور إلى [الأضرحة الدينية] كشكل عربي ديني في مسرحية [ يا سلام سلم ... الحيطة بتتكلم] للكاتب سعد الدين وهبة .
هذه الأشكال وأشكال أخرى كثيرة منها استغلال شكل التجمع على أبواب الجوامع اوالتحلق المأخوذ من حلقات المساجد ، التي تتميز بكونها حلقات تعليم ودراسة تعقد في الجوامع وبيوت الدين . و حلقات الذكر التي يصاحبها الغناء والرقص الديني كما في استخدامها عند الطيب الصديقي في مسرحية [ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب] أوعند قاسم محمد في مسرحية [مجالس التراث] الذي يثير الانتباه هو أن الإشكال المسرحية التراثية تقرب المسرح العربي شكلاً ومضموناً من شكل ومضمون [المسرح الملحمي] عند بريخت . هذا السؤال أثار انتباه المخرج الجزائري عبد الرحمن كاكي طرح السؤال التالي وهو : لماذا كل الأشكال المسرحية التي من خلالها نحاول تأصيل المسرح العربي تتهم بأنها بريختية ؟؟(6) باعتقادي الشخصي كباحث ومتخصص هو أن بريخت كان قد استفاد كثيراً من اهتمامه بفنون الشرق ، مثل فن الحكواتي – الذي يقابله الذي جعل بريخت يكرر شخصية الراوي في كتابة نصوصه المسرحية . فالحكواتي العربي إضافة إلى كونه يروي ويعلق على الأحداث يشارك في التمثيل أيضاً . ففي المقامات مثلاً نجد أن البطل يتميز: بالتعليق على الأحداث وبرواية أخبار بطل المقامات أبو الفتح الإسكندري . تارة في رحلاته وفي تجواله ،حين يكون الحكيم في المقامة البغدادية ، والمحتال في المقامة الفزارية ، والهارب في المقامة الأسودية .. وهكذا تتنوع أدواره في بقية المقامات .
وصل التأثر والتشابه في الأسلوبين التأصيلي العربي والبريختي حداً دفع ببعض الكتّاب أن يؤلفوا مسرحيات تتشابه حتى في أسمائها كما في مسرحية [على جناح التبريزي وتابعه قفه] لألفريد فرج التي قورنت من حيث تشابهها مع اسم ومحتوى مسرحية [بونتولا وتابعه ماتي] لبريخت مترجمة إلى العربية والتي عرقها صادق الصائغ وأخرجها للمسرح إبراهيم جلال بأسم [البيك والسايق] في بغداد . حين ابعد " كل شكوك المسرحيين العرب في العراق حول إمكانية التطبيق العملي لمبادئ مسرح بريخت واصبح معياراً لكل مسارح البلاد العربية الأخرى"(7) ، إن حب المخرج العربي بل تطرفه في التجريب جعله لم يكتف إزالة الجدار الرابع وحسب ولكن بلغ التصاقه بالمشاهد حداً لم يكتف معه بإيصال الأفكار له وانما كان يشعره بأنه جزء من اللعبة المسرحية إذ قام بتوزيع بعض من الممثلين في الصالة بين المتفرج أو استغل أبواب الصالة في الدخول والخروج إلى المشاهد .
* التأثير في شخصية المتفرج العربي
إن المسرح العربي كواقع جديد يطمح إلى تحقيق الشكل الفني الملائم لأن "يجاهد المسرح جهادا متصلا للاقتراب من تصوير الواقع قدر استطاعته "(8) من هذا المنطلق أدرك المخرج العربي ومن خلال علاقته الوطيدة بالمجتمع ميل الفرد العربي لأن يقتطع جزءا لتفعيل خيال المتفرج الوقاد . هذا الميل ذي الخيال الفعال دفع بالمخرجين إلى مخاطبة العقلية العربية التي تطمح بالثقافة الجاهزة المقدمة على صحن من ذهب شرط أن لاتكون جافة ، بل مشجعة على كل ما هو خيالي ابعد المخرجين عن الإيغال بالإيهام في إيصال المضامين حتى في المواضيع ذات الطابع الخيالي والأسطوري التي تتمتع بالمبالغة في الطروحات ، بل وتحقيقا لكامل المتعة في تصورهم قدموا معها لامن يروي ومن يقص ويحاكي ليفسح المجال أمام خيال المتلقي لأن يتمتع بتصوير خرافاته بالأشكال التي نشأت فيها بخياله وعبر الأزمان . أن من أهم ما حافظ عل بقاء شخصية الراوي في المسرحية العربية هو حاجة الجميع إلى إعمال الخيال في التجسيد . كما وان اهتمام المتفرج بالذات في ذلك دفع بالمسرحيين كتابا ومخرجين إلى اكتشاف [ الفرجة ] كعنصر مهم من عناصر التسلية الطموحة في المسرح العربي . و[ الفرجة ] هي الاحتفال ولا يبتعد تقديم أي عرض مسرحي عن أسلوب الاحتفال ومهما كانت صيغة وأسلوب تلك المسرحية بدءا من المسرحيات الأولى في تجارب الإغريق منذ [ ثيسبس ] وحتى [ اسخيلوس ، سوفوكليس ، يوربيدس ، ارستوفانيس ] وحتى آخر التجارب في المسرح . وانطلاقا من هذا الفهم فأن أسلوب التناول ينطلق من الفهم على اعتبار أن المسرح حفل يقيمه اثنان هما المتلقي والفنان الذي يقيم هذا الاحتفال وقد اتسمت أعمال الكثير من المخرجين أمثال الطيب الصديقي وقاسم محمد وآخرين بالاحتفالية وأسلوب الفرجة بل ولقد وجد البعض منهم كالطيب الصديقي إن اللجوء إلى التراث كتعويض عن غياب النص الذي يحقق الهوية العربية في العرض مضافا إلى ذلك أسلوب الفرجة والاحتفالية في الشكل هما اللذان منحا المسرح العربي شكله مع المضامين . وهي التي شجعت الصديقي إلى اختيار [ المقامات ] للهمداني و[ رسالة الغفران ] وكذلك قاسم محمد عندما اختار كتابات الجاحظ وأبو حيان التوحيدي وغيرهم من الذين منحوا للمسرح مضامينه الخاصة التي حققت تيارا لاتحققه لهم الاستمرار بالمضامين والنصوص الأجنبية . إن توجهات المخرجين تلك كانت من ابرز ما حقق للمسرح العربي مضمونا وشكلا خاصا به . وعلى منوال ذلك استمرت الكثير من التجارب .
إن أسلوب الفرجة أو ما تعارفنا عليه [ الاحتفالية ] فيجب إن يتحقق فيه ما يلي :
• توفر شخصية [ الراوي ] كعنصر أساسي من عناصر المتعة التي تمنح فرصة المتفرج التخيل عند المشاهدة لدى المتفرج العربي على وجه الخصوص . فهو في العرض راويا ويدخل الأحداث في الكثير من الاحيان ممثلا كما في شخصية [ أبو الفتح السكندري ] في المقامات ، أو شخصية الروزه خون* [ الحكواتي ] في القراءات الحسينية [ التعازي ] في عاشوراء ، الذي يتسم بالانسجام حتى البكاء ، ولكن سرعان ما يقطع ذلك البكاء بالرواية . وقد اتسمت اكثر المسرحيات التي كتبت بعد ذلك ومن قبل كتاب محدثين بانها كانت تحتوي على شخصية [ الراوي ] ، الذي تميز قسم منها بدخول اللعبة بشخصية رئيسية انفردت عن مجموعة التمثيل لتكتفي بالتعليق على الأحداث لتحكي عما دار وتنبئ عما سيأتي . كما في مسرحية [رأس المملوك جابر ] لسعد الله ونوس وهنا يأخذ الراوي وظيفة تشبه وظيفة [ الكورس ] في المسرح الإغريقي . وفي أحوال أخرى تكون معزولة عن الآخرين تماما تكتفي بالتعليق فقط كما في مسرحية [ ليالي الحصاد ] لمحمود دياب ومسرحية [ بعد أن يموت الملك ] لصلاح عبد الصبور ] . وامتازت مسرحيات أخرى بشخصيتين للراوي في العرض الأولى تمثل المؤلف والثانية تمثل المخرج اللذان يقودا العرض بحجة الاختلاف الدائم بينهما – كما يعتقد البعض والتساؤل كيف تؤول الأمور إذا كان المخرج هو المؤلف ؟ وهو كذلك في تأليف العرض حتى لو توفر للمسرحية مؤلف آخر – إذن هو الحب وانحياز إلى أن يكون في العرض شخصية للراوي بل شدة الحب له خلقت منه شخصيتين في العرض الواحد . كما في مسرحية [ فوانيس ] لطه سالم ، وزواج على ورقة طلاق ] لألفريد فرج ، و[حكايا نور الدين الصديقي ] للبناني بول مطر
وفيها – شخصية الرواي – يتنوع الحوار فأحيانا يكون نثرا أو شعرا ، وأحيانا أخرى مزيجا بينهما وقد يكون مرة مزيج بين الشعر والغناء – وهنا يحاكي شخصية الراوي في مسرحيات بريخت – .
• احتواءها على الموسيقى والغناء : فمنذ الأزل والعربي شغوف بذلك حتى أن المسلمين في مكة استقبلوا النبي محمد(ص) بالأهازيج والأغاني عندما دخل مكة ولعل الأغنية الشهيرة : طلع البدر علينا من ثنيات الوداع .. الخ . انهما – الموسيقى والغناء – وبسبب الولع التاريخي عند المتفرج العربي بهما جعل من المخرج يهتم بهما جدا في عروضه ، الأمر الذي قرب العرض كثيرا من نظام الفرجة .
• اعتماد التراث كليا في المسرح ، في الأشكال وفي المضامين . فعندما أدرك المخرجون العرب ما في ماضيهم من أشياء مهمة وذات قيمة توجهوا بقوة إليه ، واعتقدوا أن هناك إضافات تحسب لهم إذا ما استفادوا من التاريخ ومن التراث واستلهموا منه ما يمكنهم من التجديد في المسرح . وان هناك أشياء لم يعرفها العربي جيدا ولم يقف عندها ولذلك لم تشكل له تاريخه . فانصبت أولى محاولاته في التأصيل عليها وفي البحث فيها عن الأشكال والمضامين وهو ما فعله الصّديقي " عندما جعل المضمون الروحي والفكري والإجماعي لأعماله مستوحى من بلاده ، مشاكل مجتمعهِ ومن حياته وأخلاقهِ ، وضميره أثناء تفاعل ذلك كله مع الواقع ، ومع قراءاته وتأملاته ومن روح العملاق المتمرد في ذاته"(9) . وهذا ما يمكننا أن نطبقهُ على بعض المخرجين من جيله من الذين يحاولون التأصيل فقاسم محمد يعلل أسباب الغياب إلى كون المؤلف العربي هجين هذا إذا ما اتفقنا علة أن النص هو العنصر الأهم في العملية المسرحية فأغلب البدايات القديمة للكتابة المسرحية التي لا تمتلك مقومات نجاحها صنعت المسرح وصنعت المخرج ، عليه ونتيجةً لذلك فالمخرجون الرواد قدموا لمشاهد العربي شكلاً ومضموناً أوربياً ممسوخاً وباللغة الفصحى التي بسببها كره المشاهد المسرحية باللغة الفصحى ، وبالتالي فإن إجماع المخرجين في كون النص الأدبي يعتبر الأساس الأهم في العرض المسرحي ، نتيجة لغياب المؤلف العربي كان لا بد من تعويض هذا الغياب في المسرح ، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال سيادة دور المخرج – المؤلف ، فعلاً سادت هذه الظاهرة ولولاها فعلاً لتلاشى دور المسرح عند العرب .
* تجربة ثلاثة مخرجين
وسنتلمس في ضوء تجربة ثلاثة من المخرجين العراقيين أدراك التوجه الإنساني الواعي لمجمل المخرجين العراقيين والعرب الذين عاصروا هؤلاء الثلاثة ، رغم العديد من المشاكل التي اعترضت طريق إبداعهم . إن هؤلاء الثلاثة من المخرجين كأجيال تعاقبت وتقاربت فتداخلت أساليبهم رغم اختلاف بدايتها ، واتفقت في توجهاتها الإنسانية فشكلت جيلاً عاش تجربة المسرح في أزخر حقبة إبداعية شهدها المسرح العراقي والعربي لأسباب ذكرناها وهي – مرحلة نهاية الستينات ومرحلة السبعينات – فكنوا الجيل الأكثر وعياً وإدراكاً ، الجيل الذي ساعد على التكوين الرصين للأجيال التي أعقبته . ومن أهم الأسباب إمتلاكهم للحالة المسرحية فكراً وإبداعاً وتوجهات . وابتكارهم لأساليب جديدة في العروض المسرحية أكثر جذباً وقرباً من هموم المتفرج . كما انهم ساعدوا على خلق جيل مهم من المتفرجين الأذكياء ومجموعة من الكتاب والنقاد لا يستهان بعددهم ممن ساعدوا على ترصين الظاهرة المسرحية وتطويرها . كذلك سدوا النقص الحاصل من غياب المؤلف أحياناً فعرضوا ذلك الغياب بسيادة دورهم كمخرجين لحركة الواقع التي خدمت الهدف الأعلى للعرض المسرحي وطورت النص المكتوب من خلال أسلبته وعملها على تأليف العرض المسرحي إمتلكت الريادة والأهمية التي اقتضت تناول أساليبهم .
مديات الإبداع في تجربة رائدين مسرحيين عربيين
* أسلوب إبراهيم جلال(**) :
في المحصلة الناضجة لعمل المخرج إبراهيم جلال انه اعتمد في أسلوبه الإخراجي على سيرته الإخراجية الطويلة أولا والتي هي حصيلة من تأثرا ته فيما شاهده من أعمال مسرحية عراقية اكتشف ما ينقصها في حينه وسعى لأن يتلافى تلك النواقص . وكذلك من عمله مع حقي الشبلي وانقلابه على نوع العمل الذي كان الشبلي يمارسه لاعتقاد جلال أن عمله في المسرح خال من اللمسات الحديثة المعاصرة – وهذا النزوع جعل من إبراهيم جلال يخضرم زمنيا مع أجيال تتابعت وكلن فيها موقع جلال فيه في المقدمة لا يزاحمه أحد فيه -. كذلك ما شاهده من الأعمال التي قدمها جاسم العبودي الذي سبقه في الرجوع من الدراسة والرجوع منها ليكون مؤثرا في الوسط المسرحي بما حمله من أفكار – وكان يحسب للعبودي انه أول من نادى بنظام ستانسلافسكي الذي لم يكن وقتها معروفا في العراق . هذه التأثيرات المحلية مضافا لها ما قام به من أعمال سينمائية رائدة في العراق ومصر من خلال التعاون المشترك فيما بين البلدين وما حقق له ذلك من إفادة في مجال التمثيل في الأقل . يضاف إليها مرونته الجسدية كونه كان من الرياضيين المهمين في العراق له بطولاته التي أبرزها الملاكمة . هذا إلى جانب دراسته وتأثيراتها الايجابيةعليه عندما كان طالبا في أمريكا . وفي بحثه المتواصل في تجاوز ما كان يعتبره أخطاء في المسرح العراقي. حتى عاد بحصيلة جيدة من العلوم المسرحية ومن أول الداعين بمسرح [ برخت ] وكأنه بذلك أراد أن يثبت انه الآخر – أسوة بالعبودي الداعية الأول بستانسلافسكي – يدعو إلى ما هو جديد [ برتولد بريخت ] ودعوته إلى المسرح الملحمي و[التغريب] متوجا دعوته تلك بمجموعة من الأعمال يقف على رأسها [البيك والسايق] المعرقة عن [ السيد بونتيلا وتابعه ماتي ] . إن تجربة إبراهيم جلال التي امتدت إلى ما يقرب الخمسين عاماً استطاعت هذه المسيرة أن تنضج من أسلوبه في العمل مع الممثل أولاً ومن ثم وعبر الحس الذي يمتلكه في النظرة الجمالية الثاقبة للصورة المسرحية التي يمتلكها فطرياً – هكذا وصفه البعض من متابعيه الذين اعتبروا قصوره في التدوين النظري لتجربته قصور ثقافي في تكوينه المنهجي وهو رأي مبالغ فيه - أو من خلال مخزونه الفكري والثقافي وما خلقه من تكوينات جمالية على المسرح .هو ينطلق من ضرورة الإنسجام بين المخرج وفريق العمل ، هذا الانسجام الذي هو أساس لكل إبداع واعتبر أي اختلاف في وجهات النظر بين المخرج وفريقه سببا في نقص الإبداع في أية تجربة – وهو رأي يتفق معه الكثيرون فيه - وواحد من أهم أسباب في إنجاح أهم التجارب وفي تحقيق الهدف الذي من أجله تتظافر الجهود .
أما عن تكوين الصورة لديه فتتولد نتيجة التأمل … والحوافز التي يثيرها بالتجارب المخزونة كما أسلفنا فيتولد لديه الإيقاع الصوري المسند بالإيقاع الصوتي ، حواراً ، شعراً ، موسيقى ، غناء ، رقصاً … يقول إبراهيم جلال : " عندما أقرأ نصّاً مسرحياً أبداً بسماع نغم … وأرى صورة تعبر عن هذا النغم … فأحاول أن أصنع الهارموني في الصورة ، الحركة ، النغم ، كل ذلك لإعادة ترتيب الواقع ، لإضاءة العقل والروح لدى المتلقي "(10) إذن هو يسعى إلى التكامل في العرض مع تناول القضايا الأساسية لشعب ، الحال الذي جعلهُ يتجه في بحثه المستمر عن النصوص المحلية التي تابع تأليف البعض من نصوصها بإبداء الرأي والنصيحة والملاحظة ، فهو يرى إن في النص المحلي شيئاً ما يمكنه أن ينمو ويتطور ، ويتوازى بالأهمية مع النص العالمي في المحصلة النهائية تأليف العرض المسرحي . لقد أكد جلال أكثر من مرة إن ثقته بالمؤلف المحلي ثقة كبيرة لكن النقص ، أو قلة الوعي المسرحي العالمي ، وإدراك المفاهيم الإخراجية وأسسها لديه تدعوه كمخرج لأن يساهم في كتابة النص الأدبي ويضفي عليه الشكل . وكما يفعل مع النص ... كان يفعل مع بقية العناصر الأخرى هو يقول : " أنني في أكثر أعمالي أضع – أو أساهم في تصميم الديكور – ومثلها الملابس ، الإضاءة ، الموسيقى ... الخ ، لأنني مثلما أريد إمتلاك مضمون العمل ، أسعى إلى إمتلاك شكله "(11) . وعن تعامله مع الممثل لم يكن ليعطيه الحرية المطلقة في الحرية المطلقة في الحركة بل كان يقيده في أكثر الأحيان ، أنه يبرر ذلك كون الممثل المحلي لا يمتلك موهبة(الأداء التمثيلي) وإنما أكثر ما يعتمد عليه هو الإلقاء المبالغ فيه مع توظيف الحركات الإيمائية ذات المعاني الخاصة في الدور المسرحي ، أما عن المهمة التركيبية للتمثيل والعرض فلا يمتلكها غير المخرج ، وهو المسؤول الأول عن الصورة النهائية التي تحسن التكوين العام للمسرحية إضافة إلى التمرين وهو غير متهيئ وبالتالي عليه أن يلقن الممثل كل شيء لأن "المخرج الذي يملك طموحات أبعد من الحاضر يحتاج إلى ممثل مستعد على الفور لالتقاء رؤياه"(12) ، يعتقد المخرج إبراهيم جلال إن واحدة من أسباب تأخر المسرح العربي هو الممثل يغر الجاهز الذي يعتمد الحوار بعيداً عن التعبيرات النفسية الخالية من الفعل الفيزيقي (العضلي) – إن الممثل الجيد بالنسبة إليه هو المتمكن من جسده – كلغة تعبير هائلة عنده فالممثل لا يسعى إلى تطوير جسده كما لا يسعى إلى تطوير إلقائه أيضاً .
إذن فسعيه كمخرج نحو الممثل المتكامل ينطلق من كون أعمال إبراهيم جلال المسرحية وكما وصفها الناقد المسرحي ياسين النصير "إن المشاهد الأصم ، والمشاهد- الأعمى يستطيعان فهم المسرحية التي يخرجها إبراهيم جلال بوضوح شبه تام "(13) . ويعزو إبراهيم السبب في أسلوبه هذا ذو التدريبات المضنية إلى الممثل إذ يقول : "إننا نقضي نصف وقت التدريبات في تعليم أوليات المسرح"(14) وهو يصر أن لا يصعد الممثل على خشبة المسرح ليتمرن ما لم يكن مهيئاً وهو السبب الذي يجعله يتدخل يتدخلاً مباشراً حتى في أبسط الإيماءات لديه . والممثل طالما يدخل ضمن رؤى المخرج فما عليه إلا أن يقتنع ، ويسعى إلى التنفيذ ، فهو يبغي من عمله مع الممثل "ضرورة تغيير العلاقات المتغيرة للإنسان التي أساسها الموقف الإقتصادي والسياسي والإجتماعي الذي يسعى الإنسان لتغييره"(15) ، وهو أن يراعي في عمله مع المجموعة أن تكون متماسكة ساعية إلى الإبداع في كل واحد لا يتجزأ ، تتجه ، تتحرك ، تنفعل ، تقاوم تفعل فعلها وصولاً إلى الهدف الأعلى الذي يشكل أهمية كبيرة بل بالغة الأهمية عند إبراهيم جلال ، انه يبدأ بالمسرحية ، باستخلاص (فكرتها الأساسية) ويوجه كل الجهود باتجاهها ونادراً ما كان يخفق في الوصول إلى تلك الفترة ... انه في عمله مع المسرحية يعتبر (الفكرة) هي مركز دائرة العمل التي يربطها بالمحيط أوتاراً كثيرة يبدأ بشدها وتراً بعد آخر ، لتعزف بالنهاية سمفونية العرض المسرحي المطلوبة ، إن لكل جزء من أجزاء الخشبة فعلها ومدلولاتها في أسلوب جلال فهو " يراعي في توزيع الممثلين داخل الكتل " الإنتماء والموقع الإجتماعي"(16) .
* المسرح داخل المسرح
يسعى إبراهيم جلال إلى توصيل أفكاره وأفكار المسرحية باعتماده المبالغة في الأداء التمثيلي والإلقاء ليؤكد للمشاهد ، بأن هناك مسافة بين الواقع والتعبير عنه ، بين الحياة ومحاكاتها (أرسطياً) ، هو يدعو إلى ضرورة الإنسجام بين تهجين (تغريب بريخت) و(إيهام ستانسلافسكي ) وبهذا فهو في أسلوبه يسعى إلى خلق الإنسجام بينهما . وأن العرض المسرحي عنده يعني أداة فعالة في التغيير والتأثير والتثقيف ، فالمسرح فن أدراك الواقع والتعبير عنه . وبالرغم من هذا المزج بين (أرسطو – ستانسلافسكي – بريخت) في أسلوبه لكنها بعيدة عن تأثيرات التجربة الأوربية والسقوط في الشكلانية البحتة من دون الوصول إلى العمق التراثي الممزوج بالشخصية العربية في المسرح التي ينشدها . ولهذا فهو ينطلق من معرفة نوع المسرحية التي يتناولها وكذلك من معرفة الواقع الذي ينطلق منه ومن ثم يحدد عناصر المخاطبة التي تنطبق عليها والأشكال التقنية التي يستخلصها من النص المسرحي كوسيلة للإتصال بالجمهور ففي مسرحية (الطوفان) كان (ملحميا) كذلك كان في مسرحية (البيك والسايق) أما في مسرحية "فوانيس" فقد اعتمد أسلوب "الواقعية الرمزية(***) وشكل المسرح داخل المسرح ، في قيادته للعرض وإلى اثنين من الرواة هما (المؤلف) و(المخرج) في حين انه في مسرحية "الملحمة الشعبية" اعتمد الأسلوب (الإحتفالي) شكلاً وأسلوباً و (مسرح الفرجة) الذي اقترحه المؤلف لطرح الأفكار والأشكال في المسرحية فقد كان لكل عرض من عروضه أسلوبه الخاص في الشكل الذي يفرضه عليه المضمون ونوع المسرحية . إلا أننا في عروضه نستطيع أن نميز أسلوبه الخاص في استخدام التقنيات كذلك . وهكذا كان لإبراهيم جلال خصوصياته كمخرج يمكن أن نقول عنه أنه أب الإخراج الحديث في المسرح العراقي المعاصر .
* أسلوب سامي عبد الحميد(****)
اختيارات سامي عبد الحميد لنصوصه التي يخرجها ، يشترط فيها نصف النجاح – وهي مسألة مشروعة أما ميله إلى النص العالمي فهو الميل نفسه إلى النص المحلي والنصوص التقليدية ، والكلاسيكية وعنده تحمل ذات الأهمية بالنسبة للنصوص الطليعية والتجريبية . وفي أحيان كثيرة يتناول النص الأجنبي هروباً من غياب النص المحلي أو ندرته بل لا يأبه من شيء في اختياراته لنصوصه مهما صعبت فهو في مسرحية "السود" لجان جينيه كان قد تناول نصاً يعد " بمثابة مغامرة جزئية لما يتصف به هذا النص الدرامي من شكل متقدم في تكتيكه وبنائه الدرامي"(17) .لذلك نجده حريصاً على تطوير العروض المسرحية المحلية أملاً في الوصول إلى خصوصية محلية وعربية تحدد مكاناً مهماً لها في حركة المسرح العالمي – انطلاقاً من أن الفنان لا يمكن أن يكون عالمياً ما لم يكن محلياً أولاً ، وعليه فهو يشترط في اختياراته للمسرحية الأجنبية احتواءها على مضامين إنسانية عالية ، فثورة الزنج مثلاً تنتمي إلى الأدب الجماهيري الذي يمنح العاطفة حال سماع صوتها . إنها مسرحية تنقب على أسرار الثورة في الهزيمة والانتصار والموت"(18) . كذلك الحال مع بقية المسرحيات التي أخرجها مثل : (مهاجر بر يسبان) و(بيت برنا رد ألبا) و(هاملت) و(الخرابة) و(تموز يقرع الناقوس) و(القرد كثيف الشعر) ... وغيرها من المسرحيات هذه المسرحيات وغيرها من الاختيارات من دون أن يتنازل عن شرط احتوائها على أسباب نجاحها كونها تحمل الجديد والمهم – شكلاً ومضموناً – بالنسبة للمتفرج العراقي والعربي وكمحصلة أخيرة في تعامل سامي عبد الحميد مع النصوص عموما كما يقول هو في هذا المجال : "لا أتعامل مع كل مؤلف .. أنني انتقي ولا أتعامل مع نص لا يضيف إلى تجربة ما "(19 )لا يؤمن بوجود نص متكامل ومهما كانت قيمة هذا النص أو قيمة كاتبهُ عربياً كان أم أجنبياً كلها تخضع إلى مشرطه في الحذف والإضافة هو قد حذف "الشبح" من (هاملت) لشكسبير وهو في هذا يكون قد حذا حذو الفنان حميد محمد جواد عندما قدمها على مسرح الفنون الجميلة عام 1967 – واعتقد للأسباب ذاتها – كون عقلانية هاملت لا تسمح له بتخيل الأشياء – الغيبية – وهو رأي فيه الكثير من الصواب ، وسبق للروس أن حذفوا الشبح وفق تفسيرهم للحالة ماركسيا .
* هاملت عربي
لكن هذا الإجراء لم يرتفع كثيراً بالتجربة في تحويل "هاملت الدنماركي " إلى "هاملت العربي" وظلت هذه التجربة حبيسة لجوئها إلى تغيير الشكل الخارجي في (الملابس العربية ) والديكور وزخرفته العربية ، وخيامه الصحراوية " فما الذي وصل إليه ؟ " كما يتساءل الناقد جليل حيدر ، لقد " ظلت جهوده عند مستوى هذا الإتكاء على المظهر من دون الأخذ بمعطيات العمل المسرحي (من قوانين وشخصيات وأفكار وفلسفة"(20) . أو أجرائهِ الكثير من التغييرات في مسرحية " ثورة الزنج " فقد " قلص من حجم الحوار وحذف مقاطع فيها الدراما ضعيفة ، ولم يلتزم بإرشادات المؤلف عن الديكور فلم تظهر البوابة أو بيت من القرن الثالث الهجري ، ولم يظهر الحبل ولا الثلاجة أو المدفع الرشاش"(21) ، وقدم فصلاً على فصل على فصل آخر كما مسرحية (الخيط) لعادل كاظم لكن هذا التقديم لم يرتفع بمستوى النص أو العرض فمثلاً " هذا النص بحاجة إلى تدخل الإخراج كأداة فاعلة أساسية تقوم بعملية فرز جذرية للنص تستطيع أن تضفي على البناء الفني المضطرب تماسكاً أكبر"(22) ، أو في العرض الذي كانت بعض مقاطعه "تهبط حتى الضحالة وتقترب من التهريج وخاصة في مشاهدة المحكمة والحوار بين أسرة أبي فلانة"(23) وهكذا نجد أن التدخل في معالجة النص دون تدخل الإخراج لاتنهض بالنص بل توغل في هبوطه وعدم النهوض به ، لكن تبقى جميع النصوص تخضع كما أسلفنا وتتساوى في حتمية الحذف والإضافة من خلال تبريرات مقنعة في الكثير من الأحيان وتصب بالتالي في صالح تأليف العرض المسرحي فهذه الإضافات والحذوفات عنده تخضع إلى دراسة وفهم كاملين للطريقة التي يخرج بها المسرحية ، لكنه أحياناً يخفق في اختياراته أو يعجز البعض منها فتسقط تلك العروض فلا التعريق أسعف مسرحية (أوديب ... أنت الذي قتلت الوحش) للكاتب علي سالم ، ليجعل منها مسرحية ناجحة أو مقبولة جماهيرياً . وكذلك مسرحية (مهاجر بريسبان) للكاتب جورج شحادة التي لم تخضع للمشرطة كثيراً فبقي النص فيها " فضفاضاً يستاهل التشذيب والحذف حتى يترصن (...) ولم نلمس في إخراجه سيطرة كاملة على جو المسرحية وانقلبت سخريتها الشعبية اللاذعة والرزينة إلى نوع من التهريج العادي"(24) .
إن النص الذي يستهويه هو النص الذي تتماثل صوره في مخيلته منذ (القراءة الأولى) كما يقول هو ، أو " الإنطباع الأول " كما يطلق عليه ستانسلافسكي ومن المؤكد أن هذه الصور تتطور تدريجياً في ذهن سامي عبد الحميد وصولاً إلى فكر المخرج – أي ما يطمح إلى تقديمه للجمهور ، فهو يسعى جاهداً إلى " إيجاد لغة فهم متبادلة بين ما يحدث على خشبة المسرح وصالة المتفرجين "(25) .
يجمل سامي عبد الحميد تجربته المسرحية بنقاط نلخصها بما يلي :
*] إيمانه بجماعية العمل *] المخرج بتقديره مؤلف العرض المسرحي . *] النص في تقديره غير مكتمل يحتاج دائما إلى إضافات والى حذف وتشذيب *] العمل في المسرح هو نوع من التجريب الدائم . *] يعطي الحرية الكاملة للممثل ويعتقده مصدر الهام المخرجين والملهم لهم في إبداعهم . *] الديكور والإضاءة والملابس وبقية مستلزمات العرض هي ضرورية جدا ويوليها أهمية استثنائية [...] حتى أنها تطغى أحيانا على أهم تلك العناصر ألا وهو التمثيل "(26) ، وله تعريف خاص لا يتنازل عنه للسينوغرافيا ، ويعتبرها الإضاءة(27) . هو يدعو إلى جاهزية الممثل الذي يعمل معه ، وهي صفة ليست بالمنبوذة ، فمخرج له هذا الباع الطويل في العمل لابد له من ممثل يتميز بتكنيك حاذق و منتخب قادر على تأليف تعاليمه وصولا إلى عرض متكامل قدر الإمكان . هو يطلب ممثلا يتدرب خارج التمرين رغم تميزه بطولة البال مع الممثلين غير المكتملين فنيا أحيانا ، حتى انه محط انتقاد لبعض اختياراته للمثلين الذين يتعاونون معه في تقديم أعماله المسرحية . لدرجة انه يمثل أمامهم حركة وصوتا ما يطلب منهم تحقيقه وتصل بهم الحالة من اجل الوصول إلى ما يريد انهم يقلدونه تقليدا يجعلهم نسخا ممسوخة منه في الصوت – الذي يتميز به – وفي الحركة أو في كلاهما . وان الخطورة التي تحملها هذه الطريقة أنها تمسخ شخصية الممثل لتذوب في شخصية المخرج سامي عبد الحميد . فهو إذن " يمتلك اتجاه أشكاله المسرحية موقف ما . أفكارا تبدو واضحة أحيانا وغامضة أحيانا أخرى "(28) . إن إيمانه بالشخصية المسرحية وحجمها في تقديره الذي تتجاوز فيه إمكانية أداءها من قبل ممثل واحد يدعوه أحيانا إلى إسناد الشخصية الواحدة إلى اثنين من الممثلين ، كما حصل ذلك في مسرحية [الإمبراطور جو نز] حين اسند شخصية (جو نز) إلى اثنين من الممثلين وكذلك في مسرحية [جلجامش] حين اسند شخصية(اوتونابشتم) إلى ممثلين اثنين بدلا من واحد .
إن خشبة المسرح من مفهوم سامي عبد الحميد ما هي " إلا ساحة كبرى يلتقي فيها المؤلف بالممثلين ، وتتعالى فيها صيحات المخرج حين يصدر أوامره إلى الممثلين " (29) . وبناء عليه خرج بالمسرح من العلبة الإيطالية إلى أماكن متعددة ومنها (المسرح الروماني) في آثار بابل حين قدم كلكامش أو حديقة (الجمعية البغدادية) حيث قدم مسرحيتي (في انتظار كودو) و(بيت القشبة) التي أعاد تقديمها ثانية على (مسرح بغداد) لأسباب يجملها سامي عبد الحميد لكون هذه المسرحية " لم يشاهدها سوى العدد القليل من المشاهدين لذلك رأينا إعادتها كما أخرجت سابقاً . إن ملائمة موضوع المسرحية ومكان أحداثها لبعض المناطق في بلدنا هو الذي حدانا إلى اقتباسها " (30) ، كما حور أكثر من مرة في شكل صالة العرض التقليدية والمسرح ففي مسرحية (الخان) ليوسف العاني شغل الديكور جزأين من المسرح وصالة المتفرجين ، وأجلس المتفرجين بالأماكن التي تحيط بهذا الديكور سواء على المسرح أو في الصالة ، وفي (بيت برنارد البا) للكاتب (لوركا) وكذلك كان العرض فيها داخل قفص حديد كبير يشبه السجن يتوسط قاعة العرض وأحتل المتفرج خشبة المسرح والمتبقي من فراغ القاعة ، وتجارب أخرى كما في المسرح الدائري في كلية الفنون الجميلة ... وغيرها فهو يقول : إنني أتفق مع ماكس راينهاردت في أن لكل مسرحية مسرحها (31) ، وهذا الإنتقال والتنوع في أماكن العرض تبعه تنوع كبير في المناظر فلقد استعان بفنانين كبار في الفن التشكيلي من أمثال كاظم حيدر ، وسعد الطائي ، وإسماعيل الشيخلي ، وبالموسيقى بفنانين كبار أيضاً أمثال طارق حسون فريد ، وشهرزاد قاسم حسن وغيرهم كذلك أولى اهتماماً في إسناد الفعل الدراماتيكي "(32) ، هو يؤمن إيماناً قاطعاً بأن خيال مصمم الديكور يضيف خيالاً جديداً مغايراً ومطوراً لخيال المخرج . إن سامي عبد الحميد ينطلق في معالجاته وأسلوبه من فرضيات يحددها أسلوب المسرحية ، فهو (واقعي) في الطرح حين يخرج مسرحية مثل (الخان) . أما في مسرحية (الخرابة) التي يكتب عنها في منهاج المسرحية (البروكرام) إن ما يجري على الخشبة ليس وهماً وانما أحداث واقعية حدثت فعلاً .. أضاف لها المؤلف من خياله .. لذلك رفعنا الجدار الرابع واولنا الوهم المسرحي المعهود وأشركنا المتفرج في الأحداث بوعي وليس بإندماج (33) . و(رمزياً) في (بيت برنارد البا) للكاتب (لوركا) موغلاً في الرمزية حين يصنع بيتاً (قفصاً من حديد) أقرب إلى السجن (حديد) لتجري داخلهُ أحداث مسرحية(بيت برنارد البا) ويضع هذا السجن في منتصف الصالة بدلاً من المسرح . وهو وثائقي تسجيلي في مسرحيتي " المفتاح " و" الخرابة " .

* أسلوب قاسم محمد
هو المخرج الذي ينطلق من الوسط الشعبي في معالجاته الإخراجية باحثاً عما يشغل هذا الشعب ، ويحفز الأذهان ، فيشغلها بهموم وتساؤلات ومخاوف ذلك الوسط .
يقول " أنا أتوجه إلى الشعب الذي بأعظم الأدوار دون أن يعرف شيئاً من التمثيل " (34) دائماً يستفزه الناس الشعبيون ، يحاول ويجتهد أن يأخذ منهم ويكتب عنهم من أثرهم الروحي ، والعقلي ، من مخيلتهم التي تخزن الكثير وذاكرتهم الوقادة أنه يمسرح واقعهم هذا يمتلك من خزين فني عال جعلته الدراسة والتجربة والمعايشة انه يحاول أن يقدم حكايات شعبية بشكل مسرحي متقدم ، ولا يقدم مسرحية عالمية بهذا الشكل المتقدم يقول " أنا مسكون بهؤلاء الناس هم هاجسي الأول والأخير " (35) إن أعمال قاسم محمد الإخراجية التي أعدها أو ألفها إعتمدت أسلوب التجميع والتوليف (الكولاج) وإن الذي جعل قاسم محمد يلتجأ إلى كتابة النصوص المسرحية التي يخرجها هو سبب غياب المؤلف المحلي الذي يمتلك الحرفة والإبداع والإبتكار وهذا التوليف والتجميع الذي لجأ إليه قاسم محمد يسميها (الحالة المسرحية) التي تخضع لقوانينها الخاصة ويقول " إن عدم خضوع هذه الحالة المسرحية – نصاً وعرضاً – للأساليب التقليدية لا يعني أنها لا تخضع كلها أو بعض منها لقانون ما ، إن الشيء الأكيد هو إن هذه الحالة المسرحية تخضع لقوانينها الخاصة " (36) ان مصادرها " الواقع ، الحلم ، طيف المنام ، الناس ، الكتاب ، اللوحة ، الشعر ، التأريخ ، الأسطورة ، سماعي للغة أجنبية لا أعرفها ولا أفهمها ، ومحاولتي الخيالية في ترجمتها (...) أضف إلى ّلك الأدب .. الرواية بشكل خاص " (37) . أما أسلوبه في تجسيد (الحالة المسرحية – العرض المسرحي ) إخراجاً فتقبل المساهمة الفاعلة من قبل مبدعيها الممثل ، والعاملين ولكن كل بالحدود المسموح بها إبداعاً شرط أن لا تتجاوز المخرج ، وبعد شرط فهم الخطة الإبداعية والإيمان بها بشكل قاطع ، انه أسلوب يسمح بالإبداع والإضافة والإكتشاف بما يطور عمل كل واحد من هؤلاء من خلال التمارين بل حتى خلال أيام العرض لأن عنصر المشاهدة مهم عند قاسم محمد ، والمتفرج لديه مساهم في بناء العرض المسرحي . وان النص الذي يكتبه قاسم محمد لا يأخذ شكله النهائي إلا عند انتهاء أيام العرض وهو أسلوبه في التأليف – غاية في الجدة في مسرحنا العربي . ومعروف عن قاسم محمد أنه يعرف ما يكتب بل ويعرف جيداً إلى أين سيصل ، يقول " أنني أرى بوضوح ما أكتبه ، إنني أكتب وألاحظ أيضاً حركة الشخوص وتنفسهم " (38) من هنا نستطيع القول بأن عمليتي التأليف للنص وإخراجه / هما عملية واحدة عند قاسم محمد ، حين يبدأ بكتابة النص إنما يشرع بالإخراج أيضاً ، وما يكتبه من ملاحظات وحوار ما هي إلا تحديدات لتفاصيل الخطة الإخراجية ، ولا غرابة إذا ما خضعت هذه الخطة للحذف والإضافة ، فاستقرارها النهائي لا يتم إلا بعد انتهاء عرضها على المسرح – كما أسلفنا – وبذلك نجد أن أغلب نصوص قاسم محمد المعدة ، أو المكتوبة تأخذ شكلها النهائي بعد مساهمة كل عناصر العرض المسرحي فيها ، إضافة للمتفرج ، ومقدار تقبله أو رفضه لأجزائها . انه يؤكد دائماً إن " لا وجود لأزمة النص ، والمشكلة في الفنان نفسه " (39) انه تجاوز هذه الأزمة ًبل ويجزم بأن " المخرج الكاتب هو مستقبل المسرح "(40) مع إصراره وتأكيده بأنه لم يكن يوماً أديباً مسرحياً ولا مؤلفاً لنصوص مسرحية ، وإنما هو مخرج ومؤلف لعروض مسرحية .
لقد عاب البعض على قاسم محمد انه الكاتب والمخرج الدائم لنصوصه الأمر جعله يتقيد بمنظوره الخاص تأليفاً وإخراجاً ، في حين " لو أن مخرجاً غيره أقدم على إخراج نصوصه المسرحية ربما كانت التجربة ستكسب إضافات إبداعية أخرى " (41) هذا الرأي على قدر كبير من الصواب إلا أننا لمسنا العكس عندما فشل واحد من كبار مخرجينا المسرحيين إبراهيم جلال في إنجاح مسرحية (الملحمة الشعبية) رغم المساهمة الفاعلة فيها لقاسم محمد ومشاركته بها مؤلفاً وممثلاً لأحد أدوارها الرئيسية .
إن قاسم محمد يدعو إلى ضرورة النهوض بالنص المحلي ويرى أن تقديم العروض الأجنبية تطويراً لذوق المتفرج ، علماً بأننا حين نبحث عن العمل الأجنبي في كل أعمال قاسم محمد – التي تربو على الستين عملاً – سوف لن نجد فيها غير بضع مسرحيات لمؤلفين غيره – وغالباً ما يكونون أجانب أما البقية فهي من توليفه أو إعداده أو تأليفه . يقول عن أعماله التي كتبها بنفسه " إنني اسمعها وأراها جيداً ، وأستخدم لتنفيذها كُل ما هو منجز ، ما عدى الناحية التكنولوجية (...) لأن مسرحنا في العراق يفتقر إلى هذا "(42) ، رغم أن جل هموم قاسم محمد تنصب في تقديم مسرح يتميز بالمكونات الفكرية والتقنية العالية ، حيوي مؤثر ، " ومحرك لأكبر قدر ممكن من خلايا الدماغ الخاملة ، وتحويلها إلى خلايا نشطة مفكرة سواء على صعيد المتلقي أو المؤدي " (43) وذلك بالإهتمام الكامل لما يدور أمامه في الحياة ، بل أنه لم ينس وصية أستاذه زافادسكي(*) في : أن لا يمر من جانب الحياة بلا مبالاة ، فلا صغر ما فيها أهمية ولا كبر ما فيها أهمية ، ختمها بقوله : كن مباليا وتفاعل مع الإنساني ، وتذوق وتعايش مع المحلي . إن قاسم محمد يتحدث عن كيفية اختياره للنص الذي يخرجه فيقول " إنني لا أتعامل مع كل مؤلف ، ولكنني أتعامل مع نص أستطيع أن أضيف إليه وأعمقه ، بحيث يحافظ على روحية النص المكتوب "(44) . لقد كانت فترات ازدهار المسرح فقط عندما ابتعد المسرح عن المسرحيات المكتوبة ، وخلق السيناريوهات الخاصة(45) . أما في الأداء التمثيلي ، فيؤكد قاسم محمد الوجه الإنساني في الفهم أو التجسيد ، أي التوصل إلى الصدق الذي يعتري الممثل " في اللحظات المناسبة لمجيء المشاعر والأفكار والخلجات بدون مكياج مسرحي "(46) ويجعل الممثل يصل إلى كل ذلك باعتماد البساطة في التعامل مع المستلزمات المسرحية الأخرى ، وهذا واضح من خلال عروضه واستخداماته البسيطة للأدوات المسرحية أو المتممات المختزلة جدا والضرورية جدا . أي أنه يلغي كل ما ليس له حاجة . انه يصل إلى الضروري من خلال تحفيز ذهن الممثل ، وتفجير طاقاته ، وصولا إلى التصور الكامل للشخصية ، والجو العام وبالتالي إلى [فكر الشخصية] وسلوكها واندماجها في الجو العام ، والتحامها مع بقية الممثلين كواسطة للوصول إلى الهدف الأعلى . وفي مسرح قاسم محمد يتم العمل مع الأدوار الكبيرة والصغيرة بنفس الأهمية ، لأنها جميعا تعمل من اجل الهدف العام للمسرحية . ففي [بغداد الأزل بين الجد والهزل] كان يعمل مع الشحاذين من ذوي الأدوار الصغيرة بنفس الأهمية التي يعمل فيها مع الشخصيات الأساسية مثل [أشعب] ، [رشا] ، [البخيل] . كذلك عمل مع الشخصية الثانوية[طه المؤدب] في مسرحية [النخلة والجيران] بالأهمية ذاتها التي عمل بها مع شخصية [حسين] أو [سليمة الخبازة] . كان يطلب من الجميع وفي كل مسرحياته أن يوصلوا المهمة الدقيقة من الدور بالاعتماد على قدراتهم ومساعدتهم في العمل على إيصال أفكارهم عن طريق الإيحاء حين يخاطب ممثليه :
إن ملاحظاتي الرئيسية لهذا اليوم هي : افعل الأشياء
دون تردد حتى لو كنت على خطأ (47)
كما لا أنسى قوله عند عمله على مسرحية [أضواء على حياة يومية] وهو يشير إلى الديكور :
هذا بيتكم ، وانتم فيه سكنوه ، تصرفوا كما لو كنتم
في بيتكم الحقيقي . كيف كنتم ستتصرفون ؟
وكيف كنتم ستتعاملون مع بعضكم ؟؟
تصرفوا ، وسنتعاون على تقويم الخطأ . وتأكيد الصحيح .
من هنا يتضح أن قاسم محمد يحفز ذهن الممثل ، ويحرك دواخله .. وهو بالتالي يعمل كالنحات في إزالة الزائد من الصخرة التي ينحتها . وهذا ما يجعل من قاسم محمد يحب العمل مع الفنانين الهواة بسبب صيرهم وقلة مشاغلهم ومشاكلهم ، وحماسهم للمسرح ، وكذلك لأنهم مستعدون للتضحية من أجل المسرح ومن أجل أنفسهم زكما يذهب قاسم محمد حين يقول " ولعلي أستطيع تنفيذ أفكاري بحرية أكبر مع الفنانين الهواة لعدة أسباب منها : أنهم أكثر مرونة وتقبلاً للأفكار الجديدة من الممثلين المحترفين ، وبالتالي أستطيع العمل معهم في أي وقت " (48) بقي أن نعرف أن قاسم محمد يهمه كثيراً (العمل على الطاولة ) لأنه يعطي ما يريده كخطوط عريضة – على الطاولة – فقد خبرته من خلال عملي معه مساعداً في مسرحية (حكاية الرجل الذي صار كلباً) لأوزوالدور دراكون – انه كان يصب كامل التصورات التي يطمح في تنفيذها ، حتى إني سجلت له تقريباً كل ما قاله على الطاولة ، وعند الإنتقال إلى خشبة المسرح كنت أُلاحظ الدقة في تنفيذ ما قاله على الطاولة بل كنت أذكره أحياناً عندما يتجاوز ملحوظة قالها أثناء العمل على الطاولة . وعليه فهو حين يترك ممثليه دائماً بالفهم الدقيق للكلمة ، وما تعنيه فهو دائم المخاطبة لهم أن :
- " ابحثوا عن مضامين الكلمات ، ودلالات الحوار ،
ولتكن الكلمات مطية العاني .. فليس الحفظ بالأمر
المهم ... افهموا أولاً قبل أن تحفظوا ، لأن الفهم
هو الذي يضعكم في قلب الدور (49)
من هنا يتأتى إيمانه بمقولة (كونفوشيوس) " الرجل العظيم يحزنه عدم إكتمال إمكاناته ومواهبه ، أما الرجل غير العظيم فيحزنه عدم إكتراث الآخرين بموهبته " (50) له الخصوصية المتفردة في التعامل والعمل على تحقيق بقية عناصر العرض . وأهميتها عنده لا تقل عن أهمية عمله مع الممثل ، رغم أنك تراه في الكثير من الأحيان متقشفاً ، فقيراً ، لكن غناه في تحقيق العرض الكبير متأت من ( العمق في البساطة ) التي يؤممن بها . هو يعتقد بأن العناصر يضعف الممثل الذي هو العنصر الفعال والديناميكي في مسرح قاسم محمد ، فللموسيقى نفس أهمية الملابس ، وأهمية اللون توازي الحركة في أهميتها ، ولبقية المستلزمات المكملة ذات الوزن وذات التعامل المتفق والمنسجم مع عمل الممثل وعمل الديكور وبالمحصلة النهائية فإنها جميعاً تتلاحم في وحدة فنية منسجمة في كل شيء .

الهوامش
1) إن ظهور شخصية المخرج بمفهومها المعاصر [مفكر،وقائد،ومنظم] في دوقية ساكس مايننغتن عام 1847 . تزامن مع ظهور محاولة مارون النقاش في تقديم مسرحية [البخيل] مقتبسا لها من المسرح الفرنسي ومخرجا وممثلا عام 1847.
2) سعد أردش : المخرج في المسرح العربي المعاصر ، مجلة الأقلام ، العدد6 ، بغداد 1980 ،ص33 .
3) نفس المصدر السابق : ص38 .
4) قاسم محمد : لقاء معه ، مطلوب تبادل الخبرة والتجربة من اجل مسرح عربي متكامل ،مجلة مرآة الأمة ، أجرى الحوار : ازدهار سلمان ، العدد771 ، السنة السادسة ، 3/ديسمبر/1986 ، ص77 .
5) تمارا الكسنادروفا بوتنتسيفا : ص245 .
*) الهوسة العربية : هي أشعار شعبية ، تلقى منغمة لاستثارة المشاعر والهمم عند الحروب أو استقبال عزيز أو في مناسبات التشيع ، والأعراس ، وغيرها من المناسبات المهمة .
6) لقاء مع عبد الرحمن كاكي: مجلة المعرفة ، العدد34 ، السنة الثالثة ، دمشق 1964 ،ص304 .
7) تمارا الكساندروفا بوتنتسيفا : ص251 .
8) أ.ب.تشارلتن : فنون الأدب ، ت: د. زكي نجيب محمود ، القاهرة 1956 ،ص189 .
9) عبد الرحمن بن زيدان : الطيب الصديقي والاحتفالية ،مجلة الأقلام ، السنة16 ، العدد4 ، بغداد آذار 1981 .
**) إبراهيم جلال : ماجستير في الإخراج المسرحي – أمريكا / معهد كودمان ثيتر ، يعتبر واحد من أهم المخرجين العرب ، عمل أستاذا للإخراج والتمثيل في أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة – في بغداد ، وأحد مؤسسي المسرح في دولة الإمارات العربية ، شغل منصب نقيب الفنانين العراقيين لاعوام طويلة ، حائز على العديد من الشهادات والجوائز .
10) إبراهيم جلال : المسرح بلاغة الحياة ، جريدة الجمهورية ، العدد4845 ، بغداد 1982 ، ص6 .
11) عامر بدر حسون : رحلة الصحون الطائرة ، جريدة الفكر الجديد ، بغداد 15/10/1982 ، الصفحة الأخيرة .
12) نفس المصدر السابق : الصفحة الأخيرة .
13) ياسين النصير : وجها لوجه ، مطبعة دار الساعة ، بغداد 1976 . ص49 .
14) إبراهيم جلال : البحث عن هوية متميزة للمسرح العراقي ، جريدة الفكر الجديد ، العدد278 ، بغداد 1978 ، ص4 .
15) نفس المصدر السابق .
16) علي مزاحم عباس : إبراهيم جلال مخرجا من خلال مقامات أبي الورد ، مجلة آفاق عربية ، العدد5 ، بغداد 1979 ، ص124 .
***)الواقعية الرمزية : تيار أدبي ، شاع منذ ثمانينات القرن التاسع عشر، في ظاهره معاد للسياسة أما في حقيقته فهو تيار انحطاطي ورجعي ، يدعو إلى الفصل بين الفن والحياة الاجتماعية ، ويرفع شعار [الفن من اجل الفن] ، من ابرز دعاته الكاتب والشاعر النرويجي المسرحي [هنريك ابسن henrik ibsen 1828-1906] .
****)سامي عبد الحميد : مخرج وممثل وباحث أكاديمي وأستاذ جامعي ، نال البكالوريوس في القانون – جامعة بغداد عام 1950 ودبلوم الأكاديمية الملكية لفن الدراما – لندن 1963 ، ماجستير في العلوم المسرحية/جامعة اريغون – أمريكا-1976 . حصل على الدكتوراه في الإخراج المسرحي من جامعة بغداد عام 2004 .
17) عصام محمد : جان جينيه على مسرح الأكاديمية ، الطليعة الأدبية ، العدد8 ، بغداد-آب/1983
18) صادق الصائغ : ثورة الزنج إضافة غنية للموسم المسرحي .
19) ياسين النصير : وجها لوجه ، ص49 .
20) جليل حيدر : هاملت بين شكسبير وسامي عبد الحميد ، مجلة ألف باء ، بغداد 6/6/1973 .
21) علي مزاحم عباس : ثورة الزنج ، المسرحية الفائزة بجوائز يوم المسرح العالمي ، جريدة الجمهورية ، بغداد – الأربعاء 23/4/1975 .
22) سلوى زكو : الخيط بين التأليف والتهريج ، مجلة الأقلام ، العدد6 ، بغداد – آذار/1980 ، ص4.
23) نفس المصدر السابق : ص4 .
24) علي مزاحم عباس : لم تتألق مهاجر ، جريدة الثورة ، بغداد 1/4/1975 .
25) د . عقيل مهدي : جان جينيه كما قدمه سامي عبد الحميد-استبعاد الذاكرة ، جريدة الجمهورية ، بغداد 18/3/1983 ، ص5 .
26) باسم الأعسم : كليوباترا – طرازية العرض المسرحي ، جريدة القادسية .
27) سامي عبد الحميد : تجربتي في التمثيل والإخراج ،مجلة الأقلام ، العدد6 ، بغداد 6/آذار/1980 ،نسخة المركز الوثائقي للمسرح ، ص4 .
28) سعد هادي : خمس نساء في بيت ، مجلة الفنون ، العدد19، بغداد - الاثنين 18/كانون الثاني/1978 .
29) ؟ : ثلاث حكايات ضاحكة وحزينة عن الإنسان ، جريدة الثورة ، بغداد – 26/3/1969 .
30) ياسين النصير : وجها لوجه ، ص41 .
31) علي حسين : سامي عبد الحميد ، مطبوعات دار القادسية للطباعة ، بغداد 1983 ، ص74 .
32) علي حين : نفس المصدر السابق ، ص69 .
33) سامي عبد الحميد : كلمة المخرج ، منهاج مسرحية الخان ، تأليف يوسف العاني ، تقديم فرقة المسرح الفني الحديث .
*****) ينحدر قاسم محمد من أسرة كادحة ، باحث ومخرج ومؤلف ، تتلمذ على يد يوري زافادسكي ، أنهى دراسته في موسكو – معهد الدولة للمسرح ، ألف واخرج العديد من المسرحيات ، نال
العديد من الشهادات والجوائز .
34)مقابلة ميدانية أجراها الباحث .
35)قاسم محمد : مسكون بالناس الشعبين ، لقاء – جريدة الأنباء الكويتية ، 23/7/1985 ، ص12
36)منهاج مسرحية : حكايات العطش ، والأرض ، والناس ، كلمة المؤلف –المخرج .
37)قاسم محمد : لقاء ، رحلة الكتابة والتمثيل والإخراج ، مجلة حراس الوطن ، بغداد – 1/11/1986 ، ص 46 .
38)عزيز عبد الصاحب : لاترسم عصفورا ناقصا ، يوميات مسرحية ، مجلة الأقلام ، العدد9 ، السنة 15 ، بغداد – حزيران 1980 ، ص 46 .
39)قاسم محمد : لقاء ، جريدة الجمهورية ، بغداد – الأربعاء 31/10/1989 ، الصفحة الأخيرة .
40)قاسم محمد : لقاء ، مجلة صوت الخليج ، العدد 824 ، بغداد 18/نيسان/1979 ، السنة 16 ، ص42 ،
41) إبراهيم جلال : البحث عن هوية للمسرح العربي ، ص4 ،
42) قاسم محمد : لقاء ، قاسم محمد يتحدث عن أسلوبه الفني واستقصائه لمصادر أعماله ، أجرى اللقاء : ناديا شداد ، جريدة الثورة السورية ، العدد 1974 ، الثلاثاء 15/آيار/1979 ،ص7 .
43) قاسم محمد : لقاء ، المختبرية والتجريب أقصر الطرق لمعالجة أزمات المسرح ، مجلة الطليعة العربية ، العدد179 ، 13/10/1986 ، ص46 .
*****) يوري زافادسكي : واحد من أهم الفنانين المسرحين الروس ، مخرج ومربي وباحث مهم ، وهو واحد من طلاب ستانسلافسكي .
44) ياسين النصير : ثلاث نماذج من الإخراج المسرحي المحلي ، مجلة السينما والمسرح ، العدد 10 ، بغداد – تموز 1974 ، ص 79 .
45) الكسندر تاييروف : الحياة المسرحية .
46) قاسم محمد : منهاج مسرحية ، حكاية العطش والأرض والإنسان .
47) عزيز عبد الصاحب : لا ترسم عصفورا ناقصا ، ص 46 .
48) قاسم محمد : مسرحية ، أضواء على حياة يومية ، مطبوع على الآلة الكاتبة .
49) قاسم محمد : لقاء ، مسرح الفرجة انعطاف نحو التجديد ، مجلة الوطن العربي ، العدد326 ، ص78 .
50) عزيز عبد الصاحب : لاترسم عصفورا ناقصا ، ص 49 .
51) نفس المصدر السابق ، ص 49 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما