الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العروبة: والمستعربون؟! ..و.. الاسلام: المتأسلمون!!؟؟ (الجزء الأول)

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2021 / 8 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن هناك أزمة انحدار مركبة تواجهها وتعيشها معظم الأفكار والتنظيمات الحداثوية ـ أي المنتمية إلى العصور الحديثة ـ اليوم في العالم اجمع ، وبالأخص منها الأفكار والتنظيمات اليسارية والعروبية التقدمية ، يرافق هذا الانحدار صعود صاروخي للأفكار والتنظيمات والمنظمات التقليدية الدينية والعنصرية والفاشية في عموم العالم ، مع صعود مماثل لليمين القومي الفاشي المتطرف لأفكار ومنظمات العنصرية البيضاء في عموم أوربا وأميركا الشمالية!

ومعروف أن الافكار الحية في حوارات دائمة مع نفسها ومع غيرها أخذاً وعطاءاً ، وعلى هامشها تتوالد باستمرار أفكار جانبية كثيرة ، بعضها سلبي الآخر إيجابي.. فالإيجابي منها يبقى ويستمر ويقوي ويجذر بنية الفكر الاساسية لأنه نسغ من شجرتها الأصلية ، في حين أن السلبي منها يشكل حالة هدم وانحراف عن جوهر الفكرة الأصلية!
وفي بعض الحالات تشكل هذه الظواهر السلبية حالة بديلة مزيفة (للفكر أو للعقيدة الأصلية) لتقوم مقامها وتدعي تمثيلها لها ، كــ [الإسلام السياسي] الذي يدعي تمثيله لجوهر الاسلام الصحيح مثلاً:
وكما نعرف فإن الإسلام دين سماوي تعتنقه مليارات من البشر ، لكن الاسلام السياسي ـ أو المتأسلمون جعلوا من الدين مطية لمصالحهم السياسية والخاصة ، ويوظفونه لأغراضهم السياسية ومنافعهم الشخصية ، فينحرفون به عن وظيفته الروحانية الاساسية ورسالته الاجتماعية والاخلاقية!
وعلى طريقة هذا التوظيف نفسها يمكن أن تجد مثل هذه الظاهرة السلبية في كل دين ومذهب وعقيدة دينية ، أيضاً يمكن أن تجدها في وفكر دنيوي أو في تنظيم سياسي:
وبهذا المعنى يمكنك أن تجد :
في [العروبة... مستعربون].. وفي [الماركسية .. متمركسون] .. وفي: [اللبرالية .. متأربلون].....الخ ، يقومون بنفس الدور السلبي الذي قام ولا زال يقوم به (المتأسلمون في الاسلام) وتوظيفها لمصالح سياسية أو شخصية ، وهذه الاشكالية هي التي أوحت إلي بفكرة هذا المقال!
*****
ولأننا ـ وهنا سأتكلم كعروبي ـ نعيش وسط مثل هذه الأزمة المركبة ، فقد ظهرت في أوساط العروبيين أيضاً جماعات يمكن أن نسميها (مؤقتاً) بــ [جماعات المستعربين] ، وهي جماعات مشابهة [لجماعات المتأسلمين] ويؤدون في (العروبة) نفس الدور السلبي التخريبي الذي أداه ويؤديه [المتأسلمون] في [الاسلام]!
وقد أشاعت هذه الجماعات المستعربة ـ كما اشاع المتأسلمون قبلهم ـ بعض المفاهيم والسلوكيات والمصطلحات والاصطفافات ...الخ الغريبة جداً عن جوهر العروبة الانساني والنضالي التقدمي ، فأنتجت مردودات سلبية على كل صعيد فكري أو مواقف أو اصطفافات سياسية أو عملية .. فمثلاً: يمكنك أن تجد اليوم الكثيرين :
ممن يدعون العروبة : لكن الكثير منهم قد اتخذوا مواقف طائفية بحتة والبسوها لباساً عروبياً مهلهلاً ، متناقضين في هذا مع أهم مبدأ من مبادئ العروبة وجوهر فكرها الانساني.. الذي يقول:
 إن العرب أمة واحدة ، بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة والجغرافية والخلفية العرقية أو الاثنية.....الخ فكيف يمكن مثلاً أن يبقى عروبياً: من يقسم أمته إلى طوائف متعددة وبعضها متقاتلة ، ويصطف مع طائفته لمقاتلة طوائف أمـــتــــــه الأخرى ، وفي الوقت نفسه يدعي بأنه عروبي ، دون أن يشعر بالتناقض الذي وقع فيه ، وجعله يتصادم مع روح وجوهر الفكر العروبي الذي آمن به؟! وكما تجد مثل هذه الحالة البائسة عند عروبي .. كذلك يمكن أن تجدها:
 عند "أمــمــي : " يؤمن بأخوة الانسانية ووحدتها جمعاء ، لكنه يقع في نفس هذا المطب الطائفي ، وكذلك يمكن أن تجد ليبرالياً لا يختلف عن الاثنين كثيراً في طائفيته!!

وبلا أدنى شك إن هذه معضلة كبيرة وحالة غريبة تمثل اشكالية كبيرة ، تدلل على مدى هشاشة الإيمان عند مثل هئولاء بعقائدهم التي يدعون الايمان بها ، لكن في الحقيقة وموضوعياً: أن هئولاء لا زالوا يعيشون في عصور [الدين والمذهب والطائفة والقبيلة] ولم يرتقوا إلى (فكرة الوطن والمواطنة بعد) ولم يدخلوا إلى العصور الحديثة أساساً!
فهذه المعضلة بحاجة إلى الوعي بها ثم محاولة ايجاد حلول جذرية لها ، تتبناها مختلف التيارات الفكرية والسياسية المختلفة في الوطن العربي!

ومقالنا هذا: [العروبة والمستعربون ..و.. الاسلام والمتأسلمون ] يحاول أن يفتح باب معالجة هذه الاشكالية عند العروبيين اليوم ، إشكالية من يدعي الايمان بفكر وعقيدة عروبية ، لكن سلوكه ومواقفه مناقضة لها على طول الخط.. ومن الواجب ـ كما أعتقد ـ على جميع التيارات السياسية والفكرية في الوطن العربي ، الانتباه إلى هذه الاشكالية ومحاولة معالجتها .
*****
وبلا أدنى شك إن هذه الاشكالية قد شكلت عند الكثيرين وأنا منهم هاجساً ومعضلة ، منذ أن ظهرت (الفتنة الطائفية) في العراق بعد الغزو الأمريكي ـ وبتخطيط منه ـ ومنذ أن عممت هذه (الحالة الطائفية) على كثير ـ وبدرجات مختلفة ـ من الاقطار العربية والاسلامية!
فقد رقص البعض من عروبيي العراق على الطبل الطائفي الأمريكي ورقص معهم الكثير من (العروبيين) في بمختلف الاقطار العربية أيضاً ، وانخرط جميعهم (بدبكة طائفة امريكية المنشأ) وانخرطوا في سجالات وعراك وبعضهم في حروب طائفية فعلية وبعد الأزمة السورية بالخصوص.. وبعد هذه الأزمة السورية اختلفوا على كل شيء وعلى كل قضية وانشطروا شطرين وتعسكروا معسكرين ، لكل منهم أرائه وقضاياه وتصوراته واجتهاداته في كل قضية عربية ، وخاصة على سورية وقضيتها ونظامها السياسي والموقف منها وعما يجري فيها ، حتى أصبحت (مركزاً وبؤرة) لأغلب الخلافات والاختلافات النوعية بين الكثير من (العروبيين)!

إن تفاقم هذه المعضلة وتراكمها والبحث عن (توصيف أو مصطلح) شامل يستوعبها قد شغل الكثيرين مثلي ، وجعلهم يتوجهون إلى قراءات وتحليلات لزعماء عرب واجانب واجهوا مشاكل مماثلة في بلدانهم ومشابهة لما نواجهه نحن اليوم ، وكانت سورية التي واجهت ولا زالت تواجه الفناء ، وكانت خطابات الرئيس السوري بشار الأسد ـ بغض النظر عن رأي البعض فيه ـ في القضية السورية شأن كبير ، وخاصة لخطابه الأخير في (2021-5-26) بعد فوزه بولاية رابعة اهمية خاصة ، في بلورة فكرة وجود (مستعربين وليس عروبيين) في التيار العروبي ، فقد أكد الأسد فيه على ثوابت سورية الوطنية والقومية وحقها في تحرير أراضيها المحتلة ، وفي مناصرتها للقضية الفلسطينية ودعمها المقاومة العربية في كل مكان......الخ!

فقد كان لهذا الاصرار السوري على المبادئ بعد أن واجه الفناء ، وبعد أكثر من عشر سنوات من حرب كونية شنتها عليه ستون دولة ، بينها دول عالمية أكثر من عظمى ودول عربية واسلامية وجيوش تكفيرية ومخابرات واعلام عالمي وعربي فعال.......الخ شوه جميع الحقائق ، ولكنه ورغم كل هذا بقي الأسد وشعبه وجيشه ولا زالوا صامدون وثابتون على نفس المبادئ ، التي شنت الحرب على سورية من أجل تغيرها!

فهذه الحالة السورية و (بشار الأسد) إذا ما قارناها مع حالة (أنور السادات) ، الذي لم يحارب إلا لأيام معدودات ، وكانت مصر هي المنتصرة في هذه الحرب ، لكن السادات أوقف الحرب واعلن استسلامه الكامل للصهاينة والامبرياليين الأمريكيين بـــ "كامب ديفيد" .. فإذا قارنا هاتين الحالتين ببعضهما ، نجد فرقاً فلكياً بين الرجلين ، في حين أن الاثنين ـ الأسد وأمثاله ، والسادات واشباهه ـ يدعيان الــعــروبــة:
فهل هناك عروبتان .. أم هناك صنفان من العروبيين؟؟
أم هناك عروبي حقيقي وعروبي مزيف؟؟
وفي هذه المواقف ، أين من الرجلين: العروبي الحقيقي وأيهما المزيف: بشار الأسد أم أنور السادات؟؟

وبلا شك أن هذه الحالة تحتاج لفرز بين الصنفين والعروبتين وتوصيف لكل من الطرفين ، وانهاء هذا الخلط البائس العجيب بين صنفين متناقضين ، فهذا الخلط الموجود اليوم بين المسميات والتوجهات الفكرية والسياسية والإيديولوجية في عقليتنا العربية ، لا يعطي أية علامة مميزة لصدق مدعي العروبة أو لزيفهم .. فهو يسمح لأشخاص.. مثل :
جمال عبد الناصر ، ومعمر القذافي ، وهواري بومين وبن بيلا والأسد...........الخ أن يدعوا بأنهم عروبيون!!
وفي الوقت نفسه يسمح لملوك السعوديين وآل نهيان ومشايخ الخليج وانور السادات وصدام حسين والسيسي .........الخ أن يدعون أيضاً بأنهم عروبيون!
فمن إذاً العروبي الحقيقي بين هئولاء جميعهم ومن هو العروبي المزيف بينهم ؟

الحقيقة إن هذه الحالات المتناقضة والكثير من أمثالها قد أوحت جميعها إلي بتوصيف للنموذجين أو للنماذج اعلاه .. أي :
لعروبة : جمال عبد الناصر وبشار الأسد (في مبدئيتهما وصمودهما) ولاتباعهم ومناصروهم على الساحات العربية.!
ولعروبة : أنور السادات وملوك السعوديين وآل نهيان وأمثالهم (في تبعيتهما المطلقة وخنوعهم للغرب الامبريالي والصهيونية العالمية) ولاتباعهم ومناصروهم على الساحات العربية..
*****
فمن هذا التفريق بين النموذجين ، قد تولد لدي (توصيف) أو (شبه مصطلح) ـ ولنسمه مصطلحاً على سبيل المجاز ـ يفرق بين هذين الصنفين والمضمونين والمسميين العروبيين ، ومعهم أيضاً اتباعهما وجماهيرهما على الساحات العربية .. والمصطلح الجديد هو:
[الــعــروبــة.. والــمـســتــعربـون] .. بنفس معنى [الاسلام.. والمتأسلمون] لأن الأخيرين يؤديان نفس الدور التخريبي في العقيدتين:
فــ [العروبة العروبيون] : مَثلها ويمثلهما ، كما اثبتت وقائع الواقع العربي برمتها الصنف الأول من النموذجين .. أي:
جمال عبد الناصر وابو مدين والاسد...الخ وجماهيرهم على الساحات العربية ، وأمثالهم من القادة والزعماء العرب ، والمقاومون العرب في كل مكان!
أما [المستعربون] : فمثلهم ويمثلهم الصنف الثاني من النموذجين .. أي:
أنور السادات وملوك السعوديين ومشايخ الخليج والامارات....الخ وامثالهم على الساحات العربية ، من القادة والرجعيين وخدم الاستعمار والمستسلمين و "المطبعين" العرب.. فهم يكونون معسكراً واحتيطاً مالياً وبشرياً للصهيونية والامبريالية العالمية!
*****
وبهذا الفرز وهذا المصطلح يمكننا أن تفكك عقد الخلط بين جميع المفاهيم والقيم والمبادئ التي:
تجمع (العروبيين) في معسكر واحد معروف القيم والمبادئ والتوجهات والأهداف!
وتجمع (المستعربين): في معسكر آخر مقابل لهم ، وهو أيضاً معروف القيم والمبادئ الأهداف والتوجهات!
*****
لكن كيفية التفريق بين هذين النموذجين وهذين المعسكرين: [العروبيون.. والمستعربون]؟؟
إن معرفة قيم (العروبة) ومبادئها واهدافها هي الدليل الهادي والبوصلة المؤشرة على كل منهما ، فمن اتفق رأيه وعمله مع تلك الاهداف والقيم والمبادئ كان (عروبياً) ومن اختلف معها وخالفها فهو (مستعرباً)، وإن ادعى بأنه عروبياً!
فما هي إذاً تلك القيم والاهداف والمبادئ (العروبية) ............؟؟

(يــــتــــبـــــــع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي