الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلدان المغاربية في مفترق الطرق

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 8 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


سيبقى راسخا في ذاكرتنا الجمعية، نحن المغاربيين، أن صيف 2021 كان من أقسى الفصول، لكن سنكتشف بالموازاة أنه كان من أكثر المواسم خصوبة. هذا الصيف الذي جاء في عز الجائحة التي قلصت من نشاطنا الطبيعي، جاء محملا بالمفاجآت السياسية وبالكوارث المناخية وبالقرارات، ولا سيما تلك التي صدرت من المغرب بشكل صارم إزاء ألمانيا وإسبانيا، أو بشكل ناعم إزاء الجزائر، وقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد في الخامس والعشرين يوليو، وقرارات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إزاء المغرب وجهات جزائرية معارضة أو ذات مطالب سياسية.
في هذا الصيف تمر البلدان المغاربية بنقطة مفصلية في تاريخها القومي ما بعد الاستقلال. تعيش ليبيا اختبارا يبدو صعبا، ويبدو أن النخبة الليبية تجيب عن أسئلته بكثير من الحنكة والحكمة رغم التشويش الذي تعانيه بسبب بعض القصور النظري أو الأداتي في هذا المجال أو ذاك. تفعيل القرارات والتفاهمات التي أسفر عنها مسلسل الحوار تحرز خطوة كل مرة، والسير في اتجاه استحقاقات ديسمبر لم يتعثر رغم العقبات والمنعرجات التي لا تنفك تباغت الممسكين بالزمام.
كانت القرارات التي اتخذها قيس سعيد مباغتة؛ ولكنها جاءت، بشكل مدروس وبالغ الحبكة، ووضعت حدا لحالة من العبث والبؤس أنتجتها الأهواء. كان أسلوب سعيّد متميزا في إدارته للأزمة السياسية؛ ومن الراجح أنه يمتلك أسباب النجاح، من حيث أنه أكثر تشبعا وتمسكا بالقانون من جهة، وأكثر حرصا على التغيير الإيجابي من جهة ثانية، وأكثر تواصلا بمحيطه الشعبي والأممي من جهة ثالثة.
أما الرسالتان الواردتان عن العاهل المغربي محمد السادس إلى كل من الجزائر وإسبانيا (في انتظار رسالته إلى ألمانيا)، فقد ترجمتا الخلفية البراغماتية للسياسة المغربية التي تطورت بشكل لافت منذ ثورات 2011. لقد فضّل أن تكون الرسالة الأولى للجار الشرقي والأخ الشقيق، البلد الجزائري، داعيا القيادة الجزائرية إلى نبذ كل الخلافات وتأسيس علاقة جديدة تعود بالنفع على البلدين، مؤكدا أن المغرب لن يكون مصدر شر مهما كانت الظروف.
أما الرسالة الثانية فكانت لإسبانيا وقد جاءت مطمئنة ومشجعة على تحويل الأزمة إلى فرصة للارتقاء بعلاقة البلدين إلى ما يعزز مصالحهما المشتركة.
أما السياسة الجزائرية تحت قيادة عبد المجيد تبون، والتي ترتبت عن حراك 22 فبراير، والتي انخرطت في سلسلة من التغييرات من ضمنها تغيير الدستور وإنشاء آليات سياسية وأمنية جديدة، يبدو أنها مازالت متمسكة بطريقتها الخاصة في إدارتها لأزمتها الداخلية والتواصل السياسي مع محيطها الإقليمي. فالرئيس الجزائري اختط سياسة هدفها الأساسي وَضْعُ حد لكل جهة داخلية لا تتفق مع الوضع الذي ترتب عن حراك 22 فبراير، بل وَضَعَ منظمتي رشاد والماك على لائحة الإرهاب، واتهم المغرب بالتآمر وتوعده بقطع العلاقات. لم تكن العلاقة المغربية الجزائرية على ما يرام طيلة سنوات الاستقلال، باستثناء فترة الشاذلي بن جديد التي عرفت فيها انفراجا. فكيف سيكون مآل العلاقة المغربية الجزائرية بعد قرارات تبون؟ وهل سينجح تبون في إقناع الغرب بطرد منظمتي رشاد والماك؟ وهل سيلتف الشعب الجزائري حول السياسة التي ينتهجها تبون؟
في ضوء ما تقدم، ستعرف المنطقة المغاربية تحولات نوعية، وفي ضوء النطريات السياسية والسيكولوجية (نظرية الكاوس ونظرية العلاج بإبطال النمط)، وفي ضوء مشروع الشرق الأوسط الجديد، لن يتحقق الاتحاد المغاربي في صيغته التقليدية، ولا في صيغة جديدة إلا عبْر مخاض حقيقي عسير، لا يختلف عن المسار الذي عبره الاتحاد الأوروبي الذي تأسس في سياق إعادة الاعتبار للشأن الجهوي وانتهاج التدبير اللامركزي للمجال الترابي، وحصول بعض الأقاليم على حكم ذاتي.
إعادة الاعتبار السياسي للشأن الجهوي في كل بلد مغاربي ليس من باب الترف السياسي، بل من صميم التدبير الفيدرالي للمجال الترابي، وحاجة ملحة، وضرورة تمليها الحكامة السياسية التي تتوخى الحفاظ على الوحدة الترابية على صعيد كل بلد مغاربي؛ بل يمكن القول أن إعادة بناء الدولة على أساس اللامركزية وعلى ما تقتضيه هذه اللامركزية من إعادة توزيع السلطة على الجهات هو المدخل المؤسس للاتحاد المغاربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم