الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرق التعليم التقليدية.. القمع الأسري والمدرسي للأطفال

أحمد جدعان الشايب

2021 / 8 / 25
التربية والتعليم والبحث العلمي


قبل ما يقرب من نصف قرن، كانت أساليب التربية، تقليديّة استبدادية جافة، لا تعير اهتماماً لمتطلبات الطفل وحاجاته النفسية، ما يجعل شخصيته عند البلوغ، منكمشاً، انعزالياً، لا يستطيع التكيّف مع بيئته ومحيطه، وخاصة إذا انتقل إلى بيئة جديدة بحكم الدراسة أو العمل أو الوظيفة، ويقع كل العبء على المرحلة الأولى من حياة الإنسان، مرحلة الطفولة، التي يتم فيها تأسيس المكونات النفسية والشخصية.
وإذا بحثنا عن عامل أو سبب أو عنصر لنلقي باللوم عليه في ذلك الزمن، فلن نجده مجسّداً واضحاً، صريحاً، لأنه يتوارى خلف عادات وتقاليد وأعراف مجّدت العنف والقسوة والشدّة والجمود. وحاربت أيّ نفحة حريّة في لعب أو ضحك أو ابتسام، وحرّمت على الطفل أن يتساءل، أو يتكلّم أو يحاور. لأن كل هذا ما يزال في الاعتقاد السائد حرام وعيب.
في ذلك الوقت، غدا اللين والطيبة ضعفاً وجبناً، والقسوة والشدة والتكبر، والجلافة والجمود رجولة وبطولة. على رأي) جبران خليل جبران) .
لدرجة أنهم صاروا ينظرون للمرأة على أنها الصحيحة والسليمة. الكاملة والمرغوبة. إذا كانت تمتلك بعض صفات الرجال. أما إذا كانت رقيقة ناعمة ولطيفة، فإنها توصف بالميوعة والرخاوة.
إذن، عليها أن تفقد جزءاً كبيراً من أنوثتها التي تميّزها كجنس، وقد وجدت فيها منذ خلقت.
إنهم يسعون لقتل الأنوثة، بتربية اعتباطية، تتغلب فيها عناصر الذكورة، لتحل محلها رغم وجود هرمون الأنوثة ( الإستروجين) تبدو الفتاة في سلوكها وتصرفاتها وحديثها. كأنها نصف رجل بسبب تنشيط هرمون الذكورة ( تيستيستيروم) حتى ليشعر المرء وهو يحدّثها. كأنه يحدّث شاباً إذا قيست نسبياً بفتاة اليوم..
إن الثورة العلمية والتكنولوجية والطبية والفكرية، غيرت من مفاهيم وعادات غالب المجتمعات والشعوب بسرعة كبيرة تجاه النظرة للأطفال. واقتربت شروط حياتهم في هذه المرحلة من الفطرة الطبيعية.
منذ منتصف القرن العشرين ظهرت الثورة التربوية، إثر الثورة الفكرية (العلمنفسية) السيكولوجية، منذ ( فرويد ويونغ وإدلر حتى لا كان).

ــ ثقافة وأفكار المسؤول عن الأسرة تنعكس على الأطفال.
___________________________________

ظهرت اليوم العديد من المناهج التربويّة في العالم، وانتشرت في كل بقاع المعمورة، وتأثرت بها المؤسسات التربوية، والمنظمات والجمعيات، التي تهتم بتطوير وتحديث العلاقة بين مسؤول الأسرة أو المدرسة، أو المؤسسة أو المنظمة، وبين الأطفال.
ورغم كل هذا التطور، نحن في مجتمعاتنا، مازلنا نعاني من سيطرة أفكار تقليدية تعشش في الأذهان، وتحجّرٌ في النظرة إلى الحياة بشكل عام، وللأطفال بشكل خاص.
يشكو كثير من التلاميذ عدم استيعاب العائلة للهواية أو الموهبة إن كانت (رياضية، أو فنية، كالرسم والموسيقا، أو أدبية، كالشعر والقصة والمسرح والتمثيل). يقسرونهم على الابتعاد عن كل الهوايات، ودفن المواهب. يصبون اهتمامهم على الرياضيات واللغات وحفظ أجزاء من القرآن الكريم فقط.
كثيراً ما مزق آباءُ الأطفال كراسات الرسم، وكسروا آلات الموسيقا، وقطّعوا أدوات الرياضة، ورموا دفاتر الشعر والأدب في حاويات القمامة.
وكثيرا مابدّل المعلم دروس الفنون والموسيقا والرياضة، إلى دروس الرياضيات أو اللغة أو الدين.
إن هذا الضغط، يؤدي إلى إحباط الطفل. وبدلاً من الاهتمام بما يرغب، يتحول هذا السلوك القسري، إلى ردة فعل في نفس الطفل، ليكره دروس الرياضيات، واللغات والدين، انتقاماً لشخصيته وهوايته ورغبته العزيزة.
ــ 2ــ
هذا الجو القمعي، الذي يغلب عليه الجمود، وعدم المرونة، يُميتُ كل فكرة جديدة، ويتوقف كل إبداع. لأن التعاطي لمثل هذه المواد، في نظر كثير من الأسر، وعديد من المعلمين والمسؤولين، يعدّ هدماً للقيم السائدة، وتحدياّ لتعاليم الدين. فيبدو الفرد فيها يمارس اختياراً بين نقيضين) أسود/ أبيض ـ حلال/حرام ـ مع / ضد ). بالتالي لا يقدر التلاميذ على التفكير المستقل، أو محاولة فهم الحياة كما هي من حولهم، حين يعتادون على اختيار واحد فقط مما يقترحه عليهم متسلّط الأسرة أو المدرسة، فتسوء لديهم نزعة التأمل، وتتجمد أفكارهم نحو اتجاه واحد، هو ما يفرضه المسؤول المباشر، حيث يراه من زاوية قناعاته المريضة، صحيحاً ومستقيماً ومنتجاً.
إذا نظرنا إلى المجتمعات العربية، نجدها ما تزال تسودها حالة التخلف الثقافي والأمية الفكرية والمعرفية، والعزلة الحياتية والاجتماعية.
إنها تعيش جواً دكتاتورياً في علاقاتها بشكل عام، بعيداً عن الانخراط في المشاركة، وتعلم لغة الحوار المعرفي الهادئ، للوصول إلى فهم القضايا المستجدة.
هذا الجو الأسري القمعي للطفل، يتساوى فيه العامل والفلاح، والتاجر وأنصاف المثقفين، ومدّعو الثقافة. وكدت أجزم بعد مشاهدات حية، أن كثيراً من النخب والمسؤولين، في هذه الجهة أو تلك، يتعاطون مع أطفالهم، بنفس السوية، كما يتعاطاها غيرهم. فالوضع القائم هو شبه عام، يكوّنه التأثر والتأثير، والعلاقات الاجتماعية السائدة.
من أجل كل هذا. يحتاج الوضع التربوي العام، إلى فهم الواقع، لاتخاذ قرارات عُليا، لإنقاذ أطفالنا مما ينتظرهم من انحدار نحو التراجع والانغلاق والتشدد والتعنت أو الثبات دون تقدم. حين يصلون سن البلوغ وسن الرشد، وقبل فوات الوقت منا ولا نفعل شيئا، ثم بعد ذلك نتحسر على تقصيرنا في تنشئة أبنائنا بشكل سوي . ولكي أضرب مثالاً لما يجري، ونشاهده عياناً، سوف أتحدث عن الطفولة أثناء العطلة الصيفية.
ـ 3 ـ
ما تكاد تنتهي الدراسة في رياض الأطفال، والمدارس الابتدائية، حتى تتسابق الأسر لتسجيل هؤلاء الصغار في الجوامع، طيلة مدة الصيف. يحضرون كل يوم، يحفظون فيها القرآن. علماً أنهم يأخذون دروساً في الدين طيلة العام، هناك في الجوامع يتجمعون، الإناث مع معلمة خاصة، والذكور مع معلم خاص، ولا يجوز لهم أن يتحركوا، أو يسألوا، ولا أن يأكلوا أو يشربوا. فقط عليهم أن يرددوا ويتلوا ويحفظوا كالببغاوات. لا فرق بينهم وبين مدارس تورا بورا، أو البلدان الأحادية التي يسود فيها حكم الفرد.
لا يحق لهم الاختلاط والمشاركة. ولا أن يلبسوا لباساً متنوعا وملوناً، فلباس الذكور رداء طويل، وعلى رؤوسهم قبعات، ولباس الإناث، عباءة طويلة سوداء، وغطاء للرأس لا تظهر من خلاله سوى العيون.
حين يخرجون إثر انتهاء الحصة الحفظية، ينطلقون جرياً، ليلعبوا في الشوارع، في طريقهم من الجامع إلى البيت، ليفرغوا طاقة وشحنة محبوسة تكاد تنفجر. يرمون ما بأيديهم من كتب على الأرصفة، ويخلعون أرديتهم المصطنعة، لينطّوا ويقفزوا ويغنوا ويفرحوا بحريتهم، إذا لم يراقبهم أبٌ متخلف أو أمّ.
إن الإنسان الذي يشاهد هذا المشهد، الذي كنت أشاهده كل يوم، ولا تطفر عيناه بدمعتي ألم على هؤلاء، لا يمتلك في جوفه قلباً طيبا، ولا يعلم شيئاً من مفاهيم الحياة العصرية، التي يجب أن تسودها المحبة.
لنا أن نتساءل في دهشة، هل هذا هو الإعداد السويّ الحديث لأبنائنا الصغار، جيل المستقبل؟. وهل نأمل منهم بعد ذلك أن يساهموا في نهضة الوطن، نحو الازدهار والتقدم والرقي؟.
ألا يحق للطفل أن يمارس بعضاً من هوايته، وينمّي قدراته ومواهبه؟.
إن ما يحدث لهؤلاء الأطفال البراعم، لا يتم عند كل الأسر والعائلات، لكنه في الغالب، يكاد يكون النسبة الأكبر.

ــ4 ــ
ما يجري حقاً، يتطلب نظرة اهتمام، ووقفة جديّة فاعلة من أصحاب القرار، تضع حداً لاستمراره، وتضع إنقاذ تلك البراعم الواعدة، في أولوية برامجهم، لأنهم زاد الوطن، وفيهم رفعته.
دكتاتورية التعليم في المدارس:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدرسة هي البيت الثاني للطفل، الذي يقع غالباً بين نارين من القمع والشدّة والتسلط، نار البيت ونار المدرسة، حسب العوامل التالية:
1ـ إذا كانت سلطة البيت قمعية صارمة، وكانت المدرسة دكتاتورية فاسدة. ينشأ التلميذ محطماً، غريباً، تغلي في داخله رغبة التمرد، فإن كُبحت، ينطوي على ذاته، وتتحول إلى تردد وحيرة.
2ـ إذا كانت المدرسة متسلطة وقمعية ومتخلفة، يحس التلاميذ بأن معلمهم شخص فرضته الأقدار بحكم الوظيفة، وأنه يأمرهم فيطيعونه كارهين. يقومون بالواجبات الدراسية في جو مشحون بالخوف والتوتر، وهم حاقدون ناقمون.
فكم من تلميذ قصّر في الرياضيات وأصبح كارهاً لها نتيجة سوء تدريس ومعاملة المعلم؟.
إن التدريس الاستبدادي في رأي (جِب) يتميز بالظواهر الآتية :
1ـ إعطاء نصائح
2 ـ إصدار تنبيهات بالمسموح والممنوع
3ـ السلوك الدفاعي
4ـ استخدام الإقناع
5ـ ممارسة السيطرة
6ـ العقاب
فإذا كانت المدرسة كذلك وكانت الأسرة مريحة، ومنبسطة، وربّ الأسرة منفتحاً وواعياً، يلبي حاجات أبنائه بشكل مدروس، ويشجع مواهبهم وهواياتهم. ينشأ التلميذ ساخطاً على العلم والنظام العام، قلقاً، خائفاً وكارهاً لكل مؤسسات الدولة، وخاصة المدرسة.

ــ 5 ــ
إن تسلط وقمع المعلم قد ينال بالأذى عدداً كبيراً من التلاميذ. ولا يوازي هذا الخطر عندئذ، أيّ خطر يصيب آلة في مصنع، أو بضاعة في متجر، بل يفوقه بدرجات كبيرة.
3 ــ إذا كانت الأسرة متشددة متحجرة متسلطة، وأحاديّة التفكير، وقامعة للمواهب والهوايات، ورافضة للتساؤلات والحوار. وكانت المدرسة أو المعلم، طيّباً محباً، واعياً ولطيفاً، يستوعب تلاميذه ويساعدهم ويشجعهم، وهو مبتسم. سينشأ التلميذ، كأنه يرتدي قناعاً، فهو في حالة شدة وقسوة في بعض الأحيان، ورخياً ضاحكاً، مشاركاً في أحيان أخرى.
4 ــ إذا كان البيت والمدرسة متهاونان، لا يباليان بالأطفال ومشاكلهم. ولا يتم التعامل معهم لا بالنصح، ولا بالاستماع إلى قضاياهم وهمومهم، ولا يجاب على تساؤلاتهم. وارتمى الحبل على الغارب. فإن الفرد ينشأ مهملاً، مستهتراً، لا مبالياً، ولا يتحمل أية مسؤولية مهما كانت صغيرة، يتهرب من واجباته، وقد يرتمي في أحضان الانحراف والتسيب.
ولكن، مهما يكن دور الأب سهلاً ومريحاً، والمدرسة ديمقراطية، فلا بد من شيء من المواقف الحازمة. لأن النقصان الكبير في العامل العدواني، يؤدي إلى الخجل، أو فقدان القدرة على القرار، وفقدان حتى القدرة الجنسية مستقبلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على