الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صلاح القصب يؤول الصورة الى التحطيم الغاضب علي التقليد

فاضل خليل

2021 / 8 / 21
الادب والفن


الموتى يرتدون ملابس جلدية ملونة

ولأني قسريا، لم أكن من بين حضورك، أعذر كتابتي فيك. وبعد أن صار اليأس قاعدة، والمفاجئات لا تنبؤنا عن القادم، فالدعابات غالبا سوداء، لاتسير بخطي الويلات المتفائلة، ربما...؟!. ومع ذلك، ان كنت جادا في معرفة القصب، فستجده بامعان في[مصحات الذاكرة](1)، ومصحات الذاكرة هذا، هو كتابه الاخير الصادرعن وزارة الثقافة في دولة قطر، وبمقدمة لـلفنانة عواطف نعيم. ان قراءتك للمصحات اياها، التي عاشها القصب بامعان ستغنيك في التعرف عليه عن قرب وبدقة ومنذ بداياته وحتي اليوم. بدا من وصفه للحياة التي تعج بهدير الموتي اللذين يرتدون الملابس الجلدية الملونه، وهو هنا يقوم بفرز مجموعة من أبطاله الذين يرتدون الملابس البيضاء التي تنزف دما. وهو ـ بالتاكيد ـ حدس برئ للملاقسن حتفهم كل يوم داخل حاضنة الموت في الوطن الذي يعيش فيه القصب. وهو حين يفرز نفسه في المشهد الثاني من المصحات ذاتها ـ هكذا أعتقد ـ بشخصية [البروفيسور] الذي يمضي في الصعود علي السلالم الحجرية الثقيلة ذات الصباح الثلجي المتورم بذاكرة معطوبة ـ حسب القصب ـ ورغم الموتي المتباكين علي احلامهم المقضي عليها في النوم واليقظة، وهم يتساقطون بنشيج متقطع تحت المطر ولا أدري ماذا يعني المطر من وجهة نظر القصب؟ هل هو يرمز للخير كما عند كل الشعوب؟ ام انه يحملها معني آخر فالقصب انما يعبر عن شعب ومعاناة وعذابات شعب الذي عاني ويعاني الامرين في كل ـ بلا استثناء ـ مراحله منذ التكوين والنشوء، وما(الخليقة البابلية)(2) وصولا الي المصحات الا محور التناول هنا، في (الوطن ـ الجحيم) الذي لا تسبقه جنة ولا تليه.
صلاح القصب النتاج الاكيد لحضارة وادي الرافدين، الساعي للتحطيم القاسي للمنطق المتوارث، والابن الشرعي لكل التجارب الحاضرة والماضية، شرقية كانت أم غربيةغربية، بكل انتماءآتها الثقافية والمنهجية، القريبة منها والبعيدة، المتماهية معه في واقعها السوي أو المتناقضة، مع كل الذي يتفق مع تجربته والذي يختلف معها.

المنطق المتوارث
فهو في آخر لقاءآته الصحيفة، يحدد الامثلة الرصينة المتماثلة مع تجربته في الاخراج محليا وعربيا، رغم يأسه الشديد من التجارب التي تجاوزها العصر والذي شاخ أغلبها وتأقلم. انه يحددها في كونها: " الأساليب المسرحية التي تجاوزها العصر وأصبحت مسكونة بخلايا الشيخوخة والقدم. والتي سكنت وتأقلمت في الكثير من الإتجاهات والأساليب المسرحية علي المستويين العربي والعالمي ولم تعد ـ تلك التجارب ـ بقادرة علي البحث عن سؤال الحداثة ولكن هذا لا يعني انغلاق الرؤيا بشكل كامل، فهناك تجارب مهمة ـ في رأي القصب ـ قدمها مخرجون من أمثال: محمد إدريس، المنصف السويسي، الطيب الصديقي، فاضل الجعايبي، عز الدين قنون، قاسم محمد، جواد الأسدي، شفيق المهدي، عقيل مهدي وأخرون...."(3). اذن متفاءل هو بمستقبل الإخراج في المسرح العربي، حين يأمل الخير بمخرجين يتطلع الي تجاربهم بشغف، وكأنها الأمل أو مثله الأعلي. كما وهو يأمل كثيرا أيضا، بانجازات أخري لجيل آخر اتضحت ملامحه جاءت تجاربه بعد الجيل الطليعي، الذي حدده حين يقول: " وهناك مشاريع قراءات جديدة لها معماريتها وطقوسها وإبداعها أهمها تجارب باسم عبد القهار الذي عمل معي مخرجا في الكثير من الأعمال التي قدمتها وهناك آلق آخر هو أنس عبد الصمد الذي يعمل ضمن فضاءات متحررة ترسل إشارتها إلي مساحات مرئية يشغلها الجسد كخطاب لساعات حضور متقدمة"(4).
وبمعزل عن أسباب الرفض، والتحطيم القاسي للصورة في المسرح المتوارثة عن الغالبية الأولي التي سبقته. لكنا نراه محقا، حين يري الواقع منقلبا علي حاله، والمنعكس بأحسن تفاصيله وعلي شكل صور متصلة ومتتابعة، تماما كالتي دجننا (برفع الدال) علي قبولها ـ وبذات الأدوات المكرورة، التي تلهمه في عذاباتها. او لنقل بان الواقع احيانا هو من يبحث عن القصب فيراه هكذا بشكل الصورة التي يقترحها هو ؟! ولكن السؤال الذي يستحق الاثارة هو: من رأي الآخر قبلا ؟ الصورة أم القصب ؟؟ من منهم اختارالواقع حلما ؟؟ كي ينطق بشهادته في العالم ؟ وبالشكل الذي ارادوه ؟ بالمواصفاة المرهونة بالقناعاته التي نادرا ما تخذله أو تخذل جمهوره ؟ أتطرق الي الخذلان هنا، لأن صلاح القصب ـ كما خبرته ـ غالبا ما يتقاسم جهده مع الآخرين من المتميزين، والمشهود لهم بالابداع من المخرجين. ولكن عروض القصب التي غالبا ما تقتنص نجاحاتها بمعية المخرجين الآخرين المناصفين أو بدونهم هي صار لها مذاقا خاصا بين المثقفين من أصحاب الكار والصنة ومن بقية الآخرين قليلي الخبرة ممن توارثوا القصب ومسرحه. لكنه يسعد بتلك الرفقة ظنا منه انه ربما سيخفق يوما ولأي سبب كان، اذن فستساعده تلك الرفقة علي تحمل قسوة الكبوة التي نادرا ما تحصل. فمقاييس الرفض والقبول عند جمهوره نادرة ايضا، لأنها لا تعدو أكثر من انطباعات ايجابية غالبا وشبه جمعية، يؤثر فيها السلب الباطن قليلا والظاهر الغالب أقل. ان سعادة القصب بهذا الوفاق شبه الجمعي تجعله يمتلك ارقي انواع الواقعية الخاصة البعيدة بمسافات ضوئية عن واقعية الآخرين. لكنها معقولة ومقبولة لأنها نتاج عقلية صحية مشهود لها بالابتكار، بوعي احيانا وبغياب تام عن الوعي في احايين اخري. هو اذن نوع من التصالح مع الذات، الجميل والجليل المتعمد، بل هو شكل من التسامي الراقي مع واقعيته الخاصة جدا، والمبثوثة الي المتلقي بأعلي حالات التجلي المتصوف التي يمتلكها القصب بفطرية الزهاد التقية المتفنة والمثقفة.
ولابد من التطرق الي موضوع الرفض شبه التام للغة في مسرح القصب وفي حوار مشاكس وجدي غايته الاحراج من اجل الوصول الي مايعنيه النص ودوره، وكيفية التعامل معه في مسرح صلاح القصب كحقيقة هامة لا يمكن تجاوزها في خطاب المسرح، وانطلاقا من حديث للقصب يقول فيه : "انني لا أتوقف عند النص الابداعي لشكسبير وتشيخوف، وابسن، ويوربيدس، وبيكيت، وانما أذهب بعيدا عن تلك الأرواح التي صنعت الذاكرة في خطابها المسرحي، ومن خلال هذا الاستحضار والاستنطاق أقدم النص، وأدعمه بالزمن الآتي "(5). من هنا وفي قراءة دقيقة في البيانات الأربعة التي اصدرها القصب عن مسرح الصورة، نستخلص من ان المسرح لم يعد مجرد ( محاكاة أرسطية لفعل نبيل ) حسب ارسطو طاليس في كتابه ( فن الشعر ). فالقصب لا يتفق في كون المسرح محاكاة. واللغة لا تشكل مصدرا جماليا - حسب القصب أيضا في بيانه الرابع (كيمياء الصورة) - " لاتشكل في المسرح علي عظمتها مصدرا جماليا بقدر ما تتشكل من الثرثرة والأصوات المسموعة التي لا نراها"(6). اذن كيف يمكن تحديد مجالات الرؤية في المسرح، اذا كانت اللغة لا تشكل مصدرا جماليا؟. وهنا يدخل القصب حاسة الشم في الاحساس الجمالي في المسرح حين يقول " علينا في المسرح ان نشم الشعر ورائحته ، وعلينا ان نري الرواية، لا ان نقرأها، وكذلك علينا ان نري شكسبير بعيدا عن تلك الزخرفة والكثافة اللغوية. لقد تجاوزت القراءآت الحديثة للمسرح ادبيات الخطاب، وابتعدت عن سطوة اللغة ودكتاتوريتها بحثا عن ضوء بصري جديد ". والتساؤل هنا كيف تجاوز المسرح الحديث كل ذلك ؟ هل تجاوزوها انتونين آرتو وبيتر بروك وغروتوفسكي أو شاينا وفايدا وباربا وآخرون الذين هم جل اعتماده في فهم المسرح وصناعته؟ ولو أخذنا انموذجا واحدا من هؤلاء (بيتر بروك) الذي قدم أغلب المسرحيات الغنية بالحوارات والحكايات مثل المسرحيات ( المهاباهارتا، هاملت، الملك لير، تيتيوس اندرونيكوس، محاكمة الطيور... وغيرها) وكانت غاية في الأهمية من خلال حواراتها ومواضيعها التي لم يضيع فهمها أو يغيبها علي المشاهدين. وبالتالي فكل هذه النخبة من المخرجين لم تعتمد الصور الفارغة المؤطرة فقط كي يوصلوا افكارهم الي المشاهد. والصورة في ـ حسب القصب ـ "هي الشعاع، وتلك النداءآت التي لا نعرف مصدرها، انها نداءآت لا تنتمي الي الارض بقدر ما تأتينا من فضاءآت مجهولة، لهذا فان الصورة هي بناء انشائي فكري فلسفي ، امتص خلايا اللغة كلها ورهبتها". وحتي في تعامله مع (هاملت-شكسبير) و(الخال فانيا-تشيخوف) النصان المليئان بالحوارات والتفاصيل اللغوية ذات الدلالات الصارمة والدقيقة. جعل ما حوته من حوارات وعذابات فيها ـ حسب القصب ـ تري بدلا من أن تسمع وذلك من خلال الصورة ذات الفضاءآت الملونه ذات العمق الفكري، الصورة فوق ذلك - حسبه ايضا - هي رؤية الصوفيين للأسرار. من هذا الفهم الغادر للغة في المسرح كان تعامله مع الممثل القادم من اهتمامات مسرحية مليئة بالحوار واللغة الي العمل مع مسرحه، ولم يفلت من قبضة اللاحوار الا القلة ومن هذه القلة سامي عبد الحميد في (الملك لير) التي حققت نجاحا كبيرا عملا بعد ان اصبح مزيجا متماسكا من صورة القصب الرصينة، ولغة غاية في الابداع عند سامي عبد الحميد. هذه النتيجة التي هي حصيلة تمرد سامي عبد الحميد الذي لم ينصاع كثيرا نحو مبدأ تدمير اللغة بل جعل منهما (الصورة والمضمون المتمثل باللغة) مزيجا متماسكا كانت نتيجته هذا العمل الذي ظل واحدا من علامات المسرح المضيئة.

الصورة كوجود
ولابد لنا من التذكير بمعاني الصورة التي اعتنقها صلاح القصب وذلك من خلال العودة الي أصل الصورة في الثقافة عموما وفي المسرح بشكل خاص. ننطلق في ذلك من استحالة الكينونة لأية حالة ابداعية مرئية أو مسموعة، من غير الصورة. وعليه سنبدأ في الصورة كوجود، منذ التمرد الأول في العالم المعاصر، أي منذ العام 1910 المتجسد با لتكعيبية في فرنسا، والفن اللاتشخيصي في ألمانيا، حيث كانت روح القصب هائمة حائرة هناك، وحاضرة بوعيها المتقدم هنا. ولا ضير من أن يكون ذلك الحضور معنويا بالحد الأدني، وبأثر رجعي. فمنذها صار القصب يتغلغل وبطرق متعددة في اللامألوفات بل ويغتاض من كل ما يجعله يماثل الاخرين من غير المشاكسين من الذين يعيب عليهم مكوثهم في ذات المكان من المتهمين بالمرواحة والتقليد. لقد تمثل القصب بالشكلانين وبالظواهر التي لم تجانب المنطقي ولا الجوهري. فتراه بوضوح في رسومات سلفادور دالي وبيكاسو المتشبعتان بثقافة الغرب في اسبانيا وفرنسا، وممن هم علي شاكلتهم، من أمثال ( ديشام )(7) الذي جعل الموناليزا بشاربين، أو ما كان يقوم به ( شفيرتز )(8) وعلي اسلوب الكولاج، حين أقام نصبا بلا هيئة أو نهاية. أو ( بيكابا )(9) الذي ثبت اطارا فارغا اخرج منه حبالا أراد أن يشد بها قردا حيا! وحين لم يتهيأ له القرد الحي، ربط ( دمية قردا ) فكانت الصورة شبه البائسة بدعة. بلغ هذا التعارض الغاضب علي المألوف ذروته في نهاية الحرب العالمية الاولي، عندما انطلقت الصرخة المدوية تحت شعار ضد التقليد tradition ـ anti.
من ذلك النبع ذاته اغترف صلاح القصب الذي لم تبتعد روؤاه واهتماماته عن الفهم التدميري السائد والقاسي في تحطيم الصورة بآلية ذكية من الفهم المتقدم في خلق الصور الناتجة عن الاشمئزاز من الواقع المتصحر، الذي يحيط به والذي عانت منه الثقافة العربية دهورا طويلة ؟ والقصب الغاضب من سيئات العالم المحيط به أو القريب منه، وحتي البعيد، هو رافض لها ولقمعيتها التي لا يستطيع ـ وله أسبابه ـ أن يتظاهر ضدها، أو يرفضها. فهو كأي فنان يقترب من السياسة بحدود مشوبة بالحذر، يطرد المخاوف ولا يتعارض مع الانظمة التي يهابها كما يخافها الآخرون من رجالات المهنة. لكنه حين يمنح الثقة يكون قريب من الشجاعة التي يرفضها بقوة وبصمت عال. ولأنه مسكون بالخوف استعاض عن الكلام بالصمت والصورة البعيدة عن الثرثرة ـ الحوار ـ وهي فقدان الاستماع برغبته كي لا يدخله السماع بمشاكل تبعده عن همه الاساس: الصورة المستفيدة من المصادر التشكيلية، شكلا، ومضمونا. صلاح ذلك الساحر الخفي المخبوء في كامل الثقافة العراقية أولا ومنذ (الخليقة البابلية)، وحتي آخر الطوفانات القصبية في الوطن العراق، او في الخليج، الذي جربه يوما ملاذا له، وحاضنة لبعض تجاربه التي قدمها باسمه هو، أو وهبها كارها أو بارادته للغير. ان مخزونه من العروض ليس بالقليل فهو ركب من العناوين الصعبة مثل: هاملت، الملك لير، الخليقة البابلية، كلكامش، الخال فانيا، العاصفة، عكازة رامبو، حفلة الماس، عزلة في الكرستال، الشقيقات الثلاث، ماكبث، طائر البحر، وأخري. هو في جميعا ينحت الشكل بثقة ويلونه بالحكمة التي توارثها من قمم الفنانين التشكيلين والمسرحيين. لم ينس يوما بأنه ابن الارث التشيكيلي العراقي منذ اللوحة الاولي، وابن الشعر العراقي منذ القصيدة الاولي، وابن الحضارة العراقية بكامل عطائاتها. لا سيما وهو الجامع الكبير collector والمقتني البارع لأهم كنوز الفن التشكيلي العراقي علي وجه الخصوص، تخطيطات ورقية او بالالوان علي اختلافها. هو واحد من القلة اللذين انغمسوا في عوالم اللوحات وبفهم متقدم، وادراك قل نظيره في اللون والحركة والمكان والانشاء والتخطيط والتكوين والمنظور، نقله بدقة المبدع الخلاق الي المسرح. وهذه واحدة من اسرار (الصورة) التي انطلق منها القصب وكانت لغته السامية التي نطقت عن شكل خاص لم يماثله فيه أحد او يجاريه فيها آخرون. وفي ضوء ذلك نبيح لأنفسنا طرح بعض من الأسئلة الملحة مثل:
لماذا سار القصب باتجاه الصورة ؟
ماية صورة تلك التي سار باتجاهها ؟
ان الصورة في منهجه، هي الحياة الأنقي ، لكنها ليست الأجمل كما يتبادر الي ذهن البعض. من هنا، منذ منتصف الستينات بدأ النفور الغاضب من المألوف عنده، مذ كنا طلابا بدائيين، منشغلين بملء الفراغ في الخبرة التي تنقصنا. ولا أخفي بأنه كان من أهم الدعاة في الخروج من دائرة المسرح الريادية والانطلاق نحو البحث عن المسرح الذي يليق بفرسانه الجدد. وكان يمتلك وعيا يتوافق ونهضة الثقافة الستينية في العراق التي تلبسها المثقفون ولم يتمكنوا من الخروج منها الي الآن. والقصب يمتلك من الوعي الفطري الذي ميزه عن غيره من أبناء جيله ممن تاخموه. ون هناك بدأ يفكر بكسر صورة المسرح المتوارث ـ المكرور، الذي نشأ وتربي عليه من أهم رجالات المسرح العراقي انذاك. يضاف اليهم ( خاله ) الكاتب المسرحي (شهاب القصب)، وهو واحد من مالكي الأرث القديم في المسرح، من الذين سرعان ما غادرهم صلاح القصب باتجاه كسر المألوف واختراق الثوابت نحو المسرح الجديد الذي تعددت مسمياته فيه. وهكذا بدأ التفكير عنده بالمكان حين اتجه يبحث عنه خارج مسرح العلبة الايطالية ـ الذي ضاق به وعليه ـ فالمكان في تصوراته يشكل المحطة الاولي بالرفض التي عليه ان يخرج منها كي يكون طليعيا وفق اعتباراته، وفي هذا التوجه الكثير من الصواب. منذ ذلك الحين أصبح تفكيره بالمكانات المغايرة عن شكل المسرح المألوف، فكانت مسارحه في الساحات والمسابح والمسارح المجردة من اشكالها وستائرها وكامل مكوناتها باستثناء التجهيزات الضوئية والصوتية وكامل ما يتوفر من معدات تكنلوجية رقمية او ليزرية. وعلي الرغم من أنه راعي اتفاق الكثير من فضاءآته البديلة أن تكون قريبة من تفصيلات شكل المنصة ببعض خصائصها مثل الدكة ـ المكان المرتفع عن الارض والمستخدم للتشخيص أزليا، القريب من شكل الـ stage التقليدي نوعا ما. من هنا انطلق تفكيره بـالامكان التي يحتوي معمارها علي اجزاء قريبة من شكل المسرح الذي نعرفه، مثل (الحمام room bath) العام الذي يرتاده الرجال، ذو الصخرة السوداء الدائرية الواسعة التي تتوسط (صحن الحمام) مسرحا لأحداث واحدة من عروضه المسرحية التي سينوي تقديمها ـ علي ان نعرف بأن هذا لم يتحقق لأسباب انتاجية. وللمداعبة كان البعض من اصدقاءه يطلقون علي هذا التفكير بـ (المسرح الحمامي). أو في بعض المحمولات (الاكسسوارات) التي استخدمها في واحدة من عروضه، مسرحية(محاكمة لوكولوس ـ لبرتولد بريخت) عندما فكر باستبدال النعش المحمول في مشهد (التشييع) بعلبة كبريت، أثارت السخرية حينها، لكنها كانت (طفرة) في الوعي الاخراجي ميزته عن غيره. أو في (سترة توصاه)(10). عندما وافق علي مقترحي بتعددية الوجوه في المجتمع المنافق الأمر الذي يتطلب منه ان يقسم وجوه أبطاله بالألوان الاسود والأبيض، فمن الوجوه من يقسم قسمين، والأخري أربهة وأكثر، وفعلا سرعان ما وافق عليها وجعلها بديلا للوجه الواحد، عدي شخصية البطل الرئيس (ستار الشايب) الذي يمتهن الخياطة.

مضامين العصر
ولا يفوتني القول بأن لهذه الدراسة تكملة سأنجزها بعد حين، تتعلق بعقل القصب والثقافة التي ينتمي اليها وعن ماهية المضامين التي يتعرض لها والتي لا تلائم العصرـ حسب الشاعر عبد الخالق كيطان ـ الذي حاوره بأسئلة فيها الكثيرمن الغرابة المشوبة بالمداعبة قدمها للقصب. علي أن نعرف بأن أجوبة القصب كانت غاية في الصراحة التي تحقق للسائل أجوبة بمقدارغرابة الأسئلة التي وجهت اليه:
كيطان : عقلك من أي الثقافات ؟
القصب: (يصمت) ... الثقافات التي تقصدها تبدأ من العصر الجليدي الأول وتنتهي عند تجمد
المحيطات لتغطي مساحات الكرة الأرضية كلها، والفضاء آت الكونية المترامية .
كيطان : يقال بان مسرحك في مضمونه لا يلائم العصر في ايديولوجيته ؟
القصب : عصرنا عصر مضطرب، وهناك حركات متباينة ومتناقضة، وفي بعض الحركات نبضة، ولكن هناك الانسان الذي يحاول ان يبني مجدا عظيما للانسان، وهذا المجد يؤسسه ويثبته الأدب والفن عندما يكونان عنصرين مهمين يمتلكان نبضا انسانيا لمستقبل الانسان الذي نريده، لذلك فان العصر الذي اتحرك بحركته هو عصر الاكتشاف والابداع لكل ما ينتمي للانسان وانسانيته(11).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1) [مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق]، الكاتب: صلاح القصب، مسرحية (القراءة السادسة ـ سيناريوهات صورية)، من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون، قطر 2003، الطبعة العربية الاولي.
2)مسرحية أخرجها القصب.
3)صلاح القصب ... رحلة البحث عن فضاءات المسرح/ حوار أجرته : بشري عبود - المغرب ، جريدة المدي ، بغداد ، حزيران 2008. (كان هذا آخر حواراته حال كتابة هذه الدراسة).
4)المصدر السابق.
5)[ مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق ]، مصدر سابق، ص 151.
6) نفس المصدر السابق، ص 146 و147.
7) مارسيل ديشام ( 1887 - 1968 ) مصور فرنسي، إرتبط بالتكعيبية والدادائية والسوريالية. إهتم بشكل خاص بمسألة تحليل الحركة ويعتبر المبادرين بأسلوب إدخال الأشياء الجاهزة والحقيقية علي مكونات اللوحة.
8)- كورت شفيتزر ( 1887- 1988 ) مصور ونحات وشاعر ألماني كبير تميزت أعماله بأسلوب الكولاج. وكان الي غاية عام 1917 أكاديميا رغم التحاقة بالحركة الدادائية.
9)- فرنسيس بيكابيا ( 1877 - 1953 ) مصور فرنسي تميزت أعماله بالتنوع الأسلوبي بدءا بالإنطباعية وإنتهاءا بالتجريدية. أسس جماعة الدادائيين في نيويورك في عام 1917 ، وقد عكست أعماله السخرية المرة من عصر الماكنة.
10) مسرحية (سترة توصاه) من تأليف أو اعداد: جعفر علي. قدمت في نهاية الستينات، بغداد، علي حدائق رعاية الشباب في الوزيرية/ بجوار السفارة السعودية.
11)[ مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق ]، مصدر سابق، ص 143 و144.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر


.. وصول نقيب الفنانين أشرف زكي لأداء واجب العزاء في الراحلة شير




.. عزاء الفنانة شيرين سيف النصر تجهيزات واستعدادات استقبال نجوم