الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الاداة السابعة

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 8 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أنشىء نمطا ثم حوره
انشىء هيكلين متوازيين ولكن اقطع فى عكس اتجاههما

يشكل معظم الكتاب كتابتهم النثرية عن طريق بناء هياكل متوازية فى كلماتهم وتعبيراتهم وجملهم .

فى كتابها " دليل الكاتب " تقول دينا هاكر : " عندما تتوازى فكرتان او اكثر ، فانه من الاسهل استيعابهما حينما يعبر عنهما فى فى صيغ نحوية متوازية .

تجب موازنة المفردات بمفردات ، والتعبيرات بتعبيرات ، والجمل الرئيسية بجمل رئيسية ".

يتضح تاثير هذا الاسلوب اكثر ما يتضح فى خطابات المتحدثين العظام ، من امثال مارتن لوثر كينج الذى يقول :

" دع الحرية تصدح من تلال " نيوهامبشير " الهائلة .

دع الحرية تصدح من قمم جبال نيويورك العظيمة .

دع الحرية تصدح من سلسلة جبال بنسلفانيا الشاهقة .

دع الحرية تصدح من قمم جبال الروكى المغطاة بالثلوج فى كولورادوا.

لاحظ كيف بنى كينج نمطا تصاعديا من خلال تكرار الكلمات وهيكلها النحوى ، فى هذا المثال ، بواسطة سلسلة من اشباه الجمل فيها اسم يشير الى الجبال ، وصفة تدل على العظمة .

" استخدم المتقابلات متى استطعت ذلك ، كما ينصح الكاتب شيردان بيكر فى كتابه " الاسلوب العملى " حيث يقول ايضا ان " الافكار المتساوية تتطلب بناء متوازيا " .

بعدما انتهيت من قراءة كتاب " بيكر " عثرت على مقالة من تاليف احد كتابى المفضلين ، جى كى شيسترن الذى الف قصصا بوليسية ، وكتبا دينية ، وكثيرا من المقالات الادبية فى بداية القرن العشرين .

ويظهر اسلوبه الاكثر رصانة البنى المتوازية فى جمله " حاملا عصاى ، وسكينى ، وطباشيرى ، واوارقى البنية ، خرجت متابعا مسيرى الى عظمة المجهول ".

تمضى الجملة السابقة عبر الصفحة بخطى واثقة ، وهى تستند الى بنيتين متوازيتين رئيسيتين : اولهما تكرار استخدام " ياء " الملكية أربع مرات ، ثم زوجى الازواج التى ربطت بالواو .

لقد كان الراحل نيل بوستمان يحاجج بان مشكلات المجتمع لا يمكن حلها بالمعلومات فقط . وقد صاغ حججه فى مجموعة من الاقتراحات المتوازية :
" ان كان ثمة أناس يعانون من الجوع – وطبعا هناك من يعانونه – فليس ذلك بسبب قلة المعلومات .

واذا كانت الجريمة تعيث فسادا فى الشوارع ، فان قلة المعلومات ليست السبب وراء ذلك .

واذا اسيئت معاملة الاطفال وعنفت النساء ، فشح المعلومات ليس له دخل بذلك .
وان كانت مدارسنا غير فعالة والمبادىء الديمقراطية تفقد قوتها ، فليس لذلك علاقة بقلة المعلومات .

اذا كنا مبتلين بهذه المشكلات ، فان السبب فى ذلك هو شيىء اخر مفقود "

من خلال تكراره الجمل الشرطية ، وانهائه اربعا من الجمل المتتالية بتعبير " قلة المعلومات " فان بوستمان يحاكى دقات طبل لغوية ، وفرقة ايقاع للاقناع ..

وفجأة بدأت ارى تلك الانماط المتوازية فى كل مكان .هذا مقطع من رواية " مؤامرة ضد امريكا " للروائى فيليب روث ، فى احدى الجمل الطويلة التى يشتهر بها ، وصف روث حياة الطبقة اليهودية العاملة فى الاربعينيات من القرن العشرين :

" يعمل الرجال خمسين وستين ، وحتى اكثر من سبعين ، ساعة فى الاسبوع . بينما النساء تعمل طوال الوقت ، وبمساندة محدودة من الات العمل الموفرة للوقت ، يغسلن الملابس ، ويكوينها ، ويرقعن الجوارب ، ويقلبن الياقات ، ويثبتن الازرار ، وينقين الصوف من حشرات العث ، ويلمعن الاثاث ، ويمسحن الارضيات ويغسلنها ، وينظفن زجاج النوافذ ، وينظفن المغاسل واحواض الاستحمام والمراحيض والافران ، ويكنسن السجاد ، ويعتنين بالمرضى ، ويتسوقن الطعام ، ويطبخن ويطعمن اقرابائهن ، ويرتبن الخزائن والادراج ، ويشرفن على دهان المنازل واصلاح البيوت ، ويحضرن تجهيزات ممارسة الطقوس الدينية ، ويدفعن الفواتير ، ويحافظن على ميزانية العائلة ، وفى الوقت نفسه يعتنين بصحة اطفالهن وبملابسهم وبنظافتهم وبدراساتهم وبتغذيتهم وبسلوكهم وبتنظيم حفلات اعياد ميلادهم وبتأدبيهم وبأخلاقهم ".

لقد احصيت فى هذه القائمة المبهرة تسعة عشر تعبيرا متوازيا ، بنيت كلها على التعبير الاول " يغسلن الملابس " ولكن هاك سر روث :

ما يجعل هذه الفقرة تنساب كأغنية ، هو التنويع المتفرق فى النمط ، على سبيل المثال ، عبارة " ينظفن المغاسل واحواض الاستحمام والمراحيض والافران "

كان بوسع روث ان يكتب " يعمل الرجال خمسين وستين وسبعين ساعة اسبوعيا " وهى عبارة عن سلسلة من الصفات المتوازية تماما . ولكنه بدلا من ذلك يعطينا عبارة " بل وحتى سبعين او اكثر "

بكسره النمط تمكن من اضافة مزيد من التأكيد على العنصر الاخير، البناء المتوازى المحور يشبه نقر الطبل " بوم بوم بانغ ".
كما نذكر كلنا ، لا يمثل سوبر مان الحقيقة والعدالة والوطنية ، بل يمثل " الحقيقة والعدالة واسلوب الحياة الامريكية " هذان اسمان متوازيان مع تحوير .

مثل هذه المخالفة للتوازى تضيف قوة لخاتمة خطبة لوثر كنج " دع الحرية تصدح من قمم جبال كاليفورنيا الرشيقة " ( هذه عبارة تتبع النمط ) ليس هذا فقط .

دع الحرية تصدح من جبل الصخرة إ دع الحرية تصدح من جبل المراقبة فى تينسى ، دع الحرية تصدح من كل تلة واكمة فى المسيسبى ، من كل جبل ، دع الحرية تصدح " فى جورجيا .

عندما وجه مارتن لوثر كينج بوصلة الحرية ناحية الجنوب الامريكى العنصرى ، احدث تغيير فى النمط ، فقد استبدلت بالطبوغرافية الامريكية العامة مواقع بعينها ارتبطت بالتمييز العنصرى :

جبل الصخرة وجبل المراقبة .اما التغيير الاخير ، فلم تقتصر تغطيته على الجبال المهيبة فقط ، بل وشمل كل مطبة من المسيسيبى .

يفشل كل الكتاب ، احيانا ، فى الاستفادة من البنى المتوازية . والنتيجة بالنسبة الى القارىء تعادل القيادة عبر حفرة على الطريق السريعة .

ماذا لو ان القديس بولس علمنا أن الفضائل الثلاث العظمى ، هى الايمان والامل والزام انفسنا بالعمل الخير ؟

ماذا لو ان ابراهام لينكولن كتب عن حكم الشعب بواسطة الشعب ولكل الامة ، بما فيها الولايات الحمراء والزرقاء ؟

مخالفات التوازى هذه يجب ان تذكرنا بالتوازن المتقن الذى تمتعت به النسخ الاصلية .

والى الاداة الثامنة الاسبوع المقبل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير