الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا والعفريت

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 8 / 28
كتابات ساخرة


في كل مرة أريد أن أكتب فيها شيئا جميلا عن المغرب ، أضع يدي في الحقيبة، لأرفع كومة من الأوراق والملفات التي تعزف لحن سمفونية الأزمات الخالدة والصراعات الطبقية و الأرضية ، وفي محاولة جديدة لتجاوز اللحظة البائسة ، أضغط بقوة على رأسي أملاََ في منحي دفقا من الأفكار الإيجابية حول أحوال المغرب ، لكن الطقس الوطني تأثر بالمناخ العالمي ، فلم يعد المغرب استثناءا ، وإنما جزء من المشكل .


إن الإيمان اليقيني الذي أملكه ، يجعلني أتجاوز أخبار المغرب دون جغرافيته ، لأني لا أملك حتى جواز السفر ، وفرضية إمكانية السفر روحيا عبر الدول أو حتى الزمن ، تجعلني أحلم أنِّي في هذه اللحظة التي أكتب فيها ، لو كنت في مكان غير كرسيي البلاستيكي المشتعل لهيبا بحرارة الشمس التي تجاوزت حد المعقول ، وجاد علي القدر والسماء بأن أعيش الحلم في زيوريخ أو مالمو أوديرهافن ، لكنت أدون عن جمال الفراشات والزهور الربيعية ، و جاذبية الفتاة الممشوقة المنحوتة كلوحة الموناليزا ، لكنت مثل ميغيل دي ثربانتس أو ألبرتو مورافيا ، لن أرجو نفس قدر نزار قباني لأن بيروت لم تعد هي نفسها التي عرفها ، بيروت اليوم لا تلهم قصائد قباني ، أزمة الوقود والغاز والقنابل و الإسرائليين في الجنوب ، توحي أن القيامة على الأبواب ، لو كان شاعر المرأة حاضرا اليوم لكان داعية ديني أو صوفيا زاهدا في الحياة والمعنى في زاوية على القرنة السوداء .


الحلم إنتهي ، أنا في وسط المغرب ، حرارة الشمس و الإنتخابات ، أزمة دبلوماسية مع الجيران ، الأطلنطي لن يوصلني إلى كاليفورينيا ، يمكن أن ألقى مصرعي في برمودا أو برصاصة من جندي البحرية أو بمناشير القرش والقراصنة ، كل هذه العواصف حقيقة ، الفقر ،التسول، الفساد الإداري والمالي ، الإعلام الوطني، البرلمان والحكومة ... .

أرى حشدا من المغاربة يحمل العلم ويعزف النشيد بقنينات الماء الفارغة وبعض الأدوات المنزلية ، يبدو عليهم الفقر من اللمحة الأولى ، كلامهم فارغ ، عباراتهم وشعاراتهم مبتذلة، يحملون صور حاكم المنطقة ، ربما يرجون العفو عنهم لأنهم خرجوا عن حكمه ، أو تمردوا على سلطته . فجأة ، فهمت أنهم سكان الحي ، فلاحون بسطاء اعتادوا ممارسة شعائرهم الوطنية ، يتجمعون في الساحة كل مرة ليفرحوا ،ليتضامنوا ، ليمضوا الوقت ، ليتملقوا ، ليذهبوا للجحيم!!.

في لمح البصر خرج عندي عفريت من القمقم أو القمامة (الحشد) ، وطلب مني التصويت على السيد الحاج الدكتور مولاهم فلان ، فدخلت في سجال مع العفريت .

أنا : هل تعرف مع من تتحدث ؟

العفريت : بلا ، أنت السيد الحاج الدكتور الشريف سيد زمانه المواطن .

أنا : صحيح ، أنا صالح وأحمل بطاقة الهوية ، لذلك لن أصوت لأحد ، لن أستيقظ في الصباح الباكر ، لن ألطخ أصبعي بالمداد ، لن أشهد الزور ، لن أخون الشعب .

العفريت : الحاكم دعا رعيته للمشاركة في التزوير ، عفوا في الإنتخابات ، هل تعصي أمره ؟

أنا : سوف أشرح الحيثيات والتفاصيل لإسرائيل و أميركا وفرنسا ، وسوف يعفونني من التصويت ، أنا لا أصلح لهذا العمل .

العفريت : صوت على الحاج مولاي فلان ، سوف يشيد لكم مدرسة ومعملاََ وبستانا ؟

أنا : لا أحتاج لمدرسة ، لقد حصَّلت شهادة الوفاة من الجامعة ، ولا أحتاج لمعمل رأسمالي يَهدُّ صحة العاملين ويستهلك وقتهم ويقتل جمال الحياة في الريف السويسري أو على شط المالديف . لا أريد بستانا ، لأنكم سوف تمنحون بعد نجاحكم في الإنتخابات رخصة لشركة العقار لتحويله إلى مقر للشرطة أو مستشفى للمجانين .

العفريت : وماذا تريد إذن ؟

أنا : أريد أن تغرب من أمام وجهي ، أن تفسح لي الطريق ، عندي موعد مهم مع طست القهوة ومؤلفات حسن أوريد ، المهدي المنجرة ، نعوم تشومسكي ،بوشكين ،تشيخوف، و سارتر ... .

العفريت : هل تعلم السلطة بوجودهم ؟

أنا : طبعا ، السلطة تعرف كل شيء ، حتى مقياس الحذاء الخاص بهم ، لقد منعت المنجرة من كثير من محاضراته التي كانت ستفيد البشرية وليس الحاضرين فقط .

العفريت : أنا لا أعرف أحدا منهم .

أنا : ومن تعرف إذن ؟

العفريت : أعرف كل سكان الحي وكل شيء عنهم ، حتى مكان صحون الطاووس و دزينة الكؤوس المخصصة للضيوف في المطبخ .

أنا : ويحك ، ألا تعرف المهدي المنجرة ، قيمة القيم ، حوار التواصل ، الحرب الحضارية ؟

العفريت : لقد اشتغلت مخبرا ، و أنا الاَن سأصبح نائبا في البرلمان ، لا يهمني المنجرة وكل من ذكرتهم ، أنا أمِّيّ ، لكني مخبر ، وسأغدو مسؤولا كبيرا في الدولة ، لا يهمني ما يقوله أوريد ، لأني لا أفهم ما يكتبه .

أنا : ماذا ستفعل في العلاقات مع الجارة الشرقية ؟

العفريت : سوف أحتج ، أصرخ ، أكسِّر ،سوف أحمل معي صندوقا من الموز إلى داخل البرلمان الإفريقي ، و أمضي الوقت في هضمه وبلعه لكي يحرق الأعداء الأرَّم .

أنا : إسبانيا غاضبة من المغرب ، ما خطتك لحلحة الأزمة ؟

العفريت : سأزور إسبانيا للسياحة ، إنَّ كل أبناء المنطقة يعيشون في ألميريا وأليكانتي ومالقة ، إسبانيا هي الحلم وهي البلد الذي سأعيش فيه بعد البرلمان . خطتي عظيمة لحل الأزمة ، سوف أحتج ،أصرخ، أكسِّر، سوف أترك الاَلاف من المغاربة يقتحمون الحدود ، سوف يطلب منا فريق ريال مدريد النجدة ، لكن أنا أحب فريق برشلونة ، سوف نعيد الأندلس .

أنا : حسنا ، إذا أرادت دولة أن تتاَمر على المغرب ، ماذا ستفعل ؟

العفريت : سوف أفتح المساجد ، وسوف تقدم وزارة الأوقاف للخطباء و الأئمة مذكرة تحثهم فيها على الإستشهاد باَيات من سورة الأنفال والتوبة ، بدر وحنين ، السيد قطب ، محمد بن عبد الوهاب ، ابن تيمية ... . سوف أدعو الشباب لإعفاء اللحية و الإقتداء بالسلف .

انا : ثم ماذا بعد ؟

العفريت : سوف يتذرعون لله لحل الأزمة ، إن الله لا يصلح ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم!! .

أنا : إنك فعلا دكتور في السياسة دون شهادة من تابوت المدرسة . لكن ماذا حول الحاج و مولاي ؟

العفريت : الحاج هي شهادة النزاهة والصدق ، ورقة عدلية تفيد عدم السوابق ، أما مولاي ، فتعني أني أنتسب لعائلة عريقة في المغرب . أنا لم أعلق هذه الألقاب علي كنجمة لرد العين ، الشعب من أعطاني إياها .

أنا : كيف ذلك ؟

العفريت : لو صارحت الشعب وقلت له أني من عائلة تنحدر من دور الصفيح ، فكيف أحصل على مقعد في فاس أو الرباط ؟

أنا : ما هو اسم حزبكم ؟

العفريت : حزب الغد .

أنا : أي غد ؟ وماذا عن اليوم ؟

العفريت : اليوم هو الإنتخابات ، أما الغد فهو أن أحصل على مقعد في البرلمان ، ثم لا يهمني بعدها غد ولا أمس ولا تاريخ البشرية كله .

أنا : ما هو رمز حزبكم :

العفريت : النجمة .

أنا : النجمة الخماسية في علم المغرب ؟

العفريت : لا ، إنها سر ، إنها نجمة داوود .

أنا : لماذا تختارونها ؟

العفريت : أعطيني صوتك وسوف أخبرك بالسر ؟

أنا : لن أصوت على أحد ، ولا يهمني السر ، ولا المؤامرة ، ولا هرمجدون ، ولا الماسونية .

العفريت : ماذا تريد إذن ؟

أنا : أريد أن تغرب من وجهي فلدي موعد مع كتاب قيمة القيم الذي لن تفهم منه شيئا ، وحوار التواصل لأنك أمي في السياسة ، ومسار الفكر ، لأنه ليس لك شيء من هذا كله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير