الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة2 /2

داود السلمان

2021 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل زيارته غير المرحّب بها لي، أي اللعين كورونا، بثلاثة اشهر كنت قد قررت أن اعيد قراءة اعمال دوستويفسكي البالغة ثمانية عشر مجلدًا، وقد قرأت اقل من نصفها قبل أن اصيب بهذا الفايروس.. وانا على فراش الالم اقاسي العذاب، كان دوستويفسكي هو الضيف الوحيد المرحب به، اذ لم يبرح مخيلتي بل كانت صورته بذقنه الطويل الابيض قبالتي، وانا انظر الى تلك المجلدات البنية اللون، وكأنني أحد الشخصيات التي كتب عنها هذا الروائي الكبير، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: كشخصية فيلتشانينوف في "الزوج الابدي" او شخصية ناستينكا في "الليالي البيضاء" أو شخصية "براسكوفيا" الفتاة الطيبة الجميلة في "المقامر" او حتى شخصية الامير موزغلياكوف، في رواية "حُلم العم" والذي اردت ماريا الكسندروفنا، ان تنصب عليه كي تزوجه بابنتها الفتاة الجميلة بهدف أن تستولي على املاكه ومقتنياته، لأن رجل قد تجاوز الستين عامًا، ثم انه يعيش بمفرده بعد ان توفيت زوجته منذ امد بعيد فهو يعيش مع خادمه المطيع، لكن آمال الام قد خابت في النهاية حيث لم يتم ذلك الزواج، الامر الذي قد جعل من الام، بعد اكتشاف امرها، أن تغادر المدينة تحت جنح الليل بمصاحبته ابنتها وتعيش بعيد عن تلك الاحداث، مع ابنتها التي كانت قد رفضت فكرة الزواج من اساسها، وانتقدت والدتها بشدة، ولم تخنع الى غوايات امها الطموحة.
هذا الشخصيات كانت هي عزائي، لأنني انقطعت عن التفكير بعض الشيء، فالفايروس قد جعل بيني وبين أمور أخرى حاجز من ضبابية، الا اعمال دوستويفسكي لأنني قطعت على نفسي عهدًا أن اقرئها بتمامها، قراءة ثانية، أي أن اقرأ دوستويفسكي، هذه المرّة، اقرأه كفيلسوف وعالم نفساني ومصلح اجتماعي، لا كأديب روائي. فكان الالم الذي صوره هذا الروائي الكبير على لسان احد شخوصه، وهو يعاني الم السن، وهذه الشخصية كما صورها دوستويفسكي قد تعايشت مع الم السن، حيث استثمر هذا الالم ايجابيًا، فهذه الفكرة افادتني بعض الشيء، أو قُل حاولت ان أخدع نفسي بهذه الفكرة التي ابتكرها هذا الروائي الكبير من بنات افكاره، فلا انكر بأنني خدعت بها نفسي حقيقة فجاءت نتائجها ايجابية، او استطيع أن اعلم القارئ النبيل، بأنني كنت في حالة من الارباك والهذيان والوضع النفسي المتشظي، والحال البائسة التي امر بها.
لماذا نخاف الموت، طالما أن مصيرنا سيؤول حتما الى ذلك؟. قبل اكثر من 25 عامًا كنت اخاف الموت وارتعد منه حين يخطر على بالي، وهذا حال ملايين الناس، وهو ليس بالشيء الجديد، لكن بعد أن دخلت في عقدي السادس، وكذلك من خلال تجاربي في الحياة، والاهم من ذلك هو تعمقيّ في الفلسفة، وانحيازي الى بعض التجارب الصوفية لكبار المتصوفة كتأثير: من المسلمين ومن غيرهم، وخصوصًا في الديانة الهندوسية، فالهندوس هُم من افاض على معظم المتصوفة بفكرة التصوّف، لأن تاريخ الديانة الهندوسية يربو على الستة آلاف سنة، بمعنى انها ديانة قديمة لا تؤمن بالعنف بقدر ما تؤمن بالتسامح والمحبة، وتسعى الى نشر الخير والسعادة، عن طريق التأمل والفناء بالمعبود، ونبذ كل ما هو يسعى الى تدمير الانسان، من الداخل او من الخارج، بل تسعى الى اصلاح الانسان وجعله بمثابة الاله، لذلك نجد الهندوسية والبوذية تقدّس كل ما هو حي، وترى أن روح الانسان بعد الموت، تنتقل الى بعض المخلوقات الاخرى.
كورونا تجربة شخصية، اعتبرها مفيدة، رغم حجم الدمار الجسدي والنفسي والمعنوي، وبعد تجربته معه استطيع القول أنه جعلني أن اعيد النظر في كثير من القضايا والتجارب الشخصية: النفسية والفكرية والفلسفية، وأن اتأنى قليلا قبل اتخاذ القرارات السريعة، التي قد اندم عليها فيما بعد لتسرعي، وعدم اعطاء نفسي فرصة للتفكير، او لشيء آخر من هذا القبيل. والسبب سنح لي هذا الفايروس ببعض التفكير وبعض التأمل واعادة النظر ببعض القضايا التي لم انوه عليها، بل استطيع أن اقول ان كورونا كان بمثابة الصعقة الكهربائية، التي جعلت مني أن اوغل في التفكير بقضايا الحياة، والتي وصفها البعض بالعبثية كما قلنا بداية هذا المقال، والحقيقية هي ليست كذلك طالما نستطيع أن نساعد الناس، ونسعى الى اشاعة روح التسامح، وان ندل البعض الى طريق الخير لما فيه بث السعادة في قلوب من يستحقون ذلك.
المشهور عن الفيلسوف الالماني الكبير عمانويل كانت، انه كان يقول: إن ديفيد هيوم قد ايقظني من سباتي الدوغمائي- الايقاني. وانا اقول أن كورونا قد ايقظني من امور كثيرة في حياتي، لأن تجربتي مع كورونا دامت بحدود الشهر الا ايام قليلة جدًا، وقد قضيتها ببعض التأمل والخلو مع ذاتي، خصوصًا بعد تماثلي للشفاء.
ربما يسئل سائل: من خلق الفايروسات؟ ومنها كورونا كمثال. هل هو الله أم الطبيعة، أم تجربة الحياة التي جاءت بهذا الشكل؟. فاذا كان الله- والجوب للسائل- لماذا خلقنا ثم خلق معنا خصوم تناصبنا العداء وتدور بنا الدوائر، وما هو الهدف أو الغاية من ذلك؟. او اذا كانت هي الطبيعة من خلق الفايروسات؟. فماذا تريد مننا هذه الطبيعة، وهل ضايقناها في شيء.
والحقيقة، انا لا أدري، ولم أمتلك الجواب لهذه الاسئلة الفلسفية او الوجودية، وانما كانت غايتي من طرحي هذه الاسئلة هي بهدف مشاركة القارئ الكريم معي الرؤية، فحسب. واكيد ان للقارئ جواب أو اكثر من جواب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث