الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربتي مع كورونا- مقال ذاتي لا يخلو من فلسفة1 /2

داود السلمان

2021 / 8 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جئنا الى الحياة عن طريق الصدفة، الصدفة فحسب، فهي التي اختارتنا، ولم نختر الحياة بمحض ارادتنا، حيث جئنا للحياة، وأننا فاقدي الارادة. ولم يكن، ايضًا، الاب والام هما اللذان اختارا هذا المجيء المخصوص بنا، بل ولم يفكرا بنا في لحظة من اللحظات. الصدفة هي وحدها التي اختارت ذلك، بمحض ارادتها. الاب ينط على الام في عملية بايدلوجية معروفة، هي سنّة الحياة، كما يحلو للبعض أن يفسرها، أي تفسيرا وجوديًا؛ فنحن ولُدنا كتحصيل حاصل لتك العملية التكاثرية، وحتى الشكل والرسم الهندسي لتقاسيم اجسادنا وملامحنا، هي الصدفة التي حددت ذلك سلفًا؛ وعينت ذلك مع سبق الاصرار. اما اختيار الاسم والمعتقد والاتجاه الديني فهو الذي اختاره الاب والام معًا، وشارك فيه المجتمع والمدرسة ورجل الدين، وسرنا على نهج ذلك الاختيار طائعين مسيرين، نستلم الاوامر عن طوع خاطر، وليس ثمة اختيار لنا.
ومنه، يحلو لبعض المفكرين والفلاسفة، ومنهم البير كامو، أن يحكم على الحياة بأنها "عبثية" حيث لم يكن لنا نحن البشر ثمة اختيار(سلبي أو ايجابي)، او اخذ وجهتنا قبل أن نحل كضيوف في ربوع هذه الحياة، إذ ربما أن نرفض هذا الوجود أو الحضور مجبرين، لا سيما إذا عُرضت لنا صورة فوتوغرافية رُسم فيها لنا ملامح مصيرنا ومستقبلنا، ودورنا في الحياة التي من المؤمل أن نعيشها، بحلوها ومرها، بأفراحها واتراحها، وعلى المنغصات التي ستكتنفها، وعلى مجريات الحياة التي سنعيشها ونتحمل مصائبها ومراتها، فلربما قد نرفض أو ربما قد نوافق، لا ندري.
تواجه حياتنا الكثير من التحديات، التي تدفع بالاتجاه المغاير لمجريات هذه الحياة، واقصد بالمغاير هي المنغصات والمشاكل الاخرى التي تكتنف الحياة نفسها، وتجعل من هذه الحياة صعوبة ومسوغات غير لائقة بعيشها، من حيث المرارة والالم والتحدي؛ ومنها الامراض المختلفة، والمصير المجهول الذي تخلفه تلك الامراض التي تفتك بالجسد الانساني الضعيف، ضعيف قياسًا الى شدة تلك التحديات وافتراسها لذلك الجسد، الذي قليلا ما يصمد امام شدة وبطش تلك الامراض المختلفة، والفايروسات التي هي بالآلاف وربما بالملايين، وهذه الفايروسات معظمها لا يرى بالعين المجردة، بل يرى من خلال مكبرات خاصة، تكبّر حجم الفايروس ملايين المرات. وكل تلك الفايروسات هي عدو لدود للإنسان، تشن عليه حروب ضروس خفية لا تظهر له ولا يعلمها الا بعد أن تبان علاماتها، وذلك من خلال الفتك الظاهر على ملامح ومحيا الانسان، وظهور تغيير واضح على شكله الداخلي وشكله الخارجي، ويبان الهزال والضعف، وتدني الحالة الصحية للإنسان، حين ذاك يتبين أن الانسان ها قد وقع فريسة سهلة لتلك الامراض والفايروسات الخطيرة، كالسرطانات والامراض الاخرى المستعصية المميتة.
وكما قلنا سلفًا، وحدننا بعض هذه الامراض والتحديات الاخرى للإنسان، من فايروسات وغيرها من تلك المخاطر الجسيمة، التي هدفها القضاء على الانسان من خلال شن حروب معلنة واخرى غير معلنة، وبالتالي ستقضي على الانسان شاء ذلك أم رفض. كفايروس كورونا، هذا الفايروس اللعين الخبيث، الذي ظهر قبل اكثر من عام وانتشر في كل بقاع العالم، حتى حصد ملايين من الناس، وخصوصًا كبار السن من الذين يعانون من بعض المشاكل الصحية.
وعلى اعتباري أحد الاشخاص الذين وقعت فريسة سهلة بفم هذا الفايروس، وكاد أن ينهي حياتي ويقضي علي بلمحة بصر، لولا التفاتة ربانية أو محض صدفة أو غير ذلك، لكنت من الغابرين المُودعين للحياة وانا الى ساعتي هذه لم افقه شيء عن الحياة، حالي حال ملايين الناس من فلاسفة ومفكرين وعلماء، وحتى أناس بسطاء، لأن الحياة هي نفسها لغز محيّر غير واضحة المعالم، ولم تفصح عن اهدافها وعن غايتها وعن مكنونها البتة.
المهم، الالم الذي ذقته وتجرعت مرارته، وعايشته بنفسي عن كثب، لا يمكن أن اصفه بالدقة الصحيحة المطلوبة، لأن ذلك في الصعوبة بمكان، وهو تجربة شخصية خاصة، لا يدرك مداها الا من محض ذلك الالم محضًا، وذاق تلك المعاناة الفتاكة بلسان الواقع الذي رسمته له تلك الصدفة التي جاءت بذلك الفايروس وجعلته أن يدخل ذلك الجسد النحيل حتى صار يعبث به كيف ما يحلو له أن يعبث، من دون اعترض او حتى رفض، وانّى للإنسان الضعيف أن يعترض على فايروس بحجم كورونا الذي حيّر العالم برمته حتى عجز الجميع عن ايقافه أو القضاء عليه. وانا اكتب هذه السطور وثمة آلاف من الناس واقعة تحت رحمته، وتعاني من آلامه ومن عذابه.
لا توجد ثمة كلمات ومفردات ادبية او فلسفية يمكن لي من خلالها أن اوصف مرارة الالم وشدته، بحيث توصل كما هي وتدرك غايتها، الا الذي وقع تحت طائل ذلك الفايروس، وخضع لأوامره، فهو وحده من يشاركني الالم، ويدرك مدى المحنة التي مرّت بي كتجربة مريرة صعبة الهضم، حيث ساعتها تمنيت الموت كي اتخلص من تلك الطعنات التي تشبه طعنات الخناجر لجسد ضعيف نحيل، ولروح لم تتعود الآلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيبا على مانشره الكاتب داود السلمان حول كورونا
زهور العتابي ( 2021 / 8 / 28 - 21:25 )
بداً اقول الحمدلله على سلامتكم أخي من هذا الفايروس اللعين ..تعقيبا لماطرحت اقول نعم كورونا اخطر مما نتصور وكل ماجاء على لسان العلماء والباحثين لم يكن بالمستوى المطلوب …لم يحدثنا احدهم عما يسببه هذا المرض من مضاعفات وكيف انها تختلف من شخص لاخر .أنا مثلا فقدت زوجي العزيز نتيجة كورونا والغريب ان نسبة الأصابة كانت 20 بالمئة فقط الذي حدث انه بعد تماثله للشفاء تماما والتحرر من قنينة الاوكسجين عانى الأمرين ..طوال شهرين لم ينم ليله وحتى نهاره (والاه بصوت عالي لاتفارقه ابدا) كنت اساله هل هناك مايؤلمك فيقول لا ..اذن لما هذا الصوت العالي و.و .يرد بالحرف الواحد ( والله ما ادري ) أقسم صادقة ان معدل نومه في ال24 ساعة ساعتين لاغير وابني الطبيب مع اطباء الاختصاص طبعا كان يتابع حالته..كل انواع المهدئات لم تجعله يهدأ قليلا وينام !! وسرعان ماتدهورت حالته رحمه الله وفارق الحياة ..الى الان أتسائل مالذي حل به وبدماغه !؟ ولا اجد جوابا شافيا لهذامع العلم انه كان نشيطا وليس بالكبير جدًا..عذرا على الأطالة لكنه حدث الساعة والخطر الاكبر الذي يواجه العالم ولاندري ماذا يحمل لنا من جديد … تحياتي

اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع